شفقنا العراق-ما المقصود من مفهوم الإمام عند أهل اللغة والقرآن الكريم؟
الجواب: لقد عرّف أئمّة اللغة الإمام تعاريف عديدة نذكر قسماً منها:
قال ابن فارس في تعريفه:
«الإمام:كلّ مَن اقتدي به وقدِّم في الأُمور،و النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إمام الأئمّة والخليفة إمام الرعية والقرآن إمام المسلمين».( [1])
وأمّا ابن منظور فقد عرفه في «لسان العرب» بقوله:
«الإمام من ائتم به من رئيس وغيره وفي التنزيل: ( فَقاتِلُوا أَئِمّة الكُفْر ) أي قاتلوا رؤساء الكفر وقادتهم، الذين ضعفاءهم تبع لهم».
ثمّ قال:
«إمام كلّ شيء قيِّمُه والمصلح له والقرآن إمام المسلمين…».( [2]) وأمّا الفيروز آبادي في «القاموس» فقد أورد نفس عبارة اللسان ولم يضف عليها شيئاً ولكنّه ركّز القول على ذكر مصاديق الإمام وعدَّ من معاني الإمام: القرآن والنبي والخليفة وقائد الجيش، ثمّ قال بعد ذلك:
«وما يتعلمه الغلام كلّ يوم و ما امتثل عليه المثالُ ، والدليل…وخشبة يسوّى عليها البناء».( [3])
إنّ هذه التعريفات جميعها تشير إلى معنى واحد تقريباً، وهو الشيء الذي ينبغي للإنسان الاقتداء والإئتمام به واعتباره أُسوة وقدوة ومتبوعاً له، سواء كان ذلك الشيء إنساناً أو أمراً آخر فإنّه يطلق عليه لفظ الإمام حتّى يطلق ذلك على المثال الذي يضربه المعلم لتلاميذه ويرسمه لهم وعلى قبّان البناء، وكذلك على الشاقول و…، وذلك لأنّ كلّ من المثال أو الخط أو القبّان أو الشاقول أو خيط البناء كلّها تعتبر أُسوة ونموذجاً للعمل ينبغي اعتمادها واتّباعها وتطبيق العمل وإنجازه على وفقها.
وأمّا الإمام في الاصطلاح فهو:
الإنسان الملكوتي الكامل والمثالي، الذي يقع في قمة هرم الهداة،وهو المحور الذي يأخذ بيد الأُمّة إلى الكمال والرقي في المجالات الفردية والاجتماعية والذي يجب على الأُمّة امتثال أوامره وتوجيهاته واعتباره أُسوة وقدوة لها في أعماله وأفعاله وتقريراته.
مفهوم الإمامة في القرآن
لقد ورد لفظ الإمام مع بعض مشتّقاته في القرآن الكريم اثنتا عشرة مرة: سبع منها جاء بصورة «المفرد»، وخمس منها جاء بنحو «الجمع»،وفي جميع تلك الموارد جاءت لفظة الإمام وصفاً لأشياء متعدّدة نذكرها على نحو الإجمال:
- الإنسان: وهو الشخص الذي يتحمّل مسؤولية إمامة وقيادة مجموعة من الناس، قال سبحانه: ( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً ) .( [14])
فتارة يكون هذا الإمام مفيداً ونافعاً للمأمومين وللتابعين كما في المثال الذي ورد في الآية الكريمة، وتارة أُخرى يكون هذا الإمام مضراً لتابعيه إلى حد يوردهم المهالك ويوقعهم في المهاوي في الدارين الدنيا والآخرة، كما يقول سبحانه: ( وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النّارِ وَيَوْمَ القِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ ) .( [5])
فالإمام بكلا مصداقيه سواء أكان إمام حقّ أم باطل لا يختصّ بهذا العالم، بل هما يتحمّلان مسؤولية الإمامة في الدارين، كما يقول سبحانه وتعالى وبصورة شاملة: ( يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناس بِإِمامِهِمْ… ) .( [6])
ويقول في خصوص إمامة فرعون: ( يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النّارَ… ) .( [7])
- الكتاب: قال تعالى: ( …وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً… ) .( [8])
- الطريق:قال تعالى: ( فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ وَإِنَّهُما لَبِإِمام مُبين ) .( [9])
ففي هذه الآية عبّر عن «الطريق» بلفظ الإمام، وذلك لأنّ المسافر يتّخذ من الطريق إماماً وهادياً له ويتبعه للوصول إلى المقصد الذي يريده. 4. اللوح المحفوظ: كقوله تعالى: ( …وَكُلَّ شَيْء أَحْصَيْناهُ في إِمام مُبين ) .( [10])
وبما أنّه قد عبّر عن اللوح المحفوظ بعنوان الكتاب، فحينئذ يمكن دمج هذا القسم في القسم الثاني، ولكن بما أنّ حقيقة وواقعية«اللوح المحفوظ» غير معلومة لنا لذلك ذكرناها هنا بصورة مستقلّة، وأمّا إذا فسّرنا هذه الآية في الإمام المعصوم، فحينئذ يدخل هذا القسم في القسم الأوّل.
