خاص شفقنا- بيروت- لا يتناول كتاب “سعادة السفير” السيرة الشخصية لمحمد جواد ظريف فقط، بل يتجاوزها ليحيط بالكثير من المعلومات والمعطيات التاريخية التي تفسر بعض الاحداث الديبلوماسية الدولية او جزءًا من ملابساتها على مدى أكثر من ربع قرن. وما هو مدون بين دفتي الكتاب قاله ظريف بين العامين 2010 و 2012 يبرز من خلالها دبلوماسيته على نحو مميز وأدت الى انجازات هائلة على المسرح الدولي، فهو مفتاح حقيقي لادراك كنه شخصيته وتأويل لمهنته التي شرح معاييرها بأسلوبه الخاص، اذ اختصر الدبلوماسية في تغريدة له على تويتر، نشرها بعد ساعات من وصوله الى طهران في اعقاب انجاز الاتفاق النووي: “إن فن الدبلوماسي يكمن في ان يخفي دهاءه كله خلف ابتسامته”.
الكتاب هو حصيلة وثمرة حوار بين السيد محمد مهدي راجي والدكتور محمد جواد ظريف- اثناء دراسة راجي للماجستير- بين شتاء 2010 و ربيع 2012 يقول المترجم د. محمد العطار في مقدمة الكتاب، وقد منع الكتاب من النشر حتى نهاية دورة رئاسة احمدي نجاد للجمهورية الاسلامية الايرانية اي اغسطس/آب 2013م. لما اثاره من جدل تراوح بين التأييد المطلق والنقد اللاذع حد الاتهام بالخيانة، وعلى الرغم من ذلك فقد حظي الكتاب باهتمام واسع في ايران وخارجها.
الكتاب الصادر عن مركز أوال للدراسات والتوثيق يقع في 478 صفحة وهو حوار امتد لأكثر من اربعين ساعة مع ظريف برواية جزئيات الدبلوماسية الايرانية بلسانه الذي يعد بلا شك احد أبطال هذا المجال في عصره لانه يتمتع بشخصية عطوفة، مؤدبة، بسيطة ومتواضعة، ويظهر هذا العمل عند التعرف عليه سهلا لكنه ممتنع لانه –اي ظريف- في مجال تخصصه الحرفي جاد، متابع منظم وملتزم بالاصول التي يعتقد بها.
تنبع اهمية الكتاب من كونه توثيقا للكثير من الاحداث التاريخية، من أقرب المصادر المتابعة والمشاهدة لها لا بل من صانعها في بعض الاحيان، لذا فقراءة الكتاب توفر للقارئ دراية وفهم في مجالات فهم السياسة الخارجية للجمهورية الاسلامية الايرانية كنظام سياسي مؤثر عالميا واقليميا، اضافة الى فهم علاقة انظمة الهيمنة بنا كأنظمة شرق اوسطية عبر نموذج التجربة الايرانية الثرية وكذلك يمنح فهما اعمق للسياسة والعلاقات الدولية بناء على تجربة غنية وحقيقة لخبير- بحسب التوصيف العلمي لا الالقاب المجانية التي يمنحها الاعلام- امضى ما يقرب من ثلث قرن في هذا المجال..
ويشمل الحوار شقين اساسيين اولهما الاحداث والذكريات بنظرة نقدية، وثانيا موضوعات نظرية في علم العلاقات الدولية والسياسة الخارجية، بصفتها التخصص الاكاديمي لظريف.
اما الصعوبات التي واجهت المُحَاوِر فيذكر ان الموضوعات افتقرت للجاذبية التي كان يتوقعها، فكان يرتب حوارا اخر بمزيد من الدقة وكان ظريف دائما نموذج الصبر وحسن الخلق، كما كان يبدي ملاحظاته ليخرج العمل بدقة افضل، واشار الى انه كان يطرح في الحوارات اسئلة ليست ضمن اهتمامه بالضرورة لكنها حتما تهم الجامعيين او بعض اطياف المجتمع الايراني، ونظرا لضرورة الاجابة عنها كان مجبرا على ذكرها، اما بعض الاسئلة والملاحظات التي كان مهتما بها ونظرا لبعض القيود، فلم تطرح أبدا.
النهایة