الجمعة, مارس 29, 2024

آخر الأخبار

الشرطة العراقية تقبض على عشرات المطلوبين بقضايا مختلفة

شفقنا العراق ــ ألقت الشرطة العراقية القبض على عشرات...

المرأة العراقية وسوق العمل.. صعوبات وتحديات وعقبات قانونية

شفقنا العراق ــ تواجه المرأة العراقية الراغبة بالدخول إلى...

الهيئة العليا للتراث تناقش دور المخطوطات في تدوين التراجم وتوثيقها

شفقنا العراق ــ فيما ناقشت دور الوثائق والمخطوطات في...

الكمارك تبدأ العمل بنظام الاسيكودا

شفقنا العراق- من مركز كمرك ساحة الترحيب الكبرى في...

الموارد: اعتماد الأقمار الصناعية لدراسة التوقعات الجوية المؤثرة على دجلة والفرات

شفقنا العراق- تعمل وزارة الموارد المائية على اعتماد الأقمار...

قصف إسرائيلي يستهدف ريف دمشق ويتسبب بإصابة مدنيين اثنين

شفقنا العراق ـ استهدف قصف إسرائيلي مساء اليوم الخميس...

في ذكرى تأسيس منظمة بدر.. تأكيد عراقي على دور التضحيات في إسقاط نظام الاستبداد

شفقنا العراق ــ بمناسبة الذكرى الثالثة والأربعين لتأسيس منظمة...

زراعة ديالى تقدم سماد “الكومبوس” بسعر مدعوم

شفقنا العراق- تعمل مديرية زراعة ديالى على إنتاج كميات...

المالية النيابية: موازنة 2024 ستركز على القطاعات الخدمية

شفقنا العراق - أكدت اللجنة المالية النيابية أن موازنة...

النزاهة تضبط متهمين بالرشوة تسببوا بهدر نحو ربع مليار دينار

شفقنا العراق- تمكنت هيئة النزاهة الاتحاديَّة، اليوم الخميس، من...

السوداني يدعو الحكومات المحلية إلى العمل بروح الفريق الواحد وكسب ثقة المواطنين

شفقنا العراق- فيما دعا إلى العمل بروح الفريق الواحد،...

التجارة:استئناف العمل بمشروع البطاقة التموينية الإلكترونية قريبًا

شفقنا العراق ـ فيما حدد موعد استئناف العمل بمشروع...

السوداني يترأس الجلسة الثانية للهيئة العليا للتنسيق بين المحافظات

شفقنا العراق ـ ترأس رئيس الوزراء محمد شياع السوداني،...

مبدأ القيادة في فكر الإمام علي؛ بقلم د. نجم عبدالله الموسوي

شفقنا العراق- مبدأ القيادة في فكر الإمام علي (عليه...

الحرب على غزة.. استمرار القصف والضحايا أكثر من 107 آلاف بين شيهد وجريح

شفقنا العراق ــ تتواصل الحرب على قطاع غزة في...

معالم الصيام وأهدافه ما بين الإسلام والأمم الغابرة

شفقنا العراق- سنحاول أن نرصد بعض معالم الصيام وشرائطه...

لجرد أضرار المحاصيل جراء الأمطار الأخيرة .. الزراعة تشكل غرفة عمليات

شفقنا العراق ـ بعد تأثر بعض المحاصيل الزراعية وتضررها...

الإسراء والمعراج.. معجزة كبرى خالدة وتجسيد لعظمة الله تعالى

شفقنا العراق ــ من أبرز أهداف الإسراء والمعراج، إعداد...

التعداد السكاني.. أساس مرتقب للتحول الرقمي المستقبلي في العراق

شفقنا العراق ــ مع الإعلان عن تنفيذه إلكترونيًا لأول...

العثور على قطع أثرية في بابل

شفقنا العراق ــ أعلنت وزارة الداخلية اليوم الخميس (28...

مباحثات عراقية باكستانية لتعزيز التعاون في المجالين الأمني والاقتصادي

شفقنا العراق ــ بحث مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي،...

رشيد يدعو إلى الإسراع بصرف رواتب موظفي ومتقاعدي الإقليم

شفقنا العراق ــ فيما أكد على أهمية رفع مستوى...

لإجراء الأبحاث الطبية.. جامعة الزهراء تفتتح مختبرًا تخصصيًا للتقطيع النسيجي

شفقنا العراق ــ بتوجيه من ممثل المرجعية الدينية العليا،...

العتبة الحسينية تكشف عن الخدمات المقدمة ضمن مبادرة “عطاء المجتبى” الطبية

شفقنا العراق ــ فيما أحصت خدماتها المقدمة ضمن مبادرة...

