خاص شفقنا- أخيرا تمخضت جولات المفاوضات بين أمريكا وتركيا، بشأن اقامة “منطقة آمنة” في شمال سوريا، عن تسيير الجيشين التركي والأمریكي دوريات مشتركة في شرق الفرات شمالي سوريا بين ريف مدينة تل أبيض وريف رأس العين على الحدود السورية التركية.
الملفت أنه في الوقت الذي أعلن فيه وزير الدفاع التركي خلوصي أكار أن مركز العمليات المشتركة مع واشنطن بشأن المنطقة الآمنة، بدأ عملياته بشكل كامل، خرج علينا الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، ليكشف عن وجود خلاف مستمر بين أنقرة و واشنطن بشأن إقامة “المنطقة الآمنة” ، مؤكدا انه كل ما تقوم به واشنطن ليس هو الشيء الذي تريده انقره.
أمريكا وتركيا، كانتا متفقتين تماما في مواقفهما بشأن اشعال الفتن في سوريا عبر تجنيد مئات الالاف من التكفيريين من مختلف انحاء العالم وشحنهم إلى سوريا بعد تدريبهم وتسليحهم ، الا أن أهدافهما من وراء تدمير سوريا لم تكن متطابقة بعض الشيء، فهدف تركيا الأول كان ابتلاع شمال سوريا، بينما هدف أمريكا الأول كان أمن “إسرائيل”.
تركيا كانت ومازالت تسعى الى اقامة” منطقة امنة” على طول الحدود مع سوريا ، وبعمق 40 كيلومترا داخل الاراض السورية، تخضع لسيطرة الجيش التركي والجماعات التكفيرية التي تأتمر بأوامر أنقرة، وتعمل على توطين اكثر من مليون سوري من الذين لجأوا الى تركيا في هذه المنطقة، بذريعة التقليل من عبء اللاجئين السوريين، وحماية الحدود التركية من قوات وحدات حماية الشعب الكردية المتحالفة مع امريكا ، والتي تعتبرها أنقرة منظمة إرهابية.
في المقابل، “المنطقة الآمنة” بالنسبة لأمريكا، لا يتجاوز عمقها 5 كيلومترات، او 14 كيلومترا كحد اقصى، ولا وجود عسكريا دائما لتركيا ، وليست هناك اي نية في توطين اللاجئين السوريين فيها ، كما تعمل امريكا بالتعاون مع تركيا في ايجاد آلية امنية لحماية الحدود التركية ، لإزالة المخاوف التركية ، عبر تسيير دوريات مشتركة على طوال الحدود شرق نهر الفرات.
قوات ما يعرف بسوريا الديمقراطية (قسد) التي قامت بإزالة السواتر الترابية في المنطقة التي تجولت فيها الدوريات المشتركة الامريكية التركية، والتي تعمل الان على تحضير مسرح الدوريات القادمة ، وهي المنطقة الممتدة بين مدينتي رأس العين وتل أبيض، يبدو انها تلقت تطمينات امريكية من ان لا وجود دائم للقوات التركية ، كما لن يكون لهذه القوات اي دور في ادارة المنطقة ، كما ستبقى جميع الإدارات الحالية في المنطقة كما هي وتبقى قوات الأسايش(قوات الامن الكردية) تعمل لحفظ الأمن فيها، وفقا لما صرح به القيادي الكردي في مجلس تل أبيض العسكري خليل خلفو.
أردوغان ادرك ان امريكا تخدعه بشأن “المنطقة الآمنة” ، لذلك لجأ مرة اخرى الى لغة التهديدات، عندما اعلن انه سينتظر حتى اخر شهر ايلول / سبتمر الحالي ، ليتأكد من جدية امريكا من قضية”المنطقة الامنة” ، والا فانه سيجتاح بجيشه منطقة شرق الفرات، وهو تهديد راى فيه المراقبون محاولات للضغط على الرئيس الامريكي ترامب ،لتقديم تنازلات بشأن المنطقة لاسيما قبل القمة المرتقبة بين اردوغان وترامب.
تهديد اردوغان باجتياز شمال سوريا، تزامن مع ابتزازه الغرب عبر التهديد بفتح حدود تركيا امام اللاجئين السوريين للزحف على اوروبا، فالتهديدان هدفهما ، الضغط على الغرب للقبول بفكرة “المنطقة الامنة” التي اصبحت تؤطر سياسة اردوغان الخارجية باكملها.
بات واضحا أن اصرار أردوغان الملفت والغريب على اقامة “منطقة آمنة” بعمق 40 كيلومترا على طول الحدود مع سوريا، ليس مرده التقليل من عبء اللاجئين على تركيا، او حمايتهم ، او تشكيل حزام امني على طول حدوده، بل تنفيذ مخطط لتغيير ديمغرافي واسع في شمال سوريا ، عبر اخلائها من سكانها الاصليين، وتوطين لاجئين فيها، يرتبطون قوميا وايدولوجيا بتركيا وحزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه اردوغان، ليكون بالامكان ضمها الى تركيا تدريجيا ، اوعلى اقل تقدير ان تتحول الى حصان طراودة تركي داخل الجغرافيا السورية.
أردوغان لوكان صادقا في قلقه على امن حدود بلاده، وفي قضية وجود اللاجئين السوريين في تركيا، لكان سمح للاجئين السوريين بالتعاون مع الحكومة السورية، بالعودة الى بلادهم والكف عن استخدامهم كورقة لتمرير مخططاته، والتعامل معهم بطريقة غير انسانية عبر اسكانهم في مناطق غير مناطقهم في سوريا ، عبر تهديده اسكان مليون سوري في “المنطقة الامنة” دون رغبتهم.
أردوغان يعرف اكثر من غيره، انه وأمريكا و”إسرائيل” هم من يقفون وراء حالة انعدام الأمن على الحدود مع سوريا ، وفي سوريا كلها ، عبر فرضهم لهذه لحرب الظالمة على الشعب السوري، وان اردوغان يعرف اكثر من غيره ان الجيش السوري ، هو الجهة الوحيدة التي يمكن ان تحفظ امن الحدود السورية مع تركيا ، فاذا كان حقا يريد امن حدوده، لما شارك في جريمة استنزاف الجيش السوري ، عبر وكلائه من العصابات التكفيرية والعنصرية.
أخيرا، على “قسد” و وحدات حماية الشعب الكردية، أن تعي ان الخطر الاكبر الذي يتهددها يأتي من تركيا، كما ان المظلة الأمريكية لن تبقى طويلا، وليس لها الا سوريا ملجأ في نهاية المطاف، فالجميع سيرحل ، من امريكيين واتراك وعصابات تكفيرية، وتبقى سوريا للسوريين، ولابد من فتح قنوات اتصال مع الحكومة السورية، وليس هناك من مشكلة، مهما كانت كبيرة، لا يمكن حلها بالحوار بين أبناء الشعب الواحد ، فحضن سوريا يسع للجميع.
فيروز بغدادي