الجمعة, مارس 29, 2024

آخر الأخبار

الأسدي يكشف مصير المشمولين بالرعاية الاجتماعية القادرين على العمل

شفقنا العراق ـ فيما أوضح اللغط بشأن أعداد المشمولين...

العتبة الكاظمية تنصب قواطع جديدة لتسهيل انسيابية دخول الزائرين

شفقنا العراق ــ بهدف المحافظة على تنظيم المسارات وتسهيل...

فضائل أمير المؤمنين.. أسبقية في الإسلام وشخصية استثنائية في تاريخ البشرية

شفقنا العراق- لقد كان الرسول الأعظم كثيرًا ما يذكر...

مستشار السوداني: جميع المصارف مشمولة بإعادة النظر باحتساب فوائد القروض

شفقنا العراق-فيما أكد أن جميع المصارف مشمولة بإعادة النظر...

الشيخ الصفار: العلاقة مع الله أهم علاقة لها تأثير على نفس الإنسان

شفقنا العراق- أكد سماحة الشيخ حسن الصفار أن العلاقة...

الليلة التاسعة عشرة من رمضان.. فضلها وأهميتها وأعمالها الخاصة

شفقنا العراق-ليلة القدر الاولى وهي الليلة التاسعة عشر من...

دراسة تكشف: التدخين مدى الحياة يزيد من دهون البطن

شفقنا العراق-وجدت دراسة علمية جديدة أن التدخين قد يزيد...

رمضان في العراق.. تقاليد غنية وطقوس اجتماعية مميزة

شفقنا العراق ــ يحظى شهر رمضان في العراق بخصوصية...

مع ازدياد الوعي بخطورتها.. انخفاض الدكات العشائرية في بغداد

شفقنا العراق ـ مع ازدياد الوعي لخطورة الدكات العشائرية...

العتبة العباسية تحتفي بذكرى ولادة الإمام المجتبى في باكستان

شفقنا العراق ـ أقام قسم الشؤون الفكريَّة والثقافيَّة في العتبة...

السيد الصافي: إمهال الله تعالى للعبد فرصة للتوبة وطلب المغفرة

شفقنا العراق ـ  فيما شرح قضية إمهال الله للعبد...

سعي محموم لتغطية حاجات البلاد من الكهرباء.. فاضل: ساعات التجهيز بوضع أفضل

شفقنا العراق ـ استعرض وزير الكهرباء العراقي زياد علي...

طقس العراق ..تساقط للأمطار في بعض المناطق وتقلبات في درجات الحرارة

شفقنا العراق ـ فيما أعلنت هيئة الأنواء الجوية، اليوم...

العراق على موعد مع دخول الكهرباء الأردنية السبت

شفقنا العراق- أكد المدير العام لشركة الكهرباء الوطنية الأردنية...

قصف اسرائيلي على حلب ووقوع قتلى

شفقنا العراق - قصفت اسرائيل حلب مستهدفة عددًا من...

عشرات البرامج تعنى بالذكاء الاصطناعي في معرض النجف الأشرف

شفقنا العراق- نظمت وزارة التربية المديرية العامة للتربية في...

الشرطة العراقية تقبض على عشرات المطلوبين بقضايا مختلفة

شفقنا العراق ــ ألقت الشرطة العراقية القبض على عشرات...

المرأة العراقية وسوق العمل.. صعوبات وتحديات وعقبات قانونية

شفقنا العراق ــ تواجه المرأة العراقية الراغبة بالدخول إلى...

الهيئة العليا للتراث تناقش دور المخطوطات في تدوين التراجم وتوثيقها

شفقنا العراق ــ فيما ناقشت دور الوثائق والمخطوطات في...

الكمارك تبدأ العمل بنظام الاسيكودا

شفقنا العراق- من مركز كمرك ساحة الترحيب الكبرى في...

الموارد: اعتماد الأقمار الصناعية لدراسة التوقعات الجوية المؤثرة على دجلة والفرات

شفقنا العراق- تعمل وزارة الموارد المائية على اعتماد الأقمار...

قصف إسرائيلي يستهدف ريف دمشق ويتسبب بإصابة مدنيين اثنين

شفقنا العراق ـ استهدف قصف إسرائيلي مساء اليوم الخميس...

في ذكرى تأسيس منظمة بدر.. تأكيد عراقي على دور التضحيات في إسقاط نظام الاستبداد

شفقنا العراق ــ بمناسبة الذكرى الثالثة والأربعين لتأسيس منظمة...

زراعة ديالى تقدم سماد “الكومبوس” بسعر مدعوم

شفقنا العراق- تعمل مديرية زراعة ديالى على إنتاج كميات...

القرآن وأهل البيت يمثلان النظرية والتطبيق.. الإمام الحسين أنموذجًا؛ بقلم الشيخ عبد الرزاق النداوي

شفقنا العراق-كان وما يزال الإمام الحسين (عليه السلام) ونهضته المباركة يتعرّضان لحملات التشويه والتسقيط؛ وذلك لعدّة أسباب لعلّ من أهمّها:

1ـ إنّ النّصب كان وما يزال وسيبقى يدور في فلك بغض أهل البيت (عليهم السلام)، ونقد ورفض كلّ ما يصدر عنهم.

2ـ تلميع صورة مَن خاصمهم وجاهدهم، وهم رموز السلطة الأُموية الغاشمة وعلى رأسهم الطاغية يزيد عليه اللعنة والعذاب.

3ـ إقصاء الحسين (عليه السلام) والقيم التي حملها ودافع عنها في الساحة الإسلامية، فهو (عليه السلام) مَن أسّس الثورة والانتفاضة على الطغاة وحكّام الجور، وعليه؛ فإنّ بقاء ذكره يعني بقاء وهج الثورة والانتفاضة على كلّ ظالم.

4ـ إبعاد المسلمين عن خطّ أهل البيت (عليهم السلام) عموماً، وعن الحسين (عليه السلام) على وجه الخصوص، وتوجيههم إلى الخطّ الآخر الذي انحرف وابتعد عن الصراط المستقيم بجميع مظاهره.

هذه الأسباب وغيرها جعلت الإمام الحسين (عليه السلام) ونهضته المباركة عرضة وغرضاً لسهام الطعن والتشويه من قِبل الأقلام والألسن المأجورة، من لحظة استشهاده إلى يومنا هذا.

وقد ازدادت هذه الحملات في المدّة الأخيرة، خصوصاً مع كثرة الفضائيات وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وارتفاع صوت التشيّع، وانتشاره في العالم، ساعية من وراء ذلك إلى الضرب على وتر أنّ الحسين (عليه السلام) كان مُخطئاً في خروجه وحركته، وذلك بزعمهم:

أولاً: إنّه خرج على إمام زمانه المتمثّل بيزيد بحسب وجهة نظرهم؛ وذلك لأنّ الإمام تصحّ إمامته ـ عندهم ـ حتّى لو نزا على ظهر الأُمّة، أو صرعها بالسوط أو السيف[1]. وقد جاء هذا المعنى في صحاحهم؛ إذ رووا عن الرسول (صلّى الله عليه وآله) قوله: «يكون بعدي أئمّة لا يهتدون بهداي، ولا يستنّون بسنّتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس. قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله، إن أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتُطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك»[2].

ثانياً: لأنّه لم يحقّق ما كان يصبو إليه من الإطاحة بحكومة يزيد؛ وذلك لأنّهم يفترضون أنّ الهدف من حركته هو هذا الأمر.

ثالثاً: إنّه شقّ عصا المسلمين، وجرَّ الويلات على الأُمّة الإسلامية، بعد أن كان أمرهم مجمعاً وكلمتهم واحدة، ويتفرّع عليه أنّ مَن يفرّق أمر الأمّة يجب قتله، فقد رووا عن النبي (صلّى الله عليه وآله): «إنّه ستكون هنات وهنات، فمَن أراد أن يُفرِّق أمر هذه الأُمّة وهي جميع، فاضربوه بالسيف كائناً مَن كان»[3].

رابعاً: إنّه تسبّب في قتل أهل بيته وسبي نسائه، وهم عائلة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ولو أنّه لم يقم بهذه الحركة لم تحصل هذه المضاعفات.

خامساً: إنّه أضعف الدولة الإسلامية على طول الخطّ؛ لأنّه أسّس للتمرّد على الجهاز الحاكم فيها، وكانت حركته بداية لكلّ الحركات المناوئة للحكومات التي حصلت فيما بعدُ.

هذه وغيرها من الترّهات التي يسوقونها ويحتطبونها للتدليل على أنّ حركة الحسين (عليه السلام) كانت غير صحيحة وغير موفّقة، بل غير موافقة للشريعة والعياذ بالله تعالى، متناسين بذلك عشرات الآيات والروايات التي تمجّد بآل محمد (عليهم السلام)، وتوجب اتّباعهم والاقتداء بهم وبسنّتهم.

