شفقنا العراق-انطلقت عصر يوم السبت (28 رجب 1442هـ) الموافق لـ(13 آذار 2021هـ)، فعّالياتُ المُلتقى العلميّ الإلكترونيّ الذي يُعقد بمناسبة ذكرى المبعث النبويّ الشريف، نقلته شبكة “الكفيل” والذي تُقيمه جامعةُ الكفيل بالتعاون مع ممثّلية العتبة العبّاسية المقدّسة في أوروبا تحت شعار: «وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ».
وبعد تلاوة آياتٍ من الذّكر الحكيم كانت هناك كلمةٌ للمتولّي الشرعيّ للعتبة العبّاسية المقدّسة، ألقاها نيابةً عنه عضو مجلس إدارتها الأستاذ الدكتور عباس رشيد الموسوي، أعقبتها كلمةٌ لجامعة الكفيل ألقاها رئيسُها الأستاذ الدكتور نورس الدهان.
كلمةُ جامعة الكفيل
كذلك، ألقى رئيسُ جامعة الكفيل الدكتور نورس الدهان كلمةً في المُلتقى الإلكترونيّ حول المبعث النبوي الشريف، وهذا نصّها:
إنَّ يَومَ مَبعثِ نبيِّنا الأكرمِ(صلّى الله عليه وآله) ليسَ يوماً لِميلادِ رسالةٍ عظيمةٍ فَحَسْب، أَنْـقَـذَ اللهُ -سُبْحَانَهُ وتَعَالى- بِها الإنْسَانيَّةَ وَصَحَّحَ بِها التَّاريخَ، وإنَّمَا هو ذِكْرى ميلادِ أُمَّةٍ صَنعَها هذا النَّبِيُّ الكريمُ، وربَّاها على كرائمِ الأخلاقِ وأصُولِ الفضَائلِ، والدَّعوةِ إلى الخَيرِ والحَقِّ، ومُقارعةِ الشَّرِّ والبَاطِلِ، وبفَضلٍ منْ هذِهِ التّعليماتِ النَّبويَّةِ قدَّمَ المُسلمُونَ في مَسيرتِهِم الحضَاريَّةِ كثيراً من النّماذجِ المُشرِّفةِ الَّتي بها سعَادةُ الإنسانيَّةِ، إذ ظلَّلَها المُصطفى(صلّى الله عليه وآله) بظِلالٍ وارفةٍ من العدلِ والحُريَّةِ والإِخاءِ، وعصَمَها مِمَّا ارتكَسَتْ فيه حضَاراتٌ أُخْرَى مُتَخَبِّطَةٌ في ظُلُماتِ الظُّلْمِ والطُّغْيانِ حتّى كانَتْ هذِهِ الْحَضاراتُ -في بعضِ انعكاساتِها- وَبَالاً وشَرّاً مُسْتطيراً على الـــــبَشَــــــــــريَّــــــــــــــــةِ قَديـــــــــماً وحـــــــديثًا.
وإِنَّ مِنَ المُستحِيلِ تقديمَ شخصيَّةٍ استثنائيَّةٍ كَــشَخْصِيَّةِ النَّبيِّ الأكـرمِ مُحَمَّدٍ(صلّى اللهُ عليه وآله)، والإِلْمَامَ بِــكُنهِ رسالتِهِ العُظْمَى الَّتي بُعِثَ بِها في كَلِمَةٍ أو مُحاضَرةٍ أو كُتُبٍ أو مقالاتٍ صَغُرَتْ أم كَبُرَتْ، فَضْلاً عنِ الْإحاطةِ بملامِحِ هذِهِ الشّخصيةِ العظيمةِ واستيعابِ جوانِبِها المتنوّعةِ الثَرَّةِ، وناهِيكَ أَيْضاً عنِ الإحاطةِ بسيرتِهِ العَطرةِ الَّتي ملأَتِ الْخافقيْنِ فضائلَ ومناقبَ، حتّى غَدَا ربُّ العزةِ -سبحانَهُ- مِنْ أَعالِي عرشِهِ العَظيمِ يَمْدَحُ هذا الخُلُقَ النبويَّ العظيمَ في كتابِهِ الكريم بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، وهلْ بَعْدَ مَدْحِ القُرْآنِ مَدْحٌ وَبَعْدَ تَعْظِيمِهِ تَعْظِيمٌ؟!.
