الجمعة, أبريل 19, 2024

آخر الأخبار

“فيتو” أميركي في مجلس الأمن يسقط مشروع الجزائر لمنح فلسطين عضوية الأمم المتحدة

شفقنا العراق- استخدمت الولايات المتحدة في مجلس الأمن الدولي...

وزيرة الاتصالات تبحث مع سفير مصر بالعراق تطوير شبكة الاتصالات العراقية

أكد السفير أحمد سمير سفير مصر لدى العراق، أهمية...

السوداني يؤكد لشركة KBR جدية الحكومة في توفير بيئة مناسبة للاستثمار

شفقنا العراق- أكد رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني،جدية...

القاضي حمزة: التعاون القضائي مع سوريا وإيران خطوة مهمة في مكافحة الإرهاب

شفقنا العراق ــ فيما كشف أن الاجتماع القادم للجنة...

المرور: حصر العمل بالدفع الإلكتروني اعتبارًا من أيار

شفقنا العراق- أعلنت مديرية المرور العامة، اليوم الخميس، عزمها...

الداخلية: انخفاض في جرائم القتل العمد والدكة العشائرية

شفقنا العراق- أعلنت وزارة الداخلية، تسجيل انخفاض في جرائم...

محافظ البنك المركزي: شركة دولية لتطوير المصارف العراقية

شفقنا العراق- اعلن محافظ البنك المركزي العراقي علي العلاق...

مستشار حكومي: جذب الاستثمارات الأمريكية إحدى نتائج زيارة السوداني

شفقنا العراق ـ على ما يبدو أتت زيارة رئيس...

السوداني يبحث مع وفد “معهد بيكر” لبحوث الطاقة التعاون في تأهيل الكوادر

شفقنا العراق- فيما أعلن عزم الحكومة توسعة صناعة البيتروكيمياويات،...

صناعة الأسمدة في العراق.. مشاريع واعدة في سياق إحياء الصناعة الوطنية

شفقنا العراق ــ بعد توقف دام لسنوات بسبب ظروف...

سهر الأطفال.. الأسباب والأضرار والحلول

شفقنا العراق- أكدت دراسات عديدة أضرار السهر وخاصة سهر...

برلماني يكشف عن استراتيجية حكومية لوضع العراق على قائمة منتجي “الوقود الأزرق”

شفقنا العراق- فيما أشار إلى إدراك الحكومة العراقية أهمية...

ضمن تصنيف عالمي.. جامعة بغداد تسجل منجزًا علميًا في 5 تخصصات

شفقنا العراق- انفردت جامعة بغداد عن الجامعات العراقية الأخرى،...

محافظ النجف يدعو للتعاون مع الحكومة المحلية لإدارة المطار والإشراف عليه

شفقنا العراق- فيما دعا إلى للتعاون مع الحكومة المحلية...

العراق يوقع على “اتفاقية سنغافورة” للوساطة الدولية والتحكيم التجاري

شفقنا العراق - لتيسير التجارة الدولية، وقع رئيس الهيئة...

السوداني يدعو الشركات الأمريكية إلى الانخراط بشراكات مع القطاع الخاص العراقي

شفقنا العراق ــ فيما كشف عن الاتفاق مع شركة...

السوداني ..زيارة واشنطن أتت لإرساء العلاقات الثنائية

شفقنا العراق ـ أكد رئيس مجلس الوزراء السيد محمد...

“المعرفة والرسالة الحسينية”.. عنوان مؤتمر دولي في كربلاء

شفقنا العراق ــ تحت شعار "الثقافة والشعائر الحسينية وعالمية أثرها"، أقام...

جامعة الكفيل تستذكر فاجعة هدم مراقد أئمة البقيع وتناقش قانون العمل وتطبيقاته

شفقنا العراق-فيما نظمت مجلسًا عزائيًّا لإحياء ذكرى فاجعة هدم...

المندلاوي من تركيا: ضرورة القضاء على الفكر الإرهابي

شفقنا العراق ـ فيما دعا إلى التعاون من أجل...

مدينة الحلة.. نقص في البنى التحتية ومطالب بتحسين الواقع الخدمي

شفقنا العراق- رغم تصريحات عدد من المسؤولين بأن مدينة...

تحذيرات من انتشار التسول الإلكتروني في العراق

شفقنا العراق- التسول الإلكتروني من خلال فضاء المنصات ينتشر...

طريق التنمية.. مشروع واعد وفرصة اقتصادية مهمة للعراق

شفقنا العراق ــ يرى خبراء بأن طريق التنمية واحد...