كيف سلّم حاكم مصر القدس بطبق من ذهب؟!

تقرير خاص شفقنا- في عام 1229م، بعد توقيع معاهدة يافا بين السلطان الأيوبي الكامل، والإمبراطور فريدريك الثاني، انتقلت القدس (بيت المقدس) إلى أيدي الصليبيين، الذين حكموها بعد هذا التاريخ. فهل أعطى السلطان الكامل القدس للإمبراطور فريدريك الثاني مقابل الحصول على دعمه لتثبيت قواعد حكمه؟ أم أن هذا  محاولة استراتيجية لقمع الحملة الصليبية السادسة؟ وما نتيجة معاهدة يافا تلك؟

حقبة مظلمة كانت قريبة الظهور من حقبة مضيئة أخذت صيتاً تاريخياً مدوّياً، ففتح صلاح الدين لبيت المقدس عام 583 هـ أحدث هزة تاريخية وسياسية واجتماعية هائلة، وسجّله التاريخ العربي والفرنجي الأوروبي بتفاصيله، وما زالت آثاره يصل مداها إلى اليوم عبر أفلام سينمائية ضخمة تحكي قصة الفتح وظروفه، وما زالت سيرة صلاح الدين تستدعيها ذاكرة الأمة الجمعيّة في ظروف الاحتلال والحصار والهزيمة فيما ما تزال مدينة بيت المقدس تحت احتلال الصهاينة.

ولم يكد يمضي على إعادة صلاح الدين بيت المقدس، إلى رحاب الأمة، خمساً وثلاثين سنة، حتى فرّط فيها “الملك الكامل محمد بن الملك العادل الأيوبي”، الذي حكم مصر نحواً من عشرين عاماً، إذ يسجل التاريخ واحدة من أغرب الحوادث، التي أضاع فيها حاكم مسلم أحد أقدس المقدسات، بطيشه واستهتاره ورغبته في تحصين ملكه.

وكان “الكامل محمد” استطاع هزيمة الصليبيين في حملتهم الصليبية الخامسة على مصر، بعدما شك في قدرته على ذلك، وحقق النصر بفضل تضامن أشقائه، ورفض المصريين جعلَ بيت المقدس ثمناً لعودة الصليبيين عن مصر، لكن خلاف “الكامل محمد” مع أشقائه، ولا سيما “المعظم عيسى”، حاكم دمشق، على الملك، جعل كلاًّ منهما يستقوي بأعداء الأمة على بني جلدته، بل على أخيه بالدم.

وهكذا استعان حاكم دمشق بالسلطان جلال الدين بن خوارزم شاه سلطان الدولة الخوارزمية، واستعان “السلطان الكامل” بالإمبراطور فريدريك الثاني إمبراطور الدولة الرومانية في غرب أوروبا، وكان ثمن دعم فريدريك الثاني؛ بيت المقدس، وجميع فتوح صلاح الدين الأيوبي بالساحل الشامي!.

الأغرب في الأمر كله؛ أن القدر شاء أن يأتي فريدريك الثاني إلى بلادنا لدعم “الكامل محمد”، وقد توفى الله شقيقه اللدود “المعظم عيسى”، ما يعني بطلان الاتفاق على تسليم بيت المقدس، لذهاب الموضوع الذي قام الاتفاق -غير المشروع- على أساسه، ومع ذلك فقد “أوفى” السلطان “الكامل محمد” بعهده لفريدريك الثاني وأعطاه القدس، مبرراً فعلته بأنه أعطاه الكنائس فقط، بينما بقي المسجد الأقصى بيد المسلمين!.

أرخى هذا “الجنون” بظلاله على أمة الإسلام، فأقيمت المآتم في المدن الكبرى، وبكى المسلمون القدس خمسة عشر عاماً حتى حررها الخوارزميون عام 642هـ/1244م.اليكم القصة الكاملة:

قبل وفاة السلطان صلاح الدين الأيوبي بفترةٍ وجيزة وتحديداً في عام 1193م، قسَّم أراضي مملكته بين أقاربه،  فخصَّص أهم المناطق والمدن الاستراتيجية، ومنها القدس، لبعض أبنائه، والمدن الأقل أهمية كانت من نصيب أشقائه وبقية أبنائه.

فأوصى لابنه “الملك الأفضل” بالسلطنة من بعده، وأن تكون له السلطة العليا والكلمة النافذة في الدولة الأيوبية كلها، لكن “الأفضل” لم يكن مؤهلاً لهذه المهمة، فحدث نزاع بينه وبين إخوته، واحتكم كل منهم إلى سيفه وقوته.