ومِنْ عَجَبِ أَمرِ هذِهِ السِّيرةِ النبويَّةِ العَطِرَةِ أَنْ تَنَوَّعَتْ إلى أنواعٍ عديدةٍ مِنْ السِّيَرِ، لَمْ تُعْرَفْ لِشَخصِيَّةٍ في التاريخِ البشريِّ إلَّا للذَّاتِ المُحمَّديَّةِ المُكَرَّمةِ، فَمِنْ هذِهِ السِّيرةِ ما يُعْرَفُ بالخصائصِ، وهي: الصِّفَاتُ والفضائلُ والمكارِمُ التي اخْتَصَّتْ بها شخصيَّتُهُ المُتفرِّدةُ على مُسْتَوى الإنسانيَّةِ، وعلى مُسْتَوى التاريخِ وامتدادِ الكَونِ، فَمَبْعَثُهُ يُمَثِّلُ مَبْعَثاً للهُدَى والنُّورِ في عَصْرِ الْجَهْلِ والظُّلُماتِ، وَلِذلكَ لَمْ تَكُنْ هُناكَ شَخْصِيَّةٌ في الدُّنيا تَحْمِلُ كُلَّ هذِهِ المَزايا إلّا شخصيَّةَ نبيِّــنا الأَكْرَمِ(صلّى اللهُ عليه وآله)، وهذا الَّذِي جَعَلَ الْحَقَّ تَعالى يُكَلِّفُهُ بِأَعْظَمِ تَكْلِيفٍ عَلَى الإطْلاقِ، وَهُوَ إِخراجُ النّاسِ مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ، أَلَيْسَ هُوَ القائِلُ في مُحْكَمِ ذِكْرِهِ الحَكِيمِ: {الر * كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}؟.
وَلَا شَكَّ أَنَّ مَهَمَّتَهُ (صلّى اللهُ عليه وآله) مَهَمّةٌ كُبْرَى تَنُوءُ بِحَمْلِها كُلُّ شَخْصيَّةٍ مَهْما كانَتْ عَظيمةً، فَهُوَ الْمَعْنِيُّ بِصناعَةِ الْعُقُولِ والأَنْفُسِ وَالأَخْذِ بِيَدِها نَحْوَ الكَمالِ البَشَرِيِّ في مُحِيطٍ يَرَى وَأْدَ الْبناتِ منْقَبَةً وشرفاً ورِفْعَةً، فَـلَيْسَ هُناكَ أَجَلُّ مِنْ هذِهِ المَهَمَّةِ، وَلَقَدْ أَجادَ الشّاعرُ إِذْ قالَ:
أَعَلِمتَ أَشرَفَ أَو أَجَلَّ مِنَ الَّذي … يَبني وَيُنشِئُ أَنفُساً وَعُقولا
إِنَّ الْعَتَبَةَ العَبّاسيةَ المقدّسةَ في جَمِيعِ مُؤَسّساتِها التَّعْليميَّةِ وَالتَّرْبويَّةِ وَلا سيَّما فِي جامِعَةِ الْكَفيلِ المُباركةِ -انطلاقاً مِنَ الْمَنْهَجِ الَّذِي اخْتَطَّهُ لَها مُتَوَلِّيها الشَّرْعِيُّ سماحةُ حجّةِ الإسلامِ والمسلمينَ السيدُ أحمدُ الصافي (دامَ عزُّهُ)- تَحْرِصُ دائِماً عَلَى إِحْياءِ ذِكْرَى مَبْعَثِ النَّبِيِّ الأَكْرَمِ (صلّى اللهُ عليه وآله) أو ذِكْرَى مَوْلِدِه أو ارتحاله إلى الرفيق الأعلى، وَسائِرِ مُناسباتِ أَهْلِ بَيْتِهِ الأَكارمِ (عليهمُ السلامُ)، وإِيلائِها الأَهَمِيَّةَ البالغةَ، تَطَلُّعاً مِنْها إلى جَنْيِ ثِمارِ هذِهِ الاحتفاليّاتِ المباركةِ، والاقْتِباسِ مِنْ أَنْوارِ النُّبُوَّةِ، والتَّأَثُّرِ بأَخْلاقِهِ الكَريمَةِ (صلّى اللهُ عليه وآله) بِوَصْفِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ مَشَاعِلَ الهدايةِ الَّتِي تَسْتَنِيرُ بِها أُمَّةُ الإسلامِ بَلِ الْبَشَرِيَّةُ جَمْعَاءُ، وَنَحْنُ عَلَى ثِقَةٍ كُبْرَى أَنَّ هذِهِ الأُمَّةَ الَّتي تَنْتَسِبُ إلى نَبِيّ الْهُدَى(صلّى اللهُ عليه وآله) لَنْ تَمُوتَ أو تَنْطَفِئَ جَذْوَتُها وَإِنْ أَصَابَها الوَهْنُ والضَّعْفُ أَوِ الْمَرَضُ؛ فَإِنَّها سَتَنْهَضُ بأَعْبائِها وَتَعُودُ أَلَـقـاً كَما كانَتْ فِي عُصُورِها الذَّهَبِيَّةِ؛ لِأَنَّها تَنْهَلُ مِنْ مَعِينِ الرِّسالةِ الإِلهِيَّةِ والدَّوْحَةِ النَّبَوِيَّةِ النَّقِـيَّةِ.
