خاص شفقنا-بيروت-احتضنت قاعة السيد عبد الحسين شرف الدين في مجمع الإمام الصادق ع الثقافي مهرجانا شعريا استلهم عنوانه من قيمة حياتية، أصبحت بحكم الظلام السائد حاجة ضرورية لكل حرٌ وأبي وطالب حق، ألا وهي العدالة. جموعٌ من مختلف الشرائح والطبقات، جلست تشاهد بشغفٍ وحب مراسم إحتفالية في ذكرى مولد سيد البشرية محمد ص والإمام الصادق ع، مصغية إلى ترانيم شعرية صدحت في أروقة القاعة المزينة بآيات قرآنية واحاديث الأئمة الاطهار واقوال الوحدة للسيد السيستاني”، ناقلة واقعا أليما تعيشه الأمة العربية والإسلامية المنهكة من الإنقسامات والأزمات، والتي تعاني من جور السلاطين والحكام، الذين عبثوا بالأرض الإلهية المقدسة ودنسوا السيرة النبوية المطهرة، مستظلين بلواء الدين المشوه ومسلحين بالقتل والتفجير والإنتحار.
فبرعاية آية الله العظمى السيد علي السيستاني دام ظله ممثلا برئيس جمعية آل البيت “ع” الخيرية الحاج حامد الخفاف الرجل الذي أثبت جدارة في التنظيم والادارة، نُظمت مراسم الإحتفالالمبارك،الذي استهل بكلمة للحاج الخفاف طرح فيهاهموم الامة ووضع الاصبع على جرحها النازف ومعاناة شعوبها وأكد على اهمية قيمة العدل في الإسلام بكل معانيها وتجلياتها رغم تشعباتها الكثيرة التي تنسجم مع تشعبات الحياة التي نشهدها. ولان معاناة الناس الشغل الشاغل للمرجعية انطلق الخفاف من آلامهم وهواجسهم مؤكدا ان التفاوت الطبقي والحرمان ارهقهم وساهم في تزعزع المجتمع الإسلامي وتفكك أواصره ناهيك عن شيوع الفساد المالي والإداري وفقدان الخدمات العامة التي إبتليت بها هذه المجتمعات التي حكمت بشعارات الدين في عصرنا الحاضر، وأدت إلى نشوء طبقة متخمة بجوار حرمان وفقر مدقعين، وهذا من أهم أسباب إبتعاد الناس عن الدين وأهله، وتمدد ظاهرة الإلحاد في تلك المجتمعات التي كانت حتى الأمس القريب موصوفة بالتقوى والفضيلة” كما يشير الخفاف.
ولأن العدل هو من القيم السامية التي يتصف بها الله سبحانه وتعالى، والتي أمر عباده بالتحلي بها كونها من أعمدة الحياة الأساسية التي تسهم بخلق التوازن والمساواة بين البشر وترجح كفة الحق على كفة الباطل والظلام. وإنطلاقا من هذه السنة الإلهية والمنهج الرباني والذي هو ضرورة ملحة وليس خيارا، كان للشعراء الذين اتوا من مصر الازهر وجزائر المليون ونصف مليون شهيد وعراق الرافدين والانتصار وسوريا الثقافة والصمود ولبنان المقاومة والتنوع كان لهم في هذا المهرجان حضور شعري مميز ، إذ برعوا في نظم قصائدهم التي تطرقت إلى الواقع الحزين والمؤلم الذي تعيشه شعوبنا العربية التي ضاع فيها العدل في أروقة السياسة والقتل والظلام، إضافة إلى إطلالها على مواضيع التطرف الديني والخذلان العربي لقضايا الأمة التي تحتضر فيها العدالة إضافة إلى فقدان مجتمعاتنا للقيم والمكارم وتوجهها نحو تبني الأفكار الغربية المندسة التي تمزق أوصال الشعوب وتهدد سلامة الوحدة الإسلامية وتميت إرادة التغيير والتفرد بالحضارة العربية والإرتقاء بها، كما تضمنت القصائد أبيات تغنت بمدح النبي محمد “ص” وآله الأطهار وإبراز محاسنهم واخلاقهم ونحن في أجواء ولادته وولادة الإمام جعفر الصادق “ع”.
