شفقنا العراق- الصندوق العراقي للثروة السيادي بلاقي دعوات برلمانية وخبراء اقتصاد لاحتضانه الوفرة النفطية، وتأسيسه لقاعدة صلبة، للأجيال المقبلة في مواجهة التحديات، خاصة وأن العالم مقبل على عصر نضوب النفط.
ولم تكن تلك الدعوات جديدة، بالفعل في الفضاء العراقي، والاستشارات التي يقدمها الخبراء، ضمن توصياتهم، لتنويع اقتصاد البلاد، وتعزيز ركائزه الاقتصادية، غير أنها تكررت حالياً، بدفع الطفرة التاريخية لأسعار النفط إذ يمثل العراق، إحدى الدول التي حققت مكاسب كبيرة من ذلك.
كما أن انتهاء العراق من تسديد التعويضات الكويتية بشكل رسمي، في فبراير/ شباط الماضي، فعّلت تلك المطالب، حيث كانت بغداد تدفع نحو ملياري دولار سنوياً، ما يعني إضافتها إلى موازنة الدولة.
وصناديق الثروة السيادية هي صناديق استثمارية تدير فوائض الدولة المالية من خلال أصول خارج حدود دول المنشأ، لكنها لا تكون تابعة لوزارات المالية أو البنوك المركزية، كما تختلف عن الاحتياطي الأجنبي النقدي.
وعلى رغم أن فكرة إنشاء هذا الصندوق تعود لعدة سنوات، إلا أن رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، أعلن العام الماضي بدء العمل على إنشاء صندوق الأجيال، إذ أكد في تصريح خلال جلسة لمجلس الوزراء أن “العمل جار على تفعيل صندوق الأجيال المقبلة انطلاقا من الشعور بالمسؤولية تجاه أبنائنا وأحفادنا”.
وأضاف “نريد أن نؤمّن مستقبل العراق بعيدا عن الاعتماد على اقتصاد غير مستدام، فالثروة النفطية لن تكون مسيطرة طوال العمر، وبدأت دول عديدة بالبحث عن طاقات بديلة ونظيفة”.
خطوة عقلانية
في هذا الإطار، ترى الخبيرة في الشأن الاقتصادي، سلامة سميسم، أن “إنشاء الصندوق السيادي خطوة منطقية، وعقلانية، للحفاظ على قيمة الأموال من العائدات النفطية، فضلاً عن ضمان حقوق الأجيال القادمة، ما يعزز وضع الاقتصاد العراقي، ويجعله أكثر قوة في مواجهة أي أزمات مستقبلية”.
وأضافت أن “الحكومة في حال حاجتها إلى أموال فيمكنها السحب من الصندوق، ويكون ذلك على شكل ديون”.
وأشارت سميسم، إلى أن “إنشاء الصندوق، يجب أن لا يرتبط بارتفاع أسعار النفط، فالعديد من دول العالم أنشأت صناديقها، دون وجود تلك الوفرة النفطية”، لافتة إلى وجود “مأزق قانوني، يتعلق بأن الحكومة الحالية هي لتصريف الأعمال، لكن الفكرة يجب أن تبقى قائمة”.
ويتربع على قمة تصنيف الصناديق السيادية العالمية صندوق التقاعد الحكومي النرويجي، الذي يدير أصولا بقيمة 1.274 تريليون دولار عبر 21 شركة تابعة.
كما تمتلك بعض الدول العربية صناديق سيادية تبلغ أصولها مئات المليارات من الدولارات، مثل الصندوق السيادي التابع للهيئة العامة للاستثمار الكويتية، وكذلك صندوق الاستثمارات القطري، وصندوق الثروة السيادية في أبو ظبي، وآخر في السعودية.
من جهته، أكد المستشار المالي لرئاسة الوزراء مظهر محمد صالح، أن “تأسيس الصندوق السيادي يعتمد على تحديد سعر النفط ضمن قانون الموازنة الاتحادية، وتشريع قانون الموازنة للعام 2022 يتوقف على تاريخ تشكيل الحكومة الجديدة”.
وأضاف أن “أحكام المادة 19 من قانون الإدارة المالية النافذ في العراق رقم 6 لسنة 2019 نصت على تغطية العجز وتوفير الفائض لاستخدامه في موازنات السنوات التالية، ومنها الصندوق السيادي، وفق إدارة واستثمار الاحتياطيات الرسمية”.
ولدى العراق تاريخ من محاولات إنشاء صندوق سيادي، كما أسس بعض الصنادق الصغيرة؛ فعلى سبيل المثال، ظهرت أول بادرة لإنشاء مثل هذا الصندوق عام 1953 بتأسيس مجلس الإعمار العراقي، حيث شكلت لجنة لإدارته بعد حصول اتفاق بين الحكومة العراقية وشركات النفط البريطانية.
وبحسب خبراء اقتصاديين فإن فلسفة الصندوق السيادي تقوم بالأساس على إسناد مهامه لهيئة مستقلة تعمل على استقطاب الكفاءات الاقتصادية التي لها رؤية ومعالجة تختلف عن التوجه الحكومي في إدارة عمليات التنمية والاستثمار.
من سيتبنى المشروع؟
وعلى رغم تمايز صفوف الكتل السياسية في الوقت الراهن، واتضاح تحالفاتها، بوجود معسكرين اثنين الأول تحالف “إنقاذ الوطن” والثاني “الإطار التنسيقي” إلا أن أياً من التحالفين الكبيرين لم يعلن ضمن برنامجه لإدارة المرحلة المقبلة، تأسيس هذا الصندوق، أو البدء في الخطوات الأولى لوضع ملامح هذا المشروع، وهو ما يجعل تلك الدعوات، على المحك، في حال عدم وجود دفع سياسي، لولادة هذا المشروع.
وفي حال بدأت القوى السياسية أو الحكومة العراقية، في خط المسودة الأولى لقانون هذا المشروع، فإن هناك عددا من صناديق الثروة السيادية التي تدار إقليمياً وعالميا والتي يمكن دراستها حينما يتعلق الأمر بهيكل صندوق العراق.
ولكن بالنظر في هذه الصناديق وأهدافها الاقتصادية النهائية، فإن الخبراء يؤكدون أن أبرز الأسباب الداعية إلى إنشاء تلك الصناديق، هي المساعدة في تجنب الأزمات الاقتصادية والمالية، التي قد تنشأ عن عوامل داخلية وخارجية، ومن ثم المساعدة في حماية اقتصاد الدولة أثناء أوقات الركود.
وهناك سبب آخر يتمثل في المساعدة في إعادة بناء البنى التحتية المتضررة أو تعزيز التنمية المستدامة من خلال استثمارات واسعة النطاق وهو ما كان يعصب تمويله لولا وجود مثل تلك الصناديق.
————————
المقالات والتقارير المنشورة بأسماء أصحابها تعبر عن وجهة نظرهم ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع
————————–