مِن الملك الأفضل إلى الملك العادل وأبنائه

انتهز الملك العادل، أخو صلاح الدين، هذه الفرصة، وتمكن من خلع الأبناء واحداً بعد الآخر، وأصبح حاكم الدولة الأيوبية بأكملها.

استعان “العادل” بأبنائه في إدارة الدولة، فأناب ابنه “الكامل محمد” في حكم مصر، وجعل ابنه “المعظّم عيسى” في دمشق، وأعطى “الأشرف موسى” حران، واحتفظ “العادل” لنفسه بالإشراف التام على جميع أنحاء دولته.

صلاح الدين الأيوبي

يعود الفضل في الارتباط بين أبناء “العادل” الثلاثة إلى التغلب على الحملة الصليبية الخامسة، لكن هذا الارتباط لم يستمر طويلاً، بسبب أطماع المعظَّم عيسى، الذي بدأ في محاربة إخوته وأقاربه، للحصول على أراضيهم.

هاجم حماة، التي كانت لابن عمّه واستولى عليها، وهو ما أغضب أخويه الكامل والأشرف، وكان هذا بداية الخلاف بينهم.

طمع “المعظَّم” والفرقة بين الإخوة

عندما شعر “الأشرف” بخطر الخوارزمية الذين يهددون الدولة الأيوبية بكاملها، هرع إلى أخيه “المعظَّم” في دمشق، وطلب منه العمل سريعاً لمواجهة هذا الخطر.

لكنّ ردَّ “المعظم” كان هو القبض على أخيه “الأشرف” في دمشق، ولم يطلق سراحه إلا بعد أن تعهَّد له بتمكينه من الاستيلاء على حمص وحماة ثم مهاجمة أخيهما الثالث “الكامل” في مصر أيضاً.

بمجرَّد أن أفلت “الأشرف” من يد “المعظم” عاد في يمينه التي كان مكرهاً عليها، وذهب إلى “الكامل” وأخبره بكل ما ينويه “المعظم”.

تلك الانقسامات العميقة بين الإخوة كان من شأنها أن تضعف الدولة، وتمهد الطريق لعودة الصليبيين إلى القدس، خاصةً بعد أن لجأ كل منهم إلى قوى خارجية.

فقد لجأ الملك المعظم إلى الخوارزمية للتغلب على أخويه، ولجأ السلطان الكامل إلى الصليبيين والإمبراطور فريدريك الثاني، لمواجهة الأخطار الداخلية والخارجية التي هددته وهددت دولته، من ناحية أخيه “المعظم” أولاً، ثم الخوارزمية ثانياً.

تنازل “الكامل” عن بيت المقدس مقابل معاونة الصليبيين

طلب “الكامل” من فريدريك الثاني أن يحضر إلى الشام والساحل، ويعطيه في المقابل بيت المقدس وجميع فتوحات صلاح الدين في الساحل، لهذا أرسل “الكامل” إلى الإمبراطور مبعوثاً خاصاً هو الأمير فخر الدين يوسف.

البابوية تريد حرباً صليبية سادسة، والإمبراطور لا يستجيب

خرج فريدريك  الثاني من بلاده محروماً من الكنيسة ومغضوباً عليه من البابوية، لأن البابا كان يريد وقتها حرباً صليبية سادسة، وهو ما لم يقم به فريدريك الثاني،  الذي اعتمد على وعد “الكامل” له بالحصول على بيت المقدس مقابل ما يقدمه له من مساعدات ضد أخيه “الملك المعظم”.

لكنّ فريدريك أصيب بخيبة أمل شديدة عندما وصل إلى الشام، فوجد أن الموقف قد تغيّر بوفاة “المعظَّم”، واتفاق أخويه “الكامل” و”الأشرف” على اقتسام بلاده، وكان الملك الناصر داود ابن “المعظم” أضعف من أن يحمي ملك أبيه.

وهكذا استقر الوضع لـ “الكامل” دون مساعدة فريدريك، لكنه لم يكن على استعداد لاستعداء الصليبيين عليه بنكث عهده معهم، خاصةً أن خطر الخوارزمية ما زال على الأبواب. أما فريدريك الثاني، فقد كان يعرف أنه ليس أمامه سوى سلاح الدبلوماسية والمفاوضة، للحصول على بيت المقدس.

