شفقنا العراق- أضحى الحديث عن انهيار النظام السياسي العراقي الحالي، احتماليته وأخطاره، علنيا وصريحا. وغادر الكثير من الباحثين والسياسيين، ومنهم الأخ العزيز نوفل الحسن، دائرة الحديث غير المباشر، ودخلوا منطقة التحذير المباشر من هذا الخطر القريب.
فقد وصل العراق إلى نهاية الطريق المسدود. سياسيا تآكلت الثقة بين النظام السياسي وبين عامة الناس. وكما قال الإمام علي عليه السلام: “وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق، وأعمها في العدل واجمعها لرضا الرعية، فان سخط العامة يجحف برضى الخاصة، وان سخط الخاصة يغتفر مع رضا العامة”.
العامة ساخطة هذه الأيام ولا ينفع معها “رضا” جمهور الأحزاب الضيق على “زعمائها” الحزبيين أو العائليين. كما تآكلت الثقة بين الأحزاب نفسها، مما سبب في عجزها عن تشكيل حكومة كفوءة حسب الآليات الدستورية تحظى بثقة الشعب. وإذا كان الفشل في الإنجاز المقنع للجمهور في المرحلة الماضي يمكن أن يعزى إلى عوامل عديدة، فإن انهيار النظام السياسي سوف يعزى إلى عامل واحد هو الطبقة السياسية التي تولت زمام الأمور منذ عام ٢٠٠٣ إلى اليوم.
وأغلب الظن إن انهيار النظام السياسي سوف يستجلب القليل من الحزن والأسى عليه، لكنه سوف يخلق الكثير من القلق على مستقبل البلد نفسه. فالتاريخ يقدم لنا من الشواهد ما يكفي للاعتقاد بأن انهيار النظام السياسي في بلد ما قد يؤدي إلى انهيار البلد نفسه، بما في ذلك اختفاؤه من الخارطة السياسية للعالم. لذا فان أي حديث عن الإصلاح يجب أن يكون هدفه الأعلى إنقاذ العراق من تبعات انهيار النظام السياسي، وليس إنقاذ النظام السياسي نفسه.
لا يمكنني أن أخدع القراء وأبشرهم بأمر لا أراه ممكنا، وهو إنقاذ النظام السياسي عن طريق النظام السياسي الحالي نفسه، بأحزابه ومؤسساته وحكومته التي جسدت الفشل الأخير للطبقة السياسية الحالية. فذلك لم يعد ممكنا بعد أن استنفد هذا النظام برجاله ونسائه وأحزابه ومؤسساته كل إمكانية أن يكون جزءًا من الإصلاح وحل المشكلة، لأنه في الواقع لب هذه المشكلة وجوهرها ومنشأ التسبب في وجودها وتفاقمها.
أضف إلى ذلك عجز النظام المتفاقم عن الخروج من المعضلة الاقتصادية المتمثلة بالنظام الريعي، والعجز عن الاستيعاب الانتاجي لقوة العمل البشرية المتزايدة عدديا كل عام بسبب تضاعف اعداد الخريجين الجامعيين وغير ذلك. انا من الذين يعتقدون ان اصلاح النظام السياسي يجب ان يتضمن فقرة تجاوز الطبقة السياسية الراهنة، واستبدالها بغيرها، بطبقة سياسية تتمتع بالشرعية الحقيقية وبالقدرة الفعلية على الانجاز، لكن اي اصلاح لا يتضمن حل مشكلتي شرعية التمثيل وشرعية الانجاز لا يستطيع ان ينال الثقة المطلوبة.
وهذا يحيل الى مسألة الاصلاح السياسي بما في ذلك اصلاح قانون الانتخابات، وقانون الاحزاب، وآليات تشكيل الحكومة، واستكمال بناء الهيكلية الدستورية للدولة بما في ذلك تشكيل مجلس الاتحاد، وغير ذلك.
ثم تأتي فقرة الاصلاح الاقتصادي وانقاذ الاقتصاد العراقي من حالة الاعتماد الكلي على النفط والتضخم المتزايد في توظيف الشباب في دوائر الدولة لإطفاء نقمتهم على النظام السياسي. وفقرة الاصلاح الاداري بما في ذلك تيسير الإجراءات الحكومية والقضاء على الروتين والبيروقراطية.
واخيرا الاصلاح التربوي طويل الامد الذي يتكفل بتنشئة الاجيال الجديدة على مباديء الدولة الحضارية الحديثة بما في ذلك مبدأ المواطنة والديمقراطية وحكم القانون. السؤال الاهم بعد ذلك هو: كيف يتم تحقيق كل هذه الاصلاحات ومفتاحها بيد برلمان هذه الطبقة السياسية الفاشلة وحكومتها غير الكفوءة؟ هذا هو السؤال الذي يتجنب الكثيرون الاجابة عنه خوفا من الرعب الذي قد يسببه الجواب الصريح!
محمد عبد الجبار الشبوط/وكالة براثا
————————–
المقالات المنشورة بأسماء أصحابها تعبر عن وجهة نظرهم ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع
————————–