خاص شفقنا – بيروت-عرّفت منظمة اليونيسف التنمر، خلال حملة توعية واسعة قامت بها في العالم العربي، على أنه أحد أشكال العنف الذي يمارسه فرد أو مجموعة من الأفراد ضد آخر أو إزعاجه بطريقة متعمدة ومتكررة. وقد يأخذ التنمر أشكالًا متعددة كنشر الإشاعات، أو التهديد، أو مهاجمة الشخص المُتنمَّر عليه بدنيًا أو لفظيًا، أو عزله بقصد الإيذاء أو حركات وأفعال أخرى تحدث بشكل غير ملحوظ.
ووقع العديد من حوادث التنمر حول العالم اشتهر بعضها على مواقع التواصل الإجتماعي، ومنها مؤخرا قصة الفتى الأسترالي كودان بايلز البالغ من العمر 9 سنوات والذي يعاني من أحد أنواع التقزم المعروف باسم “الأوجان الغضروفي”، حيث نشرت والدته مقطع له بعد عودته من المدرسة باكيا عقب تنمر أصدقائه عليه بسبب قصر قامته، مما دفعه للتفكير في الإنتحار.
وفي تعريف آخر فقد رأت المرشدة التربوية يمنى زريق، في حديث خاص لوكالة “شفقنا”، أن التنمر هو شكل من أشكال العنف والإساءة والإيذاء، يكون موجها من فرد لفرد أو من فرد إلى مجموعة من الأفراد أو العكس. وهو عملية تخضع لثلاثة معايير: أن يتعمد الشخص التنمر – تكرار فعل التنمر – ووجود اختلال في القوة بين المتنمر وبين الآخرين، كما أنها تتمحور حول ثلاثة أشخاص: المتنمر، الضحية وهي المتنمر عليه والمشاهد.
أنواع التنمر:
وأشارت زريق إلى أن أنواع التنمر كثيرة منها: التنمر البدني وهو عبارة عن تسبب الأذى للغير من خلال الضرب، إتلاف أغراض الآخرين، وهو موجود بشكل كبير داخل الأسر وفي المدارس، ويكون لدى الأولاد الصغار أكثر من الكبار لأن الأكبر سنا لديهم أنواع تنمر بطرق أخرى.
نوع آخر وهو التنمر اللفظي الذي يسبب الأذية بشكل كبير حيث يتمثل بتوجيه الشتائم للآخرين، تحقيره والإستهزاء به، نطلع عليه ألقاب ليست جميلة وتهديده. وهناك التنمر الإجتماعي وهو تجاهل شخص بطريقة متعمدة أو استبعاده من الحديث كعدم الرد عليه، لا يجعل له قيمة بين الناس وينشر عنه إشاعات وأقوال كاذبة.
أما التنمر الرابع فهو التنمر النفسي ويترجم عبر توجيه نظرات سيئة للآخرين، نظرات مليئة بالتحقير والإهانة، التربص للآخر عند كل صغيرة وكبيرة، التلاعب بمشاعر الآخرين. إضافة الى التنمر الإلكتروني المتواجد حاليا بشكل كبير في واقعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي. ويرى البعض وجود نوع يدعى التنمر السياسي الذي نشاهده بين الدول حيث ترى دولة معينة نفسها أقوى من أخرى وتريد السيطرة على الأضعف.
الأسباب:
لكن ما الذي يدفع الفرد إلى ممارسة هكذا فعل؟ تقول زريق أن أسباب التنمر عدة منها: ظروف أسرية كاتباع الأهل لأساليب تربوية خاطئة (الضرب، التهديد، المقارنة بين الأبناء، عدم إعطاء شخصية للطفل، عدم إعطائه مجال لحرية التعبير عن الرأي واتخاذ القرار)، تدفع الفرد للتنمر خارج إطار البيت كي يستطيع فرض وجوده. أيضا عدم وجود رقابة من قبل الأهل على البرامج التي يشاهدها الأولاد على التلفاز، كالبرامج التي تحتوي على العنف، أو الألعاب الإلكترونية التي يمارسوها، الأمر الذي ينعكس سلبا على شخصيتهم.
من الأسباب أيضا وجود ظروف مادية معينة كالفقر بينما الآخرين متمكنين أكثر، بالتالي لا يحب أن يظهروا بصورة أفضل منه. وهناك سبب معاناة الفرد من تشوه خلقي معين في جسده قد يشعره بالنقص. أيضا النقص بتقدير الذات قد يدفعه للجوء إلى التنمر للتعويض عن ذلك، إضافة إلى التحصيل المتدني بالمستوى الأكاديمي مقابل رؤيته لأشخاص أذكياء متفوقين وموهوبين.
