شفقنا العراق-يعيش المجتمع العراقي حالة مهولة من السلبية والتذمر والإحباط، ولا يكاد عراقي تسأله إلا ويجيب عن واقع سوداوي ومأساوي.
المشكلة الكبرى في مجتمعنا، هي أن السوداوية والسلبية يمارسها الغني والفقير، والموظف والعاطل، والمسؤول والمواطن، فتراهم كلهم متذمرين شاكين غير متأملين بشيء إيجابي أبدا.
نملك نحن العراقيون إرثا كبيرا من حضارة قادت الأمم السالفة، ومن ثقافة ألقت بظلال فنونها على الدول والمجتمعات الأخرى.
لم يشفع هذا الإرث في بناء مجتمع إيجابي أو تنموي، بل على العكس عمد صنّاع السلبية على تثبيط الهمم، وإلغاء الشخصية الفاعلة والمتنورة للفرد العراقي، فأصبحنا عبارة عن أدوات خاملة، لا تتفاعل مع المستجدات بنظرة مشرقة، إنما بدأنا نشكك في كل شيء، ولا نثق بنوايا الآخرين، ونحمل جميع الأفعال على محملٍ سيءٍ وننظر للآخرين بسوء الظن، رغم أن ثقافتنا الإسلامية التي ورثناها عن أئمة أهل البيت عليهم السلام جاءت بالأثر المنقول “احمل أخاك المؤمن على سبعين محمل فان لم تجد فالتمس له محملا”.
قد تحدث عن هذا الموضع السيد آية الله محمد تقي المدرسي، خلال خطبة له في مكتبه في كربلاء ألقاها بتاريخ 14 شباط 2020 حيث قال “بأن الشعب العراقي كان شعباً متميّزاً يقوم بقيادة العالم الإسلامي بأسره، حيث كانت بغداد عاصمة العالم الإسلامي، ولكنّ سقوطها بيد هولاكو، سبّب نكسةً ثقافية لدى أبناءه، مما أخذت ثقافته تتسم بطابع الحزن، ولكنّ الأمر بات اليوم أسوء مما مضى، بسبب الوسائل الإعلامية المتنافسة والتي لا تظهر سوى المعايب والسلبيات، ومحاولة تحطيم الجهة المقابلة.
وبيّن المرجع المدرسي أن الشعب العراقي يملك أدباً رفيعاً في مخاطباته، ولكنّ هذه الثقافة السوداوية، أدّت بالبعض إلى أن يستعملوا الخطاب الرذيل والمهين، مشيراً إلى أن من سمات التراجع الثقافي الحاصل، هو الاتهام السريع والمتبادل بين أبناء الشعب، مما أدى إلى البعض أن يتهجّم حتى على حماة البلد والمدافعين عنه”.
الحقيقة حاولنا فحص الأسباب التي أدت إلى هذه السوداوية القاتمة، والسلبية المتوحشة وخصوصا في سني ما بعد 2003.
ما تحصلنا عليه من استنتاج هو أن الإعلام كان الفاعل الأول في نشر السلبية في العراق، فاغلب الإعلام الموجه هو إعلام معادي لتجربة ما بعد 2003، وكان هذا الإعلام بالخصوص موجه ضد الوسط والجنوب، فترى الحدث البسيط في الجنوب يُضَخَّم ويؤل ويُكَبّر، فيما يُتَغاضى عن حدث مثله في كردستان أو الموصل أو المناطق الغربية، وخير شاهد على ذلك هي الخلافات العائلية التي تم تضخيمها.
وقد اكد هذا الأمر السيد رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، حين تحدث عن لقائه مع المدعو سعد البزاز مالك قناة الشرقية، حيث قال البزاز للحلبوسي “هذه ليس دولتنا واحنا شما بينا نهدمها”
أيضا كان الإعلام الحزبي أداة فاعلة في نشر السلبية في بلدنا، فالقنوات بدأت تعمد إلى إظهار سلبيات يكون مسؤولا عنها احد المسؤولين من الحزب المنافس، فمثلا تقوم قناة بنقل سوء خدمات في محافظة معينة، ليس حبا في المحافظة او رغبة في تحسين الواقع الخدمي، بل بغضا بمحافظها الذي ينتمي إلى جهة منافسة للجهة الحزبية المالكة للقناة.
كذلك فشل الإعلام الحكومي في دفع الشائعات والأكاذيب التي تثار، وفَشَلُهً في التصدي للقنوات المغرضة كان أيضا سببا في انتشار السلبية.
مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام الإلكتروني بصورة عامة، كانت اداة مهمة في نشر السلبية، ومن يتابع بدقة يجد أن هناك منهجية متقنة تديرها ايادِ خفية لتحطيم الشعب العراقي لتجعله مجتمعا بائسا.
التصريحات الكبيرة، والأرقام الكاذبة والمضخمة، التي يطلقها بعض المسؤولين العراقيين، الذين اعتادوا الظهور على شاشات التلفاز، واعتادوا أن يكونوا جدليين، من نواب ووزراء وسياسيين –وكذلك بعض المحللين والكتاب- كانت أيضا لها الأثر الكبير في توسيع رقعة السلبية والإحباط في مجتمعنا.
المادية والحسد كانا جانبا آخر في نشر السلبية والإحباط، فصار العاطل يحسد الموظف، والموظف يحسد المسؤول، وأصبحت التعيينات باب من أبواب نشر السلبية واليأس، حيث استأثرت الأحزاب بالنسبة الكبرى من التعيينات، فيما يجد المستقلون أنفسهم بعيدين عن حقهم في بناء الدولة.
ما يجب أن نشير إليه هو إن السلبية لم تكن صدفة او سلوك خاطئ ناشئ من حركة المجتمع التلقائية، لا أبدا! ما تبين لنا من خلال متابعتنا للإعلام بكل مفاصله، إن هناك منهجية ثابتة ومعدة بإتقان لنشر هذه السلبية، ورب سائل يسأل لماذا ينشرون السلبية؟ وما فائدتها لهم؟! والجواب بسيط جدا، وهي إن المجتمع السلبي والبائس سيكون قنبلة موقوتة في أي لحظة لتدمير البلد بأيدي ابنائه، وبدون أن تخسر الجهات التي نظمت نشر السلبية أي دم أو أموال، وللدكتور صادق السامرائي رأي لطيف بهذا الصدد ذكره في مقاله الموسوم (السلبية الطاغية والإيجابية اللاغية) حيث قال “وواقع الحال لا يتفق والسلبية المبثوثة المستولية على وسائل الإعلام والاتصال ، ويبدو أنها مدروسة ومقصودة وتمضي وفقا لبرمجة سلوكية دقيقة، وذات أهداف مرسومة وخطط معلومة، وقعت ضحيتها عن دراية أو جهل وسائل الإعلام في دول الأمة كافة.
وعلى شبكات التواصل الاجتماعي ينتشر ما هو سلبي ومهين للأمة، ومسفه لحاضرها ومستقبلها، ويروّج لهذه الرسائل والمخاطبات أبناء الأمة، الذين تستثير عواطفهم الصور والكلمات، وآليات إخراج الخبر وأساليب بثه وتسويقه، لكي يتحقق استلاب إرادتهم وتشويش وعيهم، وبرمجة أدمغتهم لتأهيلهم للقيام بأدوار تحقيق أهداف الطامعين بهم”
عبد الكاظم حسن الجابري
————————–
المقالات المنشورة بأسماء أصحابها تعبر عن وجهة نظرهم ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع
————————–