خاص شفقنا-المشروع الذي عرضه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف خلال زيارته للعراق مؤخرا والمتمثل بعقد معاهدة عدم اعتداء بين ايران والدول الخليجية، لم يكن مشروعا جديدا، فقد عرضه ظريف في أوقات سابقة، كما استعرض تفصيله.
معاهدة عدم الاعتداء التي عرضها ظريف، تتسق كليا مع السياسة الاقليمية لايران، فطهران تؤمن في أن العالم يحتاج إلى نظام عالمي جديد يعتمد على التعاون الإقليمي بين الدول ،لأن مشاكل كل منطقة محصورة بها، ولا يمكن حلها إلا من خلال دول المنطقة نفسها.
وإذا ما أرادت الدول في منطقة الشرق الأوسط الخروج، وفقا للرؤية الإيرانية، من الأزمات التي تشهدها حاليا، فليس هناك من سبيل سوى التعاون بين دولها من أجل الوصول للأمن والاستقرار، دون أن تعول هذه الدول على أي مساعدة من خارج الإقليم لتأمين أمنها القومي.
إلا أن الرؤية الإيرانية للأمن المشترك والجماعي لدول الإقليم، تشترط اعتماد جهد جماعي تبذله دوله، قائم على خطوات متزامنة ومتعادلة لهذه الدول، في أجواء من الاحترام وحفظ المصالح المتبادلة.
إيران لم تكتف بالتنظير والدعوة الشفهية لمعاهدة عدم اعتداء، بل سعت إلى ذلك جاهدة، فتزامنا مع جولات ظريف الإقليمية، كانت هناك جولة لنائب ظريف، عباس عراقجي، إلى الكويت وسلطنة عمان وقطر، حيث قدم الخطوط العريضة لمعاهدة عدم الاعتداء بين يدي قادة هذه الدول، للتأكيد على استعداد إيران لاتخاذ أي إجراءات ضرورية من أجل بناء الثقة لإقامة علاقات وثيقة مع كل دول المنطقة.
دعوة إيران لا تنطلق من فراغ، ولا تقفز فوق الحقائق، ولا هي فكرة مثالية أو طوباوية، بل هي دعوة تاخذ العلاقات الحالية القائمة بين دول الاقليم بالاعتبار، والتي تحتاج بادىء ذي بدء حوارا إقليميا على مستويات مختلفة، سواء حكومية أو خاصة، لوضع الخلافات على طاولة الحوار وبحث سبل حلها وبناء الثقة فيما بين هذه الدول، ويمكن لجلسات الحوار هذه أن تقود إلى اتفاقيات جزئية لحل القضايا الخلافية الواحدة تلو الأخرى، مثل قضايا البيئة والمناخ وصولا إلى القضايا الأمنية.
وتسعى إيران من خلال طرح معاهدة عدم الاعتداء، قطع الطريق على الشائعات عن وجود أطماع أو تهديد إيران للدول الخليجية أو التهديد الذي يمكن أن تشكله بعض الدول الخليجية لإيران.
للاسف الشديد هناك عقبة كبيرة تحول دون توقيع بعض الدول الخليجية، معاهدة عدم اعتداء مع إيران، وهذه العقبة هي الدور السلبي الذي تقوم به أمريكا في ضرب أي جهد يمكن أن يصب في صالح أمن واستقرار دول المنطقة، عبر إثارة الخلافات وبث الفرقة بين هذه الدول، بل ان دولا مثل السعودية والإمارات والبحرين، ربطت مصيرها ومصير المنطقة بعلاقاتها مع أمريكا، وبوجود القوات الأمريكية فيها، قافزة على ثوابت التاريخ والجغرافيا، بل انها تحاول خلق جغرافيا وتاريخ مزيف عبر تسويق كيان مزيف من الكيان الإسرائيلي، على اعتبار أنه كيان طبيعي يمكن التعامل معه وإقامة علاقات استراتيجية معه.
الملفت أن تلك الدول الثلاث لا تترك فرصة ولا محفل، إلا وتحاول استغلاله من أجل إقامة علاقات طبيعية مع الكيان الإسرائيلي الغاصب للأرض الفلسطينية والجاثم على المقدسات الإسلامية، والملطخة يداه بدماء مئات الآلاف من الفسطينيين، وفي الوقت ذاته ترفض هذه الدول وخاصة السعودية اليد الإيرانية الممدودة اليها على الدوام، متهمة إيران بتهم، هي ألصق بها من إيران، ففي الوقت الذي رفضت طهران الدخول في حوار مع أمريكا بشأن المنطقة بعد الاتفاق النووي، مرجحة على ذلك، الحوار مع دولها فقط، نرى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يعلن وبصراحة أنه لا حوار بيننا وبين إيران، في ايران تؤمن بعقيدة الإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وتريد بذلك السيطرة على العالم، لذلك فإنه سينقل المعركة إلى داخل إيران.
رغم الموقف السعودي السلبي بشكل عام من دعوة إيران لجيرانها الخليجيين للتوقيع على معاهدة عدم اعتداء، إلا أن دولا خليجية أخرى أبدت اهتماما بالمبادرة الايرانية، فقد أعلن وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني أن مبادرة عدم الاعتداء التي أعلن عنها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف تستحق النظر والدراسة والتجاوب، بينما أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن هناك دولاً خليجية مستعدة للنظر في مبادرة إيران لإبرام معاهدة بشأن عدم استخدام القوة.
أن إيران وانطلاقا من قاعدة “ما لا يدرك كله لا يترك جله”، ستواصل دعوتها لجيرانها للتوقيع على معاهدة عدم اعتداء، حتى لو رفضتها السعودية، ما دام أن هناك دولا مثل قطر والكويت وسلطنة عمان والعراق، لا تبني علاقاتها في الهواء، بل على ثوابت التاريخ والجغرافيا، فايران تبقى جارة لها بحكم الجغرافيا، حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
النهایة