خاص شفقنا-فرض الله تعالى الحج على من استطاع إليه سبيلاً, وجعله من الأركان الأساسية للإسلام، وللحج رمزية روحية كبيرة والكثير من الآثار الاجتماعية الإيجابية، المتمثلة في اجتماع المسلمين، وتوحيدهم كلمة التهليل واللباس وفيه العيد الاكبر للمسلمين والذي يضم معاني التضحية والوحدة، فالحج يعتبر مؤتمر إسلامي يجمع مئات الآلاف من المسلمين كل عام من مختلف دول العالم على ارض واحدة، ولكن في ظل ما يشهده العالم الإسلامي من حروب وتشرذمات وتداخل السياسة بالدين، فرضت الأحداث في العالم نفسها على هذه الشعيرة المقدسة وزجتها في زواريب الصراعات السياسية بين الدول.
أحداث كثيرة رافقت مواسم الحج وتداخلت مع الجو المشحون ما أدى الى تصاعد حدة التجاذبات والاتهامات بين السعودية المملكة المشرفة على مناسك الحج وبين ايران وبعض الدول الذين اتهموا السعودية بسوء التنظيم والتقصير وطالبوا بتدويل هذا الموسم.
في البداية لا بد لنا من عرض سلسلة من ابرز الحوادث التي وقعت في بيت الله الحرام والتي أدت في حينها الى اتهامات وصلت حد قطع العلاقات بين الدول المعنية:
1987 مقتل 275 من الحجاج الإيرانين
في العام 1987 قامت قوات الأمن السعودية بالتصدي لتظاهرة قام بها حجاج ايرانيون في مكة رفعوا خلالها شعارات سياسية مناهضة لاميركا واسرائيل، مما ادى الى مقتل 402 شخص، منهم 275 حاجاً إيرانياً، و42 حاجا من جنسيات أخرى، و85 رجل امن سعودي.هذه الحادثة أدت الى ازمة حادة بين الرياض وطهران.
1989 اعتداء مزدوج على المسجد الحرام
في العام 1989 أدى وقوع انفجارين بالقرب من المسجد الحرام في مكة المكرمة إلى مقتل شخص وجرح 16 آخرين ووجهت السعودية التهمة إلى 16 كويتيًا شيعيًا بالوقوف وراء الاعتداء ونفذ حكم الإعدام فيهم في 21 سبتمبر1989.
1990 حادثة نفق المعيصم
في موسم حج عام 1990 وقعت حادثة نفق معيصم الشهيرة في يوم عيد الأضحى وأدت إلى وفاة 1426 حاجاً من مختلف الجنسيات نتيجة تدافع الحجاج والزحام بينهم.
وبرغم اتهام بعض الأطراف السعودية الإيرانيين بإطلاق غازات سامة، فإن السلطات السعودية حينها لم تتهم أحداً، وقالت إنه مجرد “حادث عرضي”.
2015 حادثة منى
حادثة تدافع منى وهي الاكثر دموية منذ ربع قرن والتي اشارت التقارير الى وقوع اكثر من 1500 ضحية اغلبهم من الحجاج الايرانيين من بينهم شخصيات ايرانية بارزة, اضافة الى مفقودين، ازدحمت التصريحات وضجت وسائل الاعلام المحلية والعالمية بالحدث، فطالبت بعض الدول بتدويل المناسك لكن السعودية رفضت هذه الدعوات واعتبرت بأن الإشراف على الحج مسألة سيادة وشرف وخدمة.
وبقيت ترددات حادثة منى حتى بداية هذا الموسم اي موسم 2017 بعدما قاطعت ايران موسم 2016 متهمة السعودية بوضع “العراقيل”.
2017 قطر تدخل لأول مرة نادي التجاذبات
آخر فصول هذه الأزمات انعكاس الأزمة الخليجية الأخيرة على الحج ودخول قطر نادي التجاذبات حيث أعلنت بأن السعودية تقوم بالتضييق على الحجاج القطريين بسبب الخلافات السياسية القائمة بين الدولتين, في المقابل اتهمت السعودية قطر بأنها هي من تحرك هذه المسألة لتحقيق مكاسب سياسية لها في المحافل الدولية.
