شفقنا العراق-تساءلت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) عما إذا كان عصر التدخلات العسكرية الكبيرة في مناطق الحرب البعيدة قد انتهى، بالنظر الى عدم نجاح العديد من العمليات العسكرية الكبرى، بما في ذلك في العراق الذي تشكل تجربة غزوه سببا كافيا لمنع السياسيين من القيام بأي تدخل عسكري واسع في الشرق الأوسط لجيل كامل أو أكثر.
وفي تقرير كتبه مراسلها للشؤون الأمنية فرانك غاردنر، قالت هيئة الإذاعة البريطانية انه بعد عشرين عاما على ما يسمى بالحرب على الإرهاب التي أطلقها الرئيس جورج بوش، هل يقترب عصر التدخل العسكري الكبير “للجنود على الأرض” في مناطق الحرب البعيدة، من النهاية؟
وأشار التقرير بداية إلى أن القوات الغربية تتسابق لمغادرة أفغانستان هذا الشهر، فيما يتراجع التزام فرنسا العسكري في مالي، أما في العراق، فلم يعد للقوات البريطانية والغربية أي دور قتالي رئيسي.
وبرغم إشارة التقرير إلى انه لا يزال هناك التزام كبير بمحاربة الجهاديين في منطقة الساحل الافريقي، الا انه أضاف ان عملية إعادة تفكير جذرية تجري في كيفية تنفيذ هذه المهمات. وتابعت أن عمليات الانتشار الواسعة النطاق والطويلة الأجل، كانت مكلفة للغاية، بالدم والأموال وبالثمن السياسي في الداخل.
وعلى سبيل المثال، أشار التقرير إلى أن الوجود العسكري الذي قادته الولايات المتحدة في أفغانستان، كلف أكثر من تريليون دولار و الاف الأرواح من جميع الأطراف بما في ذلك القوات الأفغانية والمدنيون الأفغان والقوات الغربية بالإضافة الى المسلحين المتمردين. وفي مرحلة الذروة في العام 2010 ، تجاوز عدد القوات الغربية 100 ألف عسكري، إلا أنه برغم ذلك، فانه بعد بعد 20 عاما، يغادر آلاف الجنود المتبقين في وقت تستعد فيه حركة طالبان للسيطرة على المزيد من الأراضي.
كعب أخيل
واعتبر التقرير البريطاني أنه “كلما كان الالتزام العسكري أطول واكبر في قتال التمرد، كلما أصبح أكثر عرضة لمجموعة متنوعة من كعوب اخيل المحتملة، وأكثرها وضوحا هو معدل الضحايا، وهو احتمال يمكن أن يصبح لا يحظى بشعبية بشكل خطير في الوطن”.
وتابع ان ان اكثر من 58 ألف أميركي ماتوا في حرب فيتنام وما يقرب من 15 الف جندي سوفيتي في أفغانستان، وهو ما سرع بنهاية تلك الحملات العسكرية. كما أن فرنسا خسرت ما يزيد قليلا عن 50 جنديا في مالي منذ العام 2013 وفقدت مهمتها هناك التأييد من الفرنسيين الى حد كبير، بالإضافة الى التكلفة المالية التي تتجاوز التوقعات بشكل شبه دائم.
اما بالنسبة الى السعودية فإنها عندما بدأت تدخلها في الحرب اليمنية في العام 2015، لم تتوقع استمرار القتال هناك بعد ست سنوات، وتتراوح تقديرات التكلفة على الخزينة السعودية حتى الآن 100 مليار دولار.
وأشار إلى انه يمكن للمخاوف بشأن حقوق الإنسان أن تعرقل الحملة العسكرية. وأوضحت ان الضربات الجوية الأميركية على حفلات الزفاف الأفغانية، والضربات الجوية السعودية التي قتلت المدنيين في اليمن، وانتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها حلفاء الإمارات هناك، كل ذلك كان له تأثير على سمعة تلك الدول.
ثم هناك احتمال أن ينتهي الأمر بالحكومة المحلية المستضيفة للقوات الخارجية، الى تقاسم السلطة مع كيان معاد، مثلما جرى في مالي حيث اشارت تقارير الى ان الحكومة تجري محادثات سرية مع الجهاديين، ما دفع الرئيس ايمانويل ماكرون للتهديد بسحب القوات الفرنسية بالكامل.