طرق التعاطي مع المتنمر:
في المقابل، لا بد من وجود طرق للتعاطي مع شخصية “المتنمر”، لفتت زريق إلى أنه بداية علينا تحديد سلوك الشخصية: “مثلا في المدارس كإرشاد تربوي علينا معرفة سبب تكرار هذا السلوك لدى التلميذ بشكل متواصل لفهم حالته، نحاول التواصل معه عبر الحديث والرسم لمعرفة مخاوفه، من أي بيئة أتى؟ بماذا يفكر وبماذا يشعر؟ نبحث عن الأسباب التي تدفعه لذلك كي نعرف كيفية التعاطي معه، بعدها نستدعي الأهل وننصحهم بإرشادات معينة تتعلق بسلوكهم اتجاه الولد: كإعطاء الطفل وقت مخصص، التحاور معه، إفهامه كيفية تقبل الآخر. هذا الأمر يحتاج لمتابعة كثيرة ورقابة لنرى إذا ما كان هذا الأمر خف لديه أم لا”.
كما اعتبرت بالنسبة للمتنمر المتواجد في الشارع أو مكان العمل: “يجب التعامل معه على مبدأ “التجاهل والتغافل” أي عدم إعطاء أهمية كبيرة له وتجاهله لأن سلوكه مقصود، والمطلوب القيام بردات فعل غير متوقعة، كالكلام معه دائما بشكل إيجابي، احتضانه واحتوائه، وعدم نعته بأمور سلبية”.
المتنمر عليه:
تؤكد زريق أن التنمر يؤثر على كل جوانب شخصية المتنمر عليه، سواء على الصعيد النفسي، الجسدي، العاطفي و حتى الإجتماعي. تظهر المشاكل النفسية على صعيد الخوف، القلق، الشعور بالوحدة والإكتئاب الذي قد يوصل للإنتحار خاصة إذا استمر على المدة الطويل. أما على المستوى الإجتماعي قد يصبح إنسانا منطويا لا يختلط بالآخرين، ينسحب من الأنشطة الإجتماعية، يقضي معظم وقته صامتا ومنعزلا. على المستوى الإنفعالي قد يصبح مزاجيا، يغضب بسرعة ويضحك كذلك الأمر. على الصعيد الجسدي يتعرض لصداع، قلة في النوم بسبب القلق المتزايد أو العكس هربا من الواقعة، رفض الذهاب إلى المكان الذي يسبب له هذا الأمر، وقد للأسف يصبح عدواني ويصبح متنمرا كغيره.
كما اعتبرت أن الأشخاص الأكثر عرضة للتنمر هم الذين يعانون من مشاكل خلقية جسدية، بحيث ينظرون لأنفسهم في موقع ضعف لا يستطيعون الدفاع عنها والمواجهة. إضافة للأذكياء والمتفوقين والموهوبين وإن كان بنسبة أقل من غيرهم. أيضا هناك الأشخاص الذين لديهم ADHD (حركة زائدة ونقص تركيز).
كيف نساعد المتنمر عليه:
فيما يتعلق بكيفية مساعدة المتنمر عليه للخروج من هذه الحالة أشارت زريق أن هذا الأمر يكون من خلال تعزيز الثقة بنفسه، تشجيعه بشكل كبير، جعله يشعر بالأمان في المكان الموجود فيه كي يتمكن من الدفاع عن نفسه. بالإضافة لتعليمه الدفاع عن نفسه عبر إعطائه استراتيجيات معينة تحد من أذية المتنمر له: “مثلا نقترح تعلم الفنون القتالية في النوادي لتعزيز ثقته بنفسه وشعوره بأنه قوي طبعا وليس لضرب المتنمر”، وتابعت أيضا عبر تعليمه الصبر والحكمة في كيفية تعاطيه مع هذه المواقف، التجاهل وعدم الإنفعال، وفي حال عدم تحسن الوضع يجب عرضه على أخصائي نفسي، ولا ننسى إرشاد الأهل حول إختيارهم للبرامج الترفيهية وأسلوب تعاملهم مع أولادهم.
وفي الختام لفتت زريق بأنه بعيدا عن المتنمر والمتنمر عليه، هناك ضحية ثالثة وهي من يشاهد هذا التصرف السيء، بحيث أن هذا الفرد قد يشعر بالذنب اتجاه ما رآه، فهو يعتبر نفسه موجود لكنه عاجز عن تقديم المساعدة، قائلة: “الفطرة الإنسانية التي أعطانا اياها رب العالمين بيضاء وطاهرة، تحب كل ما هو جميل بالتالي لا تقبل عملية التنمر السيئة وغير معتادة عليها”.
يقول أمير المؤمنين الإمام علي (ع) “خير الخلائق الرّفق” و”ارفق توفّق”، ما يعني أنّ اللّين من شيم المؤمن ويؤدي إلى التوفيق من عند الله تعالى، أما التنمر لا يولّد إلى الكره والعداء وعدم التوفيق، لذا معا ضد التنمر من أجل بناء جيل متسامح.
وفاء حريري