وزير التجارة: تحقيق الأمن الغذائي على مستوى محصول الحنطة

شفقنا العراق-صرح وزير التجارة بأنه، تم تحقيق الأمن الغذائي...

الذكرى الثلاثون للانتفاضة الشعبانية للشعب العراقي ضد نظام البعث؛ بقلم الدكتور هادي فرهنك الأنصاري

شفقنا العراق-اجتاحت الانتفاضة الشعبانیة للشعب العراقی ضد نظام البعث الصدامی عام ١٩٩١ مناطق واسعة من البلاد شملت معظم محافظاته من الشمال الی الجنوب.

وقد عمت الإنتفاضة الشعبیة بُعیدَ إنتهاء حرب الخلیج الفارسی وصدور القرار ٦٧٠ لمجلس الأمن الدولی الذی قید کل أنواع تحرکات الجیش العراقی، بما فیها حرکة المروحیات، وفرض منطقتی حظر جوی فی الشمال وجنوب البلاد، ما أدی إلی سیطرت القوی الشعبیة علی معظم أنحاء البلاد. حیث سیطر أبناء الشعب علی أربع عشرة محافظة من أصل ثمانی عشرة محافظة عراقیة، أی باتت المحافظات الشمالیة والغربیة إضافة إلی محافظتی بغداد وصلاح الدین، بید نظام البعث الصدامی فقط. کل ذلک لم یمنع النظام البعثی من قمع الإنتفاضة الشعبیة عبر قوات الحرس الجمهوری، قمعا دمویا لانظیر له، حیث أن مدینة کربلاء التی کانت تُشکل النواة المرکزیة للمقاومة الشعبیة، باتت عبارة عن تلال للبیوت المهدمة، ولم تسلم جدران صحن الإمام الحسین بن علی بن أبیطالب(ع)، من عملیات القمع الهمجیة، حیث طالتها العدید من قذائف دبابات الحرس الجمهوری الموالی لصدام حسین، وراح ضحیة الدفاع عن العتبات المقدسة ألآلاف من الأبریاء، فیما تم تشرید قرابة الملیونی عراقی من البلاد.

ولم تکن زمرة منافقی خلق، بعیدة عن تلک الجریمة النکراء، حیث وقفت إلی جانب قوات نظام صدام فی قمع الإنتفاضة الشعبانیة، وخاصة شیعة العراق. وکانت الإنتفاضة بدأت فی شهر شعبان عام ١٤١١هـ. ق. من مدینة البصرة، حیث إستهدف أحد العسکریین العراقیین العائدین من غزو الکویت، وکان منهار نفسیا وجسدیا، إثر زجهم فی الحرب التی لاناقة لهم فیها ولاجمل، إستهدف لدی عودته للعراق، صورة لصدام حسین بقذیفة دبابة، الأمر الذی شجع الجماهیر للنزول إلی الشوارع، والتعبیر عن سخطهم المکبوت لسنوات طویلة، ویهاجموا مقرا لحزب البعث، ومن ثم یهاجموا مبنی سجن المدینة ویسیطروا علیه. وسرعان ما تمکَّن المحتجون من السیطرة علی کل مرافئ مدینة البصرة، لتنتشر أخبارها فی باقی المحافظات العراقیة المُنتفِظة وتتبعُها المحافظات بنفس الأسلوب والسیطرة علی المراکز الرئیسیة لکل مدینة.

وکان تدمیر البنی التحتیة للمشاریع الاقتصادیة والرفاهیة العراقیة بعد حرب الکویت، والخسائر التی لحقت بالبلاد أثناء الحرب علی ایران، وکل أنواع السخط الشعبی من نظام البعث الصدامی، کل تلک الأسباب کانت من دوافع الإنتفاضة الشعبیة العارمة، لشعب العراق ضد نظام صدام البائد. أضف إلی ذلک الکبت والقمع، إبادة المعارضین علی مدی ثلاثة عقود، منذ وصول حزب البعث إلی الحکم، ومن ثم سیطرة صدام حسین علی السلطة بأکملها، والإنقلابات العسکریة المتتالیة، التی کانت لاتخلوا من إعدامات وإبادات جماعیة، هی التی باتت کشرارة لتقدح فی هشیم الغضب الشعبی، ویستثمر الشعب الفرصة لیعلنها انتفاضة جماهیریة شعبیة ضد نظام البعث الصدامی.