الحروب الصليبية

المطالبة بتنفيذ الوعد

بمجرّد وصول فريدريك الثاني إلى عكا، أرسل رسولين محمَّلين بالهدايا إلى “الملك الكامل”، يطالبه بتنفيذ وعده بتسليم بيت المقدس، إلا أن “الكامل” ردَّ بأنه كان سيسلم بيت المقدس ثمناً لمساعدة فريدريك له أمام أخيه “المعظم”، لكن الآن بعد أن تغيّر الوضع فلا داعي إلى دفع هذا الثمن، خاصةً أن هذا سيقلب جموع المسلمين عليه.

أصبح موقف فريدريك حرجاً، خصوصاً بعد أن علم أن البابا أصدر ضده قرار الحرمان مرةً أخرى، وأباح لرعاياه الاعتداء على ممتلكاته.

كما أشاعت البابوية نبأً بأن الإمبراطور قد مات، وادَّعى البابا لنفسه حق الوصاية على الإمبراطورية، كل هذا جعل فريدريك يشعر بضرورة عودته سريعاً، لكنه لم يستطع العودة خائباً دون الحصول على بيت المقدس، وهو ما دفعه لتكثيف جهوده الدبلوماسية للحصول على بيت المقدس.

خلال هذا، توجَّه فريدريك إلى يافا في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1228م، وهو ما أثار قلق “الكامل”، الذي خشي من  اتفاق الإمبراطور وبقية الجموع الصليبية بالشام على القيام بعمل حربي ضده. وعلى أية حال، فقد كان “الكامل” لا يريد استعداء الصليبيين، لكي لا يقع بين 3 أعداء: ابن أخيه “المعظم”، والخوارزمية والصليبيين، خاصةً أن الصليبيين والخوارزمية قوتان لا يستهان بهما.

كما أنه قد أبدى استعداده من قبلُ للتنازل عن بيت المقدس مقابل رحيل الصليبيين عن دمياط، المدينة المصرية التي استولوا عليها خلال الحرب الصليبية الخامسة، لكن الصليبيين رفضوا العرض.

اتفاقية يافا، والثمن: بيت المقدس

بعد الكثير من المفاوضات، وافق “الكامل” على عقد اتفاقية يافا مع فريدريك الثاني، وبمقتضى هذه الاتفاقية تقرر الصلح بين الطرفين مدة 10 سنوات، على أن يأخذ الصليبيون بيت المقدس وبيت لحم والناصرة، فضلاً عن صيدا بأكملها.

وبخصوص بيت المقدس، فقد تقرر أن تبقى المدينة على ما هي عليه، وألا يجدَّد سورها، وأن تكون سائر قرى القدس للمسلمين، لا حكم فيها للفرنج، وأن الحرم بما يحويه من الصخرة والمسجد الأقصى يكون بأيدي المسلمين، ولا يدخله الفرنجة إلا للزيارة، ويتولاه المسلمون ويقيمون فيه شعائر الإسلام من الأذان والصلاة.

وهكذا استطاع فريدريك مع ضعف إمكاناته، أن يحقق مكاسب ضخمة عجزت عنها جهود ريتشارد قلب الأسد بإمكاناته الضخمة، دون أن يدخل معركة أو يخسر رجلاً واحداً.

أرسل السلطان “الكامل” بأن ينادى في القدس بخروج المسلمين منه وتسليمه إلى الفرنج، وهكذا تسلم الصليبيون بيت المقدس، دون ثمن تقريباً.

تبعات اتفاقية يافا

كان الأمر بالغ الصعوبة على المسلمين، فقد استعظم المسلمون الأمر ووجدوا فيه الكثير من الهوان والتألم، فاشتد البكاء وعظم الصراخ والعويل كما يقول المقريزي، فأراد “الكامل” تهوين الأمر، بأن قال إنه لم يسمح للصليبيين إلا بالكنائس، وإن المسجد ما زال قائماً على حاله، وما زالت تقام فيه شعائر الإسلام.

لم يرُق الأمر لبعض الصليبيين أيضاً، الذين رأوا أن كرامة المسيحية تقتضي أن يؤخذ بيت المقدس من المسلمين بحدّ السيف.

خصوصاً أن أخذ بيت المقدس بالطريقة السلمية أعطى المسلمين الحق في الاحتفاظ بالكثير من الحقوق مثل استبقاء المسجد الأقصى وقبة الصخرة، وهي أشياء ما كانت ستتم لهم لو أن فريدريك الثاني قد جاء بحربٍ صليبية سادسة كما كانت تريد البابوية.

في 17 مارس/آذار عام 1229م، دخل فريدريك الثاني المدينة المقدسة ليتسلّمها من يد القاضي شمس الدين، قاضي نابلس، الذي أرسله “الكامل” مع الإمبراطور في خدمته. وفي اليوم التالي دخل كنيسة القيامة، ليتوَّج ملكاً على بيت المقدس.