اذا أحداث كثيرة رافقت مناسك الحج ساهمت في اخراج النار من تحت الرماد وتركت خلفها تصريحات تراوحت بين المطالبة بإدارة شؤون الحج من قبل عدة دول إسلامية وبين رفض سعودي حازم للطرح.
الشيخ خليفة: لا مانع من طرح اي قضية ضمن اطار المجامع الاسلامية الكبرى
وكالة شفقنا تحدثت الى المدير العام السابق للأوقاف في دار الفتوى في لبنان الشيخ هشام خليفة الذي رأى أنه يجب الفصل بين النظرية والواقع حيث نظريا يمكن ان تطرح فكرة التدويل وتناقش أمّا واقعيا فهي على المدى المنظور شبه مستحيلة وغير ممكنة التطبيق لأنه يجب الفصل بين عبادة وإدارة مناسك الحج وبين الموقع السياسي والسيادة الوطنية لأي دولة, مؤكدا أن التجاذب الحاصل يجعل من هذه القضية أمر صعب تحقيقه لا بل قد تؤدي الى إشكالات إضافية.
واشار الشيخ خليفة ان لا مانع من طرح اي قضية ضمن اطار المجامع الاسلامية السياسية الكبرى من اجل ايجاد حلول تؤمن سلامة الحج دائما ولكن مع التسليم بقدرات المملكة السعودية في تنظيم هذا الموسم”.
واذ رأى الشيخ خليفة أن مسؤولية اي حادث تقع شرعا وقانونا على من بيدهم الادارة, ولكن في المقابل يجب تحديد المسؤوليات المباشرة والتحقيق لمعرفة من أخطأ وكيف حصلت هذه الحوادث.
كما دعا الشيخ خليفة المسلمين الى العودة لمجدهم وأن لا تتقاذفهم اهواء السياسة ومصالح الدول, والتوحد على الأقل ضمن القواسم المشتركة والجامعة التي هي كثيرة جدا”.
الشيخ غبريس: “التدويل” ليس سياسيا والحج لم يعد كما أراده الله
ان طرح التدويل ليس سياسيا ولا علاقة له باختلاف جهة مع جهة بل فقط لتنظيم شؤون الحج بشكل أسلم، يقول مسؤول العلاقات الخارجية في تجمع العلماء المسلمين في لبنان الشيخ حسين غبريس الذي رأى انه من الطبيعي إعادة النظر في بقاء السلطات السعودية قائمة على هذه الشعيرة، كما لا بد أن يكون هناك مجموعة إدارة شاملة تعمل لمصلحة الحجاج تشارك بها كل الدول الاسلامية.
واضاف الشيخ غبريس”لا نريد أن نبالغ بالتعمق لكن في كل دولة عندما تزداد فيه الحوادث يصبح بالأمر شبهة خصوصا أن هناك حوادث كثيرة شهدناها في السنوات الماضية تتعلق بالحجاج حيث تعددت الأسباب لكن الظرف واحد وهو عدم التنظيم الحقيقي والفعلي، واضاف “لم يعد بالإمكان السكوت عن الأخطاء الفادحة التي ترتكب بحق حجاج بيت الله الحرام” حسب تعبيره.
واتهم الشيخ غبريس السعودية انها لم تثبت يوما انها مهتمة بالوحدة بين المسلمين، معتبرا أن الحج لم يعد كما أراده الله تبارك وتعالى, فالحجاج يذهبون للتقرب اليه لكن السلطات المعنية بالحج حولت الأمور باتجاه آخر فهي تعطي هذه على حساب تلك من المذاهب، تقرب هذا وتبعد ذاك وتعطي تأشيرات لمن ترغب منهم وتحرم آخرين اذا اختلفو معهم بالسياسة وهذا الموقف يخالف الدين.
اذا عند أعتاب موسم الحج لهذا العام وبالرغم من الاختلاف حول فكرة “التدويل” و”السيادة” بين هذا وذاك تطل ورود سعودية بعطر ايراني من نافذة موسم الحج ما يبشر بامكانية عودة المياه الى مجاريها، فهل تكون مناسك الحج نقطة انطلاق نحو هبوط الخطاب المذهبي ونزع فتيل الحرب السياسية من بوابة المدينة المنورة فيعلوا صوت “لبيك اللهم لبيك” على صوت المدفع وتفوح رائحة المسك والعنبر لتطغى على رائحة البارود؟؟؟.
وفاء حريري