خاص شفقنا-كتب الصحافي الإيراني عباس عبدي في افتتاحية صحيفة إيران مقالاً حمل عنوان: “دمقرطة الحرب”؛ تطرق إلى الهجوم على المنشآت النفطية السعودية من زاوية أخرى، وهي تغيير مفهوم الحرب التقليدي، وركز على المنظومة الدفاعية للكيان الصهيوني وهل بإمكانها الصمود في وجه مثل هذه الهجمات أم لا. إليكم نص المقال:
إن الهجوم على أهم مراكز إمبراطورية النفط السعودية أي آرامكو أثار الكثير من الضجة السياسية، لكن يبدو أن تلك الضجة مازالت في بداية الطريق وستبرز في الأيام والأسابيع القادمة بشكل أكبر، لكن ما يظهر هو أن هذا الهجوم أدى إلى تغيير الأطروحات الدفاعية في المنطقة وخاصة الأطروحة الدفاعية في الكيان الصهيوني، إذ تثير علامات الاستفهام حولها. في الواقع، أنه تم إطلاق عدد من الطائرات المسيرة ويغلب الظن أنها صواريخ من مكان مجهول نحو المراكز النفطية أو وجهت صوبها.
إن المسافة التي تفصل بينها وبين الأمكنة التي استهدفتها تصل إلى 500 كيلومتر كحد أدني و1200 كيلومتر كحد أقصى، أما فيما يتعلق بعدد الطائرات أو الصواريخ فيبلغ عددها 12طائرة أو صاروخ. ولم يرصدها لا الاقمار الاصطناعية ولا الرادارات ولم ترسل رسالة تحذير، لهذا لا يمكن الجزم بمكان انطلاقها. إنها قد اجتازت منظومة باتريوت المتطورة، والاهم من هذا أنها أصابت أهدافها بدقة متناهية، هذا يعني نهاية قصة الأطروحة الدفاعية والأمنية في دول المنطقة وحتى على مستوى العالم. في هذه المرحلة فأن السؤال لا يدور حول الرد السعودي أو الدول الأخرى على هذه الهجمات، إنما هو هل بإمكانهم الدفاع عن أنفسهم مستقبلاً أم بالإمكان اختراق منظومتهم الدفاعية؟
إنما الكيان الصهيوني هو الذي سيعاني من هذه المشكلة أكثر مما سواه، ذلك أنه النظام الوحيد في المنقطة الذي يفتقد إلى العمق الاستراتيجي والمجال الجغرافي، لهذا ومنذ قديم الزمن سعي ومازال يسعى في تكوين حدود افتراضية أمنية تحدها حدود مختلفة لا تسمح للجيوش العربية باجتياز هذه الحدود وانتهاك الخطوط الحمراء للكيان الصهيوني.
لكن الطائرات المسيرة والصواريخ الدقيقة قد قلبت كل معادلات الأطروحة الدفاعية للكيان الصهيوني رأساً على عقب وفي الواقع فإن العدو الجوهري لهذا الكيان ليست سورية أو الأردن أو مصر أو العراق أو السعودية إذ يمتلكون جيوش منظمة، إنما العدو هو المجموعات العسكرية والمليشيات الصغيرة أو الكبيرة التي تتواجد على حدود إسرائيل، أما آليتها لمواجهة إسرائيل ليست الدبابات الصحراوية أو الكبيرة أو الطوافات الحربية .
كما كانت تستخدم في الحروب التقليدية وتحتاج إلى وحدات حربية ومطارات حربية، وما أن تنطلق حتى ترصدها الأقمار الاصطناعية، بل أنه يمكنهم صناعة الطائرات المسيرة التي تنطلق من أي مكان تشاء وتستهدف أهدافها من خلال الأجهزة الالكترونية أو حتى الهاتف الجوال، وبالإمكان تركيب أي أسلحة عليها حتى وأن كانت قنبلة ذرية.
هذا النوع من المواجهة لا يعدّ بحاجة إلى جيوش منظمة وتقليدية ويمكن القول بأن هذا التغيير مثل التغييرات المماثلة يؤدي إلى دمقرطة الحرب. كما نشاهد في الثقافة والسياسة والاقتصاد؛ هذه العملية التي خرجت من سلطة النخبة السابقة.
أخرجت هذه الحالة الحرب من الوضع التقليدي الذي كان عليه. على سبيل المثال الحرب الإيرانية العراقية والحرب العالمية الثانية؛ قد بدأت الحرب في يوم وساعة ما وانتهت في يوم وساعة ما، كان بلدان طرفي الحرب وتجري الحرب وفقاً لقواعد قانونية معروفة ويعترف البعض بالبعض الآخر. لكن هذه الحرب تختلف عن سابقتها، لا حدود للحرب ولا للسلام، ذلك لغياب أي قوانين حقوقية على سلوك أطراف الحرب.
إنهما لا يتعتعان بالشخصية القانونية أو المعنوية المعروفة، فأي حادثة يمكنها أن تنتهي إلى عمليات عسكرية ثم تدخل دائرة المسكوت عنها بسرعة، فالكيان الصهيوني يفتقد في هذا الإطار الجديد إلى الأمن بالمعنى التقليدي، ولا يمكنه بالأساليب السابقة توفير أمنه، لا تتمتع الكثير من المناطق في الكيان الصهيوني بالمساحة الكبيرة إذ لا تصل بعضها إلى 50 كيلومترا، فاهم مشكلة أمنية للكيان الصهيوني تتمثل في تعرض منشآتها النووية إلى الهجوم، ناهيك عن تعرضها إلى هجوم بالأسلحة غير التقليدية.
إضافة إلى هذا، تتطور التقنية بسرعة وترفع من مستوى الإمكانيات والآليات للهجوم غير التقليدي، بعبارة أخرى أصبحت التقنية والحصول عليها ديمقراطية، فإذا كنا في الماضي نشاهد الاختراعات في مختبرات الصناعات الدفاعية الغربية المتطورة؛ ففي يومنا هذا يمكن مشاهدة تلك الاختراعات في البيوت والمختبرات المألوفة، هذا ليس إلا منطلق لضرورة تغيير الأطروحة الأمنية في دول المنطقة والعالم.
النهاية