شفقنا العراق-منذ أول أكتوبر استمر الإعلام الأمريكي، كتلفزيون الحرة (لانتفاض قنبر)، والصحف العربية الصفراء بدفع الشعب العراقي (الشيعة بصورة خاصة دون السنة) إلى القيام بمظاهرات احتجاجية ضد الفساد الحكومي.
وتؤكد بعض التلفزيونات، كالشرقية مثلا، على أنها ستكون “ثورة الحسين”. أي أنها ستكون دموية. المتوقع ان تبدأ هذه المظاهرات في 25 أكتوبر وتستمر حتى يتم القضاء على الفساد. هكذا وبسرعة الساحر! ليست هناك، في هذا الإعلام، اي اشارة الى دور الجيش الامريكي المحتل الذي سلم عراقنا الى الحكومات المتعاقبة الفاسدة التي جلبها معه.
هناك في الحقيقة الضرورة الماسة لثورة شعبية لطرد المحتل الامريكي من البلاد وقد طالبها الشعب منذ اليوم الأول من الاحتلال في 9/4/2003.
إلا أن مثل هذه الثورة لم تحدث ولا تحدث بدون قيادة مجربة وواعية ولها النفوذ عند أوسع الجماهير. يضيف الباحث والمؤلف المرموق عبد الحي زلوم في رأي اليوم الغراء في 23/10/2019:
إن “نجاح أي ثورة يحتاج إلى ثلاثة عناصر أساسية مترابطة أولها وجود قيادة واعية قوية وثانيها أن تعرف تماما ماذا تريد وثالثها أن تعرف الطريق للوصول إلى ذلك الهدف عبر تنظيم يستطيع أن يقود الجماهير.. هذا ما قاله كارل ماركس وهذا ما قاله التاريخ من قبله ومن بعده”، وهذه العناصر ليست ناضجة في العراق بالرغم من نضوج الظروف الموضوعية. فالكلام عن الثورة في 25/10/2019 لا يتعدى خداع الشعب العراقي المظلوم. لا وجود لهذه العناصر حتى عند تنظيم المظاهرات التي تطالب بحقوق المواطنة.
ان الاخبار الحقيقية المخيفة تؤكد دخول المزيد من القوات الامريكية من سوريا الى قواعدها في العراق.
فهذا اليوم، 23/10/2019، نشرت وكالة الأنباء الفرنسية ونقلتها رأي اليوم خبر وصول “وزير الدفاع الأمريكي، مارك اسبر، الى بغداد بعد وصول قواته الاثنين الى اقليم كردستان اثر انسحابها من شرق سوريا”، فهناك الضرورة الى الربط بين هذا التصعيد الأمريكي الواضح وبين المظاهرات المزمع اشعالها بحجة الفساد.
يتفق الكل ان الفساد انتشر في العراق مع الاحتلال الامريكي ومن قبل عملائه. حتى أن عضو مجلس الحكم، محمد بحر العلوم، الذي دخل مع المحتل، اتهم المندوب السامي بريمر نفسه بسرقة سبعة مليار دولار قبل مغادرته. والمعروف ايضا ان الفساد يشمل كل الحكومة والبرلمان والمحافظات والاكثرية الساحقة من الموظفين الكبار. وكل هؤلاء منتوج امريكي. فلا يمكن القضاء على الفساد دون القضاء على الاحتلال وطرد الفاسدين.
ولكن المتظاهرين الشرفاء لا يحلمون بقدرتهم على طرد المحتل، بل ان هذه الاكثرية المخلصة تطالب بالماء والكهرباء والمدارس والمستشفيات والعمل بأجور لنيل قوتهم اليومي. فالسفير الأمريكي ومدربوه في الدعاية الالكترونية يعتمدون على عسكرة قلة تافهة من المخربين.
ثم ان هدف امريكا مقتصر على تبديل عادل عبد المهدي بشخص يدافع عن المصالح الأمريكية، كتقليم أظافر الحشد الشعبي وغلق الحدود بين العراق وسوريا وطلب العفو من اسرائيل. وبصورة خاصة تطلب امريكا إلغاء اتفاقية عبد المهدي مع الصين والسماح لامريكا باحتكار الاقتصاد العراقي جملة وتفصيلا ً.
بالطبع لا يستطيع المتظاهر الأعزل تحقيق هذه المطالب. ولهذا هناك الضرورة لاستخدام السلاح، من قبل بعض المتظاهرين على الأقل، بل حتى مشاركة الجيش الأمريكي في عملية التبديل. فالأمر متروك لوزير الدفاع الأمريكي ليخطط ويقود العملية حتى النجاح. أي أن شبان العراق المحرومين قد ينساقون الى الموت دون علمهم ودون تحقيق اي مطلب من مطالبهم الشرعية. وبعد تبديل عادل عبد المهدي تزدحم أمهات الشهداء أمام مشارح الطب العدلي لتبكي وتلعن الحكومة الجديدة التي تنال تهنئة تافهة من الرئيس ترامب. ويستمر الفساد.
المخيف هو ان هناك دلائل واضحة على إمكانية تطور الأحداث لتصل مرحلة الحرب المسلحة. اذ اعلن عادل عبدالمهدي هذا اليوم تحريريا ً يقول “اكدت الحكومة انها لم تمنح الاذن للقوات الامريكية المنسحبة من الاراضي السورية للبقاء في الأراضي العراقية كما ذكرت بعض وسائل الإعلام. وقد اصدرنا بيانا رسميا بذلك ونتخذ الاجراءات القانونية الدولية والامم المتحدة بالقيام بدورهم في هذا الشأن”.
هذا ونشرت تلفزيون روسيا اليوم ان “العراق التمس بالأمم المتحدة لطرد القوات الامريكية غير المخولة من البلاد”، لكن امريكا تملك حق النقض في مجلس الأمن فخروج قواتها من العراق يتم بقوة السلاح ليس إلا، كما يحدث في سوريا. لنتذكر ان امريكا احتلت العراق سنة 2003 برفض قرار اكثرية اعضاء المجلس. فالشعب العراقي على أبواب حرب التحرر الوطني التي لا بد منها.
كمال مجيد
————————–
المقالات المنشورة بأسماء أصحابها تعبر عن وجهة نظرهم ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع
————————–