ولسنا هنا في صدد استعراض واستقراء هذه الترّهات، والردّ عليها واحدة واحدة، وهل قائلها إلّا كحاطب ليل لا يدري ما يجمع في حزمته؟! فهي أقلّ من أن تستحقّ الردّ، ويكفي لإسقاطها جميعاً إثبات أنّ النهضة الحسينية المباركة كانت نهضة قرآنية موافقة ومطابقة لتعاليم الله تعالى وشريعة الخاتم (صلّى الله عليه وآله)، فإذا استطعنا أن نُثبت ذلك، فسوف ينهار هذا الهرم الذي بناه على شفا جرف هار بنو أُميّة وأقلامهم ومنابرهم بالزيف والأكاذيب والمغالطات.

وسنرى ـ بعونه تعالى ـ من خلال هذه السطور أنّ النهضة الحسينية المباركة منسجمة تماماً مع الكتاب العزيز، فهي قرآنية من حيث منطلقاتها وأهدافها، وهي من القرآن وإلى القرآن، ففيها قد تجلّت القيم القرآنية بأنصع معانيها، كما نسمع في الزيارة الشريفة: «أشهد لقد طيّب الله بك التُّراب وأوضح بك الكتاب»[4].

القرآن وأهل البيت يمثّلان النظرية والتطبيق

هدف الدين على طول خطّ النبوّات عموماً والإسلام على وجه الخصوص هو صناعة (الإنسان الكامل)، هذه الفكرة التي كانت محطّ اهتمام الباحثين، وتكلّم بها فلاسفة الشرق والغرب؛ وما ذاك إلّا لأهميّتها في حركة الإنسان تجاه مَثَله الأعلى، وسنقف هنا قليلاً وبشكل خاطف على أهمّ النظريات التي عرضت لهذه الفكرة، ثمّ ننتهي إلى النظرية الإسلامية التي قدّمت لنا الإنسان الكامل تنظيراً وتطبيقاً، وإن شئت قلت: مفهوماً ومصداقاً[5].

النظرية الأُولى (نظرية القوة): أصحاب هذه النظرية يقولون: إنّ الأكمل هو الأقوى، وهم لا يرون للضعفاء مكاناً في هذه الحياة، وفي هذا الصدد يرى (نيتشه) الفيلسوف المعروف بأنّه: ليس من حقّ الضعيف أن يعيش، بل إنّه يستحقّ أن تصكّه بحجر فتقضي عليه. ويرى أيضاً بأن المرأة: ليس لها إلّا أنّ تكون نزوة للرجل، وليس لها إلّا أن تُنجب له الأبطال. والمهم أنّ فكرة هذه النظرية تقول: إنّ الإنسان الكامل هو القوي، فيجب الوصول إلى القوة بأيّ وسيلة كانت.

النظرية الثانية (نظرية الاستمتاع الدنيوي): أصحاب هذه النظرية يقولون: إنّ أكمل الناس هو الذي يستطيع أن يستمتع بأكبر قدر ممكن من ملاذّ هذه الحياة، فيجب ـ من وجهة نظرهم ـ الوصول إلى أنواع اللذائذ بأيّ طريقة ووسيلة.

وهاتان النظريتان ـ الأُولى والثانية ـ من متبنّيات الفكر الغربي المادّي، ومن الواضح أنّهما يُقرّان بمبدأ (الغاية تبرّر الوسيلة)، وهذا مبدأ خطر؛ لأنّه يحوّل الحياة إلى شريعة غاب، هذا أولاً، وثانياً: إنّ مبدأ القوّة وإن كان من المبادئ الجيّدة، فالإسلام ـ مثلاً ـ يرى أنّ المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف[6]، ولكن على أن لا يكون ذلك على حساب الضعفاء، ولا على حساب منعهم من الحياة، ولا يعني ذلك امتهان حقوق الناس وكراماتهم، وتحقير المرأة وجعلها سلعة يتوصل بها إلى الغاية الدنيئة.

النظرية الثالثة (نظرية الاستمتاع الأُخروي): أصحابها يقولون: إنّ الإنسان الكامل هو الذي سوف يستمتع أكثر بالآخرة ونعيمها وقصورها وحورها وثمارها وأنهارها، والقائلون بذلك هم الصوفيون والزهّاد، وهم يرون أنّ الوصول إلى هدفهم لا يتمّ إلّا بالزهد عن لذائذ هذه الدنيا، والاعتزال والتقشّف؛ ليجزيهم الله على ذلك ـ حسب نظرهم ـ بالنعيم المقيم.

والخلل الرئيس في هذه النظرية هو أنّها تدعو إلى العزلة والإعراض عن الساحة وعدم المبالاة بما يحصل في المجتمع من فساد. أمّا مسألة الزهد ومناقشتها فلها مجال آخر لا نستطيع الخوض فيه الآن، ولكن نقول ـ هنا على نحو الإجمال ـ: إنّ الزهد نوعان: مندوب، ومفروض؛ أمّا المندوب فلعامّة الناس، والغاية منه الترويض على البُعد عن الحرام والشبهات، وقطع طريق الشيطان من الوصول إلى النفس الأمّارة بالسوء، الجامحة والطامحة لكلّ الامتيازات، وأمّا المفروض، فيختصّ بأئمّة العدل، كما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إنّ الله تعالى فرض على أئمّة العدل أن يُقدِّروا أنفسهم بضعفة الناس؛ كيلا يتبيَّغ[7] بالفقير فقره»[8]، فلا يمكن لأيّ حاكم أن يدّعي لنفسه العدل ما لم يساوِ نفسه بالفقراء؛ ولهذا كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) يشدّان حجر المجاعة على بطنيهما، ويبيتان طاويين مواساةً للفقراء.

النظرية الرابعة (نظرية المحبّة): وهي (نظرية الهنود)، فإنّهم بنوا فكرتهم على مبدأ المحبّة؛ إذ يرون أنّ الإنسان الكامل هو الذي يحبّ كلّ ما حوله بلا استثناء. وهذا الكلام ليس دقيقاً وإن كان جميلاً؛ لأنّ الحياة لا تقوم على مبدأ المحبّة وحسب، كما أنّ هناك مواطن لا يسعُ المرء أن يقف منها إلّا موقف البغض والكره، فإنّك لا يسعُك أن تحبّ الطغيان والاستبداد والظلم ونحو ذلك.

النظرية الخامسة (نظرية الفلاسفة): يرى هؤلاء أنّه لا كمال إلّا بالفلسفة، فالإنسان الكامل هو الفيلسوف الذي ارتسمت في ذهنه صورة لهيكل الوجود عن طريق الاستدلال والمنطق والبرهان، وعليه؛ فإنّهم يرون أنّ الحكم يجب أن يكون بأيدي الحكماء، وأيّ حكم غير حكمهم باطل، ومهما بلغ الإنسان من مزايا دون الفلسفة فهو ليس بكامل.

والخلل في هذه النظرية واضح، فقد جعل أصحابها الفلسفة غايتهم، والحقّ أنّها وسيلة من وسائل الوصول إلى الكمال وليست هي عين الكمال.

هذه بعض أهمّ النظريات التي تتحدّث عن مقولة الإنسان الكامل عرضناها بشكل مبسّط مع بعض المناقشات البسيطة، والآن نسأل ما هو رأي الإسلام في هذه المسألة ومَن هو الإنسان الكامل في نظر الإسلام.

النظرية السادسة (النظرية الإسلامية): الحقيقة أنّ الإسلام يرى أنّ الإنسان الكامل هو الذي تجتمع فيه الصفات التي تفرّقت في مجموع هذه النظريات، والتي كانت بعيدة عن الإشكالات؛ فالإنسان الكامل هو الذي يسعى للقوّة ولكن ضمن الحدود المشروعة؛ لأجل حماية نفسه ومَن بمعيته، لا لأجل الاعتداء والهيمنة على الآخرين، قال تعالى: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ…)[9]؛ كما يجوز له أن يستمتع بالملاذّ الدنيوية ولا يعزف عنها، ولكن ضمن الحدود الضرورية المعقولة، قال تعالى: (…وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)[10]، والإنسان الكامل هو الذي يفوز بالآخرة ونعيمها؛ لأنّه من أهل العطاء والتضحية في سبيل الله والطاعة له سبحانه، فيكرمه الله بالنعيم المقيم، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا)[11]، وهو الذي لا يرضى بالجهل، بل يسعى للعلم والمعرفة، قال تعالى: (…يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)[12]، كما أنّه لا يقبل بالعزلة، بل ينفتح على الواقع، وعلى الحياة بكلّ أبعادها ويتفاعل معها إيجاباً، ويسعى لتغيير ما هو سلبي، وخير شاهد على ذلك الآيات القرآنية الكثيرة جدّاً، التي بيّنت أنّ جميع الأنبياء كانوا يمارسون دورهم الإيجابي في إصلاح حياة الناس، سواء على المستوى الفردي أم المجتمعي، كما أنّ الإنسان الكامل هو الذي يندفع حبّاً وعطفاً لعباد الله الذين هم أهلٌ لذلك، قال تعالى: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ….)[13].

