خاص شفقنا-لابد أن اعترف أولا، أني ما كنت أعرف سببا وراء العداء غير الطبيعي لبعض الأنظمة العربية، ضد الجمهورية الإسلامية في إيران، غير المنافسة على النفوذ، أو تضارب المصالح، أو خوفا من القوة الإيرانية، أو حتى انطلاقا من أحقاد مذهبية وطائفية.
التأكيد والتكرار الغريب والملفت، من قبل مسؤولي تلك الانظمة لمقولات مثل “العدو” الحقيقي للعرب هو ايران”، وان “التهديد” الايراني اكبر واخطر من التهديد “الإسرائيلي”، وإن “إيران تريد إعادة أمجاد الفرس على حساب العرب”، وإن “ايران تريد تشييع العرب والمسلمين”، وأن “إيران الرافضية والمجوسية و..، لم ولن يهدأ لها بال إلا بالقضاء على العرب”، وان الخطر الإيراني خطر وجود” و“أن ايران شر مطلق” و “ايران تنام وتصحو على امل النيل من العرب”، و.. الى آخر هذه المقولات التي ما انفك يرددها هؤلاء المسؤولون إلى جانب جيوش جرارة من الإعلاميين والصحفيين، كنت اتصورها تندرج في إطار الصراع الذي اشرت الى جانب من اسبابه.
بعد المآسي التي واجهتها بعض الشعوب العربية إثر ما بات يعرف بالثورات العربية وانتشار الفوضى والدمار في ربوع بلدانها، حيث تكثفت الوان الخطوط التي كانت تفصل بين معسكر الانبطاح والعمالة لأمريكا و”إسرائيل”، وبين المعسكر الرافض للانبطاح والتطبيع والهيمنة الامريكية ”الإسرائيلية”، تبين لي، ان كل إما قيل عن “عداء” إيران للعرب، والنفخ في هذا العداء الوهمي بين إيران والعرب، ليل نهار، كان مرده، ليس بيان “خطر” إيران، بل لتمهيد الارضية ،لتسويق فكرة التطبيع مع “اسرائيل”، واخراج العلاقة السرية بين تلك الانظمة العربية و”إسرائيل” من السر الى العلن.
تلك الانظمة العربية ما كان بمقدورها أن تتحدث بالأريحية التي تتحدث فيها الآن، عن ضرورة اقامة علاقات استراتيجية بينها وبين “اسرائيل”، لولا القصف الإعلامي الكثيف والمتكرر وعلى مدار الساعة للعقل العربي عن “الخطر” الإيراني الوهمي، و”الصداقة”الضرورية مع “اسرائيل” كما تكشف مؤخرا وبشكل سافر في مؤتمر وارسو الفضيحة.
ان عملية تسويق “إسرائيل” إلى وجدان الإنسان العربي رغم أنها كلفت أمريكا و”إسرائيل” والرجعية العربية، اثمانا باهظة و وقتا طويلا، إلا أنهم فشلوا في مسعاهم فشلا ذريعا، فهذا اليمن الذي يتعرض لأبشع واشرس عدوان، تحالف ضده أثرياء العرب الى جانب طواغيت الارض والكيان الغاصب للقدس، هذا اليمن المجوّع والمحاصر، أعلن وعلى لسان ابنه البار قائد أنصارالله السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، إن “الله يأبي لشعب اليمن أن يكون خادما لأمريكا واسرائيل”، كما هو حال طواغيت العرب الأذلاء.
ان الحرب والحصار والتجويع الذي يستهدف الشعب اليمني منذ أربع سنوات، ما هي إلا ضريبة يدفعها هذا الشعب لرفضه الهيمنة الامريكية، والتبعية للرجعية العربية، ورفض الاعتراف بالكيان الصهيوني، وهي حالة يتقاسمها مع أنصار الله، كل من حزب الله في لبنان، وحماس والجهاد وباقي فصائل المقاومة في فلسطين، والحشد الشعبي في العراق، فكل هذه العناوين الشامخة ،ترفض الاعتراف بـ”اسرائيل”، وترفض خيانة وارسو، وبالتالي الخضوع والخنوع، فاستحقت غضب الثلاثي المشؤوم أمريكا والرجعية العربية وإسرائيل.
الحالة اليمنية الرافضة للتطبيع والاعتراف بالكيان الصهيوني والخضوع والخنوع للإملاءات الأمريكية التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية بحجة التصدي لإيران والترويج لكذبة “الخطر الإيراني”، هي حالة عربية اسلامية طاغية، وكل ما يروج عن التطبيع مع “اسرائيل” لمواجهة إيران، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والفضائيات التابعة لأصحاب الثروة العرب، ما هي إلا صدى للذباب والبعوض والحشرات الإلكترونية، وللمرتزقة من الذين باعوا شرف الكلمة بثمن بخس.
خوف الأنظمة العربية الرجعية من الإعلان جهارا نهارا عن التطبيع مع “إسرائيل”، رغم الأرضية الضخمة التي مهدتها لتحقيق هذا الهدف، عبر إشعال الحروب الطائفية، وصناعة عدو إيراني وهمي، ليس إلا دليلا واضحا على وعي الشعوب العربية من جانب، والتبعية المذلة للأنظمة العربية للثنائي الامريكي “الإسرائيلي” من جانب آخر.
فيروز بغدادي