خاص شفقنا- بيروت-هو ذلك النشور العظيم وكأنه انبثق من الأرض بلا نفخ في الصور ليصل العرش الاعظم، كنهر مفعم بالنور والعشق، هو “الأربعين”، حجٌ من كل حدب وصوب، الى قبلة واحدة، هي على موعد مع اللقاء يتجدد كل عام، لتشخص الابصار الى نقطة ارتكاز الكون “الحسين”.
مسيرة الأربعين، مسيرة تمثل أروع تجمع وحشد إيماني يجسد مشروع الإمام الحسين “ع” لتظهر الصفات الإسلامية وأخلاق أتباع أئمة أهل البيت، فسير الزائرين على الأقدام رجالا ونساء صغارا وكبارا اصحاء ومرضى، هو اصدق تعبير عن عقيدتهم وولائهم لذلك الامام الذي خرج حاملا راية “هيات منا الذلة”، ليجددوا كل عام بيعتهم وصدق استعداداتهم للتضحية في سبيل هذه الثورة التي حفظت جوهر الاسلام.
هذه الظاهرة التي لا تتكرر إلا في العام مرة واحدة، لابد من توثيق مشاهدها وتفعيل عالمية قضيتها وابراز حقيقة قائدها الذي لم يخرج لشيعي فقط او لمسلم فقط إنما لأمة بأكملها! فهي ليست مجرد حشد مليوني بل تحمل بين طياتها رسائل متعددة، ولا بد من بث هذه الرسائل وايصالها الى العالم أجمع.
ولا شك ان الإعلام – وفي القرن الواحد والعشرين- هو القوى المحركة للشعوب وحتى للكتل الضاغطة، فأساليبه المتعددة جعلت منه سلاحا اقوى بيد الأقوى، وقد وقفت المرجعية الدينية العليا متمثلة بآية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني “دام ظله” في أكثر من مناسبة لتدعو وسائل الإعلام الى”توثيق المشاهد التي تعبر عن مبادئ ثورة الحسين “عليه السلام”، في زيارة الأربعين، مؤكدة “ضرورة تفعيل عالمية القضية الحسينية وإبراز حقيقة المسيرة المليونية وإنها ليست مجرد مهرجان شعبي عام كما قد يبدو للبعض، بل هي مسيرة أصحاب مبادئ إنسانية يريدون الحفاظ عليها وإبرازها للعالم ليتنبه الى أهمية تجسيدها في حياة الإنسان”.
فإلى أي مدى يعلب الاعلام دورا بارزا في نقل مشهد الاربعينية وما أهميته؟
“الاعلام مسألة مهمة جدا في حياة الشعوب اليوم وخاصة في حياة المسلمين، وهو من الأمور الهامة في بث التبليغ والدعوة وتوجيه الناس الى الحق والحقيقية، وقد أصبح الأداة الفاعلة في التوجيه الصحيح أو السيء، لذا لابد من المحمديين ان يستخدموا هذه الوسائل بدقة ورعاية وأساليب علمية وقوية لأجل ايصال فقههم الصحيح وصراطهم المستقيم لتبليغ الامانة التي في رقابهم”، يفتتح المسؤول الاعلامي في تجمع العلماء المسلمين فضيلة الشيخ محمد عمرو حديثه لوكالة “شفقنا”.
أما في موضوع الإمام الحسين، وفيما يتعلق بالشعائر الدينية، يقول سماحته: الشعيرة هي لمحة تاريخية أو واقعية تؤثر في الانسان تأثير نفسي، أي هي اعلام، ولهذا نجد أن الشعائر الدينية تحتاج الى طرق متعددة لايصالها وايصال مضمونها وفكرتها وموضوعها الى كل العقول والقلوب، فكيف بنا وعاشوراء وكربلاء الامام الحسين؟ لافتا الى أن بقاء الرسالة الاسلامية المحمدية كان بشهادة الحسين وكربلاء، معتبرا ان كل هذه المفاهيم تحتاج الى ايضاح وتبليغ وتسليط الضوء عليها والى تسليط الضوء على كل واقعة صغيرة او كبيرة من خلال اساليب متعددة في ايصال الفكرة وهذا له دور بارز في موضوع الاعلام”.
