شفقنا العراق-الاتفاق المائي يفتح بوابة تاريخية بين بغداد وأنقرة، وينقل ملف المياه من أروقة التوتر السياسي إلى ميدان الشراكة الإستراتيجية.
يشكّل الاتفاق المائي مع تركيا، تحولاً نوعياً في إدارة ملف المياه بين البلدين، وفقا لمراقبين أكدوا أهمية الاتفاق الذي جاء بعد عقود من الجدل والتوترات التي رافقت تراجع مناسيب نهري دجلة والفرات وتأثيراتها في الأمن الغذائي والبيئي في العراق.
وأكد مستشار رئيس الوزراء لشؤون المياه، طورهان المفتي، أن الاتفاقية التي وقّعت بين العراق وتركيا تمثل نقلة نوعية في إدارة ملف المياه، لما تتضمنه من ضمانات دولية تعزز استدامة الموارد المائية وتؤمّن تدفق نهري دجلة والفرات بصورة منتظمة.
وأوضح المفتي أن الآلية التنفيذية التي جرى توقيعها بين الجانبين تستند إلى مذكرة الاتفاق الإطاري الموقعة سابقاً من قبل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، «ما يمنحها ثقلاً قانونياً غير مسبوق ويضمن التزام الطرفين ببنودها على المدى الطويل».
كما بيّن أن «الضمانات الواردة في الاتفاق هي ضمانات بين دولتين، إذ جرى التوقيع على المذكرة من أعلى سلطتين في البلدين، وليس من وزراء كما جرت العادة، الأمر الذي يجعلها أكثر إلزاماً ومتانة».
نهري دجلة والفرات
ثم أشار المفتي إلى أن الآلية التنفيذية تضمنت نقاطاً مهمة أبرزها الاستدامة المائية لنهري دجلة والفرات، وهو ما يعد سابقة تاريخية في العلاقات المائية بين البلدين.
وأضاف أن المقترح العراقي الذي طرح خلال اجتماع سابق، والمتعلق بإطلاق نصف مليار متر مكعب في دجلة ومثلها في الفرات، أصبح جزءاً من الاتفاق الجديد.
وأكد المستشار أن كميات المياه ستكون كافية للنهرين بفضل تضمين فقرة الاستدامة المائية، داعياً في الوقت نفسه إلى اعتماد تقنيات الري الحديثة ضمن الخطة الزراعية الشتوية، إذ لا يمكن تحقيق الاستدامة من دون تحديث أساليب الزراعة وزيادة كفاءة استخدام المياه.
وختم المفتي حديثه بالقول، إن الاتفاق الجديد سيسهم في تجاوز مرحلة الشحّ المائي الذي تعاني منه المنطقة بسبب التغير المناخي، متمنياً أن يشهد العراق مرحلة استقرار مائي تعزز الأمن الغذائي والتنمية الزراعية.
من جانبها، رحّبت لجنة الزراعة والمياه والأهوار النيابية بالاتفاق، وعدّته خطوة إيجابية ومفيدة للطرفين من شأنها تعزيز التعاون الثنائي في مجالات المياه والزراعة وتحقيق الاستدامة في إدارة الموارد المشتركة.
وقالت النائب الأول لرئيس اللجنة، زوزان كوجر، في تصريح خاص لـ»الصباح»: إن الاتفاقية «بمضمونها الاقتصادي والمائي جيدة لكلا الطرفين».
الأنهار الدولية
وأضافت كوجر، أن نهري دجلة والفرات يعدّان من الأنهار الدولية وليسا عابرين للحدود، لكونهما يشملان دول المنبع والمصب، ما يفرض ضرورة مراعاة القوانين والأعراف الدولية ومبدأ حسن الجوار وتقاسم الضرر والمنفعة، خصوصاً في ظل الظروف الحساسة التي يمر بها العراق نتيجة تراجع الإنتاج الزراعي وتدهور الثروة الحيوانية وارتفاع نسب التلوث والملوحة في الأنهر.
وأكدت أهمية إنشاء إدارة مشتركة لملف المياه بين العراق وتركيا، مع تبادل المعلومات والخبرات الفنية بهدف ضمان إطلاق الحصة المائية الكافية التي تلبي احتياجات العراق وقطاعاته الحيوية، مشيرةً إلى أن البلاد تواجه حالياً أزمة جفاف حادة ونقصاً في الموارد المائية يستدعي وضع إستراتيجيات وطنية وتشريعات جديدة لحماية الواقع المائي وتنظيم استخدام الموارد.
ثم أوضحت أن الاتفاقيات المائية المقبلة ينبغي أن تكون إستراتيجية وشاملة، تشمل الدول المتشاطئة كافة سواء كانت منبعاً أو مصباً، لضمان مواجهة تحديات الجفاف والتصحر والتغير المناخي التي تهدد الأمن المائي والغذائي في العراق والمنطقة.
وبيّنت كوجر أن التعاون الفني والإداري والتقني وتبادل الخبرات يجب أن يكون جزءاً أساسياً من الاتفاقية الموقعة، بما يضمن تنظيم الحصص المائية للعراق وفق احتياجاته الفعلية، وبما يتلاءم مع المتغيرات المناخية والسياسية.
كما شدّدت على ضرورة التزام دول المنبع بتحسين الواقع المائي للعراق وعدم التهاون في تنفيذ بنود الاتفاق، مع تضمين ضمانات قانونية واضحة تحمي البلاد من مخاطر العطش والتصحر وتدهور البيئة، فضلاً عن حماية الأمن الاقتصادي المرتبط ارتباطاً وثيقاً بالسلم المجتمعي والاستقرار الوطني.

