شفقنا العراق-خَلَق اللهُ تعالي الانسانَ في أفضَل صورة، وقرّر أن يبلَغ هذا الإنسانُ مرحلةً من الكمال اللائق به، وأودع في كيانه رغبة إلي الكمال، ومَكّنَهُ من الحركة باتجاهه، والسعي لنيله.
إنَّ الانسانَ بحاجة إلي برنامجٍ، ومرشدٍ، لسلوك طريق الحياة، وضمان سَعادته الحقيقية. وبدون ذلك لا يستطيع أن يصل إلي كماله المنشود، ويحقق سعادته المطلوبة.
إنّ الانسانَ لا يتمكَّن ـ بمفردهِ ـ أن يكتشف برنامج حياته، وطريق تكامله، كما لا يمكنه بمفردهِ أن يطبَّق ذلك البرنامج، وينفّذه علي نفسه وعلي الآخرين، بل يحتاج ـ لمعرفة ذلك الطريق و سلوكه ـ إلي خالقِ الكون، ورُسُلهِ و أنبيائِهِ .. ومن هنا نقف علي ضرورة إرسال الأنبياء وبَعْثِ الرسُل .. ونحن ندرس هذا الموضوع في مرحلتين:
الاولي: دراسة الإنسان، ودراسة حاجته إلي برنامج الحياة، والخصائص التي يجب أن يتّسِمَ بها «البرنامجُ السعيدُ».
الثانية: التعريف بواضع البرنامَجِ الكاملِ الصالحِ.
1ـ لقد ثَبَت في مجال العلوم العقليّة ـ أنَّ الانسانَ مُرَكّبُ من الجَسَد والرُّوح، فَمن جهة الجَسَد هو مثل كلّ الأشياء المادية عُرضةُ للحركة والتغيرُّ، والتبدُّل والتحوُّل.
ومن جهة الرّوح يُعدّ من عالَم المجرّدات، ولكنَّ بين الروح والجسد منتهي الترابط والعلاقة بل هما متحدان.
وحيث أنّ للروح تعلُّقاً وارتباطاً بالمادَّة لا تكون مجرّداً محضاً، ولهذا يمكن للرّوح أن تتحرك وتستكمل نفسها، ايضاً.
إنها في البداية كائنُ ضُعيفُ، ولكنّها تترقّّي تدريجاً، وتتكامل شيئاً فشيئاً، إلّا أنّها ليست في جميع المراحل إلّا حقيقة واحدة.
2ـ حيث أنّ الانسانَ يسير في طريق التكامل وهو يميل إلي الكمال بفطرته، كما هو مزوّدُ بقوة تُمَكّنهُ من بلوغه، فلا بدّ أن يكون وصولهُ إلي تلك الغاية أمراً ممكنِاً، لأنه لا مكان للعبث واللغو في نظام الخلق و التكوين.
فكما أنّ كلَّ نوع من أنواع الكائنات في هذا العالَم الماديّ قادر علي أن يبلغ كماله الممكن، وقد مُهّدَ له طريق الوصول إلي تلك الغاية، كذلك الانسان ليس هو الآخر محروماً من هذا الفيض الإِلهيّ العظيمِ، بل هَيّأَ له الخالقُ الحكيمُ طريق الوصولِ إلي الغاية المنشودة.
3ـ حيث أنّ الإِنسان مُركَّّبٌ من الجَسد والرُّوح لهذا من الطبيعيّ أن تكون حياتُه ذا طبيعة مزدوجة، أي مركبّة من نوعَين من الحياة: إحداهُما دنيويّة ظاهرية، وهي التي ترتبط بجسده، و الاُخري روحية باطنية ترتبط بروحه ونفسه، كما ان من الطبيعي أن يكون لِكلّ واحدة من هاتين الحياتين ـ في النتيجة ـ نوع من التكاملِ، و السعادةِ، أو التسافلِ والشقاء.
إنّ الانسانَ، حتي عند انشغاله بالحياة الماديّة، وغفلته عن الحياة الروحية والنفسية غفلةً كاملةً، يتمتع في باطن كيانه بحياةٍ واقعيّةٍ أيضاً فهو يسير إمّا باتجاهِ سعاده، وكما له الانساني وإمّا باتجاهِ شقائه و سقوطه.
إنَّ المعتقدات الصحيحة، والأعمال الصالحة، والأخلاق الحسنة خير وسيلة للاستكمال النفسيّ، الروحيّ، والسعادة الباطنية.
كما أنَّ المعتقدات الباطلة، والأعمال السَيئة والأخلاق الذميمة، توجب انحراف الانسان عن صِراط الإِنسانية المستقيم، وتقوُدُه إلي مَهاوي الهَلاكِ والشَقاء.
فلو سَلكَ الانسانُ طريق التكامُل المستقيم، لتكامَلَ جوهرُ ذاته، و بَلَغُ رشدَه، وارتقي بعد طيّ مراحلِ الكمالِ إلي عالَمهِ الأصليّ، عالم النور والسُرور.
و اذا ضحّي بالكمالات الروحيّة و الاخلاق الحسنة، و الأعمال الصالحة في سبيل إرضاء غرائزه الحيوانيّة، و ظَهَر في صورة حيوانٍ شهوانّيٍ، أو سبع مفترس، فانَّ مثلَ هذا الشخص يكون قد انحرف عن صراطِ التكاملِ المستقيمِ، و شذّ عن طريقٍ الانسانية القويمِ، و سقط في وديان الشقاء والهلاك.
