خاص شفقنا-يصادف اليوم مرور عشر سنوات على إضرام الشاب التونسي البوعزيزي النار بنفسه. النيران التي أشعلته شرارة احتجاجات سرعان ما امتدت إلى مزيد من الدول العربية. ففي مصر وتونس وليبيا، تمت الإطاحة بالأنظمة الاستبدادية، وانخرطت سوريا واليمن في حروب أهلية طويلة الأمد، ونجت حكومات أخرى من الخطر بمزيج من القمع والليونة.
كان الربيع العربي، إلى حد ما، يشبه مصير الربيع الأوروبي عام 1848. أثارت البذور التي زرعتها الثورة الفرنسية والحروب النابليونية في القارة الأوروبية، الثورة الشعبية في جميع أنحاء القارة، المستوحاة من المثل العليا للثورة الفرنسية، فظهر مبدأ سيادة الشعب، وأطيح بالممالك، وكُتبت الدساتير، لكن بعد بضع سنوات، لم تتلاشى كل هذه الإنجازات فحسب، بل تم استبدالها أنظمة أكثر قمعية.
باستثناء “تونس”، كانت تداعيات الثورات العربية مأساوية: إما جاءت أنظمة قمعية أكثر أو حلّت الفوضى مكان الاستقرار والنظام السابق. على الرغم من هذه النهاية المحزنة، لا يمكن تجاهل العواقب التي لا رجعة فيها والاتجاهات التي أحدثها الربيع العربي
كيف فتحت أبواب الثورة على الشرق الأوسط؟
ربما من خلال زعزعة الاستقرار نتيجة الغزو الأمريكي للعراق والتدخل القسري لإضفاء الطابع الديمقراطي على الشرق الأوسط. فمن ناحية، أطلق احتلال العراق العنان للحركات الإسلامية، ومن ناحية أخرى، فتح أفقا واعدا لتغيير الأنظمة السياسية التي لم يكن من الممكن تصور الأمر سابقا. إن الديناميكيات الناتجة عن دخول إيران وتركيا إلى الشرق الأوسط في دور قوتين ناشئتين، وخاصة الجاذبية الأولية للنموذج التركي كمزيج ناجح من الإسلام والديمقراطية، عجلت هذه العملية بشكل موضوعي. لكن، كما قيل، كانت الثورة نقطة البداية لاحتلال العراق وعواقبه الوخيمة. ومن المفارقات أن فريد زكريا يعتقد أن ضعف مفهوم الثورة وغياب ثقافة ليبرالية قوية كانا من الأسباب الرئيسية لفشل الربيع العربي في تحقيق الديمقراطية.
كانت مشكلة جميع الدول العربية متشابهة إلى حد ما: فبعد نهاية الاستعمار، أفسح السادة الأجانب الطريق للطغاة الداخليين، لذلك كان الربيع العربي، في المقام الأول، ثورة ضد نخبة ما بعد الاستعمار. الأجندة الثانية كانت أكثر تشابها: الطغاة حكموا باسم التنمية والمفاهيم الحديثة والغربية، بينما، حسب هشام شرابي، تعلموا من الحداثة فقط بناء شرطة سياسية وجهاز أمني وتسليح الجيش. ومن ثم، فأن هزيمتهم تُعزى عموما إلى الحداثة وانتهت إلى عرقلة العلمانية.
بعدما تخلى أوباما عن حسني مبارك، سقطت حكومته بين عشية وضحاها بعد حكم دام ثلاثة عقود، في حين لم يتم ممارسة ضغوط مماثلة على حكومات مثل السعودية والإمارات، فقد حاولوا، كقائد للثورة المضادة، قلب العملية رأسا على عقب كما حصل في مصر. لكن في سوريا، تجلى هذا التناقض أكثر من أي مكان آخر، مما يمثل واحدة من أكثر الحروب الأهلية وحشية في التاريخ. أثار قربها من أوروبا والتدفق الهائل للاجئين الشكوك في أذهان الغرب حول الإطاحة بالحكومة.
بالطبع، أثرت عواقب الربيع العربي تأثيرا كبيرا على العالم الغربي. كان صعود داعش وفشل العملية السياسية في العراق خلال الربيع العربي وما تلاه علامة على فشل السياسة الأمريكية.
إن هزيمة الربيع العربي لم تضعف القوى المؤيدة للديمقراطية في المنطقة فحسب، بل قللت من تأثير الولايات المتحدة وأوروبا في المنطقة. مع تضاؤل الأهمية والدور التقليدي للحكومات الغربية، وجدت دول مثل إيران وتركيا والمملكة العربية وإسرائيل والإمارات مساحة أكبر للتوسع. فبشعورهم بالتهديد من تقليص الوجود الأميركي، تشكلت تحالفات وتوازنات جديدة. تتميز بالتقلب. إذ يتماشى المحور القطري التركي وجماعة الإخوان أحيانا مع المحور الإيراني وأحيانا مع تحالف الدول العربية المحافظة.
أخيرا وليس آخرا متى تثمر بذور الثورات العربية؟ متى سيصل الشرق الأوسط إلى بر الاستقرار النهائي؟ كيف ستعيد انعكاسات العالم متعدد الأقطاب أو العالم أحادي القطب، على حد تعبير هنتنغتون، تعريف المعادلات السياسية والأمنية في الشرق الأوسط؟ يبدو أنه لا يوجد خيار سوى الانتظار لبعض الوقت للعثور على الإجابة.
النهاية