شفقنا العراق-أعاد التوتّر الحدودي الأخير بين كل من الهند والصين، والذي أسفر عن عشرات القتلى والجرحى، التذكير بالوضع الاستراتيجي الدقيق الذي تعيشه كلا الدولتين، وبجانبهما باكستان، حيث تتّسم علاقات نيودلهي بهما، بالتوتّر الدائم، على خلفيات تاريخية تعود للصراع حول إقليم كالهند كانت دوماً تنظر للعلاقات بينها وبين كل من باكستان والصين، بنظرة متحفّزة، جعلتها تسعى خلال السنوات الأخيرة، إلى تصعيد عمليات تحديث قواتها العسكرية، بذهنية ترى احتمالات متزايدة لإندلاع نزاع شامل مع كلا البلدين، وهذا كان واضحاً من التصريحات الشهيرة، التي أطلقها في أيلول/سبتمبر 2017، قائد الجيش الهندي، الجنرال بيبين روات، وأعرب من خلالها عن قناعته بضرورة استعداد الجيش الهندي، لإحتمالية خوض حرب شاملة على جبهتين في نفس الوقت، ضد باكستان والصين.
العلاقات الهندية الباكستانية.. سباق التسلّح يستمر ويتصاعد
على الرغم من وقف إطلاق النار الهشّ، الساري منذ عام 2003، في إقليم كشمير، بين كل من الهند وباكستان، إلا أن توتر العلاقات بينهما، لم يتوقف إطلاقاً، منذ إندلاع أزمة هذا الأقليم بينهما عام 1947، والتي أدّت إلى نشوب ثلاثة حروب بينهما منذ ذلك التوقيت وحتى الآن. هذا التوتر تصاعد أوائل العام الماضي، وتحديداً في شباط/فبراير، حين اتهمت الهند باكستان، بتدبير هجوم إنتحاري في القسم الهندي من الإقليم، أسفر عن مقتل 40 جندياً من القوات الهندية، وتصاعد التوتر أكثر في نفس هذا الشهر، بعد إسقاط الدفاعات الجوية الباكستانية، طائرتين تابعتين لسلاح الجو الهندي، نفذتا غارات جوية على مناطق شمالي الإقليم.
هذه الجولة من التوتر، أثّرت على العلاقات بين الجانبين خلال العام الماضي، والنصف الأول من العام الجاري، فقد أعلنت السلطات الهندية مؤخراً، عن نيّتها طرد نصف العاملين في السفارة الباكستانية في نيودلهي، تتهمهم بالضلوع في عمليات تجسّس، لينضموا بذلك إلى دبلوماسيين باكستانيين إثنين، طردتهما السلطات الهندية أواخر أيار/مايو الماضي.
هذا التوتر انعكس بشكل واضح على سباق التسلّح القائم فعلياً منذ سنوات بين البلدين، وقد لوحظ التركيز بصورة خاصة على التسلّح البحري والجوي خلال الأعوام الأخيرة. فقد تسلّمت باكستان أوائل حزيران/يونيو 2020، أول كورفيت صاروخي من الفئة (ميلجيم)، وهو واحد من أربعة كورفيتات تعاقدت البحرية الباكستانية مع تركيا من أجل بنائها، بموجب صفقة تتضمّن تصنيع كورفيتين إثنين في تركيا، والاثنان الآخران سيتم تصنيعهما في باكستان. هذه الصفقة، بجانب المناورات البحرية المشتركة التي تمّت مؤخراً بين باكستان والصين، والتواجد شبه الدائم للقطع البحرية الصينية في الموانئ الباكستانية، شكل دافعاً إضافياً للبحرية الهندية، كي تستمر في خطتها الطموحة لتشكيل قوّة ردع بحرية، عمادها الغوّاصات النووية.
البحرية الهندية.. خطوات مُتسارِعة في سباق التسلّح
دخلت البحرية الهندية فعلياً، في آب/أغسطس 2016، نادي الدول التي تصنع محلياً غواصات نووية، لتصبح الدولة السادسة في هذا النادي، بعد إدخالها غواصتها الأولى من الفئة (أريهانت)، في تشكيلاتها القتالية بشكل رسمي، وهي تعدّ من أفضل الغواصات في فئتها، وتتسلّح بعدد اثني عشر صاروخاً باليستياً، من نوع (كي-15)، يصل مدى الصاروخ الواحد منها إلى 750 كيلومتراً، وهو ما يشكل تهديداً جدياً للأراضي الصينية والباكستانية على حد سواء.
أوائل العام الجاري، وتحديداً في كانون الثاني/يناير الماضي، نفذت البحرية الهندية تجربتين ناجحتين غير مسبوقتين، لإطلاق النوع الثاني من أنواع الصواريخ الباليستية، التي ستزوّد بها غواصاتها النووية الجاري تصنيعها، وهو الصاروخ الباليستي متوسّط المدى (كي – 4)، الذي يصل مداه الأقصى إلى 3500 كيلومتر، ويبلغ وزنه 20 طناً، وطوله عشرة أمتار، وتبلغ زنة رأسه الحربي ما بين 1 إلى 2 طن. وهنا لا بد من الإشارة، إلى قيام باكستان في نفس الشهر، باختبار صاروخ (حتف -3) الباليستي، القادر على حمل رأس نووية، ويبلغ مدى هذا الصاروخ ما يقرب من 300 كيلومتر.
