خاص شفقنا- المتابع لمواقف وتصريحات المسؤولين الامريكيين والاتراك حول شمال سورية ، لا يملك الا ان يقف حائرا من حجم الصلف والوقاحة والغطرسة التي يتصف بها هؤلاء المسؤولون ، الذين يقررون مصير الشعب السوري والاراضي السورية ، بعقلية الدول الاستعمارية التي احتلت العالم بعد الحرب العالمية الثانية.
الرئيس التركي يعلن انه اتفق مع الرئيس الامريكي دونالد ترامب ، على اقامة منطقة “آمنة” داخل الاراضي السورية وعلى طول الحدود بين سورية وتركيا ، وتتولى تركيا مسؤولية ادارة هذه المنطقة التي يقال انها تمتد بطول اكثر من 400 كيلومتر و بعمق 35 كيلومترا ، مقتطعة اراض واسعة من محافظات حلب والرقة وإدلب وغيرها، وصولا للحدود العراقية.
الملفت ان الصلف التركي واستهتاره بالقوانين والاعراف الدولية ولحق الجيرة بلغ ديات خطيرة ، عندما اعلن الناطق باسم وزارة الخارجية التركية هامي أكسوي عن رفض بلاده لدعوة وحدات حماية الشعب الكردية للجيش السوري بالانتشار في منبج ، مشددا ان بلاده لن تسمح بذلك ، بينما وحدات حماية الشعب الكردية جهة سورية والجيش ايضا جهة سورية ومنبج مدينة سورية.
يبدو ان التخبط الامريكي ، في ظل ارادة ترامب ، هو الذي شجع اردوغان على اللعب بالمكشوف في سورية بحجة محاربة الارهاب ، ففي ايام قلية يعلن الرئيس الأميركي ترامب أن الولايات المتحدة قد ألحقت “الهزيمة” ب”داعش” ، وأمر بسحب القوات الأميركية من سورية ، وزير دفاعه جيمز ماتيس يستقيل رفضا للانسحاب ، ومستشاره للامن القومي يزور تركيا ويهدد من هناك تركيا بعدم التعرض للاكراد ، ويعود ترامب يهدد تركيا بانه سيدمرها لو هددت الاكراد ، بينما يأتي السناتور الامريكي ليندسي غراهام حليف ترامب القوي والوثيق ، ويعلن من انقرة ان وحدات حماية الشعب الكردية لها ارتباط مع حزب العمال الكردستاني، مشددا على ضرورة التعامل مع مشكلة وحدات حماية الشعب الكردية بشكل يرضي تركيا.
هذا التخبط الامريكي ،دفع بالمقابل الاكراد الى التفكير وبجدية للعودة الى دمشق والتفاوض مع الحكومة السورية حول صيغة تكفل حقوقهم وتمنع في الوقت نفسه اردوغان من تحقيق اطماعه في الاراضي السورية ، عبر السماح للجيش السوري بالانتشار في جميع المناطق السورية ذات الاغلبية الكوردية.
قيادات كردية اكدوا ان سياسة ادارة ترامب في من سورية قد أحيت أطماع الأتراك في الأراضي السورية، ولفتت إلى أن المنطقة العازلة التي أعلنت تركيا الاتفاق مع الولايات المتحدة على إقامتها في الشمال السوري لا تستهدف فقط الوجود الكردي في المنطقة، وإنما قضم أكبر قدر ممكن من الأراضي السورية.
القائد العام لوحدات حماية الشعب الكردية سيبان حمو، قال في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ): ان “تركيا تهدف إلى ضم وتتريك ما يقرب من 60 ميلا من العمق السوري من محافظات حلب والرقة وإدلب وغيرها، وصولا للحدود العراقية ، وهي ( اي تركيا) بالأساس تعتبر هذه المناطق جزءا من الأراضي التركية وحدودها القومية فيما يعرف بالميثاق الملي (عام 1920)، ويرون أن الوقت الراهن قد يكون الفرصة الملائمة لتحقيق هذا الهدف”.