المثل الأعلى للإنسان الكامل

وممّا تقدّم يتبيّن أنّ هذه الأُمور التي ذكروها في الحقيقة هي وسائل وليست أهدافاً، فالإنسان الكامل هو الذي تجتمع فيه الفضائل ومحمود الصفات، وفي الوقت نفسه يكون منزّهاً عن الرذائل ومذموم السمات، فإن كان كذلك كان هو الإنسان الكامل.

وأمّا الهدف الحقيقي فهو (الله) تبارك تعالى، والسعي لإرضائه تعالى، ولا يكون كذلك إلّا إذا دخل في حرب لا هوادة فيها مع النفس الأمّارة بالسوء، بحيث يكون رائده في الحرب عقله الذي منّ الله به عليه، وإلى ذلك يشير بعض أهل المعرفة، فيقول: «اجعل نفسك عدواً تحاربه، وعقلك نبيّاً تتّبعه، وقلبك بيتاً تسكنه، وربّك هدفاً تطلبه»[14].

وقد تقول: إذا اجتمعت الفضائل في شخص فهو كامل، فلماذا يشترط أن يجعل الله تعالى هدفاً له في مسيرته وكدحه؟

وجوابه: إنّ الله تعالى هو الكمال المطلق، والهدف اللامحدود، فإذا كان هدف الفرد غير محدود فإنّ مسيرته لن تتوقّف؛ إذ كلّما قطع مسافة انفتحت أمامه مسافات أُخرى، وعلى العكس من ذلك فيما لو كان الهدف محدوداً ـ أيّ هدف تفترضه ـ فإنّ المسيرة سوف تتوقّف عند بلوغ ذلك الهدف، والوقوف يعني النقصان وعدم الحركة؛ فمَن رام شهادة في العلم ـ مثلاً ـ توقّفت حركته بنيل تلك الشهادة، ومَن رام معشوقاً انطفأت نار الشوق بالوصول إليه، ونحو ذلك.

والإنسان ـ في الحقيقة ـ لا يقرّ قراره ولا يهدأ باله ولو نال المال، والجاه، والمناصب، وأعلى المراتب، وأعلى الشهادات؛ لأنّه يبحث عن المطلق، والمطلق هو الله تعالى، ولن يقرّ قراره إلّا بذاك، (… أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)[15]، كما أنّ رغبته بالخلود والعزّة، والخلود لا يتحقق إلّا من خلال الارتباط بالخالد العزيز الذي هو الله)عز وجل)، وعليه ينبغي أن يكون هو سبحانه هدفه ومثله الأعلى، فإنّ منه يستمدّ كلّ معاني الخير وصفات الكمال والفضائل اللامحدودة، قال تعالى: (…وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[16].

كيفية عرض الإسلام لمقولة الإنسان الكامل

نظراً لكون الإسلام يمتاز بصفة العالمية والشمولية لجميع البشر، فهو يحرص دائماً على إيصالهم إلى شاطئ الأمان، وإسعادهم في الدنيا وفلاحهم في الآخرة؛ ومن هنا فإنّه بُغية إيصال أكبر قدر ممكن من البشرية إلى الكمال والفلاح والنجاح، نراه يعرض مقولة الإنسان الكامل بطريقين:

الطريق الأول (النظري): قدّم الإسلام الكثير من التعاليم والأوامر والنواهي والمواعظ، من خلال الكتاب العزيز والسنّة المطهّرة، ودعا بل شدّد على الالتزام بها؛ لأنّ الثمرة من ذلك هو الصعود في سلّم الكمال. فكلّما كان الإنسان أكثر التزاماً بالتعاليم الدينية ترقّى وتكامل، وكلّما ابتعد عنها انحدر وتسافل.

الطريق الآخر (العملي) أو (التطبيقي): هو تقديم النموذج للإنسان الكامل، وجعله أُسوةً وقدوةً، والحثّ بل التشديد على اقتفاء أثره، واتّباع سنّته وسيرته. وفي هذا المجال كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) هو القمّة، وهو الرقم الأعلى كمثال وقدوة، وما ذاك إلّا لأنّه جسّد تلك التعاليم النظرية تجسيداً حياً وكاملاً، كما كانت تقول عنه بعض أزواجه أنّه (صلّى الله عليه وآله) «كان خلقه القرآن»[17].

وفي هذا المجال يأتي الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بالدرجة الثانية بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله)، فقد رُوي عنه (صلّى الله عليه وآله): «علي مع القرآن والقرآن معه»[18]، وكذلك عبّر عنه (صلّى الله عليه وآله) حينما برز يوم الخندق لمواجهة عمرو بن عبد ودّ العامري بقوله: «برز الإيمان كلّه»[19]، أضف إلى ذلك قوله (عليه السلام) بحقّ نفسه: «أنا القرآن الناطق»[20].

حديث الثقلين أوضح تطبيق لهذه الفكرة

ويمكن الاستدلال على فكرة أنّ (القرآن وأهل البيت يمثّلان النظرية والتطبيق) بعشرات الأحاديث، المروية عن النبي (صلّى الله عليه وآله)، ولكن أجلى وأوضح مثال لتطبيق هذه الفكرة هو حديث الثقلين، فقد قرنهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بالقرآن، وجعلهم عِدلاً له، كما جاء في صحيح مسلم[21]، وروته عشرات المصادر، وأخرجه الحفّاظ وأئمّة الحديث من كلا الفريقين، فهو من الأحاديث المتواترة. هذا، وأنّ عبارة (كتاب الله وسنّة نبيّه)، لم ترد في الصحاح، وإنّما رواه مالك في الموطأ مرسلاً[22]، فهو ضعيف من هذه الناحية، ولكن من المؤسف أنّ منابر بعض المسلمين وأقلامهم ـ وعلى مدى تاريخ طويل ـ

أعرضوا عن الصحيح المتواتر، وهتفوا بالضعيف المرسل؛ لحاجة في نفوسهم قضوها. وحتّى لو قلنا بصحّة العبارة المذكورة فبالجمع بينها وبين العبارة التي ذكرت (العترة) تكون النتيجة أنّ السنّة إنّما تؤخذ من آل محمد (عليهم السلام).

ولسنا هنا بصدد الدخول في مساجلات حول هذا الموضوع، إلّا أنّ هذا الأمر يُعدّ مؤشّراً على أنّ الحرب على أهل البيت (عليهم السلام) ما زالت قائمة، ولم تضع أوزارها. ويبدو لي أنّ الإصرار على الإعراض عن لفظ (كتاب الله وعترتي) من قِبل القوم مسبب عن خطورة دلالاته؛ إذ إنّ هذا الحديث يدلّ على عصمتهم (عليهم السلام)؛ لمساواتهم بالقرآن، وهو ما قرّره السيّد الأمين في كتابه (أعيان الشيعة) [23].

وقد صرّح أهل البيت (عليهم السلام) في أكثر من نصّ بأنّ القرآن نزل فيهم، ومنها على سبيل المثال: ما في الكافي: عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال: «نزل القرآن أربعة أرباع: ربع فينا، وربع في عدوّنا، وربع سنن وأمثال، وربع فرائض وأحكام»[24].

وفيه أيضاً: عن الأصبغ بن نباتة، قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: «نزل القرآن أثلاثاً: ثلث فينا وفي عدونا، وثلث سنن وأمثال، وثلث فرائض وأحكام»[25].

وقد تقول: أَلا يُعدّ هذا من التعارض؛ إذ تقول بعض الروايات: نزل فينا ربع القرآن، وأُخرى تقول: ثلثه؟

وجوابه:

أوّلاً: لا منافاة بين هذه الأخبار؛ وذلك لأنّ التقسيم المذكور ليس مبنياً على التسوية الحقيقية، ولا على التفريق من جميع الوجوه، فلا بأس باختلافها بالتثليث والتربيع[26].

ثانياً: إنّ اختلاف التقسيم قد يكون ناشئاً من اختلاف اللحاظ أو الاعتبار، وهذا من قبيل: الإناء الذي يكون نصفه مملوءاً ونصفه فارغاً، فتارة يلحظ النصف المملوء، فيقال: هذا الإناء نصفه مملوء، وأخرى يلحظ النصف الفارغ، فيقال: هذا الإناء نصفه فارغ.

