خاص شفقنا-يؤكد رئيس كلية الفلسفة بجامعة الأديان المذاهب بمدينة قم، على ضرورة ألا نكثر من توقعاتنا المتسارعة والمتسرعة لمرحلة ما بعد كورونا ويقول: ربما من الأفضل أن نقلل من تدخلاتنا – تحت عنوان المؤسسة الدينية- ونسمح لهذه العملية وهذا السير أن ينتهي- طبيعيًا- نحو الاهتمام بالمبادئ والقيم.
في حواره مع شفقنا، يشير حجة الإسلام والمسلمين حميد رضا شريعتمداري إلى أن الحديث عن مرحلة ما بعد كورونا ليس حديثًا سهلًا وبسيطًا ويقول: لقد أحدث فيروس كورونا المستجد رجات كبيرة على مستوى المجتمع البشري وحصل شبه إجماع على إن العالم ما بعده لن يكن مثل قبله، لكن مستوى هذا التغير والتحول ومدياته قضية مهمة بحاجة إلى دراسة ومتابعة.
ويتابع بالقول: يبدو أن الأنظمة الليبرالية والرأسمالية ستواجه تحديات كبيرة في مرحلة ما بعد كورونا، كما إن قضية “العدالة” ستحظى بمساحة أكبر وسيؤثر هذا كله في الإيديولوجيات فضلًا عن تأثره في رؤية البشر الكونية وكذلك رؤيته تجاه والوجود والخالق.
رئيس كلية الفلسفة بجامعة الأديان والمذاهب يؤكد إن جائحة كورونا بصفتها “كارثة” هي أشبه بـ “وكزة” قوية استهدفت روح الإنسان وفكره ومشاعره؛ وطبقًا للتعاليم القرآنية فإن الطبع الذي جُبل عليه الإنسان يجعله يتذكر خالقه عند ابتلاءه بالشدائد والمصائب، لكنه يعود ليشرك به حينما تعود الطمأنينة إلى نفسه.
واستطرد حجة الإسلام والمسلمين شريعتمداري موضحا: لا يمكننا أن نتوقع بسهولة بأن الإنسان إلى أي مدى سيعيد تعريف علاقته بالطبيعة وبالرب وبالآخرين في عالم ما بعد كورونا، بل علينا الترقب لنرى مستوى تأثير هذه المأساة ومدى ما يظهره الإنسان من قدرة ونضج للتغيير والتحول.
وفيما عبر عن قلقه من أن يتجه الإنسان ما بعد أزمة كورونا نحو إعادة تعاريف المفاهيم في إطار الآراء والعلاقات المادية بدل أن يتجاوز الرؤية والنظرة المادية، بين الأستاذ الجامعي بالقول: من غير المعروف بعد أن يقدم من يسيطر على غرف الفكر العالمية، على تغيير وجهات نظره ورؤاه الفلسفية، لكن بالطبع ستظهر تيارات تطالبنا ببعض الواجبات، وستعمل على استغلال الظروف المؤاتية لتوجيه البوصلة نحو الاهتمام بالبعد الإنساني والحقيقة، والقيم الإنسانية.
وحول إمكانية تحول التقاليد والآداب الدينية بعد الزمن الكوروني، يشير إلى إن ظهور أي تغيير جوهري مرتبط بأصالة المناسك الدينية، فكلما كانت هذه المناسك أكثر أصالة كانت أقل عرضة للتغيير، حالها حال التقاليد الدينية التي لم يطرأ عليها أي تغيير على مدى كل الأزمات التي شهدها التاريخ، ويتابع بالقول: إن المناسك والطقوس التي تعاني من ضعف البناء العقلاني هي أكثر عرضة للتأثر ومن ثم التلاشي، كم يجب ألا ننسى بأن إمكانية هذا التحول على صلة مباشرة بموقف علماء الدين والمتدينين من هذه الظاهرة الطارئة.
رئيس كلية الفلسفة أضاف إن كل وجهة نظر ورؤية تعاني من ضعف البناء العقلاني ستتعرض للتغيير لا محالة، وفيما يتعلق بموقف الحوزات العلمية وعلماء الشيعة من هذه الظاهرة، فهو موقف متسم بالعقلانية، فنحن ملتزمون بما يراه العلم مناسبا وما يوصي به خبراء الصحة وفي الوقت نفسه نتسلح بالجانب الروحي.
وأردف شريعتمداري محذرًا: إذا جعلنا الدين يأخذ منحى معارضًا للعلم والعقل ونضع الناس في مفترق طرق، فالدين سيكون الخاسر الأكبر، لكن إذا ابتعدنا عن هذه المواجهة- إن مراجع الدين الشيعة وبكل توجهاتهم قد شددوا على ضرورة الأخذ بالعلم والالتزام بالتعليمات الصحية- فإن ذلك لم يؤدي إلى تعزيز التقاليد الدينية فحسب، بل إنها ستكتسب عمقًا مضاعفًا وتصبح جوانبها العقلانية أكثر وضوحًا.
“إن أفضل استعداد لما بعد كورونا هو أن نبتعد عن كل عمل متسرع وألا نتسارع للتنظير والتنبؤ والتكهن”، يؤكد حجة الإسلام شريعتمداري ويقول: يجب أن نراقب الظروف ولربما سيكون من الأفضل أن نقلل من مستوى تدخلاتنا – تحت عنوان المؤسسة الدينية- ونسمح لهذه العملية وهذا السير أن ينتهي- طبيعيًا- نحو الاهتمام بالمبادئ والقيم، فمن جملة ما أفرزته الظروف الراهنة هي تقويض الأنظمة المادية.
يقول الأستاذ الجامعي إننا نتجه نحو “صراع البقاء” ويبدو أن المدارس الفكرية التي تعتبر أسس الحضارة الحديثة قد تعرضت للاهتزاز، وحري بنا أن نبتعد عن النيل من الآخرين والتباهي بما لدينا من متاع فكري، فالإنسان الذي بات يتصارع مع كورونا، سيمضي قدما ويتجاوز جزءًا كبيرًا من الطريق، وما علينا سوى أن نترقب الأوضاع ثم ندخل المشهد عندما تحين فرصة التنظير فنعرض ما لدينا من وجهات نظر ورؤى فلسفية وعلمية، كما يجب ألا ننسى بأن القضية هي قضية عالمية فالأفضل عدم التمسك بدين ومذهب دون غيره، وإنما السعي وراء أن يغير الإنسان بوصلته نحو “الرب” ليبحث عن “ذاته” الحقيقة ويعثر عليها.
حجة الإسلام والمسلمين شريعتمداري ختم حديثه بالقول: ليس من السهل التنبؤ والتكهن بما سيحدث ما بعد كورونا، فالأزمة وكزة كان وقعها أشد على أوروبا والغرب، ويجب الترقب لنرى ما ستؤول إليه الأحداث وتأثيراتها، ومدى أهلية الإنسان أن يعيد النظر في رؤيته في ظل ما تعرض له من رجات فكرية تحت وقع كورونا.
النهاية