خاص شفقنا- بيروت-هناك أسباب داخلية وخارجية عدة أدت الى ما شهدناه في الكونغرس الأميركي يوم الأربعاء 6 من هذا الشهر، أبرزها تراجع وانحسار دور الولايات المتحدة الأميركية في العالم على أصعدة مختلفة، ليس فقط على الصعيد العسكري والسياسي وإنما الإقتصادي أيضا، بحسب الباحث في أكاديمية باريس للجيوبولتيك فيصل جلول، خلال حديث خاص مع وكالة “شفقنا”، حيث رأى أن ما حصل هو فضيحة كبيرة لجوهر النظام الأميركي ولأهم رمز من رموز هذا النظام، ألا وهو مبنى “الكابيتول” رمز أميركا الأول، والذي لم يتم التعرض له في العصر الحديث إلا مرة واحدة في 11 سبتمبر والآن في عهد الرئيس دونالد ترامب.
وعرض جلول الأسباب التي أدت إلى أحداث الشغب التي رأيناها في الكونغرس، أوّلها الإنقسام الحاد داخل المجتمع الأميركي، والذي يتضح من خلال نسب الأصوات التي اقترعت لبايدن ولترامب – هناك 75 مليون اقترعوا لترامب و81 مليون لبايدن – هذا الإقبال الكثيف على الإقتراع يعبر عن الإصطفاف لدى الطرفين، الذي أدى الى تباعد المشاريع المخصصة للسياسة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة الأميركية، قائلا: “شاهدنا خلال الأربع سنوات الماضية كيف أن ترامب حاول تكسير كل ما تم بناؤه من قبل الرئيس السابق باراك أوباما، للقول بأن على أميركا القيادة باتجاه واحد وليس باتجاهين، اذا الإنقسام الحاد يفسر بشكل كبير ما حصل”.
كما أنه هناك سبب آخر يجب الإنتباه اليه، بحسب جلول، ألا وهو أن الولايات المتحدة الأميركية خاضت عدة حروب في الخارج وفشلت، وهي تواجه تحديات من قوى إقليمية عديدة في العالم – أميركا اللاتينية، آسيا، افريقيا – وما عادت تطاع كما من قبل. كما أن حلفائها (أوروبا) لم تعد مرتاحة للطريقة التي تنتهج فيها السياسة الخارجية الأميركية، فضلا عن ان أميركا فشلت – مع أوروبا والغرب عموما – في فرض إرادتها أو في استثمار نتائج الحرب الباردة. وبالتالي عادت روسيا المهزومة في الحرب الباردة لتستأنف دورها على الصعيد العالمي، ولتكون موجودة في عدد من الأزمات الإقليمية والدولية، إضافة إلى الصعود الصيني مهددا بأن لا تكون أميركا القوى الإقتصادية الأولى في العالم كما كانت دائما، “كل ذلك أدى الى إضعاف الولايات المتحدة، فما عادت قادرة على تلبية الأدوار التي كانت تلبيها من قبل، الأمر الذي انعكس داخليا مؤديا الى ما رأيناه”.
ترامب جعل قضية البيت الأبيض والحكم فيه قضية شخصية
أيضا لا يجب إهمال الأسباب الإجتماعية في الداخل، هناك خوف لدى الأقلية البيضاء أمام تزايد عدد الإسبانيك والأفارقة، وأمام تزايد المجنسين من غير الكتلة الإيرلندية التي تشكل عصب المجتمع السياسي الأميركي، والمجنسين من غير الأوروبيين الذين يشكلون غطاء للكتلة الإيرلندية وشركاء لها. كما أن قسم كبير هذه الأقلية البيضاء لديه نظرة عنصرية، فبات يخاف من أن يصبح أقلية في المجتمع الأميركي وأن يفقد زمام الأمور التي تحكّم بها طويلا، وتابع: “هذه الحالة نجدها في الحزب الجمهوري أكثر من الحزب الديمقراطي، ففي الحزب الديمقراطي شكلوا تحالفا مع السود والاسبانيك وتحالف مع غيرهم، واعتبروا أن مستقبل اميركا بهذا النوع من التحالف، في حين أن الحزب الجمهوري مازال يطغى عليه غالبية من البيض العنصريين، ولا يريد أن تتكلف الولايات المتحدة على الفقراء بكل ما له علاقة بالضمان الإجتماعي والصحي والتربوي وغيره”.
أما السبب الأخير الذي لا بد من الإشارة إليه هو شخصية الرئيس دونالد ترامب، هذا الرجل الذي وقف ضد مجلس النواب الأميركي، وتصرف بطريقة ارتجالية وخلق كمية كبيرة من الأعداء في الداخل، كما جعل نفسه عدوّا للصحافة ولوسائل الإعلام التي تصنع الرأي العام داخل الولايات المتحدة، مقابل اقترابه من العنصريين، فجعل قضية البيت الأبيض والحكم فيه قضية شخصية، كأنه في ثأر مع الرئيس السابق باراك أوباما، “هذا الدور الشخصي الذي لعبه ترامب كان له أثر مهم في الإشتباكات التي وقعت في مبنى الكابيتول”.
وفي الختام اعتبر جلول بأنه ولد واقع جديد في أميركا، وعلى الحزب الجمهوري أن يعيد بناء نفسه عبر إعادة بناء خلافاته الداخلية، كما يقتضي عليه إدانة هذه الفترة واستخلاص دروسها، مضيفا: “المشكلة ليست في ترامب فقط، بل بالـ 75 مليون أميركي الذين قاموا بتصديق أكاذيبه، فلقد أحصت واشنطن بوست حوالي 2000 كذبة أطلقها ترامب خلال ولايته، وهذه مشكلة كبيرة، الحزب الجمهوري يجب أن يلعب دورا في هذا المجال وأن يعيد ترتيب نفسه”.
وفاء حريري