وَقَبْلَ الْخِتامِ أَتَقَدَّمُ بِوافرِ الشُّكْرِ والِامْتِنانِ والْعِرفانِ إِلى سَماحةِ الْمُتَوَلّي الشَّرْعِيِّ لِلْعَتَبَةِ الْعَبّاسيةِ المقدّسةِ وإِلى أَمانَتِها الْعامّةِ وإِلى هَيْأَةِ التَّرْبِيَةِ وَالتَّعْلِيمِ الْعالِي لِدَعْمِهِمْ غَيْرِ المَحْدودِ لِنَشاطاتِ الْجامِعَةِ وفَعّالِيّاتِها.
وَخِتاماً أَتَوَجَّهُ بِالشُّكْرِ الْجَزِيلِ إِلى الْباحِثِينَ وَالْمُشارِكِينَ وَالْحاضِرينَ فِي هذا الْمُلتَقى الْعِلْمِيِّ وأَتَّمَنّى لِلْجَمِيعِ كُلَّ الْمُوَفّقِيَّةِ والتَّقَدُّمِ الْعِلْمِيِّ.
وآخرُ دَعْوانا أَنِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعالَمِينَ
والسَّلامُ عَلَيْكُم وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَركَاتُهُ
لتليها كلمةُ ممثّل العتبة العبّاسية المقدّسة في أوربا السيّد أحمد الراضي الحسينيّ.
ممثّلُ العتبة في أوروبا: الإساءة للرّسول ما هي إلّا خرقٌ للإجماع العقلانيّ
من جانبه، أكّد ممثّلُ العتبة العبّاسية السيّد أحمد الراضي الحسينيّ، أنّ ما نراه من مشاهداتٍ وممارساتٍ مسيئة لتاريخ رسول الإنسانيّة، ما هي إلّا خرقٌ للإجماع العقلانيّ وطمسٌ لحقائق التاريخ والسيرة العطرة.. جاء ذلك خلال كلمةٍ ألقاها في المُلتقى العلميّ الإلكترونيّ حول المبعث النبوي الشريف.
وأضاف: الأمر الذي يستوجب استحضار تجلّيات الأفق الحضاريّ والمعرفيّ، للتمييز بين عدوانيّة التشويه والتضليل، ونقاوة اليقين بضرورة نصرة الحقّ والعدالة.
وتابع الحسينيّ في كلمته: لذلك أتصوّر أنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله) في ساحة المحشر يوم القيامة سيسألنا جميعاً، ماذا صنعتم لي؟! يقول النبيّ(صلّى الله عليه وآله) أنا صنعتُ لأجلكم أيّها المسلمون كلّ ما أستطيع، إلى الحدّ الذي قال الله سبحانه لي: يا رسول الله خفّف عن نفسك (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا) يا رسول الله لا تُهلكْ نفسك من أجلهم (مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ)، رسولنا المصطفى(صلّى الله عليه وآله) النبيّ الوحيد الذي عُوتب بأن لا تُتعب نفسك من أجل أمّتك..
الجواب: هو التعريف بالنبيّ(صلّى الله عليه وآله) للبشريّة جمعاء بكلّ الطرائق والوسائل، واليوم أكثر ضرورةً من أيّ وقتٍ آخر، خصوصاً أنّ هناك جهاتٍ تشوّه صورة النبيّ(صلّى الله عليه وآله) بأفعالها وأعمالها، وبعضهم للأسف ينتمي إليه.
