شفقنا العراق-تعودنا نحن العراقيين، ساسة وقادة ومؤسسات وجمهور، على التفريط بالقيادات الوطنية والتاريخية وبالمنجزات والمكتسبات التي تحققت بأثمان باهظة وتضحيات جسيمة، وتضييع الفرص التاريخية التي تمر مر السحاب بدل الإمساك بها واستثمارها، واضعاف عناصر وعوامل القوة والاقتدار والمنعة، ومن أهم مظاهر التفريط والتضييع سياسة الصمت والغموض والنأي بالنفس، تتبعها المواقف والتصريحات غير المدروسة واللا مسؤولة بازاء القضايا المصيرية والتي تصدر من بعض القيادات السياسية والتي فرطت بالمنجزات والانتصارات العسكرية وانعكاساتها الاستراتيجية في المنطقة، وأضعفت موقف الحشد الشعبي وجعلته لقمة سائغة لخصومه في الداخل من الذين في قلوبهم مرض، ولأعداءه في الخارج وعلى رأسهم أميركا والكيان الصهيوني ومملكة الشر والإرهاب السعودية ومحيطها العربي الذي أوشك ان يكون عبريا.
تأتي هذه السياسة البائسة في الوقت الذي يجد العراق نفسه في وضع عسكري فريد من نوعه ومثال يحتذى به في محاربة الإرهاب بفضل الحشد الشعبي والقوات المسلحة، ويقابله تقدم الجيش السوري في ادلب واسترجاعه خان شيخون، مع تفهم أميركي او استسلام للامر الواقع الذي فرضته روسيا.
وعلى ضوء ذلك تخلت واشنطن الى حدٍ ما عن دعم حلفائها والمجاميع الإرهابية الموالية لها وتبنت المقترح الروسي بتوسيع مناطق خفض التوتر، هذا من جهة، ومن جهة اخرى فإن الأزمة الخليجية القطرية واعادة تموضع الإمارات ساهمت في تفكك محور الشر الداعم للإرهاب، وانشغلت دول الخليج ومعها واشنطن والغرب بالمواجهة بينها، والذي ترك فراغاً واضحاً في المنطقة الساخنة، وكشف ظهر جيوشها ومرتزقتها، وأخيرا الجرأة الإيرانية في إسقاط فخر الطائرات الاميركية المسيرة وفي كسب حرب الناقلات، يضاف لذلك الإعجاز اليماني في مواجهة التحالف العربي والعبري.
وفي ظل هذا الفراغ والتفوق العسكري الميداني المتحقق في المنطقة في العراق وسوريا والصمود اليمني، كان يُفترض بالسياسة العراقية في ظل هذا التفوق الميداني وانكشاف العدو استراتيجياً، يفترض أن تُمسك بهذه اللحظة التاريخية والفاصل الزمني المهم، وتصون عوامل القوة والاقتدار وتعمل على ديمومتها وتطويرها والاستعانة بها لسحب الإنجاز الميداني إلى نصر سياسي.
وتلك هي المهمة الجوهرية للسياسة العراقية، يأتي بعدها استثمار هذا التفوق عبر لعب دور جيوسياسي في المجال الحيوي على أساس المصالح المشتركة، وليس مثل كيان معزول أو جماعات سياسية تحركها مصالح جزئية وحزبية ضيقة، لأن الأزمات والملفات متصلة بعضها ببعض والقضايا المطروحة على الساحة عابرة للحدود متعددة الآفاق، واللاعبون الكبار يدركون أن الحل يكون بحزمة واحدة، والمصالح مترابطة بترابط الأزمات، وهذه هي المهمة الأخرى للدبلوماسية العراقية التي يجب أن تمارسها في مفاوضاتها وزياراتها وحواراتها.
وأن لا ينخدع الساسة والقادة بسياسة الإغواء والإغراء وصناعة الوهم التي تمارسها واشنطن وتل أبيب والرياض وذيولهم من أبناء السفارات والبعثيين يتبعهم المدنيون الذين يدينون بدينهم والذين يدعون الى الميل والركون إلى معسكر واشنطن تارة، أو الى سياسة النأي بالنفس وتوازن العلاقات تارة أخرى.
فتلك كذبة كبرى مثل كذبة العصر الديمقراطية، ومثل خديعة أو صفقة القرن للتطبيع مع الكيان الصهيوني والتي يريدون ضم العراق اليها طوعاً او كرهاً، ونحذر من ارتكب أخطاء استراتيجية وإعطاء رسائل وإشارات توحي للعدو بامكانية تطويع وابتزاز العراق سياسيا واقتصادياً وعسكرياً، وعلى العراق رد الجميل الى الدول الصديقة التي ساهمت وساعدت وشاركت العراق في محاربة داعش في ايّام الشدة كروسيا وإيران، وعدم التنكر لها في ايّام الرخاء واليسر والعزة، فليس ذلك من شيم الكرماء والفضلاء والنجباء، واتقوا فتنة العرب والعجم.
عبدالله الجزائري
————————-
المقالات المنشورة بأسماء أصحابها تعبر عن وجهة نظرهم ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع
————————–