4ـ حيث أنَّ بين الجسَد و النفس الإنسانية إرتباطاً كاملاً، واتحاداً عميقاً، فإن بينَ الحياة الدنيوية و الحياة النفسانية أيضاً غاية الارتباط ولا يمكن أن نفصِلَ بينهما، ولا بُدّ أن نحسب لكلّ واحدٍ منهما حِساباً خاصّاً مستقِلّاً.
إنَّ أعمال الإِنسان الحسنة أو السيّئة تؤثّر ـ و من دون شكّ ـ في نفسه، تأثيراً سيّئاً أو حَسَناً، كما أنّ للصفات و الَملكات النفسانيّة تأثيراً في كيفيّة صُدور الأفعال.
إنّ الحياةَ النفسانيّة و الباطنيّة لدي الانسان تنشأ من معتقداته و أخلاقه و أعماله الظاهرية.. ومن دون الإيمان الصحيح، والقيامِ بالأعمال الصالحة لا يمكن التحرك نحو الكمال المطلوب، والسعادة الروحيّة، كما أنه من دون تزكية النفس و تهذيبها لا يمكن تحقيق النجاح في مجال إصلاح الظاهر، وضبط الأعمال، والتصرّفات نجاحاً كاملاً.
5ـ إنّ الانسانَ يعيش في المجتمع، و ينتفع بجهود أبناء نوعه، و يُنَفَّعهُم بجهوده، و إنّ التزاحم بين المنافع و المصالح، و المآرب والمطالب، والتعدّي والتجاوز علي حقوق الآخرين هو أحد اللوازم الحتميّة للحياة الاجتماعية البشرية .. وإن العيش بسلام في أحضانِِ مجتمعٍ يعاني من الاختلاف والتزاحم، والعدوان و التجاوز أمرُ في غاية الصعوبة، بل هو من غير الممكن.
ولهذا السبب يحتاج المجتمعُ البشريُّ إلي قانونٍ كاملٍ و دقيقٍ، وشاملٍ يكفل حقوق الأفراد ويحول دون العدوان و التجاوز.
من مجموع هذا كلّه نستنتج أَنَّ الإِنسان ـ لكونه يتألف من بُعدين وجوديّين، أي الجسد والروح اللذين بينهما غاية الاتصال والارتباط، واللَذين لهما نوعان من الحياة بينهما كمال العلاقة والترابط ـ يحتاج من أجل ضمان سعادتِهّ، وتحقيق كماله في الدارين، إلي برنامج كاملٍ، ومنهج عملٍ دقيقٍ و متناسق.
إنّ البرنامجَ الذي يضمن سعادة البشر الدنيوية وكذا سعادتهم وكمالهم الاخروي يجب أن يكون بحيث لا تُلحِق الحياةُ الدنيويّة والجسمانية الضررَ بالحياة الاُخروية، ولا تمنع الحياةُ الروحيّة و المعنوية الانسانَ من التمتع بالحياة الدنيوية والمادية.
يجب أن يكون برنامجاً يُطابقُ إحتياجات البشر الحقيقية، ويرشدُ الانسانَ نحو كَمالِهِ وسعادَتِهِ الواقعيّةِ، لا السعادةِ الخيالية، والكمال الوهميّ.
يجب ان يكون برنامجاً قائماً علي أساس الفضائل و الكمالات الانسانية.. برنامجاً يُلفِت نظرَ الانسان نحو تربية الروح الملكوتية، ونيَل الزُلفي عند الله، ويعتبر الدنيا مزرعة الآخرة.. برنامجاً رُوعيت في قوانينه ونُظُمِه مصالحُ جميع أبناء البشر الواقعيّة، كما ويكون بعيداً عن ضِيق النظر، وخالياً عن التمييز الباطِل، والحزِبية و العَصَبيّة الجاهليّة.
(يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُوا لِلّّهِ وَ لِلرََّسُولِِ إِذَا دَعاكُمْ لِما يُحْييِكُمْ وَ اعْلََمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ وَ أَنَّهُ إِلََيْهِ تُحْشَرُونَ)(1)
1 ـ الأنفال ـ 24.
(يَا أَيّهَا النّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهنٌ مِنْ رَّبِّكُمْ وَ أَنْزَلْنَا إِلََيْكُمْ نُورًا مُبينًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَ اعْتَصَمُوْاْ بِِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَ فَضْلٍ وَيَهْدِيهِِمْ إِلََيْهِ صِراطًا ً مُسْتَقيماً)(2) النساء ـ 174 ـ 175.
(كَانَ النّاسُ أُمَّةًً واحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرينَ وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِِ فِيمَا اخْتَلََفُوا فِيهِ وَ مَا اخْتَلََفَ فِيهِ إِلاّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا ْلِمَا اخْتَلََفُوا ْفِيهِ مِنَ الْحَقِِّ بِإِذْنِهِ وَ اللّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)(3)البقرة ـ 213.
فكّروا و أجيبوا
- إلي كَم نوع تنقسُم حياةُ الانسان؟
- بماذا ترتبط حياةُ الانسانِ الباطنية، وَضّحوا ذلك؟
- هل يمكن الانفكاك بين الحياة الجسديّة و الروحيّة؟ ولماذا؟
- كيف يجب أن يكونَ البرنامجُ الكاملُ الكافلُ لسعادة الانسان؟
- احفظوا الآيات.
المصدر: موقع آية الله اﻷميني