وفي سياق الحديث عن شبكات التواصل الإجتماعي، اعتبر الشيخ عمرو “أنها وُضعت لأسباب مغايرة ويراد منها شيء آخر، لكن، ولأنها اصبحت في متناول الجميع الصغير والكبير واصبحت وسيلة تلقّي المعلومة بشكل سريع وضاغط، اذا هي منصة من منصات الاعلام واصبحت من المنصات الاساسية في هذا الزمن وهذا الوقت، لذا لا يمكن ان يكون الاعلام أو أي تبليغ ديني او شعائري بعيدا عن التواصل الاجتماعي بغض النظر عن سلبياته لكن هناك ايجابية بأنه يوصل المعلومة بأسرع وقت الى اكبر شريحة ممكنة، من هنا يصبح المستخدم لهذه الاداة له طريقته، فنّه، اسلوبه، وطريقة العرض مسألة مهمة جدا في هذا السياق وهي التي تجذب المتلقي او لا تجذبه”.
حرب إعلامية
ولاشك أن هناك حملات إعلامية تستهدف الشعائر الحسينية وتسعى الى محاربتها، “فالشعائر الدينية والدين محاربون منذ البداية من يوم آدام الى يوم القيامة وسيبقى محاربا بوجود الشيطان” يقول فضيلته، ويضيف: “نحن في حالة حرب دائمة “اهبطوا بعضكم لبعض عدو”، لافتا الى ان العدو الذي يحارب الخط الاسلامي التديني بشكل عام هو يقوم بعمله لكن المشكلة نحن، نحن مسؤولون عن اي تراجع ونكسة من هذا السياق، وهذا امر واجب كفائي لهذا يجب على كل مسلم ان يقوم به وان قام به البعض فيسقط عن الآخر لأنه يكفي.
“سابقا كانت تقطع أيدي ورقاب زوار الإمام الحسين وكان الزوار يقدمون هذه التضحيات بفرح وإطمئنان، أما اليوم فقد يقطع الصوت أو تثار بلبلة ما”، يقول الشيخ عمرو متابعا “الامر يتعلق بنا نحن كيف نقدم الامام الحسين “ع”، كيف نقدم الاربعين وعاشوراء، وهذا سياق التاريخ الالهي الذي يجب ان ننظفه من الشوائب في الروايات التي اصبحت تؤخذ من بعض القراء الذين اصبح بعضهم – للأسف- تجارا يريدون أن يدرّوا الدمعة.
لا خوف على شعائر الله
وأضاف “اذا نحن يجب ان نقدم الامام الحسين بواقعه بحقيقته وبسياقه الرسالي التاريخي الذي هو جزء من رسالة الرسول “ص” وهو جزء من رسالة ادم وخليفته، ولكن في المقابل لابد ان يكون الانسان مؤمنا بقدر هذه المسؤوليه ليواجه الشيطان واعوانه”.
وختم الشيخ عمرو مؤكدا “لا يوجد خوف على شعائر الله ودين الله والاسلام، فالاسلام متين والتقصير قد يكون عمدي، فالمسلمون مسؤولون جميعا امام الله عن دينهم واسلامهم وصراطهم المستقيم واي خلل في تقديمه الى الناس يكون منا نحن وليس من الاسلام”.
اذا لم يكن للامام الحسين الإمكانيات التي كانت لبني أميه ومع ذلك وصل صوته عليه السلام إلى جميع بقاع الأرض بمرور الوقت وعبر مئات السنين وبقي صداه مؤثرا في ضمائر الشعوب وقلوب عشرات الملايين من محبيه حتى يومنا هذا.
ملاك المغربي