شفقنا العراق-فيما يلي الجزء الثالث والأخير من مقال كوكب حسين عزيز الهلالي حول تاريخ مدرسة السردار حسن خان القزويني في مدينة كربلاء المقدسة.
ثانيا: العلماء الذين تخرجوا في المدرسة
كذلك تخرج فيها جيل النخبة من كبار العلماء والفقهاء الثقات، أمثال:
١- السيد إسماعيل البهبهاني (1229-1295هـ/1813-1877م)
هو السيد إسماعيل بن نصر الله بن محمد شفیع بن يوسف بن حسين ابن السيد عبد الله البلادي البحراني البهبهاني الموسوي، نزيل طهران من مشاهير علماء ذلك العصر، ولد في بهبهان (سنة 1229هـ/1813م) ونشأ بها فأخذ الأوليات و مقدمات العلوم، ثم هاجر إلى النجف الأشرف فمكث بها زمنا وعاد إلى بهبهان فأقام مدة ثم رجع إلى النجف الأشرف وحضر بحث صاحب (الجواهر) و الشيخ مرتضى الأنصاري والشيخ حسن آل كاشف الغطاء، وفي كربلاء المقدسة على السيد إبراهيم القزويني مؤلف (الضوابط) وغيره، كذلك حضر حلقات الدرس في مدرسة السردار حسن خان.
ولما بلغ رتبة سامية في العلم وأهلية تامة أجيز في الاجتهاد من أساتذته وعاد إلى بهبهان فبقي بها ردحا من الزمن اشتغل فيه بالتدريس والإرشاد، ثم رجع إلى النجف الأشرف وبقي فيها إلى (سنة 1287هـ/1870م) التي زار بها السلطان ناصر الدين شاه القاجاري العتبات المقدسة، واتفق للسلطان لقاؤه فطلب منه أن يعود إلى طهران للاشتغال هناك بالإرشاد ونشر تعاليم الدين، فأجابه إلى ذلك وحل طهران فلاقى إقبالا منقطع النظير، وحاز ثقة الأهلين على اختلاف طبقاتهم إلى أن توفي في (6 صفر 1295هـ/1877م) وحمل جثمانه إلى النجف الأشرف فدفن في الحجرة رقم (29) المجاورة للباب الشرقي من الصحن الشريف. من مؤلفاته: رسالة عملية مطبوعة، الرسالة الإرثية.
۲- بيان الواعظين (1314-1371هـ/1896-1951م):
هو الخطيب الشيخ أحمد بن محمد حسن بن محمد جواد بن محمد هادي بن أحمد بن أدهم بن رضي الدين القزويني الأصفهاني، عالم مصنف و خطيب بارع، ولد في أصفهان (سنة 1314هـ/1896م) ونشأ فيها وترعرع في بيت علم وفضل، عرفت أسرته بـ (آل أدهم)، كما يطلق عليهم (آل رضي الدين)، وبعد أن أخذ المقدمات على فضلاء أصفهان، تتلمذ على علمائها كالشيخ أحمد الحسين آبادي، تخرج على والده في الخطابة واستجاز في الرواية، وله آثار منها: خلد برين في تاريخ الخطباء والوعاظ فارسي منظوم، ضياء النحو، وديوان شعر.
ارتقى المنبر الحسيني (سنة 1335هـ/1916م) فكان اهتمامه بالوعظ والإرشاد إلى جانب بيان السيرة والرثاء، وكان متمكنا من العلوم العقلية والنقلية مما كان لها التأثير في خطاباته، فكانت مجالسه تشهد حضورا كثيفا للإصغاء إليه، ولعذوبة بيانه لقب بـ (بيان الواعظين)، زار العتبات المقدسة في العراق ومكث مدة طويلة في كربلاء المقدسة وتكررت زياراته، وسكن في مدرسة السردار حسن خان وحضر حلقات الدرس، وارتقى المنبر في الصحن الحسيني وبعض البيوت العلمية، توفي في أصفهان ليلة الأحد 23 من شهر ربيع الأول (سنة 1371هـ/1951م).
3- الشيخ خلف بن عسكر الحائري (ت 1246هـ/1830م)
الشيخ خلف بن عسكر الزوبعي الحائري، كان من أفاضل المجتهدين، وأحد أكابر فقهاء الشيعة المحققين ومن مشاهير العلماء في عصره، كان من أهل الورع والصلاح والزهد والتقوى، اختص بالفقيه السيد علي بن محمد علي الطباطبائي الحائري صاحب «الرياض»، وحضر عليه سنين طوالا، وسبر مؤلفاته الفقهية، وواظب على حضور مجالسه الفتوائية، وبرع في حياة أستاذه، وحضر حلقات الدرس في مدرسة السردار حسن خان، وصنف، ودرس، وحاز شهرة واسعة في التحقيق والتدقيق، وصار من مراجع الدين المعروفين ومن أجلاء المدرسين، وكان صهر العلامة السيد مهدي الطالقاني النجفي على ابنته، وخلف ثلاثة أولاد علماء فضلاء: الشيخ حسين وهو من الأجلاء، قام مقام والده في الإمامة وسائر الوظائف الشرعية في مسجده القريب من داره، والشيخ عبد الحسين، والشيخ محمد، ولهؤلاء أولاد وأحفاد معرفون، و خلف من الإناث بنتا تزوج بها الشيخ محمد علي نزيل الحائر ورزق منها ولده العالم الجليل الشيخ مهدي. وكانت داره في كربلاء المقدسة تقع قرب باب السدرة عند طاق كبير كان يعرف بطاق الشيخ خلف وقد هدم.