لم تستطع البابوية طويلاً أن تقلل من شأن العمل الذي قام به فريدريك الثاني، فاضطرت إلى الاعتراف أخيراً بما حققه الإمبراطور من كسب للمسيحية، وعقدت معه صلح سان جرمانو عام 1230م، والذي بمقتضاه رُفع قرار الحرمان عن الإمبراطور.

وفاة السلطان “الكامل” واسترداد المسلمين بيت المقدس

توفى السلطان “الكامل” عام 1238م، في قلعة دمشق، بعد حكمٍ تجاوز 20 عاماً، وكان قد عهد بالمُلك من بعده إلى ابنه الصالح نجم الدين أيوب، وهو الأمر الذي أغضب بقية أمراء الأيوبيين، وفي مقدمتهم أخوه “الأشرف موسى”.

 أما بيت المقدس، فبعد الأعوام العشرة كما كانت تنص الاتفاقية، تمكن “الملك الصالح” من استعادته من الصليبيين الذين كانوا ينوون خرق الاتفاقية، وأعاد القدس مرة أخرى، مستعيناً بالخوارزميين الفارين من وجه الزحف المغولي، ويقال أيضاً إن من تمكَّن من استرداد بيت المقدس بعد انتهاء الوقت المنصوص عليه في الاتفاقية هو الملك الناصر داود ابن المعظم، الذي نجح في استرداد القدس بعد حصار الصليبيين إياه 21 يوماً، ليبدأ الصليبيون بعد هذا تجهيز الحملة الصليبية السابعة.

ويقول دكتور خليل عثامنة، المؤرخ الإسلامي الفلسطيني وأستاذ التاريخ بجامعة «بير زيت» الفلسطينية، في كتابه «فلسطين في العهدين الأيوبي والمملوكي»: «إذا كان تنافس أبناء صلاح الدين في شأن المُلك دفعهم للبحث عن مهادنة الفرنجة في فلسطين، وأدى أحياناً إلى محاولة الاستعانة بهم للتصدي بعضهم لبعض، فإن الأمر بلغ ذروة غير مسبوقة في عهد الملوك من أبناء الملك العادل الأيوبي، إذ لم تقتصر علاقتهم بالفرنجة الجاثمين على أرض فلسطين ولبنان وسوريا على المسالمة والمهادنة فحسب، بل تعدت ذلك أيضاً إلى التخلي عن فريضة الجهاد ضد الأوروبيين الغزاة، والتي لولاها لما وضعوا التيجان على رؤوسهم وتربعوا على عروش مصر وبلاد الشام، إذ بات أبناء الملك العادل وورثة عرشه يرون في الفرنجة قوة سياسية إقليمية لا يتورعون عن مهادنتها والتحالف معها مقابل تنازلات إقليمية من دار الإسلام، إما ثمناً للحفاظ على عروشهم وكراسيهم، وإما تعززاً بهم لتصفية الحسابات الصغيرة فيما بينهم، وإما لتحقيق مطامح إقليمية في دول بعضهم البعض».

ويضيف «عثمانة» في كتابه: «صحيح أن الملك الكامل، سلطان مصر هو الذي أبرم صفقة التنازل عن مدينة القدس مع الإمبراطور (فردريك الثاني)، إمبراطور الدولة الرومانية، 626ﻫ/1229م، إلا أن انفراده بهذا القرار لم يكن لينفي التهمة ذاتها عن باقي إخوته ملوك الشام، لأنهم كانوا على استعداد لاقتراف الجُرم نفسه فرادى أو مجتمعين قبل أن يقدم أخوهم على فعلته، فقبل ثمانية أعوام من ذلك التاريخ، وفي 618ﻫ/1221م، حين استولى الفرنجة على مدينة دمياط المصرية وبعد حصارهم المنصورة، وحين أخذوا يتحفزون للانقضاض على مدينة القاهرة وباقي البلاد المصرية، تبادلت الرسائل بين الملوك الأيوبيين والفرنجة، وكان مع (الكامل) آنذاك أخواه الملك المعظم (عيسى)، ملك الشام، والملك الأشرف (موسى)، ملك دمشق، وعرضوا على الفرنجة الجلاء عن مدينة دمياط، والتخلي عن مهاجمة القاهرة لقاء تنازل الأيوبيين عن مدينة القدس وعسقلان وطبرية وجميع ما حرره السلطان صلاح الدين الأيوبي من أرض الساحل في فلسطين ولبنان، بما في ذلك ميناءي جبلة واللاذقية في سوريا، إلا أن الفرنجة رفضوا هذا العرض واشترطوا تسليمهم أيضاً قلعتي الكرك والشوبك، وبعد أخذ ورد وافق الملوك الأيوبيون على تسليمها أيضًا، لكن المفاوضات لم تتم بشأن هذه الصفقة لأن الفرنجة أضافوا في اللحظة الأخيرة شرطاً جديداً، يقضي بأن يدفع الأيوبيون مبلغ 300،000 دينار مقابل إعادة ترميم أسوار مدينة القدس وأبراجها التي كان الملك المعظم (عيسى) أمر بهدمها تحسباً لسقوط المدينة في أيدي الفرنجة حين شرعوا في الهجوم على دمياط».

