شفقنا العراق-الرحالة الروسي ايليا نيكولا بيرزين أحد الرحالة الروس الذين ولعوا في الإطلاع على تاريخ الإسلام والعرب وقد زار العديد من الدول العربية ومنها العراق حيث زار مدينة البصرة ثم مدينة بغداد ثم مدينة كربلاء.
كانت زيارته لمدينة كربلاء المقدسة بعد حادثة الوالي العثماني نجيب باشا الدامية التي استباح بها كربلاء بعد أن قاد مجموعة من عساكره الغادرة للقضاء على الانتفاضة الشعبية التي قام بها أبناء كربلاء ضد السلطة العثمانية الجائرة.
بعد وصوله لمدينة كربلاء شاهد آثار الدمار الذي أصاب مدينة كربلاء على أيدي القوات العثمانية المعتدية إلا إنه لم يشر إلى ذلك الاعتداء السافر الذي تعرضت له كربلاء والظاهر من ذلك بأنه على ما يبدو لم يتطرق إلى هذا الموضوع لأن العلاقات بين الدولة العثمانية ودولة روسيا القيصرية لم تكن على ما يرام بعد تجواله في مدينة الحسين عليه السلام سجل انطباعاته التالية التي نشرها بعد عودته إلى العاصمة الروسية موسكو في (مجلة دراسات الأرض والرحلات) كالتالي:
«توازي مدينة كربلاء بسعتها مدننا التي هي مراكز أقضية، أما عدد السكان فهو أكثر بكثير مما عندنا، وذلك لأن الشوارع في البلدان الشرقية أضيق بكثير من أزقتنا، والبيوت تبنى غالباً متلاصقة الواحدة بالأخرى، ولا وجود للساحات والميادين في المدينة، ويحيط بها سور من الطابوق المجفف بأشعة الشمس، ويتألف من صفين، الصف العلوي يكون بمثابة مدارج ومشارف وأما الصف السفلي فيتكون من أقسام خاليه ومكشوفه يفصل بعضها عن البعض بالحواجز، وتكون هذه الفروع مأوى للفقراء الذين لا سكن لهم، كما هي الحال في بغداد تماماً».
هذا ما دونه الرحالة الروسي أيليا نيكولا بيرزين عند زيارته لمدينة كربلاء المقدسة وهنا لابد من الإشارة بأن العبارة التي ذكرها وهي (مأوى للفقراء الذين لا سكن لهم) تعطي صورة واضحة عن القلب الطيب الذي يحمله أبناء كربلاء ألا وهو احترامهم للفقير المحتاج وتوفير السكن المجاني له حيث قام ميسورو كربلاء وتجارها ببناء عدد من الأماكن التي يطلق عليها باللغة العراقية الدارجة بـ (الخانات) وقد كان هذه بمثابة دار سكن للمحتاجين سواء من أبناء المدينة أو الزائرين الأجانب الذين كانوا يتوافدون على كربلاء للتشرف بزيارة مرقد الإمام الحسين عليه السلام وأخيه أبي الفضل العباس عليه السلام والأماكن المقدسة الأخرى التي توجد في مدينة كربلاء المشرفة.
____________________
المصدر: كربلاء والرحالة الذين زاروها، سعيد رشيد زميزم، ص69؛ من إصدارات مركز إحياء التراث الثقافي والديني في العتبة الحسينية المقدسة