خاص شفقنا-أثار الرئيس الفرنسي ايمانويل في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2018 ، حفيظة الرئيس الامريكي دونالد ترامب ، عندما دعا إلى إنشاء “جيش أوروبي حقيقي”، لتمكين الاتحاد الأوروبي من الدفاع عن نفسه ، لا امام تهديدات الصين وروسيا فقط ، بل تهديدات أمريكا أيضا ، حيث اعتبر ترامب بانها ،مهينة جدا”.
لم يمر وقت طويل على ذلك الاعلان ، حتى وقع الرئيس الفرنسي ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ، أمس الثلاثاء 22 كانون الثاني / يناير 2019 على معاهدة جديدة لتوطيد العلاقة الفرنسيّة الألمانية وتوجيه رسالة دعم لبناء الاتحاد الأوروبي ، وتتضمن ايضا تشكيل جيش اوروبي.
المعروف ان معاهدة “التعاون والتكامل الفرنسية الألمانية” تأتي استكمالا لمعاهدة الإليزيه الموقعة عام 1963 بين الجنرال ديغول وكونراد آديناور، والتي أرست المصالحة بين البلدين بعد الحرب العالمية الثانية.
ميركل قالت خلال مؤتمر صحفي مشترك مع ماكرون في آخن غربي ألمانيا، إن “ألمانيا وفرنسا تريدان سوياً تشكيل جيش أوروبي من خلال المعاهدة الجديدة”.
من جانبه، قال ماكرون إنه “في الوقت الذي تجتاح فيه الحركات القومية أوروبا وفي الوقت الذي نعيش فيه بريكست صعباً، يجب على فرنسا وألمانيا أن تؤكدا على وجهتهما واتحادهما”.
بات واضحا ان الاتحاد الاوروبي ، متمثلا بنواته الصلبة ، المانيا وفرنسا ، اصبح اكثر ادراكا باهمية دوره على صعيد القارة الاوروبية والعالم ، واكثر حذرا من المخاطر التي تتهدده كوجود ، من قبل الساسة من أصحاب النزعات القومية في أوروبا والمدعومين من ادارة ترامب.
التهديد القادم من امريكا والذي يهدد الاتحد الاوروبي ، من وجهة نظر فرنسية المانية ، لا يقل خطورة من التهديد الروسي ، فالمواقف المؤيدة لاعضاء ادارة ترامب في مقدمتهم ترامب نفسه ، لخروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي ، وللاحزاب القومية المتطرفة في ايطاليا وبولندا وبلدان اوروبية اخرى ، لم تصبح علنية فحسب ، بل هناك العديد من رجال ترامب ، امثال كبيرمستشاري ترامب السابق للشؤون الاستراتيجية ستيف بانون ، يجوبون اوروبا دعما للاحزاب القومية المتطرفة المنادية للخروج من الاتحاد الاوروبي.
حاول الاتفاق الفرنسي الالماني ،من خلال ما جاء في نص الملحق، عدم استفزاز ترامب ، المُستَفزعلى الدوام ، عبر التأكيد على التزام ألمانياوفرنسا بالحلف الأطلسي،بينما العارفون في شؤون الاتحاد لاوروبي والناتو ، يعرفون جيدا ، ان الاعلان عن تشكيل جيش اوروبي ، جاء نتيجة السياسة المتقلبة والمنعزلة لترامب ، وتهديده الدائم بالانسحاب من الناتو ، واستغلال العضوية فيه من اجل ابتزاز اعضائه ماليا .
السياسة الانعزالية تحت راية “امريكا اولا” التي رفعها ترامب ، الى جانب السياسة “الانسحابية” لترامب من العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ، التي جعلت من امريكا شريكا لا يمكن الوثوق به اوالاعتماد عليه ، حيث صُدمت اوروبا من انسحابات ترامب المتزايدة ، واخطرها انسحابه من الاتفاق النووي بين الدول الست الكبرى وايران ، رغم التقارير المتكررة للوكالة الدولية للطاقة الذرية التي اكدت على التزام ايران الكامل بالاتفاق ، ورغم الحاح قادة اوروبا على ترامب بعدم الانسحاب من الاتفاق.
ورغم قلة التفاصيل في ملحق المعاهدة الذي تم التفاوض عليه في العام الأخير فإنه ينص على أن قبول ألمانيا عضوا دائمافي مجلس الأمن الدولي ، سيصبح أولوية في دبلوماسية فرنسا والمانيا ، الامر الذي يؤكد اهمية ان يكون لاوروبا فيتو خاص بها الى جانب فيتو فرنسا ، بعد انسحاب بريطانيا من الاتحاد الاوروبي ، وبعد زوال الثقة ب”الفيتو الامريكي” ، وهو لا يمكن ان يبقى في صالح اوروبا ، في ظل سياسة ترامب الفوضوية.
ان اوروبا تستيقظ من جديد على صوت تبجحات ترامب ، بعد ان كانت تغط في نوم عميق ، دام عقودا طويلة ، وهي تضع مصيرها ومصالح شعوبها ، على كف ترامب ، الذي اثبت بما لا يقبل الشك، ان من الصعب جدا التكهن بتصرفاته وكلامه.
النهایة