ويتابع: «أشرنا أعلاه إلى ما أسفرت عنه المطامح الإقليمية التي أبداها الملك المعظم (عيسى) لضم المناطق التابعة لولاية حماة كـ(المعرة وسلمية)، من تفجير الخلاف بينه وبين أخويه الملك (الكامل) والملك (الأشرف)، وما تبع ذلك من إجبارهما على الانسحاب من البلاد التي سبق أن احتلها، مما أجج في صدره الغيظ ضدهما حتى أخذ يبحث عن حلفاء وجدهم ممثلين في الخليفة العباسي الناصر لدين الله، والسلطان جلال الدين ابن الملك خوارزم شاه، ملك خوارزم، الذي كان يوسع نفوذه وحدود مملكته غرباً إلى درجة أنه أصبح يهدد الولايات الشرقية للمملكة الأيوبية التي كانت جزءاً من مملكة أخيه الملك الأشرف (موسى)، ودخلت اتصالات المعظم عيسى بسلطان خوارزم مرحلة متقدمة من التحالف الفعلي حين وعده أن يخطب له على منابر الشام ويضرب (العملة) باسمه».

ويضيف «عثامنة»: «قام السلطان بإرسال الخُلعة السلطانية .وهي ملابس سلطانية تشبه صك الولاء. وأرسلها إلى المعظم، الذي طاف شوارع دمشق مرتدياً إياها، وأعلن قطع الخطبة لأخيه الملك الكامل، الذي ما لبث وأن شعر بالخطر، لما يمثله تحالف أخيه مع سلطان خوارزم، وهو ما جعله يلجأ إلى الاستعانة بالإمبراطور فردريك الثاني وطلب منه الحضور بجيشه إلى أرض الفرنجة على الساحل الفلسطيني ليعينه على مخاطر حلف أخيه مع ملك خوارزم، وترغيباً للإمبراطور في سرعة الحضور، عرض عليه الملك الكامل تسليمه مدينة القدس، التي كانت عودتها إلى الصليبيين مطمح كل ملك وأمير مسيحي أوروبي منذ حررها صلاح الدين، كما عرض عليه أيضًا تسليم بقية الفتوح الساحلية التي حررها صلاح الدين أيضًا».

ويستكمل: «كان الإمبراطور فردريك الثاني قليل الحماسة للقيام بحملات صليبية كغيره من ملوك أوروبا الذين سبقوه، فلما وصلت عروض الملك الكامل إلى بلاط الإمبراطور في بالرمو في صقلية، رأى أن الفرصة أصبحت مواتية للقيام بحملة صليبية كي ينفي عن نفسه صفة المسيحي العاق التي ألصقتها به سياسة الكنيسة وقراراتها، ولذلك قرر الخروج في هذه الحملة (الحملة الصليبية السادسة) قاصداً ميناء عكا. فعرج على جزيرة قبرص ولم يصل إلى ميناء عكا إلا بحلول سبتمبر 1228، أما الجماعات الأوروبية التي انضوت تحت لواء الإمبراطور وسبقت وصوله إلى عكا، فكانت قليلة العدد، ولم يكن في قدرتها إحداث تغيير في ميزان القوى في فلسطين، لذا اقتصر نشاطها على أعمال الترميم لحصون بعض المدن الساحلية، أما أبرز ما فعله صليبيو هذه الحملة فكان إعادة ترميم أسوار مدينة صيدا اللبنانية».

ويواصل: «كان وصول الإمبراطور إلى ميناء عكا متأخراً، فقد وصل بعد ما يقرب من عام كامل على وفاة الملك المعظم عيسى الذي كان يشكل تهديداً على مملكة أخيه الملك الكامل، وبموت المعظم عيسى لم يتم زوال الخطر الذي خشيه الملك الكامل فحسب، بل أيضاً رجحت الكفة تماماً لمصلحته، وباتت مملكة دمشق التي أورثها المعظم عيسى لابنه الناصر داوود تترنح تحت تهديد الملك الكامل الذي كانت قواته تحاصر مدينة دمشق قاعدة هذه المملكة».

