شفقنا العراق-العراق لا يزال يعيش أزمة الحكومة أو الدولة الفاعلة بسبب تاريخه الشائك والمرير الذي عاشه لفترة طويلة تحت نير سياسات استبدادية وغياب التعرف على معنى الديمقراطية كممارسة وسلوك في الساحة السياسية الحاكمة وفي المجتمع العراقي وتأثير الأطر السياسية الإقليمية العربية والمجاورة على الحياة السياسية فيه، واحتكار السلطة المطلقة من قبل الأنظمة المتعاقبة التي لم تخلف سوى الأمراض والشوائب العديدة التي أصابت البيئة السياسية والاجتماعية والثقافية، مما تركت آثارا على مختلف الصعد دون تحقق الحد الأدنى من تعهداتهم وتخلصهم في الوقت المناسب من تبعة هذه المعاناة وبالتالي التصدع بالعملية السياسية ومنها على إدارة الدولة.
ومن هنا لعل البعض لسبب ما يحمل الحكومة السابقة المستقيلة لعادل عبد المهدي كل الأسباب التي أوصلت إليه لكنها هي لا تبتعد عن المنظومة الحاكمة المتصدعة في الواقع على الرغم من ذلك تعد هذه التهمة قريبة للواقع وليست بالمطلق إنما بالنسبية ولا يعني في الحقيقة من شئ ويجافيه الأمر كونها كانت الحكومة ضحية لعدم الانسجام بين من جاء بها من جهة في تحقيق مصالحه بذريعة الإصلاح وإبعاد المسؤولية عن نفسه في ذبح الكبش المفتدى، والإخفاق تثبت حقيقة يجب الإشارة إليها، وهي إن لغة الأرقام وكثرة أعداد مقاعد الكتل النيابية تصبح صفراً على الشمال إذا كانت زعامات تلك الكتل لا تجيد فن إدارة الدولة واختيار المواقف الوطنية التي تتطلبها إدارة شؤون المجتمع الخارج من ظلم الاستبداد ليقع في فخ الجهل والمصالح.
تظاهرات الجماهير المحقة ومطالباتهم السلمية من جهة أخرى يجب إعطائها الدور الأمثل إذا كانت سالمة من الشوائب والأدران، والشواهد على ذلك كثيرة حيث اعتادت بعض الكتل أن تكون شريكاً أساسياً بغية تحقيق مكاسب جديدة لها لكنها تتبرأ حين تلوح بوادر الإخفاق الخدمي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي في الأفق وتبدأ في إلصاق التهم بعضها بالبعض الآخر وظهور الفساد على العلن والشواهد كثيرة مثل سرقات البنك المركزي في إتلاف المليارات من المبالغ النقدية.
وأخيرا التهام 750 طن من الحنطة من قبل الطيور وهكذا هي والله الساتر دون وجود رادع مناسب مقنع لحد الآن، ومن الطبيعي أن البلد سوف يواجه محن وانتكاسات مختلفة وعندما تنتهي من محنة معينة لا تحاول أن تراجع أداءها في كيفية تعاطيها مع المِحنة وتشخيص مكامن الخلل التي سببتها والبحث عن مكامن القوة التي تساعدها على تجاوزها وغير مبالية بالموضوع لأنهم رفقاء القافلة وشركاء السراق ويمتلكون أكثر من أدوات اللعب على بعض الزوايا السياسية غير الناضجة مما تسبب في حيث المبدأ تضاءل مساحات الأمل بتحقيق النجاح في الاستقرار السياسي بما ينسحب تماما على الاستقرار العكسي للأمن ثم الاقتصاد والمجتمع وهكذا الزوايا الأخرى وبالتالي على توقف حركة البناء والنمو التي يحتاجها البلد.
في المحصلة لنقل إن عمل الخلاف الذي يتأصل ويترسخ يوما بعد يوم بين الكتل السياسية نموذج واضح على ضعف التكوين السياسي وافتقار البعض إلى الهيكل التنظيمي والإطار الفكري ناهيك عن عدم حضور فاعل لقيادات منهم لأنهم ينتظرون الخراج، فأن من الطبيعي الا يكون لها دور في عملية التغيير والتأثير في الشارع والخلو من المسؤولية الثقافية والحرص على الاتجاه السياسي على علاتها دون تجديد المعايير والأنشطة والأساليب التي تسبب في النهاية أضرار جسيمة بالعملية السياسية بشكل كامل لا بل نهايتهم وتسرع في انحلال الأحزاب والكتل وسقوطها.
