خاص شفقنا-لا يوجد بلد في العالم، لاسيما بلدان العالم الثالث، لا توجد لديه مشاكل أمنية، داخلية وخارجية، وخاصة في عصر التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود، والصراعات العرقية والمذهبية، أو ما يخص ترسيم الحدود البرية والمائية، ومشاكل الحقول النفطية والغازية المشتركة، والعديد من المشاكل الأخرى، وتسعى هذه البلدان ترجيح الحلول السياسية والدبلوماسية على الحلول العسكرية، فمهما طال أمد الحلول السياسية فإنها أفضل بكثير من يوم واحد حرب.
كلنا يتذكر الصراع الدامي بين اريتريا واثيوبيا بين عامي 1998 و2000، ولم يفض إلى أي نتيجة للبلدين سوى الدمار والخراب، حتى تمكن الرئيس الإثيوبي آبي احمد من إطلاق مبادرات سلام انتهت بوقف الحرب والوصول الى اتفاق سلام جنب البلدين المزيد من الدمار، وهو ما دفع منظمة جائزة نوبل منح الرئيس أبي أحمد جائزة نوبل للسلام على الجهود التي بذلها لوقف لحرب المدمرة.
إذا ما استثنينا “إسرائيل” المعروفة بتاريخها الإجرامي، تعتبر تركيا الدول الوحيدة في العالم التي تتعامل مع هواجسها الأمنية، وحتى المصطنعة منها، بطريقة لا نجد مثيلا لها في العالم، فهي تقوم بغزو جيرانها وتدمر وتقتل وتشرد الملايين بذريعة أن هناك أخطار أمنية قد تهددها!
النظرية الأمنية للرئيس التركي رجب طيب اردوغان، نرى اليوم تطبيقاتها العملية على الساحتين العراقية والسورية، وخاصة السورية، فمنذ أربعة أيام تصب الطائرات والمدفعية التركية بأطنان من الصواريخ والقنابل على القرى والمدن الكردية السورية، وقتلت الأطفال والنساء والشيوخ وشردت مئات الآلاف من اهاليها، بحجة الدفاع عن أمن تركيا!
والأدهى ان اردوغان يحاول أن يطرد ملايين الاكراد من مناطقهم ليوطن فيها غرباء عنها، من اللاجئين السوريين الذي لا ينحدرون من هذه المناطق في جريمة مضاعفة ضد الشعب السوري.
يرفض اردوغان انتقادات دول العالم للجريمة التي يرتكبها في سوريا، معتبرا أن من حقه أن يستخدم القوة ضد من يهدد بلاده، وأن هذه الدول لا تمتلك الحق في أن توجه له حتى النقد، لمجرد أن يمتلك جيشا قويا ومدعوما من أمريكا، بينما جارته سوريا ضعيفة وتعاني من حرب فرضت عليها ما زالت مستمرة منذ أكثر من ثماني سنوات.
لا ندري كيف سيكون حال العالم، لو تم فيه تعميم رؤية اردوغان للأمن، فهل كان العالم سيكون كما هو الآن؟ ألم تكن الحروب ستشتعل في جميع أنحاء العالم، ولن تقوم له قائمة، فهناك دول تعاني حقا من تهديدات أمنية، وليس كالتهديد الذي يروج له اردوغان والذي لا يوجد الا في مخيلته، إلا أن هذه الدول لا تتعامل مع هذه التهديدات بالرعونة التي يتعامل بها اردوغان مع تهديداته الوهمية.
على العالم، وخاصة القوى الكبرى مثل امريكا وروسيا اللتان أعطتا الضوء الاخضر لاردوغان لارتكاب مجازره ضد الأطفال والنساء في شمال سوريا، أن تقنع اردوغان بوقف عدوانه على سوريا بهدف تحقيق أحلامه العثمانية المريضة، فالجيب العثماني الذي يحاول تأسيسه في شمال سوريا، لن يرى النور، وإن رآه فسيكون على أشلاء الملايين من البشر، وفي المحصلة النهائية لن يجلب الأمن لتركيا فحسب، بل سيهز تركيا هزا على مدى العقود القادمة.
فيروز بغدادي
————————–
المقالات المنشورة بأسماء أصحابها تعبر عن وجهة نظرهم ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع
————————–