أما التحالف الذی قادته امریکا ضد نظام صدام الذی غزی الکویت، هو الآخر وجد الفرصة متاحة لیُدمر البنی التحتیة والإقتصادیة والرفاهیة للعراق. کل ذلک لم یمنع الجماهیر المنتفظة فی الإنتفاضة الشعبانیة من السیطرة علی أربع عشرة محافظة من أصل ثمانی عشرة محافظة عراقیة، وهی محافظات میسان، و واسط، والبصرة، وذی قار، والمثنی، والقادسیة، وبابل، وکربلاء، والنجف، ودهوک، وأربیل، وکرکوک، والسلیمانیة، فیما بقیت محافظات الوسط، أی صلاح الدین وبغداد ونینوی، والأنبار تحت هیمنة نظام صدام البائد. ومن أجل ذلک قیل إن الإنتفاضة الشعبانیة، کانت أکبر تحدٍّ داخلی للنظام العراقی فی عهد نظام صدام حسین.

وقد استشرت الإنتفاضة بسرعة هائلة، کسرعة النار فی الهشیم، لتجعل النظام المنهار أمام أکبر تحد فی حیاته، ولایعرف صوابه من خرابه.

وقد بدأت الإحتجاجات الشعبیة فی النجف الأشرف فی السادس عشر من شعبان المعظم، علی هیئة مسیرات إحتجاجیة طافت محیط الصحن العلوی الشریف، ثم تخللتها إشتباکات بین القوی الشعبیة وقوات البعث الصدامی، راح ضحیتها عدد غیر قلیل من الطرفین، لتستمر الإشتباکات حتی ظهیرة السابع عشر من شعبان، ولتنتصر فیها الجماهیر الشعبیة، وترفع الرایات الخضراء علی مرافئ المدینة، إبتهاجا بالنصر علی نظام البعث الصدامی.

وبالرغم من أن الإشتباکات الشعبیة المتناثرة مع فلول النظام فی مدینة کربلاء کانت قد بدأت من السادس عشر من شعبان أیضا، إلا أنها تعاظمت فی الثامن عشر منه، أی بعد ثلاثة أیام، لیُسیطر أبناء المدینة علی کل مرافئها، وتستمر الإنتفاضة الشعبانیة لخمسة عشر یوما، کان فیها العراق محررا من قیود نظام البعث الصدامی.

ومما تجدر الإشارة إلیه ان التوجه الأمریکی حتی قبل اندلاع الإنتفاضة الشعبانیة، کان الإطاحة بنظام صدام، کما کانت واشنطن تلوح بدعم أی نهضة شعبیة محتملة، لکنها لم تکن لاتحرک أی ساکن أثناء قمع الشیعة خلال الإنتفاضة الشعبانیة فحسب، بل إن وسائل إعلامها کانت حینذاک تُجمِّد کل أخبار قمع الإنتفاضة. فکانت القوی الغربیة تخشی ظهور نظام دینی فی العراق، وتعتبره أخطر من مغامرات صدام حسین المجنونة، وإنطلاقا من هذه الفکرة، أعانت سواعد نظام صدام المشلولة، وجعلت إعادة تأهیل جیش صدام علی رأس قائمة أعمالها، ومنحته الضوء الأخضر لیجتاز قرار ٦٧٠ لمجلس الأمن، ولتحلق مروحیاته فی مناطق الحظر الجوی، وتقوم بقمع المنتفضین فیها.

اما جورج بوش الأب فقد دعم صدام فی قمعه لشیعة العراق، فی حین أنه کان وحتی قبیل إندلاع الإنتفاضة الشعبانیة یطرح قضیة إعتقال صدام حسین. علی صعید آخر یقول “کان کافلین” فی کتابه “صدام وحیاته الخفیة”، إن أمریکا وبعد أن هولوا خطر شیعة العراق لها، مهَّدت الأرضیة للجیش العراقی لیستعمل المروحیات فی قمعهم. وکان الغطاء لهذه الخطوة هو تدمیر وانقطاع طرق المواصلات بین العراق والکویت، فی حین کان یجب إعادة الجنود والقوات العراقیة عبر المروحیات إلی العراق!!!، ما فسح المجال امام قوات صدام لقمع الجماهیر المنتفضة وببشاعة لا نظیر لها، حتی أن الإحصائیات غیر الرسمیة تؤکد مقتل حوالی ثلاثمئة ألف شخص من الجماهیر وتهجیر حوالی ملیونی عراقی داخل وخارج البلاد.

