شفقنا العراق-فيما يلي مقال لسماحة المرجع الديني آية الله الشيخ جعفر السبحاني، تناول فيه تأثيرات إبعاد أهل البيت عن القيادة الإسلامية الحقة، والابتعاد عنها وما تلاهما من شقاق واختلاف بين المسلمين في شتى المجالات.
كان المسلمون في عصر الرسول أمة متراصة الصفوف ذات أهداف واحدة، وكان النبي الكريم هو القطب الذي تدور عليه رحى الإسلام وتلتف حوله الأمة، كلما نجم شقاق بين المسلمين أو فصائلهم، عالجه بحكمته السديدة وقيادته الرشيدة.
ولقد كان الحفاظ على العقيدة والشريعة، يتطلب وجود قيادة رشيدة، ومرجعية حكيمة، تنطق بالكتاب والسنة بعد رسول الله حتى تلتفت حولها الأمة، وتقوم بدورها في معالجة كل مشكلة تحدث، ورأب كل صدع يطرأ على حياتهم في ضوء الكتاب والسنة.
وكان رسول الله قد عالج بالفعل هذه الناحية الهامة في حياة المسلمين المستقبلية، برسم خط القيادة من بعده، وذلك من خلال التعريف بأهل بيته المطهرين، والفات نظر الأمة إليهم في مواضع عديدة، وبأساليب متنوعة، واضحة وقاطعة.
غير أن الأمة تجاهلت ـ ولشديد الأسف هذا الأمر وأقصت أهل البيت عن الحكم، وعزلتهم عن الدور المهم المرسوم لهم في قيادة وهداية الأمة بعد النبي ولم شعثهم، وقيادة سفينتهم في خضم الأمواج العاتية، على غرار ما كان يفعله رسول الله و في عهده المبارك.
ولأجل هذا الانحراف في خط القيادة، نجم الخلاف الحاد بين المسلمين، في شتى النواحي السياسية والعقائدية والتشريعية.
فالشقاق المستمر بين الأمة وعمال الخلفاء، والحروب الدامية بين صفوف الأمة كان من نتائج الابتعاد عن قيادة أهل البيت الرشيدة التي رسمها النبي في حياته الشريفة وعهده المبارك، إلى أن آل أمر الخلافة إلى ملك عضوض يرث فيه الملك واحد بعد واحد، وفاسد تلو فاسد، ويتلقفه ولد بعد والد!!
إن السنة النبوية هي الحجة الثانية بعد الكتاب العزيز، وكان المسلمون في أمس الحاجة إليها، ولكن صارت كتابتها والتحدث بها أمرا ممنوع قرابة قرن ونصف القرن، بينما كان التحدث بالأساطير من قبل مسلمة أهل الكتاب (من أحبار اليهود وقساوسة النصارى) أمراً مسموحاً به!!
لقد أنتج هذا الإبعاد للقيادة الإسلامية الحقة، والابتعاد عنها وما تلاهما من أمور، ظهور شقاق، واختلاف بين المسلمين في شتى المجالات.
أما في السياسة فقد عرفت.
وأما في مجال العقيدة، فقد ظهرت فيهم آراء وأفكار خطيرة مستلهمة ـ أغلبها ـ من اليهود والنصارى.
فمن محدث يثبت لله سبحانه الجسم والصورة، والأعضاء والجوارح، والزمان والمكان، والحركة والانتقال، والجهة والرؤية غير مكترث بقداسة الذات الإلهية، وتنزهها عن مشابهة المخلوقين، ويرى أن هذه هي العقيدة الإسلامية التي جاء بها القرآن الكريم وصدع بها الرسول العظيم.
إلى جهمي يرفع عقيرته بالجبر، وسلب الاختيار عن الإنسان، وينكر ـ في المآل ـ ضرورة بعث الأنبياء، كما يصرح بفناء النار في الآخرة مؤولاً خلود الكفار فيها، والذي صرح به القرآن الكريم.
إلى قدري يفسر القدر ـ في مجال أفعال البشر ـ كعامل قهري يرسم حياة الإنسان، ويفرض عليه أفعاله، بحيث لا يكون الإنسان قادراً على أن يحيد عن ذلك قيد شعرة، بل لهذا القدر الذي هو فعل الله، من السيادة على الله تعالى، بحيث لا يقدر هو سبحانه على تغييره.
إلى متفقه يرى الكتاب والسنة، غير وافيين بالتشريع، وبيان الحلال والحرام، فعاد يلتجئ إلى مقاييس ظنية ومعايير استحسانية ما أنزل الله بها من سلطان، فصار التشريع حلبة الاختلاف، ومضار الشقاق، حتى أنك لا ترى فرعاً عملياً من الفروع اتفقت عليه أئمة المذاهب الفقهية إلا الشاذ النادر.
إلى داع إلى الثنوية بشكل غير مباشر حيث يرى للإنسان إرادة مطلقة، واختيارا مستقلا، كأنه في غنى ـ في أفعاله ـ عن الله سبحانه، وهو بهذا يشبه إله الأرض.
إلى متفلسف يخضع لتيارات وآراء فلسفية مستوردة، من دون أن يقيم مفاهيمها في ضوء الكتاب والسنة والعقل السليم.
إلى ملاحدة ظهروا بين المسلمين، وأعطيت لهم حرية واسعة في العمل والدعوة، فراحوا يضللون الناس، ويسفهون أقوال الإلهيين وينكرون الشرائع والأديان من الأساس.
إلى غير ذلك من الفرق والطوائف والاتجاهات والتيارات المعكرة لصفو العقيدة الإسلامية والكدرة لنقاء النظام الإسلامي.