فبالالتفات إلى المعنى اللغوي للإمام حينئذ يطرح السؤال التالي وبصورة جدّية: ما المقصود من جعل الإمامة في الآية؟ونحن في مقام الإجابة عن هذا التساؤل المهم نحاول تسليط الضوء على أهم شيء في هذه المسألة وهو تحليل ومعرفة ماهية وحقيقة الإمامة من خلال البحوث الآتية.
ومن العجب أنّ كثيراً من المفسّرين مرّوا على هذه المسألة المهمة مرور الكرام ولم يولوها الأهمية التي تستحقّها من البحث و التحقيق.
الإمامة في الأحاديث الإسلامية
لقد وردت روايات كثيرة على لسان المعصومين (عليهم السلام) في هذا المجال نكتفي بذكر البعض منها، وهي:
لقد وصف الإمام الثامن (عليه السلام) الإمامة كالتالي:
«إنّ الإمامَةَ زِمامُ الدِّينِ، وَنِظامُ الْمُسْلِمينَ، وَصَلاحُ الدُّنْيا، وَعِزُّالْمُسلِمينَ».( [11]) وقال (عليه السلام) أيضاً:
«الإمامُ يُحَلِّلُ حَلالَ اللّهِ وَيُحَرِّمُ حَرامَهُ، وَيُقيمُ حُدُودَ اللّهِ، وَيَذُبُّ عَنْ دينِ اللّهِ، وَيَدْعُو إلى سَبيلِ اللّهِ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَالْحُجَّةِ الْبالِغَةِ… عالِمٌ بِالسِّياسَةِ، مُسْتَحِقٌّ لِلرِّئاسَةِ».( [12])
وقال الإمام الصادق (عليه السلام) :
«اتَّقُوا الْحُكُومَةَ فَإِنَّ الْحُكُومَةَ إِنَّما هِيَ لِلإمامِ ، العالِمِ بِالقَضاءِ،العادِلِ في المُسْلِمينَ».( [13])
وقال الإمام علي (عليه السلام) :
«…والإِمامَةَ نِظاماً لِلأُمَّةِ، وَالطّاعَةَ تَعْظِيماً لِلإِمامَةِ»( [14]). ( [15])
[1] . مقاييس اللغة:1/ 28.
[2] . لسان العرب:12/24مادة « أمم » .
[3] . القاموس المحيط: مادة « أمم » .
[4] . البقرة: 124.
[5] . القصص: 41.
[6] . الإسراء: 71.
[7] . هود: 98.
[8] . هود: 17.
[9] . الحجر: 79.
[10] . يس: 12.
[11] . الكافي:1/200، كتاب الحجة باب فضل الإمام، طبع دار الكتب الإسلامية.
[12] . تحف العقول: ص 440، مؤسسة النشر الإسلامي. ويمكن أيضاً مراجعة كتاب الكافي:1/200، كتاب الحجة مع اختلاف يسير مثل باب ما يجب من حق الإمام وغيره.
[13] . وسائل الشيعة:18/7، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 1، الحديث 3.
[14] . نهج البلاغة: الحكمة 252.
[15] . منشور جاويد:5/229ـ 231و 269ـ 270.
مکتب المرجع الديني آية الله الشيخ جعفر السبحاني