الوضع سوف يزداد تعقيدا من سيئ إلى أسوأ، نتيجة عدم وضوح الرؤية والخلافات التي لم تهدأ يوما وضياع عامل الثقة بين جميع أطراف العملية السياسية الحاكمة برمتها و التي تبدو عاجزة عن التغيير نحو الأفضل على الرغم من مناوراتها من خلال دعواتها إلى التسوية التاريخية والأغلبية السياسية وبناء تحالفات غامضة بين بعض القوى السياسية وسرعان من تتهدم وتتشرذم أوصلها و تواجه مأزقا كبيرا، في ظل الصراعات الضروسة الناشبة بين جميع أركانها من الأحزاب والسياسيين واستمرارها تسبب ضياع العراق وتدميره لان عملها السياسي بلا قواعد ولا اطر ولا أهداف واضحة او برامج عملية في إدارة الدولة، ومن هنا ظهر الاستشراء الفساد مع هذه الفوضى، وكثرة التنظيمات السياسية. وظهرت الخروق في العملية الانتخابية بشكل مفضوح وكثر الحديث ولا زال عنه.
إذن يجب أن تكون وقفة هناك تقفها قيادات الكتل السياسية العراقية الوطنية لوضع النقاط على الحروف ولجم الخلافات وإنقاذ الوطن وتحديد المسؤولية لأن تحديدها من شأنه تسهيل الرقابة الذاتية للجهة المختصة لتحديد علل الفساد ومكانه ومكامن أسبابه وإصلاح العملية السياسية وإبعاد المشاكسين والمشاغبين والصوص والسراق وبالتالي يتم تحديد المخالفين لضمان عدم الإضرار وإحالتهم الى القانون والحساب دون ضرر بالمصلحة العامة بشكل خاص والحكومة الجديدة عليها مسؤولية رغم قصر المدة الزمنية المكلفة بها.
فهل ستنتهي الأزمات والصراعات بعد تعيين مصطفى الكاظمي والخروج من الشلل السياسي في دعم الكتل البرلمانية الأقوى له والنقمة الشعبية التي عمت الشارع قي لم تأت من فراغ، وإنما كانت نتيجة تراكمات للفشل الواضح في إدارة شؤون البلاد.
فهل سيمهّد الكاظمي الطريق أمام عملية سياسية جديدة بعد الإعداد وتشخيص لموعد الانتخابات المقبلة و تبتعد عن المخاطر والمعوّقات وتقضي على السلبيات التي تكبح قدرة الدولة على الحكم بشكل مستدام. في تحديد الخطوات التي ترغب في رؤيتها وإدراك وقائع الحوكمة والسلطة في العراق.
أما مجلس النواب الحالي فلم يكن أدائه التشريعي بمستوى الطموح ولم تكن له حصيلة تشريعية أو إقرار قوانين بسبب كثرة التعطيلات وفقدان الدور الرقابي والتجاذبات والصراعات السياسية التي رافقت محاولات تشكيل الحكومة وقدا كشف أعضاء من اللجنة القانونية النيابية في اكثر من تصريح، عن وجود العشرات من مشاريع القوانين غير المنجزة في أدارج مجلس النواب تحتاج إلى التحرك الجدي لتشريعها وإنجازها لخدمة الصالح العام، ويتهم البعض رئيس المجلس محمد الحلبوسي في التأخير لعقد جلسات المجلس في الوقت الحالي لأسباب غير مبررة، وجميع الكتل تتحمل أوزار التأخير في عمل المجلس إذا ما كانت تطمح إلى أن تقر الكثير من القوانين التي تهم المواطن، ولكن الصراعات السياسية على تشكيل الكابينة الوزارية كانت العلامة الواضحة في الأشهر الأخيرة وساهمت في إيجاد البطئ وعمل مجلس النواب لا بل إيقاف نشاطه تماماً.
عبد الخالق فلاح
————————–
المقالات المنشورة بأسماء أصحابها تعبر عن وجهة نظرهم ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع
————————–