وکانت مدن النجف الأشرف وکربلاء المقدسة وکرکوک شهدت تدمیر ممنهجا أکثر من المدن الأخری. کما قامت قوات البعث نظام البعث الصدامی فی کربلاء والنجف، بتدمیر عشرات المساجد والحسینیات ومدارس الحوزات العلمیة الدینیة، وإبادة العدید من المخطوطات النفیسة. کما عمد أزلام النظام إلی إعتقال عمید الحوزة العلمیة آیة الله العظمی السید أبو القاسم الخوئی وعدد من أفراد اسرته، ونقلهم إلی بغداد، لیظهروا بعد بضعة أیام أمام الکامیرات وکأنهم یلتقون الرئیس صدام حسین.

وما أن إستعاد النظام أنفاسه بعد قمع الإنتفاضة الشعبانیة، حتی أقدم علی إعدام کوکبة من کبار العلماء أمثال، آیة الله السید محمد رضا الموسوی الخلخالی، وآیة الله السید جعفر بحر العلوم، وآیة الله السید عز الدین بحر العلوم، الذین کانوا یمثلون آیة الله الخوئی فی المجتمع والحوزة الدینیة للنجف الاشرف. کما إضطر آیة الله السید محمد السبزواری، وآیة الله الشیخ محمد رضا شبیب الساعدی، وآیة الله السید محمد صالح الخرسان، للهجرة  من العراق. فیما کانت مهمة قمع الإنتفاضة فی کربلاء المقدسة مهمة حسین کامل صهر صدام، وقمع الإنتفاضة فی النجف کان علی عهدة طه یاسین رمضان، أحد رموز النظام وأساطین نظام البعث الصدامی.

وقد استهدفت قوات صدام مدینتی کربلاء المقدسة والنجف الأشرف، بقذائف المدافع والدبابات، ولم تستثن مرقدی الإمام علی بن ابی طالب، وإبنه الإمام الحسین، وأخیه ابی الفضل العباس علیهم السلام، حیث تصدعت قباب، ومنائر وجدران المراقد إثرالقصف الهمجی العنیف، فیما بقیت المراقد مغلقة لأکثر من ستة أشهر بوجه الزائرین. ولم ینته القمع الصدامی عند هذا الحد، فقد أمر صهره حسین کامل، بإبادة کل أثر من الإنتفاضة، وما کان من الصهر الشریر، إلا أن یُجنِّد کل طاقات الحرس الجمهوری، بما فیها المروحیات والصواریخ والمدافع الثقیلة، ومن ثم توزیع منشورات عبر المروحیات تهدد بإستخدام المزید من العنف، لیبث الخوف والرعب بین سکان المدینتین المقدستین.

وکأنَّه أعلنها حربا شاملة، حیث زج بکل قوی الجیش، وحاصر المرقد الطاهر للإمام أمیر المؤمنین(ع)، وقد تصدعت جدران المرقد إثر تساقط القذائف والصواریخ، علیه وفی محیطه. کما تعرضت المساجد والمدارس وحتی قبور الأولیاء والصالحین للهدم والتدمیر، فیما لقی العدید من السکان العزل کالنساء والطاعنین فی السن والأطفال حتفهم رغم بقائهم فی منازلهم التی تهدمت علی رؤوسهم.

ومما تجدر الإشارة إلیه، أن محال إصابة صواریخ قوات نظام البعث الصدامی للمراقد المقدسة، تشیر إلی أن هناک نوایا کانت مبیتة للقمع، ولا تفرق بین الأهداف العسکریة وغیر العسکریة. فالجیش المدجج بالسلاح وإسناد المروحیات، راح یفتک بأرواح المواطنین، وقام البعثیون بکتابة شعار “لا شیعة بعد الیوم”، علی جدران المدن ودباباتهم.