ولفت: لذلك جاءت هذه المبادرة المتواضعة من العتبة العبّاسية المقدّسة وبرعايةٍ من سماحة المتولّي الشرعيّ لها، لكي نُظهر الصورة الحسنة للنبيّ(صلّى الله عليه وآله)، ونحن بحمد الله تعالى أتباع مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، ونحن نفتخر بأنّ إمامنا هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) ونحن نلوذ بجواره، الذي كان يدافع عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله) طيلة حياته، من عمر ثماني سنوات إلى أن توفّي رسولُ الله (صلّى الله عليه وآله) بين صدره ومنحره.
هذا النموذج الرائع هو إمامي ومثلي الأعلى، تُری! ماذا قدّمنا لرسول الله(صلّى الله عليه وآله)؟! كم ذُدنا عنه؟ کم دافعنا عنه؟ کما فعل إمامُنا (عليه أفضل الصلاة والسلام).
وبيّن: كلّ هذا الهجوم على صورة وشخصيّة النبيّ(صلّى الله عليه وآله) في العالم، من بلدٍ إلى آخر وبين فترةٍ وأخرى، الغاية والهدف من ذلك هو فصلُ الأمّة عن معلّمها، وفصلُ الأجيال عن المربّي، وفصلُ أبناءٍ عن آباء وفصلُ أبناءٍ عن الأمّهات، وفصلٌ بين الأجيال وبين علمائها، والفصلُ بين الناس وحسن التلقّي، وللأسف تمكّنوا قليلاً من ذلك، والدليل فيما تشاهدون من حركة العالم، وخاصّةً العالم العربيّ والإسلاميّ، انظرْ إلى حركات الشباب ما هي إلّا نتيجةٌ للثقافات المعاصرة، ثقافة الفصل بين الناس والمربّي.
لذلك أقول من الواجب التعريف برسول الله(صلّى الله عليه وآله)، ولا يتصوّر أحدٌ بأنّ هذا شُغل العلماء والخطباء؟ لا.. فالنبيّ(صلّى الله عليه وآله) ليس نبيّ هؤلاء فقط، النبيّ نبيّنا جميعاً، فالمسؤوليّة تقع على الجميع، بأن نأخذ النبيّ(صلّى الله عليه وآله) کهويّة، نأخذه عنوان رجولة، نأخذه بناء عقيدة.
واختتم الحسيني: أتقدّم بالشكر لسماحة المتولّي الشرعيّ للعتبة العبّاسية المقدّسة السيّد أحمد الصافي لرعايته هذا المُلتقى العلميّ، الذي شاركتنا في الإعداد له جامعةُ الكفيل الموقّرة وجميع كوادرها الكرام، لما بذلوه من جهدٍ علميّ ولوجستيّ، والشكر موصولٌ للجامعة الإسلاميّة العالميّة وجامعة برمنكهام وجامعة أكستر من المملكة المتّحدة وجامعة هارفرد الأمريكيّة، ولا يسعنا إلّا أن نقدّم شكرنا وامتناننا لكلّ من ساهم في الإعداد لهذا المُلتقى، وللأساتذة الأفاضل الذين لبّوا دعوتنا لإلقاء بحوثهم، داعين الله تعالى أن يُثمر هذا المُلتقى حزمةً من الأفكار والمعلومات والنتائج والتوجيهات، التي ترفد حركة البحث العلميّ وتسهم في إحياء تراث نبيّنا الأكرم (صلّى الله عليه وآله) وشخصيّته المعظّمة.
يُذكر أنّ المُلتقى العلميّ الإلكترونيّ حول المبعث النبوي الشريف، أقامته جامعةُ الكفيل بالتعاون مع ممثّلية العتبة العبّاسية المقدّسة في أوروبا، تحت شعار: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيْمٍ).
بعد ذلك افتُتِحت الجلساتُ البحثيّة التي اشترك فيها عددٌ من الباحثين الحوزويّين والأكاديميّين، ليدلوا بدلوهم البحثيّ عبر بحوثٍ ذات محاور قيّمة تتعلّق بسيرة الرسول الأكرم محمد(صلّى الله عليه وآله) وبعثته المباركة.
المصدر: موقع الكفيل