ثمّ إنّنا نعتقد بصحّة قولنا: إنّ القرآن كلّه نزل في آل محمد (عليهم السلام)؛ وذلك لأنّ الآيات إن ذكرت محمود الصفات، فهم (عليهم السلام) أعلى مصاديقها، كآيات المؤمنين والمخبتين والمتّقين، وإنّ ذكرت ذميم الصفات، فهي تنطبق على عدوهم أجلى انطباق، كآيات المنافقين والمخادعين والمكذّبين، وإنّ تعرّضت للفرائض والأحكام، فهم (عليهم السلام) خير مَن طبّقها وعمل بها، قال تعالى: (رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ)[27]، وإنّ تعرّضت للسنن والأمثال، فإنّ خير مَن استفاد منها وتفكّر بها هم (عليهم السلام)، قال تعالى: (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ)[28].

وخير شاهد على ما ذهبنا إليه، ما رُوي عن محمد بن مسلم، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «يا محمد، إذا سمعت الله ذكر أحداً من هذه الأُمّة بخير، فنحن هم، وإذا سمعت الله ذكر قوماً بسوء ممَّن مضى، فهم عدونا»[29]. وهذا بحث طويل لا يسعه المقام.

الإمام الحسين (عليه السلام) والقرآن

لقد كان الإمام الحسين (عليه السلام) صنو القرآن بكلّ ما في هذه الكلمة من معنى، فإنّك حين تقرأ سيرة هذا الإمام العظيم يتبيّن لك حضور القرآن في سلوكياته، وكلماته، وحركاته، وسكناته، حتّى يخيّل إليك بأنّك تشاهد قرآناً ـ بدم ولحم ـ يتحرّك على الأرض، فليس هناك اثنينية لتقول عنه: بأنّه إنسان يجسّد القرآن، بل إنّه القرآن بعينه، وليس في ذلك أدنى مبالغة.

ولا يمكننا ـ بحسب طبيعة هذا البحث المختصر ـ الوقوف على المفردات الغزيرة التي يتحرّك فيها القرآن مع الحسين (عليه السلام) في حياته كلّها، ولكنّ ذلك لا يعفينا من قطف بعض الرياحين من واحة سيرته العذبة؛ وممّا لا ريب فيه فإنّ أهمّ حادث في حياته (عليه السلام) هو واقعة الطف الأليمة؛ ولذا سيكون لنا وقفة مع هذه الواقعة من ناحيتين:

الأُولى: مشروعية هذه النهضة قرآنياً.

الثانية: حضور القرآن في هذه النهضة إعلامياً وعملياً.

هذا، بعد أن نمرّ بشكل خاطف على بعض الومضات القرآنية من سيرته (عليه السلام).

ومضات قرآنية من السيرة الحسينية

الومضة الأُولى: القرآن وسلوكياته (عليه السلام)

1ـ قال أنس: «كنت عند الحسين (عليه السلام)، فدخلت عليه جارية بيدها بطاقة ريحان، فحيّته بها، فقال لها: أنتِ حرّة لوجه الله تعالى. [وبُهر أنس فانصرف يقول] فقلت: جارية تحيّيك بطاقة ريحان لا حظّ لها ولا بال فتعتقها؟! فقال (عليه السلام): كذا أدّبنا الله، أَما سمعت قوله تعالى: (وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا…)[30]، وكان أحسن منها عتقها»[31].

2ـ «مرّ الحسين بن علي (عليهما السلام) بمساكين قد بسطوا كساءً لهم، فألقوا عليه كسراً، فقالوا: هلمّ يابن رسول الله، فثنى رجله ونزل، ثمّ تلا: (إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ)[32]، ثمّ قال: قد أجبتكم فأجيبوني. قالوا: نعم يابن رسول الله، وقاموا معه حتّى أتوا منزله، فقال للرباب: أخرجي ما كنت تدّخرين»[33].

الومضة الثانية: من كلماته (عليه السلام) في القرآن

للإمام الحسين (عليه السلام) الكثير من الكلمات القيّمة في مختلف المواضيع القرآنيّة، جُمعت في كتاب (موسوعة كلمات الإمام الحسين (عليه السلام))، نقتبس منها هذه الكلمة القيّمة والمتعلّقة بكتاب الله المجيد: قال (عليه السلام) ـ بحسب ما جاء في الرواية ـ: «كتاب الله على أربعة أشياء: على العبارة، والإشارة، واللطائف، والحقائق، فالعبارة للعوامّ، والإشارة للخواصّ، واللطائف للأولياء، والحقائق للأنبياء»[34].

وهذه الكلمة من أعمق الكلمات التي قيلت في القرآن الكريم، وواضح جداً أنّها تتماها مع ما ورد عن النبي (صلّى الله عليه وآله): «إنّ للقرآن ظهراً وبطناً، ولبطنه بطن، إلى سبعة أبطن»[35].

الومضة الثالثة: أدعية الإمام الحسين (عليه السلام) وعلاقتها بالقرآن

سجّل المحدّثون والرواة مجموعة معتداً بها من الأدعية عن أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، ولكن يبقى دعاء يوم عرفة هو الأهمّ من بينها؛ لخصوصية الزمان الذي يُقرأ فيه، ولعمق المضامين التي وردت فيه، ومَن يقرأ هذا الدعاء يجد أنّ الإمام (عليه السلام) ضمّن الكثير من الآيات الشريفة فيه، وقد يضمّن أحياناً مضمون آية وليس نصّها، فجاء التناصّ (Intertextuality) بديعاً في عرضه، منسجماً في ربطه، ونحن بطبيعة الحال لا يمكننا الوقوف على ما ورد في ذلك الدعاء جميعه، وإلّا سنخرج عن الغاية، وإنّما سنقتصر على مقطع واحد.

جاء في الدعاء: «…وإن تَعْفُ عنّي فبحلمك وجُودك وكرمك، لا إله إلاّ أنت سُبحانك إنّي كُنتُ من الظَّالمين، لا إله إلاّ أنت سُبحانك إنّي كُنتُ من المستغفرين، لا إله إلاّ أنت سُبحانك إنّي كُنتُ من الموحِّدين، لا إله إلاّ أنت سُبحانك إنّي كُنتُ من الخائفين، لا إله إلاّ أنت سُبحانك إنّي كُنتُ من الوجلين، لا إله إلاّ أنت سُبحانك إنّي كُنتُ من الرَّاجين، لا إله إلاّ أنت سُبحانك إنّي كُنتُ من الرَّاغبين، لا إله إلاّ أنت سُبحانك إنّي كُنتُ من المهلِّلين، لا إله إلاّ أنت سُبحانك إنّي كُنتُ من السَّائلين، لا إله إلاّ أنت سُبحانك إنّي كُنتُ من المسبِّحين، لا إله إلاّ أنت سُبحانك إنّي كُنتُ من المكبِّرين، لا إله إلاّ أنت سُبحانك ربّي وربُّ آبائي الأوّلين…»[36].

فقد وظّف (عليه السلام) في صدر كلامه في العبارة أعلاه ـ بحسب الرواية ـ المقطع الوارد في قوله تعالى: (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)[37]، ووظّف مضمون قوله تعالى: (لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ)[38] في العجز، وبين الصدر والعجز، جاء النسج على نمط الآية الأُولى، ليشكّل منظومة من قيم العبودية المركوزة في الحقيقة الإنسانية المتمثّلة بالضعف والحاجة، بين يدي الواحد القهّار، معترفاً له بالوحدانية، مقرّاً بين يديه بعشر صفات ـ علاوةً على صفة الظالمين المذكورة في الآية ـ وكلّها تشي بالتواضع والذوبان أمام الملك الجبار، فهو من: (الظالمين، المستغفرين، الموحدين، الخائفين، الوجلين، الراجين، الراغبين، المهلّلين، السائلين، المسبّحين، المكبّرين).

ثمّ إنّه ممّا لا ريب فيه: أنّ هذه الصفات لم ترتّب بهذا النسق اعتباطاً، وإنّما هي مقصودة الاختيار والترتيب، فالظلم هو الذنب أو التقصير عموماً أمام الله تعالى، وهو ما يستدعي التوبة والاستغفار، وهو لا يكون إلّا بعد الاعتراف لله بالوحدانية، (الظالمين، المستغفرين، الموحدين)، ويبقى العبد مع ذلك بين الخوف والرجاء، الخوف والوجل من احتمال الطرد وعدم القبول، والرجاء والرغبة بالعفو والرضا، (الخائفين، الوجلين، الراجين، الراغبين)؛ وحتّى تكون حوائجه منَجَّزة، لا بدّ له أن يكون ذاكراً مرطّباً لسانه بالتهليل والتسبيح، وما بينهما سؤال، (المهلّلين، السائلين، المسبّحين)، وتهليله)عز وجل) هو الفزع إليه في الأهوال، كما ورد: «أعددتُ لكلّ هولٍ لا إله إلاّ الله…»[39]، وتسبيحه هو تنزيهه من كلّ عيب ونقص يخطر في الذهن أو يظهر على اللسان. وبعد هذا التسبيح تصل النوبة إلى صفة (المكبّرين)، أي: إنّ الله تعالى أكبر من أن يوصف كما في بعض الروايات[40]، وأكبر من كلّ ما يخطر في الذهن، أو يتصوّره الخيال، وممّا يُرى وممّا لا يُرى. وأخيراً، ذيّل الإمام (عليه السلام) كلامه بالاعتراف بربوية الله تعالى له ولآبائه الأوّلين (عليهم السلام).