اما مدینة النجف الأشرف رغم تعرضها لهجمات عنیفة، لکن سکانها تمکنوا من إسقاط أربع مروحیات، تابعة لقوات النظام، الأمر الذی حمل القوات التی کان یقودها حسین کامل لتحاصر المدینة، وبذلت جهودا حثیثة للتسلل إلیها عبر طرق مدینتی الحلة والکوفة القریبتان منها، لکن کل تلک الجهود کانت غیر مجدیة، وباءت بالفشل، لأن المقاومة فی داخل مدینة النجف کانت علی أشدها، بحیث تمکنت من إبقاء القوات المهاجمة لأربعة أیام خارج أسوار المدینة، وبعد أربعة أیام من القصف الجوی والبری تمکنت القوات المهاجمة، من إختراق بعض المناطق الخالیة من المقاومین، ثم إتخذت من النساء والأطفال دروعا بشریة فی تقدمها نحو باقی أطراف المدینة. وما أن دخلت قوات نظام البعث الصدامی لمدینة النجف، حتی داهمت منزل آیة الله الخوئی وقامت بإعتقال سماحته وإبنه حجة الإسلام والمسلمین السید محمد تقی الخوئی، ومن کان معهم فی الدار أمثال السید محمد رضا الخلخالی، وآیة الله السید جعفر بحر العلوم، وآیة الله السید عز الدین بحر العلوم، وحجة الإسلام السید محمود المیلانی، والسید إبراهیم الخوئی الإبن الآخر لآیة الله الخوئی، ونقلتهم الی مدینة الحلة أولا، ومنها إلی بغداد. ثم قاموا بعزل آیة الله الخوئی وإبنه السیدمحمد تقی الخوئی عن الآخرین، وإحتجزوا الجمیع فی مرکز الأمن العام لیلة واحدة، ثم قاموا بتفریقهم وحجزهم فی زنازین متفرقة کلا علی إنفراد.

وفی الیوم الثالث، أخذوهم للقاء قسری مع صدام حسین، وقاموا بتصویر اللقاء وبثه عبر القنوات التلفزیونیة، لیؤکدوا للجماعات المقاومة “أن النظام بخیر، وحتی آیة الله الخوئی قام بزیارة الرئیس صدام حسین”، وقد تمکنوا من إتخاذ هذا اللقاء الذی بثته قنوات التلفزیون العراقی فی الیوم الثالث من شهر رمضان المبارک، ذریعة لقمع ما تبقی من قوات المقاومة فی المدن العراقیة المنتفضة والسیطرة علیها.

یذکر أن کل مَن إعتُقِلَ مع آیة الله الخوئی فی داره، تم خطفهم لنقاط مجهولة، وکل الشواهد الموجودة تؤکد بأن کل تلک النخب والشخصیات العلمیة البارزة للحوزة العلمیة، تم إعدامهم رمیا بالرصاص وإستشهدوا دون أن تجد عوائلهم أی أثر لهم حتی الیوم. وما أن تمً إعتقال آیة الله الخوئی والکوکبة من العلماء التی کانت فی داره حین الإعتقال، بدأت قوات النظام بمطاردة المنتفِضین وحُماتهم، بحیث تم إعتقال الآلاف من السکان الأبریاء، وحوالی مائة وخمسین من العلماء وطلاب العلوم الدینیة العراقیین.

وبعد ستة أیام من القمع والمطاردات أی فی الیوم التاسع من شهر رمضان تمکنت قوات حسین کامل من السیطرة علی مدینة النجف ومداخلها. وحسین کامل نفسه کان لدیه خمسة مخططات لمهاجمة مدینة النجف، کان أولها تفتیش البیوت، وفی حال حصول أی شک بأن الدار تضم أحد المقاومین أو من یَدعمهم، یتم إعتقال کل أفراد الأسرة، ومن ثم یتم تفجیر الدار بالقنابل، حیث باتت جثامین الشهداء متناثرة فی الشوارع والأزقة، خاصة فی ساحة “ثورة العشرین”، حیث کانت الأوضاع مزریة ولا تطاق هناک، لأن البعثیین لم یسمحوا بنقل الجثامین ومواراتها الثری، ولم یجرؤ أحد علی الإقتراب منها. وإستمرت الأوضاع علی تلک الحال حتی نهایة شهر رمضان المبارک عام ١٤١١هـ.ق.

‎ولم تکتف قوات النظام بالقتل والتدمیر والإعتقالات، فإنها واصلت مداهمة المستوصفات ومستشفیات المدینة، وقامت بإعدام کل الأطباء والممرضین الذین یقومون بواجبهم الإنسانی إزاء الجرحی وتضمید جراحهم فی نفس المکان. حتی أنهم قتلوا المرضی والأطباء بالأسلحة الباردة والناریة، ثم قاموا بإنتزاع ملابس الطبیبات والممرضات، وقطعوا أجسادهن ثم ترکوها مع الجثامین الأخری. وبعد کل هذه الجرائم تمکنت قوات نظام البعث الصدامی، وبدعم من الرئیس الأمریکی جور بوش الأب، والخونة والمرتزقة، والعملاء السیاسیین فی الداخل، و قوات منظمة “منافقی خلق” الإرهابیة التی کانت تتواجد فی معسکر أشرف قرب العاصمة بغداد، تمکن النظام من السیطرة ثانیة علی رقاب الشعب الذی قدم حوالی ثلاثمائة ألف شهید، معظمهم من شیعة جنوب العراق، وتشرید حوالی ملیونی مهاجر إلی خارج العراق، لیستعید نظام صدام وحزبه القذر السیطرة ثانیة علی رقاب الشعب، ویجثم علی صدر العراق لإثنی عشر عاما اخری.