هذه القصائد التي أسرت الحضور وشدت أسماعهم ونالت إعجابهم حظيت بتفاعل كبير في المكان الذي غص حياة، فكل من حضر الحفل يدرك سريعا أن الكلمات التي قيلت لامست القلوب ووضعت الإصبع على مكان الجروح التي في الواقع تنزف ألما وحزنا لما جرى ويجري على امتنا التي ضاقت بشعوبها الأرض حتى أصبح الموت خبرا عاديا، ومشاهد الظلم لا تستفز مشاعرنا، وقضايانا العالقة منذ التاريخ، هنا عن فلسطين الجريحة أتحدث، وعن اليمن والبحرين ولبنان وسوريا، كثيرة هي الجراح حقا، حتى كادت الكلمات عاجزة عن الإنتظام، كأنها أرادت الخروج من قيد الورق والحبر لتنتفض وتمسح الغبار عن امة فيها رحمة كمحمد وقائم كالمهدي وعالم كالصادق لتسجل موقفا للتاريخ عنوانه أن أرض محمد لا مكان فيها إلا للعدل فهذه هي رسالة السماء.
وفي هذا السياق كان لموقع “شفقنا” لقاءات مع الشعراء المشاركين للوقوف عند آرائهم حول أهمية الشعر في بث قيم العدالة في المجتمعات، وكيف يمكن أن تُسخر قصائدهم الشعرية لإعلاء شأن هذه القيم وترسيخها في أذهان القراء والمهتمين بالشؤون الأدبية وخصوصا في أروقة النخب الثقافية التي تعد من أبرز العناصر التي تساهم في إستنهاض المجتمعات وتطويرها واخراجها من الظلمات الى النور.
بعيتي: غاية كل الأديان السماوية هي العدل
الشاعر السوري حسن بعيتي، والذي يعاني بلده من حرب شعواء فتكت بالحجر والبشر وحاولت ضرب حضارته ، وبثت بين أبناء وطنه التفرقة بسبب تمادي بعض الدول التي تدعي رغبتها في نشر العدل بينما الواقع أثبت زيف ما ادعوه، وهم أنفسهم بعيدون كل البعد عن هذه القيمة السامية، يقول “بأننا سعداء بأن نكون جزءا من هذا المشهد النبيل الذي يدعو إلى الحب ويضع العدل شعارا له هذا العام”، مشيرا إلى أن “غاية كل الأديان السماوية هي العدل والذي بدونه لا تقوم قائمة لا لقيمة انسانية ولا لدين سماوي”، مضيفا أن “الشعر لا يمكن أن يحدث فرقا مباشرا في الواقع ولكن بكل تأكيد الكلمة لها قيمة تراكمية مع الزمن، ووجود الحروب لا يعني أن الكلمة لا أهمية لها ولكن يعني أن الناس ابتعدت أصلا عن كلمة الحق والجمال والخير”.
شلبي: قيمة العدل التي لو سادت لعم السلام
ومن جانبه وجه الشاعر المصري أحمد شلبي تحية إلى جمعية آل البيت “ع” التي تلتفت إلى مثل هذه القيم التي تضعها عناوين في كل عام لهذه المؤتمرات، مشيرا إلى أنها ” توجه الشعر إلى الرسالة المنشودة التي نحتاج بشدة الى التبصير في هذه القيمة العظيمة قيمة العدل التي لو سادت لعم السلام وعم البشرية الخير ولكن للاسف نحن في عالم مليء بالظلم والشرور فكان لا بد ان تكون الكلمة موجِهة وموجّهة في الوقت ذاته الى ناحية الحق”، مؤكدا أن الشعر ان لم يحمل مغزى الخير والقيم التي يأمر بها الله من العدل والإحسان فإنه سيكون معول شر وهدم”.