حضور القرآن في النهضة الحسينية

قلنا فيما مضى من البحث : إننا سنتناول هذا المحور من ناحيتين:

الأُولى: مشروعية النهضة الحسينية قرآنياً.

الثانية: حضور القرآن فيها إعلامياً وعملياً.

الناحية الأُولى: مشروعية النهضة الحسينية قرآنياً

اعلم أنّه لم يُشرّع القتال والجهاد في الشريعة الإسلامية إلّا لأجل أهداف مقدّسة ونبيلة، أهمّها وأبرزها ثلاثة:

الأوّل: الدفاع عن النفس، قال تعالى: (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)[41].

لاحظ أنّ الآية لا ترضى بالردّ على الاعتداء إلّا بمقدار المثل؛ من دون أيّ زيادة؛ لأنّ الزيادة سوف تكون من مصاديق الظلم.

وهذا الردّ يكون له شكلان كما لا يخفى:

الشكل الأوّل: الدفاع الفردي ـ إنّ صحّ التعبير ـ الذي يحصل عندما يتعرّض الفرد ومَن بمعيته ـ من المال والولد والأهل ـ للاعتداء.

الشكل الثاني: الدفاع الجماعي، وذلك فيما لو تعرّضت الأُمّة الإسلامية للاعتداء.

الثاني: حماية المظلومين والمستضعفين والدفاع عنهم، قال تعالى: (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا)[42].

الثالث: إزالة الموانع التي تقف في طريق هداية الناس، ومنها الطواغيت والفراعنة الذين يستعبدون الأُمم، ويمنعون من وصول الهداية إلى المجتمعات، أو يُخرجون الناس من دينهم بالنار والحديد. لاحظ ماذا يقول فرعون لجماعته كما يحكي عن ذلك قوله تعالى: (…قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ)[43]، فهذه الظاهرة الفرعونية يحاربها الإسلام ويسقطها، قال تعالى: (…فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ)[44]، لكي يتنسّم المجتمع نسيم الحرية، ويترك بعد ذلك الخيار للأفراد والمجتمعات في اعتناق الدين الذي يريدونه؛ لأنّ الإسلام من حيث المبدأ لا يُجبر أحداً على اتّخاذه ديناً، كما قال تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ…)[45].

وفي اصطلاح الفقهاء يُسمّى القسم الأوّل والثاني بالجهاد الدفاعي، والقسم الثالث بالجهاد الابتدائي.

وإذا تأمّلنا في هذه الأقسام نجدها ـ كلّها ـ يمكن أن تصلح كغطاء شرعي لحركة سيّد الشهداء (عليه السلام)؛ أمّا القسم الثالث، فإنّ ممّا لاريب فيه أنّ بني أُميّة اختطفوا الخلافة والإمامة السياسية خطفاً من يد الخليفة الشرعي الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في خصوص الشام، ومن بعده من الإمام الحسن (عليه السلام) في عموم الدولة الإسلامية، وحوّلوها إلى ملك عضوض كالقيصرية والكسروية، يتوارثها الأبناء والأحفاد من الآباء والأجداد، وهم مع ذلك غير أكفاء، بل عاثوا في الأرض الفساد، وحلّلوا الحرام، وحرّموا الحلال، ونشروا التحلّل والسقوط الأخلاقي، وهجروا الكتاب والسنّة، واتّخذوا مال الله دولاً وعباده خولاً.

إذن؛ كانت حركت الحسين (عليه السلام) أوّلاً وبالذات دفاعاً عن بيضة الإسلام، وكيان المسلمين الذي كاد أن ينهار على يد بني أُميّة.

وأمّا القسم الثاني ـ الدفاع عن المظلومين ـ فإنّه ممّا لا ريب فيه أنّ ظلم بني أُميّة قد عمّ المسلمين جميعاً في طول وعرض رقعة البلاد الإسلامية، وهم بذلك يريدون تدجين المجتمع الإسلامي وإخضاعه بسلطة النار والحديد، وبالفعل فقد تمّ تحويل المجتمع في الغالب إلى ظالم ومظلوم، فالظالم هو السلطة، وأركانها، وأعوانها، ومرتزقتها، والمظلوم هو عموم المسلمين الذين مورست ضدّهم سياسة التجويع، والتهجير، والتقتيل، فكان الواجب على الإمام الحسين (عليه السلام) أن يتحرّك لإنقاذ الوضع، «وعلى هذا الضوء تتميّز الألوان، ونفهم سرّ قبول الحسين (عليه السلام) لدعوة الكوفيين، فإنّ ذلك القبول كان وفق تكليفه الظاهري الذي لو تخلّف عنه لأُشكل عليه ألف مشكل بما معناه: إنّ الحسين دعته الأُمّة للإمامة، وندبته لمناجزة الطغاة، ولكنّه قعد عن واجبه، وترك الأُمّة ترزح تحت سياط الطغاة»[46].

وأمّا القسم الأوّل، فيتّضح من كون الحسين (عليه السلام) ـ من حيث المبدأ والمنتهى ـ لم يكن لديه حركة عسكرية مسلّحة ضدّ السلطة آنذاك، ولو كان الأمر كذلك لحشّد ما استطاع أن يحشّد لمواجهتها، وإنّما امتنع من البيعة للسلطة فقط لينزع عنها ثوب الشرعية، ولكنّهم لم يتركوه ـ كما ترك الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) الجماعة الذين تخلّفوا عن بيعته ـ وإنّما خيّروه بين البيعة والقتل، أو كما قال (عليه السلام): «بين السلّة والذلّة»[47]، والذلّة (الناجمة عن البيعة) تعني نقض عرى الإسلام بتسلّط يزيد، كما قال (عليه السلام): «وعلى الإسلام السلام إذ قد بُليت الأُمّة براعٍ مثل يزيد»[48].

ولمّا لم يترك بنو أُميّة الإمامَ (عليه السلام) وشأنه، ونصبوا له الكمائن وحاولوا قتله، خرج بضعينته دفاعاً عن نفسه وعياله، هذا كلّه بناءً على الشكل الأوّل.

وأمّا على الشكل الثاني (الدفاع الجماعي)، فقد تبيّن من مجموع ما تقدّم، خصوصاً مع ملاحظة أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) قد عُرضت عليه ـ بحسب الكتب التي وردت عليه من أهل الكوفة ـ قيادة هذه الحملة الجهادية ضدّ مَن أراد القضاء على بيضة الإسلام.

الناحية الثانية: حضور القرآن في النهضة الحسينية إعلامياً وعملياً

إنّ المتتبّع لحركة سيّد الشهداء (عليه السلام)، يجد أنّ القرآن الكريم كان حاضراً في جميع مفاصل هذه النهضة، منذُ انطلاقتها الأُولى يوم خروجه (عليه السلام) من مدينة جدّه (صلّى الله عليه وآله)، وإلى لحظة مصرعه على صعيد الطفّ، بل وحتّى بعد ذلك، فقد روت مصادر الفريقين أنّ رأسه الشريف (عليه السلام) كان يتلو القرآن في أكثر من مناسبة. وسيتبيّن للقارئ العزيز هذا الحضور الواسع لكتاب الله المجيد من خلال استعراضنا شبكة الآيات التي تخلّلت تلك الحركة المباركة[49].

* فيوم خرج من المدينة المنوّرة تلا قوله تعالى: (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)[50].

* ودخل مكّة المكرّمة وهو يتلو قوله تعالى: (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ)[51].

* وعند خروجه منها قرأ قوله تعالى: (…وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا)[52].

* وفي الطريق ـ وبعد وصول خبر مقتل مسلم بن عقيل (عليه السلام) ـ عندما بلغ منزل الثعلبية، أتاه رجل فسأله عن قوله تعالى: (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ…)[53]، فقال (عليه السلام): «إمام دعا إلى هدى فأجابوا إليه، وإمام دعا إلى ضلالة فأجابوا إليها، هؤلاء في الجنّة وهؤلاء في النار، وهو قوله تعالى: (…فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ)»[54].

