شفقنا العراق- الدکتور سعدالله زارعي الاستاذ الجامعي والخبیر والمحلل السیاسي تطرق في مقال له الي كلمة قائد الثورة الإسلامية في ايران آية الله السيد علي خامنئي حول التطورات الاخيرة في العراق ولبنان حيث جاء فیه: تصريحات سماحة قائد الثورة الإسلامية يوم الأربعاء 8 نوفمبر، حول التطورات في لبنان والعراق، في مراسم تخرج جامعات ضباط الجيش، وفي حين أنها کانت موجزةً وجاءت في سياق موضوع آخر، لقيت أصداءً كثيرةً في هذين البلدين، وبالطبع كان البعض “سعيداً للغاية” بها، والبعض الآخر “غاضباً”!
ولكن ما ورد في كلام سماحته، وعلى عكس ما قاله معارضو الجمهورية الإسلامية،لم يكن الدخول في الاصطفافات الحالية في لبنان والعراق، ولم يرجِّح کفة الميزان لصالح أو على حساب جهة محددة. ما قيل في هذه الکلمة، كان مصدر قلقٍ من الضروري والمفيد إيلاء الاهتمام به من قبل جميع الأطياف اللبنانية والعراقية.
الإهتمام بالأمن يصب في صالح الجميع
إن لفت الانتباه إلی مقولة “الأمن”، وأن الجميع يجب أن يأخذ الآليات القانونية بعين الاعتبار، لن يضر المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع من أجل المطالبات المعيشية.
ومن المفارقة أن إضفاء الطابع الأمني علی الأجواء أو تجاهل التهديدات الأمنية، سيهددان في المقام الأول حياة أولئك الذين شكلوا هذه المظاهرات الحالية، كما رأينا في الأيام الأخيرة ونتيجةً للاشتباكات بين فئات من المتظاهرين مع فئات أخرى من الشعبين العراقي واللبناني، وخصوصاً العراقي، قُتل عدد من الجانبين.
ثم “الأمن” ليس مقولةً يحبها جمع من الناس ويكرهها آخرون، كما أن تعليق نظام سياسي قبل أن تكون هناك خطة بديلة صالحة، ليس في مصلحة أحد.
قائد الثورة الإسلامية في هذا الخطاب، وقف في الحقيقة عند نقطةٍ يمکن أن يقف عندها جميع الأطياف المختلفة في لبنان والعراق، سواء من يقود المظاهرات في الساحات أو من هم خارج هذه الدائرة.
القائد في کلمته، کما في مواقف مماثلة، دعم أمن الشعب وسيادته على بلده، کما دافع عن استقلال وسلامة أراضي وحياة الشعوب في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن وأفغانستان، في أعقاب الهجمات الأمريكية والإسرائيلية والسعودية والجماعات التكفيرية ضد دول وشعوب المنطقة، دون أن يکون بالإمکان التعبير عن هذا النوع من الدعم بالكلمات الشائعة التي يشار بها إلی المستبدين.
طوال هذه الفترة، تمكنت إرشادات سماحة القائد وتحذيراته من خفض الکلفة البشرية والمالية التي تدفعها الشعوب والحكومات في أوقات الأزمات أو مؤامرات الدول المعادية، وزادت في المقابل تكاليف أعدائهم بشكل كبير، وأجبرتهم على قبول الفشل.
ما جاء في خطاب آية الله السید علي خامنئي فيما يتصل بمقولة الأمن، کان في الواقع لفت الانتباه إلی الخطر الذي يواجه لبنان والعراق. فمن ناحية، لا يعني ذلك أن خطر انعدام الأمن على نطاق واسع بات فعلياً في هذين البلدين، ومن ناحية أخرى، يعبر عن خطرٍ أصبح يهدد هذين الشعبين، ويجب القيام بفعل شيء للحيلولة دون حدوثه.
لم يمض طويلاً علی تحذير قائد الثورة الإسلامية لبعض الحكومات الصديقة في المنطقة بطريقة ما، من خطر حدوث انعدام الأمن على نطاق واسع، وهو التحذير الذي انعکس علی أرض الواقع لأن المخاطب لم ينتبه لأبعاده، وبالتالي أشغل شعباً وحکومته لسنوات، وأعاق مسيرة التقدم وكلفهم الكثير من النفقات الباهظة.
خطر الاشتباكات الطائفية جادّ
لكن القليل من الاهتمام بتطورات الأيام الأخيرة في العراق ولبنان، يظهر أن بروز التهديدات الأمنية ذات النطاق الواسع بحيث يصبح من الصعب احتوائها، خطير جداً. ومن الأمثلة على ذلك الأحداث التي وقعت في كربلاء، والتي خلفت عشرات الجرحى وتسببت بها أيدٍ خفية وبعض الجماعات المنحرفة التي تتظاهر بالدين.
والمثال الآخر هو الأحداث التي شهدتها البصرة والعمارة، حيث امتدت الأيدي الإجرامية إلى عدد من القوات العائدة من الجهاد المنتصر علی داعش، ولم يرض الفتنويون والأيدي الأجنبية حتی بقتلهم، بل أحرقوهم أحياءً! وهذا يدل على أن الغرض ليس قتل الناس فحسب، بل خلق اشتباكات بين الطوائف والأطياف وعائلاتهم أيضًاً، الأمر الذي، لا سمح الله، إذا انتشر وتوسَّع، سيعرض سيادة الشعب ووجوده لعاصفة الفتنة.
الحيلولة دون استنساخ السياسات الاستعمارية
ومن هذا المنطلق يأتي تأکيد سماحة القائد على الحفاظ على الحكومات والهياكل القانونية في لبنان وسوريا.
من لا يعرف أن موقف رئيس وزراء لبنان بعيد عن إيران بقدر ما موقف رئيس وزراء العراق قريب من إيران؟ ولهذا فإن تأکيد سماحة القائد على متابعة المطالب الاقتصادية مع الحفاظ على الحكومات، لا يعني فرض حزب أو جماعة أو حتى فرض تيار ديني محدد.
إن تجربة سنوات السبع والثمان الأخيرة في الدول العربية في شمال أفريقيا وغرب آسيا، وضياع الإنجاز في انهيار الحكومات، والانحراف في مطالبات الناس، وتوفُّر الأرضية لاستنساخ السياسات الاستعمارية الأجنبية، واستمرار انعدام الأمن وقتل الناس،كما نرى في ليبيا ومصر، تظهر أن هاجس الحفاظ على الهياكل، ليس هاجس الانحياز لشخص أو طرف محدد، بل هو نفس الانحياز لصالح المطالب الشعبية، لأنه إذا لم تكن هناك حكومة فلا توجد طريقة لتلبية هذه المطالبات.
المصدر: الوقت