وحول حجم الحيز الذي يأخذه الشعر من إهتمامات المجتمعات يقول شلبي أنه “ربما يتحدث في ذلك الكثير من المتشائمين الذي يقولون ان الشعر لم يعد له مكان، لكن انا ارى ان الشعر له مكانة وهو موجود وسيظل موجودا الى الأبد”، لافتا إلى أن “لبنان له في قلوب العرب عامة وفي قلوب المصريين خاصة مكانة كبيرة وهو الأرزة التي نفخر بها دائما بين العرب”.
مسار: العدالة غائبة عن واقعنا
بدوره الشاعر العراقي مسار رياض اعتبر أنه “من الواجب الإنساني على كل مثقف يعتقد بانتمائه الحقيقي إلى هموم امته أن يكون صوتها الصارخ وضميرها الواعي وأن يساهم في رفع مستوى الوعي لديها ولإيصال مظلوميتها إلى العالم”، مؤكدا أن هذا المهرجان في دورته هذه كان يصب في اتجاه المناشدة على العدالة والذي اعتبره من أعلى القيم المنشودة في المجتمعات على المستوى الإنساني بعيدا عن الأديان ولكن رغم أنه من القيم المعروفة إلا أنه غائب في نفس الوقت عن واقعنا.
المقداد: مهرجان الصادقين من اهم المهرجانات الشعرية
ومن منطلق ايمان ممثل المرجعية بدور الشباب في بناء المجتمعات واعطائهم فرص المشاركة في البناء كان للشاعر اللبناني الشاب حسن المقداد والذي أبهر الحاضرين في المهرجان بآدائه وبقصيدته الشعرية المميزة التي لامست وجدان الحضور بتناولها لأحداث القتل والتفجيرات الإرهابية التي تعصف بالوطن العربي وخصوصا في العراق، فيقول “أن شهادته في هذا المهرجان هي واحدة من شهادات كثيرة أكبر من شهادته، مشيرا إلى أنه من أهم المهرجانات ان كان على مستوى الشعراء الضيوف أو على مستوى الموضوعات التي تطرح. واعتبر المقداد ان دعوته للمشاركة في هذه الدورة كانت بمثابة المفاجأة، لافتا إلى أن الشعر كان في التاريخ العربي العلم الاول والوسيلة الوحيدة للتعبير عن مشاكل وطموحات المجتمعات بينما اليوم أصبحت وظيفته أوسع والمسؤولية التي تقع على الشعراء أصبحت اكبر ربما بسبب أن الواقع الذي نعيشه اليوم اصبح معقدا ومتوترا أكثر.
جوادي: الشعر الجميل هو الذي تتم الدعوة فيه إلى الخير والعدالة
وفي سياق الحديث عن واقع الشعر العربي ما بين المصلحة الشخصية وتعبيره عن الواقع قال الشاعر الجزائري الاستاذ سليمان جوادي:” هو ليس ذنب الشعر العربي بل ذنب الشعراء، فهناك من لا يزالون يعبرون عن القضية ويتعرضون للسجن وتنتهك حقوقهم وكثيرا ما تتعرض مرتباتهم للقطع وما زالوا ثابتين، ولكن بطبيعة الحال هناك شعراء مرتزقة لا يهمهم الا مصالحهم الشخصية الذاتية ومع الأسف هم منبطحون مثلهم مثل الكثير من الزعماء وقادة الرأي الذين يغلبون المصلحة الخاصة على المصلحة العامة”. مشيرا إلى ان ” الشعر الجميل هو الذي تتم الدعوة فيه إلى الخير والعدالة والمساواة والى كل القيم الراقية في ذات الانسانية، وتفوق الشعراء مقرون بالإهتمام بهذه الجوانب لأن الشاعر المجبول على الكتابة وفق هذه القيم ويعمل على بثها بين الناس هو الذي يخلد ويبقى وأغلب الشعراء الذين خلدهم التاريخ سواء العرب أو الغربيين من هوميروس وغيرهم هم شعراء تكلموا عن الاشياء الجميلة في الذات الانسانية منها العدالة”. متمنيا لـ”شفقنا” بإدارتها والعاملين فيها كل التألق والتوفيق ومزيد من الإنتشار.
