خاص شفقنا-رغم ان منطلقاتهما واحدة، وهي الاحتجاج على الأوضاع الاقتصادية المتردية ومكافحة الفساد، الا ان التظاهرات التي يشهدها العراق، على العكس من التظاهرات التي يشهدها لبنان، أخذت طابعا دمويا حيث سقط يوم الجمعة اكثر من اربعين قتيلا في حوادث مريبة، بينما بقيت التظاهرات اللبنانية على سلميتها رغم مرور تسعة أيام على انطلاقها.
ليست هذه المرة الاولى التي يسقط خلالها هذا العدد الكبير من القتلى في التظاهرات التي يشهدها العراق، فقبل أيام قليلة سقط كذلك العشرات من القتلى بين الجانبين،جانب المتظاهرين وجانب القوات الأمنية، حتى أصبح العنف والقتل والتخريب وإضرام الحرائق في المباني العامة والخاصة صفة تتصف بها كل تظاهرة تحصل في العراق.
رغم ان لبنان هو مرشح أكثر لتميل المظاهرات نحو العنف، بسبب قربه من فلسطين المحتلة واحتمال تسلل جواسيس وعملاء إسرائيل بين المتظاهرين الى جانب العامل السعودي المدمر، المتسلح بالإعلام المغرض والمال القذر، الا ان اللبنانيين فوتوا الفرصة على اعداء لبنان، ورفضوا الانجرار الى الاقتتال فيما بينهم من أجل مصلحة إسرائيل والسعودية.
في الحالة العراقية هناك عامل مشترك مع الحالة اللبنانية وهو وجود الدور السعودي الاعلامي والمالي، الا ان العامل الاسرائيلي رغم انه لا يمكن انكاره الا انه في العراق ليس بالقوة التي عليها في لبنان، ولكن كارثة العراق تكمن بوجود المجرمين من ايتام صدام من الحاقدين، الذين لا يتورعون عن القيام بأكثر الأعمال وحشية من اجل اعادة عقارب الساعة الى ما قبل عام 2003، ووجود مثل هؤلاء المجرمين لا تجده في الساحة اللبنانية، لذلك اي حراك مطلبي بحت يحوله البعثيون الى فوضى وخراب ودمار من اجل نسف العملية السياسية برمتها على امل العودة الى حكم العراق مرة اخرى.
تظاهرات يوم الجمعة إلى جانب تظاهرات الأيام الماضية في العراق أثبتت بالدليل القاطع ان الشارع العراقي مخترق من قبل عصابات البعث الصدامي المتحالفة مع عصابات “داعش” وبدعم وتحريض مرتزقة السفارات، وهو تحالف لا يمكن للعراق ان تقوم له قائمة في حال بقي ينفث سمه هكذا في المجتمع العراقي.
الخطأ الفادح الذي وقع فيه العراقيون، خاصة النظام السياسي الجديد، هو عدم ملاحقة البعثيين وتسليمهم للعدالة، بالإضافة الى السماح لهم بالانخراط في العملية السياسية، وضمهم الى الجيش والقوات المسلحة، فتحولوا الى معول لهدم العملية السياسية من الداخل، بل تحولوا الى سرطان يفتك في الجسد العراقي، فشل كل المحاولات التي اتخذتها الحكومات المتعاقبة لتحسين الأوضاع الأمنية والاقتصادية، عبر اثارة الفتن والطائفية والنعرات القومية وزرع الإحباط في نفوس الشعب، لاسيما لو عرف انهم مدعومون من الدول العربية الخليجية الثرية كالسعودية والإمارات وقطر، بالاضافة الى دعم عائلة المقبور صدام حسين وخاصة ابنته رغد التي سرقت عشرات المليارات من الخزينة العراقية وهربت بها إلى الأردن.
ان بصمات البعث الصدامي والدواعش واضحة في كل التظاهرات، فعصابات البعث تحاول حرق المراحل من اجل العودة الى الحكم مرة اخرى، وهذه العودة تصطدم بوجود المرجعية الدينية والحشد الشعبي والدعم الايراني للعراق ونظامه الجديد، لذلك تستهدف التظاهرات، والتي من المفترض ان تكون مطلبية، هذه الرموز الثلاثة، المراجع والحشد وإيران، فكل الشعارات والاساءات وكل عمليات القتل والحرق تستهدف هذه الرموز، دون اي ذكر للسعودية او اسرائيل او امريكا، وهو ما يؤكد حقيقة ان الصداميين والدواعش نجحوا في اختراق الشارع العراقي.
الشيء المهم الذي فات عصابات البعث و رفاقهم بالجريمة من الدواعش، هو ان حلم اسقاط النظام السياسي العراقي وعودة البعث الصدامي المجرم ، لن يتحقق مطلقا ما دام الحشد موجودا، وان ما نشهده اليوم من ضبط النفس الذي يمارسه الحشد وتعاليه عن الرد على أيتام المجرم صدام وابناء الرفيقات، قد لا يدوم طويلا فالتجربة التاريخية أثبتت ان من الصعب جدا تدجين ذئاب البعث، فهذه الذئاب إذا ما تركت سائبة ستسفك المزيد من ارواح العراقيين بسبب تعطشهم الجنوني للسلطة.
النهاية