وأوضح :”العالم كله يشهد أننا لم نعتد على تركيا، وأن العكس هو الصحيح ، كل التهديدات والاعتداءات جاءت من جانب تركيا ومرتزقتها، وكان آخرها ما حدث، ولا يزال يحدث، بحق أهالي عفرين من مجازر وتهجير ، ونظرا لأن الشعب الكردي فقير وليس لديه موارد يساوم بها، فإن كفة تركيا هي الأرجح لهم، ومن ثم نجد الدول الكبرى تتبنى مزاعمها بضرورة تأمين حدودها من الخطر الكردي، في تناقض بشع للواقع على الأرض”.
وشدد حمو: “لو كان بهذا العالم أبسط قواعد النزاهة، لكان يتعين أن تقام المنطقة العازلة بعمق 20 ميلا داخل الأراضي التركية حفاظا على الشعب الكردي”.
وحول العلاقة مع دمشق، قال حمو :”الحدود التي نسيطر عليها هي حدود الدولة السورية والتهديدات التركية الراهنة هي تهديدات للدولة السورية، ولذا، نحن نقول إن حكومة دمشق لديها مسؤولية الدفاع عن تلك الحدود”.
اما القيادي الكردي صالح مسلم فوصف الحديث عن تولي تركيا إقامة المنطقة العازلة بأنه “أشبه بتسليم الخروف للذئب”.
من الواضح كل الاراضي التي يحاول اردوغان ضمها الى المنطقة “الامنة” شمالي سورية ، هي اراض يرى بها اردوغان وحزبه ارض تركية ، كما هي كركوك والموصل وكردستان العراق ، وفقا لما يعرف في تركيا بميثاق ملي الذي سنه البرلمان التركي عام 1920 ، الا ان تركيا ترجعت عنه بعد قبولها بمعاهدة لوزان عام 1923 ، وهي المعاهدة التي اكد اردوغان ، في اكثر من مناسبة وكان آخرها عام 2016 ، الى مراجعتها ، الامر الذي يؤكد حقيقة شكوك الاكراد والحكومة السورية بشأن اطماه “العثمانيين الجدد” بقيادة اردوغان في سورية والعراق.
يرى العديد من المراقبين ان امريكا تحاول من خلال تحريك اطماع اردوغان في سورية ، تأديب اردوغان وتقليم اظافره عبر توريطه في سورية ، بعد ان اقترب كثيرا من روسيا ، و معاقبة الاكراد بسبب قرارهم بالتوجه الى دمشق ، ومحاولة دفع تركيا لمواجهة ايران و روسيا عسكريا في سورية ، وهي اهداف تصب جميعها في المخطط الامريكي الرامي الى زرع الفوضى في المنطقة لمصلحة “اسرائيل” المرعوبة من انتصار محور المقاومة على مجمل جغرافيا الشرق الاوسط.
قد ينجح ترامب في توريط اردوغان في المستنقع السوري ، لا بسبب ذكاء ادارته ، بل بسبب جنون العظمة التي يعيشها اردوغان ، الا انه لن ينجح في فرض منطقة آمنة شمالي سوريا عبر جيوش من المرتزقة الارهابيين التكفيريين ، وفي مقدمتهم ” جبهة النصرة” واخواتها ، فلا الجغرافيا الطبيعية ولا الجغرافيا السياسية ، و لا الظروف السورية و لا الاقليمية ولا الدولية ، ولا محور المقاومة ولا روسيا ، وقبل كل هذا وذلك ولا الشعب السوري وفي مقدمته الجيش والاكراد ان يسمحوا بنجاح باقي مخطط توريط اردوغان في سورية ، فصحيح ان اردوغان يتعجل ابتلاع طعم “المنطقة الامنة” الا انه سيختنق بها حتما.
النهایة