الثلاثاء, أبريل 16, 2024

آخر الأخبار

الصحة:تطعيم نحو مليون ونصف المليون طالب ضد مرض الحصبة

شفقنا العراق ـ تتابع وزارة الصحة العراقية حملة التطعيم...

ارتفاع في أسعار الذهب

شفقنا العراق ـ ارتفعت أسعار الذهب اليوم الثلاثاء مقتربة...

ارتفاع أسعار النفط العالمية

شفقنا العراق ـ ارتفعت أسعار النفط، خلال تعاملات اليوم...

السوداني وبايدن: الالتزام بالشراكة الاستراتيجية ودعم دولة عراقية قوية ومستقرة

شفقنا العراق ـ فيما أكد رئيسا الوزراء العراقي محمد...

الشرطة العراقية تقبض على مطلوبين وتجار مخدرات

شفقنا العراق- ضمن مهام ملاحقة الخارجين عن القانون، ألقت...

دوري نجوم العراق.. مبارة الجوية وميسان تنتهي بالتعادل الإيجابي

شفقنا العراق- تعادل فريق نفط ميسان مع القوة الجوية...

مستشار السوداني: التوصل إلى نقاط مشتركة لإنهاء وجود التحالف الدولي في العراق

شفقنا العراق- كشف مستشار رئيس الوزراء عدنان السراج أن...

مستشار رئيس الوزراء: زيارة السوداني تفتح عهدًا جديدًا للعلاقات العراقية الأمريكية

شفقنا العراق ــ أكد مستشار رئيس الوزراء حسين علاوي...

مصرف الرافدين يصدر سندات إنجاز للمواطنين

شفقنا العراق- أعلن مصرف الرافدين، اليوم الاثنين، عن إصدار...

حقوق وواجبات المجتمع في المنظور القرآني؛ بقلم السيد سعيد كاظم العذاري

شفقنا العراق- من جملة توصيات القرآن الكريم، أنه أمر...

العتبة الحسينية تختتم المرحلة الثانية من “برنامج المسعف”

شفقنا العراق- بمشاركة أكثر من (600) متدرب، اختتمت العتبة...

رشيد يدعو أبناء الجالية العراقية في الأردن للاستثمار في بلدهم والإسهام ببنائه

شفقنا العراق- دعا رئيس الجمهورية عبد اللطيف جمال رشيد،...

استئناف الرحلات الجوية بين العراق وإيران

شفقنا العراق- أعلنت الخطوط الجوية العراقية، اليوم الاثنين (15...

التقى وزير الدفاع الأمريكي.. السوداني: العراق مهتم بالحصول على الخبرات والتسليح

شفقنا العراق- واصل رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني،...

متخصصون: “العراق يمكنه لعب دور فاعل في أحداث الشرق الأوسط”

شفقنا العراق ــ يؤكد متخصصون في الشأن العراقي أن...

خبراء يحددون أسباب ارتفاع أسعار الذهب في العراق

شفقنا العراق- يرى خبراء بأن ارتفاع أسعار الذهب في...

انطلاق حصاد الحنطة في النجف وبابل

شفقنا العراق- انطلقت حملة حصاد وتسويق محصولي الحنطة والشعير...

خبراء يقدمون مقترحات لتخفيف وتيرة الديون وتحقيق الاستقرار الاقتصادي في العراق

شفقنا العراق ــ مقترحات عدة يقدمها الخبراء بغية حلحلة...

لجنة نيابية: “الحكومة العراقية رفعت شعار الدبلوماسية المنتجة”

شفقنا العراق- أكد عضو لجنة العلاقات الخارجية النيابية جبار...

أسباب حرب النبي الأكرم مع يهود خيبر وكيفية اقتحام حصونهم

شفقنا العراق- لم يجد الرسول (ص) بدًا من مواجهة...

السوداني من البيت الأبيض: “نعمل للانتقال من العلاقة العسكرية إلى الشراكة الكاملة”

شفقنا العراق ــ التقى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني،...