* وبعد لقائه بالحرّ بن يزيد الرياحي خطب (عليه السلام) خطبتين، وممّا جاء في الخطبة الثانية منهما: «وقد أتتني كتبكم وقدِمت عليّ رُسلكم ببيعتكم أنّكم لا تسلّموني ولا تخذلوني، فإن أتممتم عليّ بيعتكم تصيبوا رشدكم… وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدكم، وخلعتم بيعتي من أعناقكم… فحظّكم أخطأتم ونصيبكم ضيّعتم، (ومَن نكث فإنّما ينكث على نفسه)[55]، وسيُغني الله عنكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته»[56].

* وفي عذيب الهجانات وافاه خمسة رجال خارجين من الكوفة، وهم عمرو ابن خالد الصيداوي، وسعد مولاه، ومجمع بن عبد الله المذحجي، ونافع بن هلال، ودليلهم الطرمّاح، فسألهم (عليه السلام) عن حال الكوفة، وكان من جملة ما سألهم عن حال رسوله إليهم (قيس بن مسهر الصيداوي) فقالوا: نعم، أخذه الحصين بن نمير فبعث به إلى ابن زياد، فأمر به، فأُلقي من أعلى القصر فمات، فترقرقت عينا الحسين (عليه السلام)، وقرأ قوله تعالى: (…فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)[57].

* وفي قصر بني مقاتل التقى بعبيد الله بن الحرّ الجعفي، ودعاه لنصرته، إلّا أنّه اعتذر عن ذلك خوف الموت، وأراد أن يهدي الإمام (عليه السلام) فرسه السريعة المسمّاة بـ(المُلحِقة)، فقال له (عليه السلام): أمّا إذا رغبت بنفسك عنّا فلا حاجة لنا في فرسك، (وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا)[58].

* وقُبيل وصوله (عليه السلام) قرى الطفّ، سمعه ابنه علي الأكبر (عليه السلام) يتلو قوله تعالى: (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ)[59]، مع قوله تعالى: (وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[60]، فسأله عن ذلك، فقال: خفقتُ برأسي فعنَّ لي فارس يقول: القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم، فعلمت أنّها أنفسنا نُعيت إلينا.

* وفي جوابه (عليه السلام) على كتاب[61] عبيد الله بن زياد الذي أرسله إليه عند نزوله (عليه السلام) إلى كربلاء، قال للرسول: ما له عندي جواب؛ لأنّه حقّت عليه كلمة العذاب.

أقول: وقد ورد مضمون هذه الآية في الكتاب العزيز في موضعين:

الأوّل: قوله تعالى: (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ)[62].

الثاني: قوله تعالى: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ)[63].

* وفي كربلاء زحفت الجيوش ليلة العاشر نحو خيامه (عليه السلام)، فطلب من أخيه العباس (عليه السلام) أن يذهب إليهم ويستمهلهم تلك العشية، وقال: «لعلّنا نصلّي لربّنا الليلة، وندعوه ونستغفره، فهو يعلم أنّي أحبّ الصلاة له، وتلاوة كتابه، وكثرة الدعاء والاستغفار…[وقد سُمع (عليه السلام) تلك الليلة يتلو قوله تعالى:[ (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ * مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ..)[64]»[65].

* وفي صبيحة اليوم العاشر، أقبل القوم يجولون حول البيوت، فيرون النار تضطرم في الخندق الذي حفره الحسين (عليه السلام) وأصحابه خلف الخيام؛ ليقاتلوا من جهة واحدة، فصاح شمر: «يا حسين، تعجّلت بالنار قبل يوم القيامة، فقال الحسين (عليه السلام): مَن هذا؟ كأنّه شمر بن ذي الجوشن! قيل: نعم. فقال (عليه السلام): يابن راعية المعزى، أنت أوْلى بها منّي صلياً»[66].

ومن الواضح أنّه (عليه السلام) ضمّن كلامه هنا قوله تعالى: (ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا)[67].

* وخطب الإمام الحسين (عليه السلام) أكثر من خطبة صبيحة عاشوراء، فجاء في خطبته الأُولى: «أيّها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتّى أعظكم بما هو يحقّ لكم عليّ، وحتّى أُعذر إليكم، فإن أعطيتموني النصف كنتم بذلك أسعد، وإن لم تعطوني النصف من أنفسكم (فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ)، (إِنَّ وَلِيِّـيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ).

[إلى أن يقول (عليه السلام) منادياً:] يا عباد الله، (إنّي عُذت بربّي وربّكم أن ترجُمون)[68]، (أعوذ بربّي وربّكم من كلّ متكبّر لا يؤمن بيوم الحساب)[69]»[70].

* وفي الخطبة الثانية فإنّه (عليه السلام) بعدما استحلفهم بكتاب الله، وعرّفهم بنفسه، واستشهدهم على ذلك، وأنّبهم، قال لهم: «أَما والله لا تلبثون بعدها إلّا كريثما يُركب الفرس حتّى تدور بكم دور الرحى، وتقلق بكم قلق المحور، عهد عهده إليّ أبي عن جدّي رسول الله، (فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ)[71]، (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)[72].

ثمّ رفع يديه نحو السماء، وقال: اللهمّ احبسْ عنهم قطر السماء وابعث عليهم سنين كسني يوسف، وسلّط عليهم غلام ثقيف، يُسقيهم كأساً مصبرة، فإنّهم كذّبونا وخذلونا، و(أنت ربّنا عليك توكّلنا وإليك المصير)[73]»[74].

* وحين حمي الوطيس كان كلّ مَن أراد الخروج من أصحابه (عليه السلام) يودعه بقوله: السلام عليك أوْلى رسول الله، فيجيبه (عليه السلام): وعليك السلام، ونحن من خلفك، ثمّ يقرأ[75]: (فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)[76].

* وحين برز علي الأكبر ترقرقت عينا الإمام (عليه السلام) بالدموع، «ثمّ رفع سبابتيه نحو السماء وقال: اللهمّ كن أنت الشهيد عليهم، فقد برز إليهم غلام أشبه الناس برسولك خلقاً وخُلقاً ومنطقاً، وكنّا إذا اشتقنا إلى رؤية نبيّك نظرنا إليه، اللهمّ فامنعهم بركات الأرض، وفرقهم تفريقاً، ومزقهم تمزيقاً، واجعلهم طرائق قدداً، ولا تُرضِ الولاة عنهم أبداً، فإنّهم دعونا لينصرونا، ثمّ عدوا علينا يقاتلوننا، ثمّ تلا قوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )[77]»[78].

* ومن ذلك قوله لأُخته العقيلة زينب (عليها السلام) ليلة العاشر: «أُختاه، اتقي الله وتعزّي بعزاء الله، واعلمي أنّ أهل الأرض يموتون، وأهل السماء لا يبقون، و(…كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ…)[79]… وليَ ولكلّ مسلم برسول الله (صلّى الله عليه وآله) أُسوةٌ»[80].

هذا ما سنح لنا رصده ونقله من النصوص المنقولة عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وهو فهرسة سريعة للآيات التي تلاها (عليه السلام) في تلكم المواقف، وربّما مع زيادة البحث يمكن العثور على أكثر من ذلك، هذا مع الأخذ بنظر الاعتبار النقاط الآتية:

النقطة الأُولى: إنّ هناك الكثير من كلمات الإمام الحسين (عليه السلام) التي أُدرجت فيها مضامين لآيات شريفة، أعرضنا عنها صفحاً؛ لأنّ المقام سيطول بنا، منها على سبيل المثال قوله لأخته العقيلة زينب (عليها السلام) في ذيل الكلمة السابقة: (وليّ ولكلّ مسلم برسول الله أُسوة حسنة).

ومن الواضح أنّ هذا هو مضمون قوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)[81].

النقطة الثانية: علاوة على ما ذُكر من نصوص الآيات، فإنّه توجد جملة من أسماء الأنبياء (عليهم السلام)، وقصص الأُمم السالفة، التي وردت في القرآن، جرى ذكرها على لسان أبي عبد الله (عليه السلام)، كيوسف، ويعقوب، وناقة صالح، وأصحاب السبت، ومؤمن آل فرعون، وقوم سبأ، وغير ذلك.

النقطة الثالثة: وإذا ضممنا إلى ذلك الآيات التي استشهد بها وتلاها أصحاب الحسين (عليه السلام)، صار الكمّ كبيراً نسبياً، مثلاً: قال المؤرّخون: وتقدّم حنظلة بن سعد الشبامي بين يدي الحسين (عليه السلام)، فنادى أهل الكوفة: (وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)[82].