ويذكر «عثمانة»: «الملك الكامل كان لا يزال في معسكره في تل العجول حين جاءه رسول الإمبراطور يحمل الهدايا لنفيسة، ويطالبه بالوفاء بوعده تسليم مدينة القدس، لكنه أخذ يماطل ويسوف، وطالت مدة تبادل السفراء والرسل بين الطرفين إلى أن بلّغ الملك الكامل الرسل، في آخر المطاف، إحجامه عن الوفاء بالوعد، إذ ليس هناك من سبب وجيه يوجب تسليم القدس، لأن المساعدة العسكرية التي طلبها ثمناً للتنازل عنها لم تأت في وقتها، بل إنه لم يعد بحاجة إليها بعد أن تغيرت المعطيات على الساحة السياسية بعد زوال خطر المعظم عيسى. وفوق ذلك كله فإن القيام بخطوة متطرفة كهذه ستحدث زلزالاً في موقف المسلمين وتؤذي مشاعرهم الدينية».

ويروي صاحب كتاب «فلسطين في العهدين الأيوبي والمملوكي»: «أثناء فترة الاتصالات وتبادل السفراء بين السلطان الكامل والإمراطور فريدريك، ترك الإمبراطور عكا وتوجه إلى ميناء يافا وباشر أعمال تحصين أسوار المدينة وقلعتها ودفاعاتها، وكان يتلقى في الوقت نفسه تقارير عما يجري في أوروبا، وخصوصاً موقف البابا منه ومن حملته، وعلم أن البابا أصدر قراراً بحرمانه من المباركة البابوية، كما أصدر البابا قرارًا يتولى بموجبه الوصاية على الإمبراطورية، وهي القرارات التي أقلقت الإمبراطور وشعر بضرورة العودة إلى بلاده، لكنه كان يعلم بأن عودته صفر اليدين ستزيد أوضاعه حرجاً، لذلك غير أسلوب مخاطبته للملك الكامل، ولجأ إلى أسلوب التذلل والاستعطاف، حتى قيل أنه بكى أمام رسول الكامل، قائلا: (لولا أني أخاف انكسار جاهي عند الفرنج، لما كلفت السلطان شيئاً من ذلك، وما لي غرض في القدس ولا غيره، وإنا قصدت حفظ ناموسي عندهم)».

اتفاقية يافا

وبحسب «عثامنة»: «لم يلبث الأسلوب من الاستعطاف الذي انتهجه الإمبراطور أن وجد آذاناً صاغية عند الملك الكامل، وبالتالي كان له أثر في قراره بالاستجابة لمطلبه، وعلى المرء ألا يتغافل عن الاعتبارات السياسية الأخرى التي أخذها الملك الكامل في الحسبان. ففي مقابل وصمة العار التي ستلطخ جبينه بسبب تسليمه مدينة القدس لأعداء المسلمين، مع ما ينطوي عليه من مس بمشاعرهم، كان هناك بعض الاعتبارات السياسية التي تدخلت في حسم هذا الأمر، وهي أن حرب الكامل ضد ابن أخيه، الناصر داوود، مازالت محتدمة ولم تحسم بعد، وهناك الملك الخوارزمي السلطان جلال الدين الذي يشكل تهديداً استراتيجياً على مملكة الأيوبيين، بسبب استنجاد الناصر داوود به لإنقاذ عرشه المهدد، كما رأى الملك الكامل أن رفضه بتسليم القدس والوفاء بوعده للإمبراطور، أن يقوم الأخير بتألب مختلف القوى والمجموعات الفرنجية في فلسطين وحشدها ضده للبدء بجولة جديدة من الغارات والهجمات على أرض مملكة الكامل، وجراء ذلك سيكون هو ومملكته هدفاً لثلاثة أعداء في آن واحد».

ويشير: «الاعتبارات والحسابات السياسية عززت الرأي بضرورة الاستجابة لمطلب الإمبراطور الفرنجي، فردريك الثاني، وهو ما تمخض عنه اتفاقية الصلح في يافا في 12فبراير 1229».

عقدت اتفاقية يافا بين الملك الكامل والإمبراطور فردريك الثاني تحت إطار هدنة عامة بين المسلمين والفرنجة، لمدة عشرة أعوام وخمسة أشهر وأربعين يوماً تبدأ (18 ربيع الأول 626ﻫ/14 فبراير 1229م)، إلا أن جوهر الاتفاقية كان يصب حول مدينة القدس وما ارتبط بها من مقدسات وقرى وشؤون إدارية، فنصت على ما يلي:

1- تسلم القدس للإمبراطور على أن تظل أسوار المدينة وتحصيناتها خراباً وألا تجدد الأسوار.