في كربلاء.. استعدادات مكثفة لإطلاق فعاليات الحفل المركزي لتخرج طلبة الجامعات العراقية

شفقنا العراق ــ أعلنت العتبة العبّاسية المقدّسة اليوم الاثنين،...

بالصور؛ انطلاق اجتماعات اللجنة التنسيقية العليا بين العراق والولايات المتحدة

شفقنا العراق ــ انطلقت في العاصمة الأمريكية واشنطن، اليوم...

اختتمت برنامج النخبة العلوية.. العتبة العلوية تنظم دورة تطويرية في مجال السلامة المهنية

شفقنا العراق-فيما اختتمت برنامج النخبة العلوية للخدم الشباب، أقامت...

دور الأربعين في صناعة الشخصية المهدوية

شفقنا العراق-من أهم الارصدة المعنوية الماضية التي يمتلكها اتباع مذهب آل البيت (عليهم السلام) هو وجود امام ثائر عندهم, كانت وما زالت ثورته نبراس الثورات وتضحيته ام التضحيات وحرارة مقتله من اشد المهيجات, فتولد لديهم ببركة ثورته ما لم يتولد عند غيرهم وهو عنصر الاصلاح لا لمصلحة دنيوية ولو كلف ذلك الحياة, وان الذلة لا وجود لها في صفحة الحياة… ايمانا منهم بتضحياته وبكلماته… والتي منها:

(ما اخرجت اشرا ولا بطرا وانما لطلب الاصلاح…)(1 )

(… هيهات منا الذلة…)( 2)

(… لا اعطي بيدي اعطاء الذليل ولا اقر لكم اقرار العبيد …) (3 )

(…مثلي لا يبايع لمثله…) (4 )

ومن الارصدة المعنوية المستقبلية التي يمتلكها اتباع مذهب آل البيت (عليهم السلام) الايمان بالأمام الغائب المنقذ الذي يملؤها قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا، وانه امامهم الثاني عشر وهذا الايمان هو مما يحفزهم على العمل الجاد في التمهيد لظهوره والاستعداد للانخراط تحت قيادته والانتظار لفرجه.

فان الانتظار للأمام المنقذ (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) من اهم المحفزات على العمل الديني والاجتماعي والاعداد لذلك من اهم الطاعات.

فبين تراث الماضي وامل المستقبل تكون الحاضر الإيماني والتعبوي لدى اتباع الحق وتولدت حالة معنوية عالية تمخض منها عدة فعاليات وعبادات وتحركات.

منها: الروح الجهادية والقتالية التي يمتلكها الاتباع دون غيرهم ونموذج الحشد الشعبي شاهد على ذلك, وهذا يحتاج الى افراد ابحاث مستقلة للوقوف على هذه الظاهرة.

ومنها: عدم الانصياع للحكومات الظالمة وعدم الارتباط بها من كل النواحي.

ومنها: الاستقلالية في ادارة المذهب فكريا واقتصاديا وعدم الارتباط باي اجندة.

وغيرها العشرات.

ومن هذه الفعاليات العبادية المهمة فعالية الزيارة الاربعينية المقدسة, فهذه الفعالية تميزت بربط الماضي الحسيني بالمستقبل المهدوي لتوليد حاضر يفرض علينا واقعا يجعلنا ننظم انفسنا من كل النواحي استعدادا وتمهيدا لدولة الحق.

فالذي يطلع على وقائع زيارة الاربعين وما يراه من تجمهر عشرات الملايين زمانا ومكانا وبلغات وقوميات وتوجهات شتى ــ يجمعهم رجل واحد اسمه الحسين (عليه السلام) وينادون بنداء واحد هو اللهم عجل لوليك الفرج وسهل له المخرج ـ يرى بوضوح ان تلك الزيارة من اهم ممهدات الظهور.

وفي هذا البحث المختصر نقف على اهم تلك المعطيات التي لها دور في الظهور, وسنغض النظر عن ما للزيارة من اهمية واضحة ومعطيات جمة في شتى المجالات, لان هدفنا هو التركيز على هذه المفردة العظيمة وهو دور الاربعين في التمهيد للظهور وصناعة الشخصية المهدوية.