ویری المحققون عدة أسباب وراء إنتکاسة الإنتفاضة الشعبانیة نحاول التطرق لأهمها:

  • اولا أستخدام قوات النظام البائد الأسلحة الثقیلة عالیة التدمیر، مثل المدافع الحربیة
  • ثانیا إستخدام القوات المدرَبة علی القمع، مثل قوات الحرس الجمهوری، التی تمتلک مختلف أنواع الاسلحة والمعدات
  • ثالثا إطلاق ید قوات النظام فی القتل والفتک والإبادة، رابعا السیطرة الجویة لقوات النظام من خلال استخدامها المروحیات، هذا فیما یخص قوات النظام المهاجمة.

أما فیما یخص القوات الشعبیة المنتفضة فقد کانت تفتقر للتنسیق اللازم بین الجماعات المجاهدة المنتفضة، لکونها جماعات تم تشکیلها بشکل عفوی، وهی غیر متدربة علی إدارة وقیادة الأمور، فما أن سیطرت هذه الجماعات علی بعض مرافئ المدن العراقیة، إتضح من سلوکیاتها، أنها تفتقر لأی برنامج محدد لإدارة المدن، أضف إلی ذلک أنها کانت لا تُصدِّق بتحرُرِها من قیود النظام القمعی، وکانت معنویاتهم منهارة إلی أبعد الدرجات، حیث أنهم لم یکونوا یهتموا بأی معنی من معانی الوطنیة، والتنسیق اللازم بین الجماعات المنتفضة، بل باتوا یعیشون “نشوة لحظة الإنتصار”، والأهم من کل ذلک کانت الإنتفاضة تفتقر لقیادة حکیمة موحدة، ما تسبب التسریع فی إنتکاستها وإستشهاد آلاف الأبریاء وتشرید أضعافا منهم، خلال الإنتفاضة الشعبانیة وبعدها

وبالرغم من أن هذه الإنتفاضة الشعبیة إنطلقت من البصرة، إلا أن الثوار والغیاری من أبناء النجف سرعان ما إلتحقوا بها وقادوها لتستشری إلی کافة أنحاء العراق، لکن وحسب الأسباب التی أشرتُ إلیها آنفا، تمکنت قوات نظام البعث الصدامی من قمعها بشدة وعنف وهمجیة لاسابقة لها، وتمکنت من قتل آلاف المنتفضین، والعلماء البارزین فی الحوزة العلمیة بالنجف الأشرف حتی إستعادت السیطرة علی المدینة وباقی المدن العراقیة.

وقد وجد النظام البعثی، وقیادته المتمثلة بصدام حسین حینذاک، وجد الفرصة مؤاتیة لعُقدةٍ کانت تحُزُّ فی نفسه وکان یعانی منها منذ سنوات، وهی رفع شعار محاربة المعالم الإیرانیة، إلی جانب إزاحة الشیعة عن الساحة العراقیة، وقد وجد الفرصة مؤاتیة لمآربه، لیتمکن من القضاء علی العدید من الشخصیات والنخب الحوزویة اللامعة فی العراق، وفعلا قام بقتلهم وإبادتهم دون أن تحتج علیه أیا من المنظمات الإنسانیة والدولیة.

فقد بدأ نظام صدام فی شباط عام ١٩٧٨ بشن هجوم لیلی مبیَّت، علی بیوت أکثر من إثنین وسبعین شخصیة من الشخصیات العلمیة والأُسَر النجفیة المعروفة وإعتقالهم، أمثال أسرة المرحوم آیة الله العظمی السید محسن الحکیم، بمن فیهم خمسة من أبنائه، وهم آیة الله السید یوسف الحکیم، وآیة الله السید عبدالصاحب الحکیم، وحجة الاسلام والمسلمین سید علاء الحکیم وحجة الاسلام والمسلمین السید محمد تقی الحکیم، وحجة الاسلام والمسلمین السید محمد حسین الحکیم، واقتیادهم بشکل مهین لمراکز الأمن العامة، لیتم إعدامهم فی غضون شهر واحد، فیما أقدم النظام علی إعدام الآخرین خلال الأعوام الأربعة التی أعقبت تلک الجریمة، حیث تم إعدام من أسرة آل الحکیم وحدها خمسین شخصا، هذا بالإضافة إلی أن الإعتقالات والإعدامات باتت مستمرة فی صفوف الوجهاء فی کل مدن العراق وخاصة المدن المقدسة والمحافظات الجنوبیة، ما جعل صور الشهداء تملأ الأزقة والشوارع فیها.