2- ألا يكون للفرنج موطئ قدم خارج مدينة القدس، وان تظل قرى بيت المقدس في أيدي المسلمين.

3- قرى بيت المقدس والضاحية يديرها والي مسلم، وتكون «البيرة» مقراً له.

4- يظل الحرم الشريف بما فيه من المعالم، كالصخرة والمسجد الأقصى، في أيدي المسلمين، ويظل شعار الإسلام فيه ظاهراً.

5- ألا يسمح للفرنج بدخول القدس إلا بغرض الزيارة، ويكون المتولون على الأماكن المقدسة من المسلمين.

6- تكون القرى الواقعة على الطريق بين القدس وكل من عكا ويافا تحت إدارة الفرنجة لحماية أرواح الحجاج وضمان سلامتهم «بلغ عدد هذه القرى عشر قرى».

حال المسلمين بعد الاتفاقية

وبعد عقد الصلح اتجه فريدريك إلى بيت المقدس، فدخل المدينة المقدسة، وفي اليوم التالي دخل كنيسة القيامة، ليُتوّج ملكًا على بيت المقدس.

ووصف ابن الأثير موقف المسلمين بعد الاتفاقية قائلًا: «استعظم المسلمون ذلك وأكبروه، ووجدوا له من الوهن والتألم ما لا يمكن وصفه – يسر الله فتحه، وعوده إلى المسلمين بمنه وكرمه آمين».

ويصور المقريزي ما حل بالمسلمين من ألم بقوله: «اشتد البكاء وعظم الصراخ والعويل، وحضر الأئمة والمؤذنون من القدس إلى مخيم الكامل، وأذّنوا على بابه في غير وقت الأذان، واشتد الإنكار على الملك الكامل، وكثرت الشفاعات عليه في سائر الأقطار».

كما يصف خليل عثامنة حال المسلمين بعد الاتفاقية قائلًا: «أثار تسليم مدينة القدس للفرنجة موجة عارمة من السخط والأسى في العالم الإسلامي. وكانت ردة الفعل شديدة، خصوصاً عند أهل المدينة، ولعل من المفارقة أن نشير إلى ما أحدثه تسليم مدينة القدس وإعادتها إلى حظيرة المسيحية من استنكار واستياء يصل إلى درجة الغضب لدى الأوساط الفرنجية، الدينية منها والدنيوية في بلاد المشرق، فرأى بعضهم أن كرامة النصرانية كانت تقضي بأن تنتزع المدينة عنوة بحد السيف من أيدي المسلمين لا عن طريق التذلل التي توسل بها الإمبراطور إلى الملك الكامل، وكانوا يرون أن استيلاء الصليبيين على المدينة دون استيلائهم على مقدسات المسلمين أمر مرفوض لا تقبل به نفوس الفرنجة الأبية، وذهبت فئة صليبية أخرى إلى القول إن الحصول على القدس من دون استعادة الكرك والشوبك والأردن لا قيمة له، ولو كان هذا مقبولاً لقبل الصليبيون ما عرضه عليهم المسلمون أيام حصار دمياط».

ويتابع: «لما أحس السلطان الكامل أنه تورط مع ملك الفرنجة، أخذ يهوّن من أمر تسليم بيت المقدس، ويعلن أنه لم يعط الفرنجة إلا الكنائس والبيوت الخربة، على حين بقي المسجد الأقصى على حاله غير أن هذه المبررات لم تنطلِ على أحد من الناس».

وما يهمنا اليوم من هذه القصة الغريبة أنها تماثل إلى حد كبير طيش وجنوح حكامنا المعاصرين، وصراعهم على النفوذ، وتنافسهم على إرضاء العدو مقابل الحكم، ولو كان الثمن بيع ما لا يملكون.

إن اتفاقية التنازل عن القدس التي عرفت باتفاقية يافا تجد لها نظيراً اليوم -بكل أسف- باتفاقية اسمها اتفاقية كامب ديفيد، واتفاقية أوسلو، واتفاقية وداي عربة، كما أن مبررات التنازل عن المقدسات – أو التخفيف من وزرها- التي ظهرت لدى مفتي السلاطين في واقعنا المعاصر، تشبه إلى حدٍ كبير ما نقله لنا التاريخ في الماضي أيام الدولة الأيوبية… ما أشبه اليوم بالبارحة!.

النهاية

مقالات ذات صلة