جدير بالذكر، أنه جاري حالياً بناء ثلاث غواصات نووية أخرى من الفئة (أريهانت)، يتوقع أن تدخل إحداها الخدمة الفعلية أواخر العام الجاري، على أن تدخل الغواصتان المتبقيتان في الخدمة، بحلول عام 2023. هذه الغواصات تدخل ضمن استراتيجية أكبر، شرعت البحرية الهندية في تنفيذها، بهدف إدخال عدد كبير من القطع البحرية الجديدة، في الخدمة القتالية، حيث تقوم حالياً ببناء واختبار أربع فرقاطات شبحية مزوّدة بالصواريخ الموجّهة، من الفئة (15 بي)، يتوقّع أن تدخل الفرقاطة الأولى منها في الخدمة الفعلية العام المقبل، وسيتم تسليحها بصواريخ (براهموس) الجوالة محلية الصنع.
يضاف إلى ذلك برنامج تصنيع فرقاطات الفئة (نيلجيري)، الذي يستهدف تصنيع سبع فرقاطات بحلول عام 2025، على أن تدخل الأولى منها الخدمة الفعلية عام 2022، ويتوقع أن تنضم اليها بحلول عام 2027، أربع فرقاطات روسية من الفئة (الأدميرال جريجوروفيتش)، تعاقدت عليها الهند عام 2018. تشمل هذه الخطة التصنيعية أيضاً، إدخال أربع غواصات ديزل من الفئة (كالفاري) إلى الخدمة، بحلول عام 2022، لتنضم إلى غواصتين من نفس الفئة تعملان حالياً بالفعل ضمن تشكيلات البحرية الهندية.
البحرية الباكستانية، ونظراً لعدم امتلاكها حتى الآن غواصات نووية، أطلقت برنامجاً لتحديث الغواصات الرئيسية في أسطولها، وذلك بالاتفاق مع شركة (تجارة وهندسة تكنولوجيا الدفاع)، ومقرّها تركيا. بموجب هذا الاتفاق، سيتم على مراحل، تحديث ثلاث غواصات ديزل من الفئة (أغوستا 90 بي)، أوشكت عمليات تحديث إحداها على الإنتهاء فعلياً. يضاف إلى ذلك تعاقدت باكستان مع الصين، على شراء ست غواصات ديزل قزمية، من الفئة (يوان)، بقيمة تصل إلى خمسة مليارات دولار.
سلاح الجو الهندي.. سباق ضد التقادم والخسائر
تعدّ نسبة الخسائر التي يتكبّدها سلاح الجو الهندي سنوياً في طائراته، نتيجة للأعطال الفنية أو الأخطاء البشرية، من أكبر النسب حول العالم، ولهذا تقلّصت بفعل هذه العوامل، وعوامل أخرى من بينها تقادم بعض الأنواع من الطائرات، أعداد الأسراب القتالية المتوفرة لديه، لتصبح نحو 30 سرباً متنوعاً، في حين أن الهند تحتاج على الأقل إلى 42 سرباً، لتحقيق جاهزية معقولة لاحتمالات خوض نزاع عسكري على جبهتين. يضاف إلى ذلك، قرب خروج 11 سرباً قتالياً من الخدمة، بحلول عام 2024، بفعل تقادم طائراتهم، بواقع سرب واحد لقاذفات (ميج 27)، وخمسة أسراب من مقاتلات (ميج 21)، وخمسة أسراب من قاذفات (جاغوار).
لهذا سرعت نيودلهي مؤخراً، عمليات تحديث سلاحها الجوي، حيث اتفقت مع روسيا على تنفيذ حزمة تحديثية شاملة، للأسطول الهندي من مقاتلات (سوخوي-30)، التي تعدّ المقاتلة الأساسية في سلاح الجو الهندي، كما تم التعاقد مع موسكو على شراء 12 مقاتلة إضافية من هذا النوع، بجانب 21 مقاتلة من نوع (ميج-29). أدخلت نيودلهي إلى تسليح سلاحها الجوي، مقاتلات (رافال) الفرنسية متعدّدة المهام، حيث تسلّمت في أيار/مايو الماضي، أربع مقاتلات من هذا النوع، على أن تتسلم 32 مقاتلة أخرى، بحلول عام 2022.
على مستوى التصنيع المحلي، تسلّم سلاح الجو الباكستاني، في أيار/مايو الماضي، أول نسخة كاملة الجاهزية العملياتية، من المقاتلة متعدّدة المهام (تيجاس)، والتي كان في الخدمة منها 16 مقاتلة، لكن لم تكن هذه المقاتلات كاملة الجاهزية الفنية. يخطط سلاح الجو الهندي، أن يُدخل في الخدمة لديه، 15 مقاتلة أخرى من هذا النوع، بجانب ثماني مقاتلات خاصة بالتدريب. في ما يتعلق بالمروحيات، تجري حالياً مفاوضات بين نيودلهي وموسكو، حول شراء 200 مروحية متعدّدة الأغراض، من نوع (كا-226)، على أن يتم تجميع 160 مروحية منها على الأراضي الهندية.
باكستان من جانبها، بدأت في تسلّم الدفعة الأولى من المروحيات القتالية (ايه اتش- 1 فايبر)، بعد أن تم تعطيل تسليم هذه الصفقة من جانب الولايات المتحدة، بعد أن تم توقيعها عام 2015، وقد تسلّم سلاح الجو الباكستاني مروحيتين إثنين، على أن يتم تسلم بقية مروحيات الصفقة، البالغ عددها ثلاثة عشر مروحية، خلال الأشهر المقبلة، خاصة وأن سبع مروحيات منها، تم الإنتهاء من تصنيعها بالفعل.
محمد منصور/الميادين