أما المرحلة الثانیة للقتل والإبادة، فقد بدأها نظام صدام فی نیسان عام ١٩٧٩  أی حوالی خمسة أشهر قبل شن حربه الظالمة علی إیران. ففی لیلة ظلماء، وعبر مخطط مدروس فی قطع تیار الکهرباء والهواتف عن المدینة، هاجمت قوات النظام بیوت ثمانی عشرة شخصیة من کبار الشخصیات العلمیة والخدومة للمجتمع والحوزات الدینیة أمثال آیة الله الشهید السید محمد باقر الصدر، والشهید آیة الله الحاج الشیخ أحمد الأنصاری والشهید آیة الله الشیخ محمد تقی الجواهری، والشهید آیة الله السید مرتضی الخلخالی، والشهید آیة الله السید محمد صادق القزوینی، والشهید آیة الله الشیخ الحاج علی اصغر احمدی، والشهید آیة الله السید  محمد تقی المرعشی، والشهید آیة الله الشیخ حبیب هاشمیان، والشهید آیة الله السید محمد ابراهیم الشیرازی، والشهید آیة الله السید قاسم شبر، والشهید آیة الله السید جواد شبر، والکثیر من أمثال هذه الثلة الجلیلة من العلماء، هاجموا بیوتهم وقاموا بإعتقالهم لیلا، فی حین کانت المدینة تغص فی ظلام دامس والإنقطاع المتعمَّد لتیار الکهرباء، والإتصالات السلکیة، کما تم محاصرة المدینة من قبل قوات الحرس الجمهوری، بین الساعة الثانیة وحتی الثالثة فجرا، لیتم إعتقال هذه الکوکبة المظلومة من العلماء الأعلام، ونقلهم للأمن العامة فی العاصمة بغداد فی صمت مطبق.

حیث تم عزل بعضهم أمثال آیة الله الشهید السید محمد باقر الصدر وأخته العلویة بنت الهدی، لیتم تصفیتهم ویرتقوا شهداء خلال الأسبوع الأول، فیما بقی الآخرون فی قید الکتمان، ونُقلوا لأماکن غیر محددة، وأکدت الشواهد أنهم إرتقوا شهداء دون أن یعرف لهم أی مکان رمزی لمواراتهم الثری، لیکون مدفنهم کمصیرهم المحتوم مجهولا حتی الساعة. ومن أجل ذلک ما زلنا نحن وباقی عوائل تلک الکوکبة العلمائیة، نعتقد أن کل أرض العراق هی مأوی أعزائنا ومثوی شهدائنا الأبرار.

أما المرحلة الثالثة التی شن خلالها نظام صدام هجمات علی الشخصیات ووجهاء الحوزة العلمیة فی النجف الاشرف و فی کافة أنحاء المدن العراقیة، فقد کانت خلال الإنتفاضة الشعبیة التی فجرها الشعب العراقی عام ١٩٩١م. حیث تم خلالها إعتقال أکثر من مائة وخمسین شخصیة من ممثلی مراجع الدین وکبار الشخصیات والوجهاء وأعلام الحوزة العلمیة بقسوة لاسابقة لها، وکان من أبرز المعتقلین الشهید آیة الله السید محمد رضا الخلخالی، وآیة الله الشهید السید جعفر بحر العلوم، والشهید آیة الله السید عزالدین بحر العلوم، والشهید حجة الإسلام والمسلمین السید محمود المیلانی، حیث تؤکد الشواهد الموجودة أن کل هؤلاء النخب تم إقتیادهم من قبل قوات النظام لمعسکر خاص لقوات مکافحة الشغب، قرب بحیرة الرزازة بمحافظة کربلاء، لیتم القضاء علیهم ویرتقوا لبارئهم شهداء لاحقا.