ومن الطبيعي أنّنا نأخذ بالآيات التي تلاها الأنصار ونجعلها بمصافّ كلمات الحسين (عليه السلام)، وذلك للاستدلال التالي:

إنّ جملة من أصحاب الحسين (عليه السلام) يُعدّون من أهل الفضل في الدين، ومن قرّاء وحفظة القرآن الكريم، وهم قوم أولو بصائر، كما شهد لهم العدو بذلك؛ وذلك لمّا أكثروا القتل في العدو، صاح عمرو بن الحجّاج بأصحابه: «أَتدرون مَن تقاتلون؟ تقاتلون فرسان المصر، وأهل البصائر، وقوماً مستميتين»[83].

النقطة الرابعة: لا يخفى أنّ الرأس الشريف لأبي عبد الله (عليه السلام) قد تكلّم في أكثر من مناسبة، والروايات التي نقلت ذلك منها ما رُويت في مصادر الفريقين، ومنها ما تفرّدت به مصادر الإمامية، ومن جملتها: ما يُروى عن زيد بن أرقم (الصحابي) أنّه قال ما مضمونه: بعد أن أمر ابن زياد بأن يُطاف برأس الحسين (عليه السلام) في سكك الكوفة، كنت في غرفة لي فمروا عليَّ بالرأس، وهو يقرأ: (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا)[84]، قلت: والله يابن رسول الله، رأسك أعجب وأعجب[85].

النقطة الخامسة: ويُضاف إلى ذلك كلّه أنّنا يمكننا رصد الكثير من القيم القرآنية التي تجسّدت في هذه النهضة المباركة، منها على سبيل المثال: أنّه (عليه السلام) حافظ على العهد والميثاق الذي قطعه أخوه الإمام الحسن (عليه السلام) في معاهدة الصلح طالما كان معاوية حيّاً، قال تعالى:(وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً)[86].

ومنها: أنّه (عليه السلام) رفض الركون إلى الظالمين مطلقاً، وهذا ينسجم مع قوله تعالى: (وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ…)[87].

ومنها: أنّه (عليه السلام) حاول جاهداً تجنّب الصدام العسكري وإراقة الدماء، منذُ رفضه للبيعة وإلى أن حانت ساعة الصفر؛ ويشهد لذلك: أنّ أحد أصحابه أراد أن يقتل الشمر، فقال له الحسين (عليه السلام): لا ترمه، فإنّي أكره أن أبدأهم بقتال[88]. وهذا أوّلاً: احتياط في الدماء، وثانياً: لأنّ المعركة وقعت في الشهر الحرام، وهو ما ينسجم مع قوله تعالى: (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)[89].

ومنها: أنّنا نجد أنّه (عليه السلام) يُثني على أصحابه حين يذكّرونه بحلول الزوال الذي هو أوّل وقت الصلاة، فيترك القتال، ويستعدّ هو ومَن بقيَ من أصحابه لإقامتها والسهام تنزل عليهم كرشق المطر، وهو تطبيق لقوله تعالى: (حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ)[90].

وليس باستطاعتنا ـ في هذه العجالة ـ استقصاء جميع القيم القرآنية التي تجسّدت في حركة سيّد الشهداء (عليه السلام)، فهناك الكثير الكثير من قيم الشرف والبطولة والرجولة والصبر والإيثار والمواسات والتضحية والرضا والتسليم؛ ممّا يُعدّ من قيم الجمال كما رأته العقيلة زينب (عليها السلام) حين سألها الطاغية ابن مرجانة: كيف رأيتِ فعل الله بأهل بيتك؟

فقالت (عليها السلام): ما رأيت إلا جميلاً…[91]. فكأنّها (عليها السلام) أرادت أن تقول: إنّ لواقعة الطفّ وجهين: وجه جميل تجسّدت فيه القيم القرآنية التي ظهرت في أفعال أهل بيتي، ووجه آخر قبيح تجسّدت فيه الخسّة، والنذالة، والضعة، والقسوة، والنفاق، والارتداد، وغير ذلك، وهو الذي تجسّد في فعلك يابن مرجانة، وفعل أزلامك، وأنتج هذه المأساة العظمى، ولذلك غضب لعنة الله عليه؛ لأنّه فهم لحن الكلام

عوداً على بدء

بعد استعراض كلّ ما تقدّم نقول وبضرس قاطع: إنّ كلّ ما حِيك من مقولات باطلة ضدّ سيّد الشهداء (عليه السلام) ـ التي تقدّم ذكرها في مطلع البحث ـ لتخطئته وتخطئة

نهضته المباركة، إنّما هو نسيج باطل أوهن من بيت العنكبوت، يعود على أهله بالوبال، وإنّ القائلين به إنّما كشفوا عن عوراتهم، وأظهروا بذلك جهلهم، فكيف يقاس ريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وسبطه، وسيّد شباب أهل الجنّة، بالطاغية مُلاعب القرود، وشارب الخمور، ومرتكب الفجور، وإن تعجب فعجب قولهم: إنّ يزيد إمام الزمان، والحسين (عليه السلام) خارج عليه، مالكم كيف تحكمون؟! وبأيّ وجه لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) يوم الحشر تلاقون، وبأيّ عذر تعتذرون؟! (…كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ)[92]، (يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)[93].

والحمد لله أوّلاً وآخراً وظاهراً وباطناً.

الشيخ عبد الرزاق الندّاوي-باحث وكاتب إسلامي من العراق/مؤسسة وارث الأنبياء

————————-

المقالات المنشورة بأسماء أصحابها تعبر عن وجهة نظرهم ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع

————————–

المصادر والمراجع

* القرآن الكريم.

* نهج البلاغة (خطب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام))، جمع: الشريف الرضي، تحقيق: صبحي صالح، الطبعة الأُولى، 1387هـ/1967م.

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي، المعروف بالشيخ المفيد (ت413هـ)، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثانية، 1414هـ/1993م.

أعيان الشيعة، محسن الأمين العاملي (ت1371هـ)، تحقيق: حسن الأمين، دار التعارف للمطبوعات، بيروت ـ لبنان.

الأمالي، محمد بن الحسن الطوسي (ت460هـ)، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية ـ مؤسّسة البعثة، دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع، قم المقدّسة، الطبعة الأُولى، 1414هـ.

الإنسان الكامل، مرتضى مطهّري (ت1400هـ)، منشورات مؤسّسة البعثة، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثانية، 1412هـ/1992م.

أهداف نهضة سيّد الشهداء في كلمات الفقهاء، عبد الرزّاق النداوي، دار القارئ، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 1431هـ/2010م.

التفسير الصافي، محسن الفيض الكاشاني (ت1091هـ)، مكتبة الصدر، طهران، الطبعة الثانية، 1416هـ/1374ش.

تفسير العيّاشي، محمد بن مسعود العيّاشي (ت320هـ)، تحقيق: السيّد هاشم الرسولي المحلّاتي، المكتبة العلمية الإسلامية، طهران.

تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل، محمد بن الطيّب الباقلاني (ت403هـ)، تحقيق: عماد الدين أحمد حيدر ـ مؤسّسة الخدمات والأبحاث الثقافية، مؤسّسة الكتب الثقافية، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثالثة، 1414هـ/1993م.

روضة الطالبين، يحيى بن شرف النووي الدمشقي (ت676هـ)، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود، وعلى محمد معوض، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان.

صحيح مسلم (الجامع الصحيح)، مسلم النيسابوري (ت261هـ)، دار الفكر، بيروت ـ لبنان.

تفسير الصراط المستقيم، حسين البروجردي (ت1340هـ)، تحقيق: غلام رضا مولانا البروجردي، مؤسّسة المعارف الإسلامية، قم المقدّسة ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1422هـ.

الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة، علي بن محمد المالكي، المعروف بابن الصبّاغ (ت855هـ)، تحقيق: سامي الغريري، دار الحديث للطباعة والنشر، الطبعة الأُولى، 1422هـ.

الكافي، محمد بن يعقوب الكليني (ت 328/329هـ)، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفّاري، دار الكتب الإسلامية، طهران، الطبعة الرابعة، 1365ش.

كنز الفوائد، محمد بن علي الكراجكي (ت449هـ)، مكتبة المصطفوي، قم المقدّسة، الطبعة الثانية، 1369ش.

لسان العرب، محمد بن مكرم، المعروف بابن منظور (ت711هـ)، منشورات أدب الحوزة، 1405هـ.

لواعج الأشجان، محسن الأمين العاملي (ت1371هـ)، منشورات مكتبة بصيرتي، قم المقدّسة، 1331هـ.

مستدرك الوسائل، ميرزا حسين النوري الطبرسي (ت١٢٢٠هـ)، نشر مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)، بيروت ـ لبنان.

مسند أحمد، أحمد بن حنبل (ت241هـ)، دار صادر، بيروت ـ لبنان.

مصابيح الظلام في شرح مفاتيح الشرائع، محمد باقر الوحيد البهبهاني (ت1205هـ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني(رحمه الله)، الطبعة الأُولى، 1424هـ.