اما في العراق، فيقول الجنرال البريطاني المتقاعد جيمس كونليف “لا يزال هناك قلق حقيقي بشأن النفوذ الإيراني، خاصة عندما يتعلق الأمر بالميليشيات الشيعية”. وفي أفغانستان، ففيما من المتوقع ان تعود حركة طالبان التي طردت من السلطة العام 2001، يقول مسؤولون امنيون غربيون انه اذا انتهى بهم الامر الى ان يكونوا جزءا من الحكومة، فسيتوقف كل تعاون استخباراتي مع كابول.
لا توجد إجابات سهلة
واعتبر التقرير البريطاني أنه لا توجد إجابات سهلة لمشكلة الدول الفاشلة والديكتاتوريين، وأشار الى امثلة كالعراق، فمنذ العام 2003 حتى اليوم، كان هناك غزو عسكري ضخم بقيادة الولايات المتحدة، وبدعم من بريطانيا، تبعته سنوات من الاحتلال والتمرد الدموي. وبرغم التقدم الكبير الذي تم إحرازه مؤخرا، فإن التجربة بأكملها كانت “ندبة” لدرجة أنها كانت كافية لردع السياسيين عن أي تدخل عسكري واسع النطاق في الشرق الأوسط لجيل كامل، وربما لفترة أطول.
أما في ليبيا ففي العام 2011، كانت هناك منطقة حظر طيران فرضها حلف الناتو، ولم تكن هناك قوات غربية مهمة على الأرض، وكان ذلك كافيا ليتمكن المتمردون ضد القذافي من الإطاحة بنظامه، لكن البلاد انفجرت بعد ذلك في حرب أهلية وتمرد جهادي، وتحول الامتنان الليبي المبدئي الى غضب من ان الغرب “تخلى” عن ليبيا.
وفي سوريا، فقد كان هناك احجام كبير من قبل القوى الغربية عن التورط في الحرب الاهلية بين الرئيس بشار الأسد والمتمردين، وترك الأمر لروسيا وإيران وتركيا، للتدخل، ولكن هناك 10 سنوات من العنف ولا تزال مستعرة.
وفيما يتعلق بتنظيم داعش بين 2014 و2019، كانت هناك قصة نجاح عسكرية واضحة مع تحالف يضم 80 دولة الحق الهزيمة بداعش وفكك الخلافة الوحشية السادية. لكن الأمر استغرق خمس سنوات واعتمد بشكل كبير على القوة الجوية وبعض التحالفات المحرجة على الأرض مع الميليشيات المدعومة من إيران في العراق. ويقوم داعش الان بتكثيف نشاطه في افريقيا.
وتساءل التقرير البريطاني أنه بما أن عمليات التدخل العسكرية الكبير لم تعد ناجعة، فما الذي سيحل محلها؟ واستشهد بخطاب ألقاه رئيس الأركان العامة بريطانيا الجنرال مارك كارلتون سميث في 2 يونيو/حزيران خلال مؤتمر الحرب البرية التابع لمعهد الخدمات المتحدة الملكية عندما قال ان الجيش المعاصر سيكون “أكثر تشابكا، وأكثر سرعة في الانتشار، واكثر ارتباطا رقميا، مع ارتباط الجندي بالأقمار الصناعية، ويرتكز على لواء العمليات الخاصة”.
واعتبر التقرير أن وجود عدد أقل من الجنود على الارض، يعني حتما اعتمادا أكبر على التكنولوجيا الرقمية المتطورة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، مشيرا إلى أن الاتجاهات الناشئة عن الصراعات الاخيرة دفعت باتجاه إعادة التفكير جذريا في الأولويات الاستراتيجية.
وفي الحرب القصيرة في القوقاز بين أذربيجان وأرمينيا تم تدمير الدبابات الأرمينية بسبب طائرات درونز مسلحة رخيصة وغير مأهولة قدمتها تركيا للجيش الأذري. كما أن ظاهرة المرتزقة الذين كانوا يذكرون بحقبة ماضية في افريقيا، بدأوا في العودة، والمثال الأكثر وضوحا هو “مجموعة فاغنر” الروسية التي سمحت لموسكو “بالإنكار المعقول” بينما تعمل مع قيود قليلة في مناطق الصراع من ليبيا الى غرب افريقيا الى موزمبيق.
ونقل عن الباحث في المجلس الأطلسي ومقره واشنطن شون ماكفيت قوله “إن النظام العالمي المتمركز حول فكرة الدولة، يفسح المجال (لفكرة) الحرب بدون دول”.
المصدر: وكالة شفق نيوز