کما عمدت قوات النظام فی نفس الوقت لمهاجمة بیوت مراجع الدین والشخصیات العلمائیة أمثال آیة الله السید علی السیستانی، وآیة الله میزرا علی الغروی، وآیة الله الشیخ مرتضی البروجردی، وآیة الله السید محمد کلانتر، وآیة الله السید محمد الصدر، والد السید مقتدی الصدر، والعشرات من الشخصیات الحوزویة اللامعة، وإعتقلتهم، لکن شاءت الأقدار أن یتم توزیع المعتقلین إلی قسمین فالقسم الأول یتم تسلیمهم لجماعة تأخذهم لمعسکر قرب بحیرة الرزازة بمحافظة کربلاء، لیتم القضاء علیهم دون رحمة، لیرتقوا شهداء، والقسم الثانی یتم تسلیمهم لجماعة أخری، لیتم إعتقالهم لبضعة أیام وبعد التعرف علیهم، یتم إطلاق سراحهم والشخصیات الأخیرة کانوا من القسم الثانی.

وعادة ما یذکر التاریخ اسماء الشهداء من علماء الشیعة، الذین اُریقت دماؤهم الزکیة علی یدی الحکام الجبابرة، فهم الوارثون حقا لمظلومیة أئمتهم المظلومین، من أهل بیت النبی(ص). وسیُخلِّدُ التاریخ ذکرهم ونضالهم ضد الجهل والکفر والشقاء والظلم والإلحاد، لیکونوا نجوما تلمع فی سماء الأمل ودنیا أتباع أهل البیت، فهم الذین قدموا حیاتهم ودماءهم رخیصة، لینیروا درب الإنسان ویرشدوه للصلاح والفلاح.

إن الظلَمَة والمستکبرین، الذین لا یطیقون مشاهدة مصادر النور الساطع، باتوا کالخفافیش المصاصة للدماء التی تهرب من النور، وباتت حیاتهم رهینة ظلمهم وجرائمهم ضد بنی الإنسان، ولم یفتروا فی أی مرحلة من مراحل التاریخ عن مطاردة وقمع هؤلاء النخب، وراحوا یُلطِّخون أیدیهم بدمائهم من خلال قتلهم لیرتقوا شهداء، کما حصل خلال القرون الأربعة عشر الماضیة، حیث وجدناهم یُسجِرون حمامات الدم بُعید شهرین من رحیل النبی الأکرم(ص) لیبدأوا بتصفیة إبنته الوحیدة، ثم لیجهضوا علی أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب(ع)، وبعده یتجاسروا علی أبنائه المعصومین، طوال الحکم الأموی الدموی الخانق والحابس للأنفاس، والقاتل للأنفس الزکیة، ومن بعده الحکم العباسی الدموی، وهلم جرَّاً،…، وما زلنا نشاهد الآلاف من أبناء الشیعة الابریاء یُقتلون وتُراق دماءهم الزکیة علی مدی التاریخ الأسود، لکنها تبقی هی الدافع والوازع الأول لیبقی ذکرهم فی الخالدین.

أما الحوزة العلمیة العریقة فی النجف الأشرف هی الأخری وعلی مدی أکثر من الف عام لنشاطها المستمر، فقد قدمت نجوما لامعة فی سماء العقیدة والدفاع عنها، الا وهی عقیدة مدرسة اهل البیت علیهم الصلاة والسلام، فی العراق وباقی نقاط العالم الإسلامی، کالشهید الأول والثانی والثالث والرابع، ومازالت فی الوقت الراهن، خاصة أیام فترة سلطة البعث الجائر فی العراق، کانت الحوزة العلمیة للنجف الأشرف قد قدمت أکثر من مائة وثمانین شهیدا من کبار شخصیاتها العلمیة والحوزویة لیخلدوا فی سماء الخدمة وإنارة دروب المجتمع المسلم، ولا نشک أن أرواحهم الخالدة، باتت شاهدا وسندا داعما للحرکة الرصینة والمتوسعة لمدرسة أهل البیت علیهم السلام وتعلیماتها الخالدة.

أتمنی أن تکون دعوات أرواح هؤلاء الشهداء العظام، تشملنا وتشمل مجتمعنا وترفد أفکارنا وتدعم حرکاتنا ونشاطاتنا، لیکتب الله لنا التوفیق فی المضی قدما علی طریقهم، لنال إحدی الحسنیین، إما النصر وإما الشهادة،  إنًه سمیع مجیب.

بقلم الدکتور هادی فرهنك الأنصاری/أخصائي طب الأسنان

 

مقالات ذات صلة