خاص شفقنا- كتب الباحث والكاتب الايراني الدکتور ابوالفضل فاتح مقالا بمناسبة الأربعين الحسيني جاء فيه:
إن الظواهر والأحداث الخارقة الهائلة، مثلها مثل القومات والنهضات، تجتاح كل شئ وتجعل كل امرء ينجذب إليها، وتستحدث هبة عظيمة. إن الأربعين، قلما يمكن مقارنته بمثال ما، من حيث اتساع نطاقه وعمقه وحركته وغليانه وابعاده الانسانية والاخلاقية والمعنوية واهدافه وتطلعاته السامية ومعانيه اللامتناهية.
إن عشاق الاربعين في اقاصي العالم، ابدوا تدريجيا سلوكا شبكيا من الناحية الذهنية والتواصلية، وأصبحوا في ترابط وتواصل مع بعضهم البعض. وعندما تتشكل الشبكة، وبسبب التماسك التواصلي، تكتسب وظائف تفوق التصور.
إن الاربعين ليس موقعا للتنافس والصراع بين الاحزاب، بل هو مصالحة الانسانية وضيافة الله وقد سنحت للعالم فرصة لينال بعد قرون متمادية من الحرمان والغفلة “زيارة الحسين (ع)” من خلال “ظاهرة فوق خارقة للعادة”.
وفيما يلي نص المقال:
إن اخبار مسيرة “الاربعين الحسيني” الرائعة قد الهمت قلوب المؤمنين فردا فردا. حشد انساني هائل، جاؤوا لزيارة “ثار الله” زرافات ووحدانا، ويشاهدون بام أعينهم، كيف ان الله تعالى، ثأر لدم انسان قتل وحيدا ومظلوما.
وفي ظل التعاريف السائدة في العالم عن الاحداث الخارقة للعادة، فان الاربعين قلما يمكن مقارنته بمثال ونموذج من حيث وسعة النطاق والعمق والحركة والفوران والابعاد الانسانية والاخلاقية والمعنوية وسمو الاهداف ولا تناهي معانيه. إن هذه الظاهرة هي بلا شك، ليست تعد حدثا خارقا للعادة فحسب بل “فوق حدث خارق للعادة”. أن الاحداث فوق الخارقة للعادة، شأنها شأن هبات وقومات، تجتاح كل شئ وتجعل كل امرء ينبهر بها وتستحدث نهضة عظيمة.
إن عشاق ومحبي الاربعين في اقاصي العالم، يتولد لديهم تدريجيا سلوك شبكي ويصبحون في تواصل مع بعضهم البعض. وعندما تتكون الشبكة وبسبب التعاضد التواصلي بين اعضائها، تكتسب وظائف تفوق التصور والخيال. ففي ظاهرة الاربعين، تجعل شبكة القلوب العامرة بمعنوية وفلسفة الامام الحسين (ع) ملايين البشر تواكبها وترنو إليها المزيد من النظرات. وكأن الاربعين، هو ذلك النشور العظيم الذي انبثق في الأرض بلا نفخ في الصور ليصل الى العرش الاعظم. ولن يتأخر الزمن، لسماع نداء “نحو الاربعين” من اقاصي نقاط العالم، وتنطلق مواكب الحسين (ع) من باب كل بيت ومنزل يقطنه عشاق ومحبو الحسين (ع)، وفي كل أربعين يجري نهر مفعم بالنور والعشق في البلدان البعيدة والقريبة، ليربطها بعضها ببعض.
وقد يكون علماء الإنسان وعلماء الاجتماع قد عجزوا عن فهم ابعاد وجوهر العلاقات التي تسود هذه “الحادثة فوق الخارقة”، وربما مازالت الكثير من وسائل الاعلام في العالم المنشغلة بزخارف الدنيا، تتجاهل هذا الاجتماع العظيم للنور، وحرمت نفسها من نشر وتجسيد روعته وجماليته وسخائه المذهل، لكن هذا “الحادث فوق الخارق للعادة” سيجلعها تبحث عن ذاتها، وان هذا النهر من النور، يدفع وسائل اعلام العالم إلى التواضع ويمزق نسيج هيمنة وسائل الاعلام المسيطرة ويعكس صداه في العالم. مثلما ان التغطية الاعلامية للاربعين تتعاظم عاما بعد عام وينطق العالم بالتالي إقرار واعترافا وتواضعا وإشادة وانبهارا.
إن اليقطة الشبكية للشيعة، وعراق اليوم وايران الحبيبة ودور الاعلام، كله قائم وسائد، ويوضح عظمة ومجد الاربعين الى حد ما، لكن ما جعل “الاربعين” “اربعينا” وأجلسه على عرش العزة هكذا، هو المشيئة الالهية والثورة التي قذفها الله في قلوب المؤمنين للثأر لدم الحسين (ع). لذلك، من الافضل ان نتحدث بلغة اخرى وأدق، إن “الأربعين” هو يوم من “ايام الله”. وأليس “ايام الله” هي ايام تتجلى فيها سلطنة الله وعظمة الله ويد الله أكثر فاكثر وتظهر بنمط يختلف عن اي وقت اخر؟
وان كان شهر “رمضان” ضيافة الله، وان كان “الحج” ضيافة الله، فان “الاربعين” هو أيضا ضيافة الله وان الله هو الذي يستضيف زوار الحسين (ع). ان الأربعين، ليس مكانا وموقعا لتنافس وحرب الاحزاب، بل هو صلح الانسانية وضيافة الله، إذ سنحت للعالم فرصة بعد قرون متمادية من الحرمان والغفلة، فرصة لزيارة الحسين (ع) من خلال “ظاهرة فوق خارقة للعادة”.
ابوالفضل فاتح