شفقنا العراق-العراق بلد هش وهو مفهوم تحليلي؛ بمعني دولة أشبه بالدولة الفاشلة، الضعيفة، أو المنهارة.
ومن اكبر المخاوف التي بدأت تدب في عقل الانسان العراقي بعد الأحداث الأخيرة من التفجيرات التي ذهب ضحيتها اعداد من المواطنين البسطاء والمعدومين الذين يفتشون عن لقمة عيش حلال لعوائلهم وإمكانية توسع شبكات المنظمات المتطرفة العنيفة نشاطها بما يتجاوز المناطق التي هم فيها حالياً وتوسيع تحركاتهم، ولاسيما المنظمات المرتبطة بتنظيم داعش والقاعدة وغيره من الشبكات الإرهابية المجرمة التي تنمو وتنشط في مناطق مختلفة من جديد وارتخاء القوات المسلحة في مواجهتها.
كما تشعر بالقلق حيال الهجمات الهستيرية التي قد تقوم بها في المستقبل في ظل الوضع السياسي المضطرب مع تنامي شدت الخلافات بين القوى المشاركة في الحكومة ونحن على موعد مع الانتخابات وقد تلجأ هذه المجموعات الى اساليب جديدة لاستغفال البسطاء والاطفال والمراهقين واغرائهم في مثل التجارة غير المشروعة كالمخدرات والاسلحة والبشر، وغير ذلك من القضايا البعيدة عن الانسانية التي تستوجب من الدولة على تقييم المخاطر ووضع الخطط للطوارئ.
وبشكل مشابه، ولخلق دوائر التطوير الواسعة من الاطر النظامية لتقييم الهياكل السياسية الواضحة من قبل الدولة بدل من ان يجعل المواطن فيها عرضة لمجموعة مختلفة من الأخطار المتنوعة في حين يتحسس بضعف كفاءة الدولة في أداء مهامه الأساسية مثل الامن والاقتصاد والسياسية ولكونه بلداً مهتز الشرعية بحسب مؤشر تقييم أداء الدولة والأداء المؤسسي CPI لسنة 2020 حيث وضع العراق في التسلسل 13 في حالة التأهب القصوى من الدول،
ويكشف تقرير “مؤشر الدولة الهشة Fragile States Index ” الصادر في شهر يوليو 2014 عن أن غالبية دول الشرق الأوسط تدخل ضمن فئة الدول الهشة وغير المستقرة، وذلك في اتجاه يتصاعد تدريجياً منذ اندلاع “الثورات” العربية في عام 2011، حيث تعاني هذه الدول من اضطرابات سياسية وأمنية ومجتمعية، فضاً عن ثبات الأوضاع المتدهورة لدول مركزية بالإقليم، خاصة العراق واليمن وسوريا ولبنان ودول اخرى.
ويحتاج العراق في الوقت الحالي إلى نماذج إنمائية، تختلف جذريًا عن تلك التي تُستخدم في الدول الأكثر تماسكًا واستقرارًا، نظرًا إلى البيئة المليئة بالأخطار التي هو فيها وهي عرضة سريعة للأزمات، في أكثر من نظام فيه، الرئيسي والفرعي معرض للتقلبات الداخلية والخارجية، والصراعات المحلية والدولية.
فقد ظلت فيه حالة عدم الاستقرار المزمن تعرقل الأمن الغذائي لسنوات. وبما أن البلاد لا تزال تتعافى من جولات الصراع المتكررة، والدمار الذي أحدثه تنظيم “داعش”، فإن هشاشة مؤسسات الدولة – في بلد يعتمد فيه السكان بشكل كبير على تدخل الدولة لتلبية احتياجاتهم الغذائية – يمثل سببا رئيسيا للقلق.
على الرغم من انخفاض عدد المحتاجين إلى مساعدات غذائية عاجلة خلال عام 2019، ولا يزال محفوفًا بالخطر بعد ان تعطلت سلاسل الإمدادات الغذائية العالمية إلى وضع ضغط شديد على واردات البلاد من الغذاء، حيث تستورد عادة حوالي 70% من احتياجاتها الغذائية. بالإضافة إلى ذلك، ألحق انهيار أسعار النفط بتأثير شديد في ميزانية الدولة لكونها تعتمد على عائدات النفط بنسبة 90% من إجماليها.
وادى استمرار العنف لمدة طويلة، إلى إهمال البنية التحتية اللازمة لتقديم الخدمات الضرورية للمجتمع وتفسخ المتبقي.
يقول الروائي الروسي ليو تولستوي إن “العائلات السعيدة كلها متشابهة، ولكن كل أسرة تعيسة هي فريدة في تعاستها”، كما أن غياب الحكم الرشيد، وانهيار النظام الاجتماعي أدى كذلك إلى ازدياد الإقصاء المجتمعي وخاصة مكوناته، سواء على أساس عرقي، أو ديني، أو سياسي، أو جنسي.
هذا الُعنف الذي استشرى بعد عام 2003 سبب الإرهاب أو الصراع، مما فسح المجال امام مجموعة واسعة من المعوقات الأمنية، التي اثرت على توقف الخدمات الأساسية بشكل ملفت للنظر.
كذلك، فإن الترتيبات المؤسسية في هذه الحالة تجسد أو حتي تحمي أوضاع الأزمات؛ فمن الناحية الاقتصادية تعزز في الركود، أو معدلات النمو المنخفضة، أو قد تجسد أوضاع متطرفة من عدم المساواة، وجملة من العوامل قد تتمكن من أن تؤدي إلى صراع كامن في داخل الدولة وليس بينها وبين غيرها من الدول. حيث يُعتقد هناك خطرًا مباشرًا تشكله الدول ذات الدخل والإمكانيات المحدودة وخاصة وهو يعتمد على الطاقة النفطية غير المستقرة كمورد وحيد لدعم اقتصاده.
وفي البلدان المنخفضة الدخل مثل العراق، فإن الحاجة كبيرة لحكومة قوية تعمل على كبح جماح الفساد في جميع المؤسسات المجتمعية والحكومية العاملة، فكثيرا ما يعاني من الفساد وعدم فاعلية الهيئات القضائية والرقابة البرلمانية.
ومن ناحية أخرى، تظهر البلدان الغنية دلائل على عدم كفاية تنظيم للقطاع الخاص، من حيث معالجة الرشوة في الخارج من قبل هذه الدول، وضعف الرقابة على المؤسسات والمعاملات المالية، وفي جميع الاحوال فأن الواقع الحالي يؤشر الى حاجة ملحة لتبني استراتيجية واضحة لمناهضة المعاناة وغيرها من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللإنسانية أو المهينة تعتمد إضافة الى النهج العقابي نهجاً وقائياً علاجياً يشجع على اتّباع الممارسات والاجراءات التي تقي من الدخول في وضع مدمر قاسي مستمر ومغادرة نهج الانكار واعتماد نهج المصارحة والحقيقة والمسائلة في التعامل مع الانتهاكات التي وقعت في الماضي او تلك التي ستقع والتعامل المهني والاحترافي معها من خلال توثيقها ومسائلة مرتكبيها في خطوات جادة في عملية شاملة لتحقيق العدالة للتعامل مع الانتهاكات التي وقعت في الماضي بمهنية وحيادية لتمنع استمرار وقوعها في المستقبل.
عبد الخالق الفلاح
————————–
المقالات المنشورة بأسماء أصحابها تعبر عن وجهة نظرهم ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع
————————–