عياد: المهرجان كان الأنجح على صعيد لبنان
ومن جانبه أثنى الشاعر اللبناني عباس عياد على النشاط الولائي والجهود المبذولة من قبل ممثل المرجعية في لبنان الحاج حامد الخفاف، مشيرا إلى أن الحفل كان حفلا يليق بالمقام والأنجح على صعيد لبنان. وأضاف:”عودتنا المرجعية أنها تلامس آلام الناس وان لم تكن كذلك لما كان ليحسب لها هذه المكانة، فكيف ونحن نعيش في زمان يسود الظلم فيه بشكل كبير ويفتك بعالمنا الإسلامي والعربي بشكل خاص والإنساني بشكل عام، ومن هنا كان العنوان العدل حياة أحكام، والمجتمع بدون أحكام غابة، وأحكام بلا عدل ظلم.
كما شكر عياد موقع شفقنا على متابعتها وتغطيتها لمثل هذه الأحداث المهمة، مؤكدا دور الموقع البارز والرائد في هذه المجالات.
الحسني: نجاح المهرجان يزداد عاما بعد عام
وكان للجمعية ومنظمي المهرجان موقفٌ على لسان السيد علي الحسني أكد فيه الهدف من وراء إقامة المهرجان والذي يرتكز على إبراز محاسن الرسول محمد “ص” والإمام الصادق “ع” من خلال القصائد الشعرية المتنوعة التي يجب أن تراعي أبياتها العنوان الموضوع لكل دورة من دورات هذا المهرجان، مشيرا إلى أن العناوين التي وضعت في الأعوام السابقة حققت هذا الهدف والشعراء الذين شاركوا سابقا واليوم وهم أتوا من مختلف الدول الإسلامية قد أبدعوا فعلا في كتابة قصائدهم وإختيار مفرداتها بما يتناغم مع أهداف المهرجان وعناوينه.
ويتابع الحسني “أن عملية إختيار العناوين تتم بدقة كبيرة جدا، “العدل حياة الأحكام”، كان الهدف منه تسليط الضوء على أهمية العدل في تنظيم الحياة والدول التي ستفسد إن غابت عنها هذه القيمة، إضافة إلى أهمية وجوده داخل المجتمعات لتتم من خلاله مواجهة الظلم، إضافة إلى ضرورة السعي لتبيان أن الإسلام هو دين العدل والرحمة لا دين القتل وسفك الدماء كما يريد تصويره اليوم البعض.
ولفت الحسني إلى أن المهرجان بدأ بنجاح ومنذ عامه الأول وعلى خلاف المتوقع، وهذا ما شهد به جميع الناس والنقاد والإعلاميين وكان النجاح يزداد عاما بعد عام، والمهرجان اليوم أيضا حقق النجاح المتوقع وهذا أثبته عدد الحضور الكبير.
اذا اختتم حفل الصادقين الشعري بنسخته الخامسة، فاتحا بابا في حائط امة إسلامية إعتزلت هموم الشعوب وإنبرت إلى ساحات التطبيع والظلم والقمع والفساد، رسالة أرادها منظمو الحفل أن تصل إلى كل من يقرأ ويسمع ويشاهد، مفادها أن دين محمد “ص” هو دين المحبة والسلام والعدالة، لا مكان فيه لرواد القتل والظلم والحاملين لراية لا يحبها الله ورسوله واليوم يجب العمل على إظهار صورة الدين الحقيقية المشرقة بشتى الوسائل وفي مختلف الميادين بانتظار المنتظر الذي سيملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا.
مهدي سعادي