تخرج عليه كثير من أهل العلم والفضل، منهم: عبد الجبار بن محمد بن أحمد بن علي الخطي البحراني، نسخ بأمر أستاذه له كتاب «الاجتهاد والأخبار» في الرد على الأخبارية تأليف الأغا محمد باقر البهبهاني في (سنة 1215هـ/1800م).
وترك آثارا جليلة، منها: «شرح شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام» للمحقق جعفر بن الحسن الحلي في مجلدات عدة، تلخيص «رياض المسائل» لأستاذه الطباطبائي، الخلاصة وهو تلخيص فتاوى أستاذه المذكور في الطهارة والصلاة من شرحه الصغير، لخصه في حياته ( سنة 1228هـ/1812م)، «شرح المعارج» في أصول الفقه للمحقق الحلي، مقدمات «الحدائق» في مجلد فرغ من كتابته (سنة 1214هـ/1799م)، وطهارة (الحدائق) موجود في موقوفة آل خرسان في النجف الأشرف، ورسالة عملية، وغير ذلك من آثاره.
توفي في مدينة كربلاء المقدسة (سنة 1246هـ/1830م)، وهي سنة الطاعون، ودفن في الصحن الشريف لأبي عبد الله الحسين (ع) بمقبرته الواقعة في قبال مقبرة الشيخ عبد الحسين الطهراني الشهير بشيخ العراقين،
وكانت لها دكة مرتفعة عن أرض الصحن وكان الناس يصلون عليها إلى (سنة 1375هـ/1955م) فتساوت مع أرض الصحن الشريف عند فرشه في هذه السنة.
4- السيد المجاهد الطباطبائي (1180-1242هـ/1766-1826م)
السيد محمد بن علي بن محمد علي بن أبي المعالي الطباطبائي الحسني، الحائري، المعروف بالمجاهد، أحد أعلام الإمامية، ولد في كربلاء (سنة 1180هـ/1766م)، وتتلمذ على الفقيهين الكبيرين: والده السيد علي الشهير بصاحب الرياض، والسيد محمد مهدي بحر العلوم الطباطبائي، وتخرج بهما، كذلك حضر حلقات درس من مدرسة السردار حسن خان وجدّ في دراسة علمي الفقه والأصول حتى برع فيهما، وارتحل نحو (سنة 1218هـ/1803م) إلى أصفهان، فتصدى بها للتدريس والتصنيف، ثم عاد بعد وفاة والده (سنة 1231هـ/1815م) إلى كربلاء المقدسة، فقام مقامه في التدريس والإفتاء، وحظي بمكانة سامية بين رجال عصره، وصار من مراجع التقليد.
تتلمذ عليه وروى عنه بالإجازة ثلة من العلماء، منهم: محمد صالح بن محمد البرغاني القزويني، وأخوه محمد تقي البرغاني، وأحمد بن علي مختار الجرفادقاني، وحسن بن محمد علي اليزدي الحائري، ومحمد تقي بن علي النوري الطبرسي، والسيد محمد شفيع بن علي أكبر الجاپلقي الحائري، والسيد إبراهيم بن محمد باقر القزويني الحائري صاحب الضوابط، وآخرون.
صنف کتبا، منها: المناهل (مطبوع) في الفقه، إصلاح العمل في فقه العبادات، المصابيح في شرح « المفاتيح» في الفقه للفيض الكاشاني، جامع العبائر في الفقه، مفاتيح الأصول (مطبوع) في أصول الفقه، الوسائل إلى
النجاة في أصول الفقه، رسالة في حجية الظن المطلق سماها المقلاد (مطبوعة مع كتابه المفاتيح)، كتاب في الأغلاط المشهورة، عمدة المقال في تحقيق أحوال الرجال، والمصباح الباهر في إثبات نبوة نبينا الطاهر. توفي بقزوين في شهر صفر (سنة 1242هـ/1826م)، عائدا من القتال ضد القوات الروسية التي استولت على بعض المدن الإيرانية في عهد السلطان فتح علي شاه القاجاري، وكان السيد قد أفتى بالجهاد ضدهم.
5- الشيخ حسن الكربلائي (ت 1322هـ/1904م)
الشيخ حسن بن علي بن محمد رضا بن محسن التستري الأصل الأصفهاني، الحائري، الشهير بالكربلائي، فقيه إمامي، أصولي، ولد في الحائر (كربلاء المقدسة)، ونشأ بها على حب العلم فأقام في مدرسة السردار حسن خان» ودرس بها، فقرأ المقدمات على فضلائها وأعلامها مجدا في التحصيل حتى فاق أقرانه وزملائه فهاجر إلى سامراء نحو (سنة 1300هـ/1882م)، فحضر على السيد المجدد الشيرازي مدة طويلة وكتب تقريراته في الفقه والأصول، وعاد إلى كربلاء المقدسة (سنة 1314هـ/1896م) بصحبة السيد إسماعيل الصدر بعد أن توفي أستاذه (سنة 1312هـ/1894م)، ثم توجه إلى النجف الأشرف مدرسا مرغوبا فيه وبعدها تمرض بها وسافر إلى الكاظمية للمعالجة فتوفي هناك يوم الخميس (17 ربيع الأول 1322هـ) ودفن بها، أخذ عنه: السيد صدر الدين محمد علي بن إسماعيل الصدر، والسيد عبد الحسين شرف الدين العاملي وآخرون. وله آثار، منها: رسالة في قاعدة الناس مسلطون على أموالهم (كتبها من تقريرات أستاذه) وتاريخ الدخانية بالفارسية فرغ منها (سنة 1310هـ/1892م).
كوكب حسين عزيز الهلالي
*اقتباس من مجلة (تراث كربلاء)/ السنة السادسة/ المجلد السادس/ العدد الأول (19) شهر جمادى الآخرة 1440هـ/آذار 2019م/ ص 193-215