مفاتيح الجنان، عباس القمّي (ت1359هـ)، تعريب: السيّد محمد رضا النوري النجفي، مكتبة العزيزي، قم المقدّسة، الطبعة الثالثة، 1385ش.

مقتل الحسين (عليه السلام)، عبد الرزّاق المقرّم (ت1391هـ)، انتشارات الشريف الرضي(رحمه الله).

مقتل الحسين (عليه السلام)، عبد الرزّاق المقرّم (ت1391هـ)، مطبعة الآداب، النجف الأشرف، الطبعة الرابعة، 1392هـ/1972م.

موسوعة كلمات الإمام الحسين (عليه السلام)، لجنة الحديث في معهد باقر العلوم (عليه السلام)، دار المعروف للطباعة والنشر، الطبعة الثالثة، 1416هـ/1995م.

الموطأ، مالك بن أنس (ت179هـ)، تصحيح وتعليق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان، 1406هـ/1985م.

الهدف السامي، مرتضى مطهّري (ت1400هـ)، قسم العلاقات الدولية ـ منظمة الإعلام الإسلامي، 1403هـ.

وسائل الشيعة، محمد بن الحسن الحرّ العاملي (ت1104هـ)، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، قم المقدّسة، الطبعة الثانية، 1414هـ.

[1] نقل القاضي أبو بكر الباقلاني بأنّ الجمهور يذهب إلى أنّ الإمام لا ينخلع بفسقه وظلمه، وبغصب الأموال، وضرب الأبشار، وتناول النفوس المحرّمة، وتضييع الحقوق، وتعطيل الحدود، ولا يجب الخروج عليه، بل يجب وعظه وتخويفه، وترك طاعته في شيء ممّا يدعو إليه من معاصي الله.واحتجّوا في ذلك بأخبار كثيرة متظاهرة عن النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) وعن أصحابه في وجوب طاعة الأئمّة وإن جاروا واستأثروا بالأموال.اُنظر: القاضي الباقلاني، محمد بن الطيّب، تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل: ص478.كما قيل في هذا الصدد أيضاً: «إذا ثبتت الإمامة بالقهر والغلبة، فجاء آخر، فقهره، انعزل الأوّل، وصار القاهر الثاني إماماً».النووي، يحيى بن شرف، روضة الطالبين: ج7، ص267.

[2] النيسابوري، مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم: ج6، ص20.

[3] المصدر السابق: ج6، ص22.

[4] القمّي، الشيخ عباس، مفاتيح الجنان: ص520.

[5] اُنظر: مطهّري، مرتضى، الهدف السامي: ص49 وما بعدها.وكتابه الآخر: الإنسان الكامل: ص86 وما بعدها.

[6] اُنظر: النيسابوري، مسلم بن الحجّاج، صحيح مسلم: ج8، ص56.

[7] التبيُّغ: الهيجان والغلبة.اُنظر: ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب: ج8، ص422.

[8] نهج البلاغة، (خطب أمير المؤمنين (عليه السلام)): ص325.

[9] الأنفال: آية60.

[10] الأعراف: آية31.

[11] الكهف: آية107.

[12] المجادلة: آية11.

[13] الفتح: آية29.

[14] نسب هذا القول إلى السيد محمد محمد صادق الصدر(قدس سرة).

[15] الرعد: آية28.

[16] النحل: آية60.

[17] ابن حنبل، أحمد، مسند أحمد: ج6، ص91.

[18] الطوسي، محمد بن الحسن، الأمالي: ص460.

[19] الكراجكي، محمد بن علي، كنز الفوائد: ص137.

[20] البروجردي، حسين، تفسير الصراط المستقيم: ج3، ص118.

[21] اُنظر: النيسابوري، مسلم بن الحجّاج، صحيح مسلم: ج7، ص123.

[22] اُنظر: ابن أنس، مالك، الموطأ: ج2، ص899.

[23] اُنظر: الأمين، محسن، أعيان الشيعة: ج1، ص370.

[24] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج2، ص628.

[25] المصدر السابق: ج2، ص627.

[26] اُنظر: الفيض الكاشاني، محسن، التفسير الصافي: ج1، ص24.

[27] النور: آية37 ـ 38.

[28] العنكبوت: آية43.

[29] العيّاشي، محمد بن مسعود، تفسير العيّاشي: ج1، ص13.

[30] النساء: آية86.

[31] ابن الصبّاغ، علي بن محمد، الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة: ج2، ص768.

[32] النحل: آية23.

[33] الحرّ العاملي، محمد بن الحسن، وسائل الشيعة: ج24، ص300 ـ 301.

[34] لجنة الحديث في معهد باقر العلوم (عليه السلام)، موسوعة كلمات الإمام الحسين (عليه السلام): ص662.

[35] الوحيد البهبهاني، محمد باقر، مصابيح الظلام في شرح مفاتيح الشرائع: ج1، ص28.

[36] القمّي، عباس، مفاتيح الجنان: ص419.

[37] الأنبياء: آية87.

[38] الدخان: آية8.

[39] الطبرسي، ميرزا حسين النوري، مستدرك الوسائل: ج٥، ص٣٧٩.

[40] اُنظر: الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج1، ص118.

[41] البقرة: آية194.

[42] النساء: آية75.

[43] غافر: آية29.

[44] التوبة: آية12.

[45] البقرة: آية256.

[46] النداوي، عبد الرزّاق، أهداف نهضة سيّد الشهداء في كلمات الفقهاء: ص278.

[47] الأمين، محسن، أعيان الشيعة: ج1، ص603.

[48] المصدر السابق: ج1، ص581.

[49] للوقوف على المواقف التي مرّ بها الإمام الحسين (عليه السلام)، والآيات الكريمة التي تلاها في هذا الاستعراض.اُنظر: المقرّم، عبد الرزّاق، مقتل الحسين (عليه السلام): ص153ـ 303.

[50] القصص: آية2.

[51] القصص: آية22.

[52] الأحزاب: آية38.

[53] الإسراء: آية71.

[54] الشورى: آية7.

[55] هذا المقطع إشارة إلى قوله تعالى: : (فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ). الفتح: آية10.

[56] المقرّم، عبد الرزاق، مقتل الحسين (عليه السلام): ص217.

[57] الأحزاب: آية23.

[58] الكهف: آية51.

[59] البقرة: آية156.

[60] الأنعام: آية45.

[61] ونصّ الكتاب هو: «أمّا بعد، يا حسين، فقد بلغني نزولك كربلاء، وقد كتب إليّ أمير المؤمنين

يزيد بن معاوية: أن لا أتوسّد الوثير، ولا أشبع من الخمير، أو أُلحقك باللطيف الخبير، أو تنزل إلى حكمي وحكم يزيد.والسلام».المقرّم عبد الرزّاق، مقتل الحسين (عليه السلام): ص196.

[62] الزمر: آية19.

[63] الزمر: آية71.

[64] آل عمران: آية178ـ 179.

[65] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص91 ـ 94.

[66] البياتي، جعفر، الأخلاق الحسينية: ص305.

[67] مريم: آية70.

[68] إشارة إلى قوله تعالى: (وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ) الدخان: آية20.

[69] إشارة إلى قوله تعالى: (إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ).غافر: آية27.

[70] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص97 ـ 98.اُنظر: المقرّم، عبد الرزّاق، مقتل الحسين (عليه السلام): ص227 ـ 229.

[71] يونس: آية71.

[72] هود: آية56.

[73] إشارة إلى قوله تعالى: (رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ).الممتحنة: آية4.

[74] المقرّم، عبد الرزّاق، مقتل الحسين (عليه السلام): ص281.

[75] الموجود في المصدر: «ثمّ يقرأ: ومنهم مَن قضى نحبه ومنهم…»، ولعلّ هذا التبديل وقع بسبب سهو القلم الشريف للكاتب أو اشتباه الراوي.

[76] الأحزاب: آية23.

[77] آل عمران: آية33ـ34.

[78] الأمين، محسن، لواعج الأشجان: ص169.

[79] القصص: آية88.

[80] البياتي، جعفر، الأخلاق الحسينية: ص53.

[81] الأحزاب: آية21.

[82] غافر: آية30ـ33.

[83] المقرّم، عبد الرزاّق، مقتل الحسين (عليه السلام): ص290.

[84] الكهف: آية9.

[85] اُنظر: المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص117.

[86] الإسراء: آية34.

[87] هود: آية113.

[88] اُنظر: الأمين، محسن، لواعج الأشجان: ص123.

[89] البقرة: آية194.

[90] البقرة: آية238.

[91] اُنظر: المقرّم، عبد الرزّاق، مقتل الحسين (عليه السلام): ص404.

[92] غافر: آية35.

[93] غافر: آية52.

مقالات ذات صلة