شفقنا العراق-لم تَكُن عمليّة اغتيال الصِّحافي السعوديّ جمال خاشقجي داخِل القُنصليّة السعوديّة في أنقرة سيِّئَةً بالنِّسبةِ إلى الحُكومةِ التركيّة رُغمَ بشاعَتِها، فقد أدَّت إلى حُدوثِ تَحسُّنٍ كَبيرٍ في العَلاقات الأمريكيّة التُّركيّة انعَكَس بشَكلٍ إيجابيٍّ على سِعر اللَّيرة التركيّة، وإعفاء الوِلايات المتحدة تُركيّا مِن أيِّ عُقوباتِ الحَظْر على صادِرات النِّفط الإيرانيّ، كما رَفعَت وِزارَة الخِزانة الأمريكيّة اليوم الجُمعة العُقوبات المَفروضَة على وزيرَيّ الداخليّة والعَدل التُّركيّين.
كَلِمَة السِّر التي تَقِف خلف كُل هَذهِ التَّطوُّرات إفراج حُكومة تُركيّا قبل شَهرٍ عَن القِس الأمريكيّ أندور برونسون الذي صَدَرَ بحَقِّه حُكمًا بالسَّجن ثَلاثَة أعوام بتُهَم الإرهاب، وكانَت تأمَل هَذهِ الحُكومة باستغلالِه كورَقةِ مُبادَلةٍ مع الدَّاعِية التركيّ فتح الله غولن الذي تتَّهِمه السُّلطات التركيّة بالوُقوفِ خلف مُحاوَلة الانقلاب العَسكريّ الفاشِلة قَبْلَ عامَين.
الرئيس أردوغان استَغَلَّ جريمة اغتيال الصِّحافي خاشقجي لتَحسينِ عَلاقاتِه مع الإدارة الأمريكيّة، وزِيادَة وتيرَة التَّنسيقِ مَعَهَا في مَيدانِ التَّحقيقات في إطارِ “صَفَقَةٍ” بين البَلدين جَرى نَسْجُ خُيوطِها بطَريقةٍ احترافيّةٍ عالِيَةٍ.
مايك بومبيو، وزير الخارجيّة الأمريكيّ أعرَبَ اليوم عَن أمَلِه في أن لا تَنْسَحِب تُركيّا مِن حِلف شَمال الأطلسيّ (الناتو)، وقال بأنّ على تُركيّا أن تَعِي جَيّدًا بأنّ الوِلايات المتحدة تُمَثِّل شَريكًا أفْضَل بالنِّسبَةِ لها مِن إيران.
الرئيس التُّركيّ أردوغان يَعرِف كيفَ يلعب أوراقه بِما يَخدِم مَصالِح بِلاده، ويتَّضِح ذلِك مِن تَصريحِه التَّهديديّ المُبكِر بعَدم التزامِ بِلادِه بأيِّ حَظْرٍ تَفْرِضُه أمريكا على صادِرات النِّفط الإيرانيّة، وقامَ بقَصفِ قُوّات حِمايَة الشَّعب الكُرديّة شَرق الفُرات لإجبارِ الإدارة الأمريكيّة الدَّاعِمَة الرئيسيّة لها على تَسييرِ قُوّاتٍ مُشتَركةٍ تُركيّةٍ أمريكيّة في مدينة مَنبج في شَمال غَرب سورية.
الإيرانيّون الذين يُصَدِّرون حَواليّ 500 مِليون برميل مِن النِّفط لتُركيّا، أي ما يُعادِل نِصف احتِياجات الأخيرة سيَكونون سُعَداء مِن استمرارِ هَذهِ الصَّادِرات، وزِيادَة مُعدَّل التَّبادُل التجاريّ السنويّ الحاليّ مع الجارِ التُّركيّ إلى 30 مِليار دولار سَنَويًّا إلى ثَلاثَة أضعافِ مُعَدَّلِها الحاليّ المُقَدَّر بحَواليّ عَشْرَةِ مِليارات دولار سَنَوِيًّا.
تُركيّا هِي مِن أكثَر الدُّوَل الرَّابِحة مِن جريمَة اغتيال خاشقجي البَشِعَة، فقد وظَّفَتها إعلامِيًّا وسِياسيًّا لخِدمَة مَصالِحها السياسيّة والاقتصاديّة، ومُمارَسة الضُّغوط على السُّلطات السعوديّة، مُنافِسَتها الإقليميّة على الزَّعامةِ الإسلاميّة، ولا نَسْتَبعِد تَوصُّلِها إلى صَفقةٍ اقتصاديّةٍ مَعَها، تعود عليها بعَشَراتِ المِليارات مِن الدُّولارات على شَكْلِ استثمارات.
أزَمَة اللَّيرة التُّركيّة تَقترِب مِن نِهايَتها، ولن نَستبعِد عودتها إلى قِيمَتِها السَّابِقة، إن لم يَكُن أفضَل، بِفَضْلِ العَودةِ إلى الحَليفِ الأمريكيّ مُجَدَّدًا، ولو بِشَكلٍ تَدريجِيٍّ.
المصدر: رأي اليوم