فالتمهيد وانتظار الفرج اهم المفردات التي تشغل ذهن البشرية المؤمنة, فالعمل عليه ومعرفة ما يقرب الظهور ويرفع الموانع من اهم العبادات في الغيبة كما ورد في الروايات افضل الاعمال انتظار الفرج، ففي الإمامة و التبصرة من الحيرة: (ان النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَفْضَلُ أَعْمَالِ أُمَّتِي انْتِظَارُ الْفَرَجِ‏، وَلَا يَزَالُ شِيعَتُنَا فِي حُزْنٍ حَتَّى يَظْهَرَ وَلَدِيَ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا وَقِسْطاً، كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً ).(5 )

ولكن ليس كل انتظار هو ممدوح وانما الانتظار مع الايمان والعمل الجاد في التمهيد للإمام (عليه السلام) والعمل طبقا لمراد الشريعة لا الانتظار مع الخمول والياس وارتكاب المحرمات والتسليم للظلم والظالمين.

وهناك جملة من الاعمال تمهد للظهور وترفع بعض موانعه وهي تقع على عاتق المؤمنين، منها اكمال عدة (313)( 6) الذين يشكلون النواة القيادية الاولى حول الامام (عليه السلام) ومنها الدعاء له بالفرج وغيرها، ففي الرواية: (فَإِذَا اجْتَمَعَتْ لَهُ هَذِهِ الْعِدَّةُ مِنْ أَهْلِ الْإِخْلَاصِ أَظْهَرَ أَمْرَهُ)(7)، فظاهر الرواية ان اجتماع العدة (313) شرط لإظهار امره.

ومن جملة الممهدات والمربيات لمجتمع الظهور هي زيارة الاربعين لما لها من ابعاد مختلفة وعديدة، نحاول التركيز عليها وبيانها وتطويرها والدفع بالمؤمنين نحو جعلها من الطرق العبادية التي يتمسك بها لبناء شخصية الظهور.

ونطرح دور الاربعين في البناء للظهور في محاور هذا مجملها:

الاول: البناء المعنوي والروحي.

الثاني: البناء الاقتصادي.

الثالث: البناء التعبوي.

الرابع: البناء الاجتماعي.

الخامس: البناء الفكري والعلمي.

السادس: البناء الامني.

السابع: البناء الاخلاقي.

الثامن: المحور العسكري.

التاسع: المحور الاعلامي.

العاشر: المحور التمريني والتدريبي.

الحادي عشر: المحور التكافلي.

الثاني عشر: البناء السياسي.

تفصيل المحاور:

المحور الأول: البناء المعنوي والروحي

من أهم ما يساهم في التمهيد للظهور هو بناء شخصية معنوية وروحية لدى المؤمن تؤهله لنصرة القيام المهدوي، وهناك آليات عديدة لبناء الشخصية الإسلامية عموما ولعل أهم تلك الآليات هو اتخاذ القدوة الحسنة والسير على نهجها والتزود بالعلم والمعرفة وغيرها، وبناء هكذا شخصية يجعل الانسان قويا عند الشدائد صبورا عند النوائب عزيزا يأبى الذل شجاعا لا يعرف الجبن صادقا لا يكذب امينا لا يخون…الخ.

ومن الآليات المهمة ايضا هو انتهاج السلوك العبادي واتخاذه وسيلة للتقرب لله وبناء ملكات وفضائل وكسر الشهوات ومحو الرذائل، فالصلاة مثلا لها اثارها المعنوية الكبيرة كما نطقت الآيات والروايات، فهي تعطي حصانة للإنسان عن الوقوع في الفحشاء والمنكر ــ ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر(8 ) ــ وهي وسيلة للتقرب للساحة الالهية والابتعاد عن الخطط الشيطانية ــ الصلاة قربان كل تقي( 9) ــ وهي سبيل للعروج الى الرب ــ الصلاة ميزان امتي( 10) ــ الى غير ذلك من الاثار.

وهكذا الصوم والحج والجهاد واداء الحقوق الشرعية وغيرها كل له اثاره وبناءه لشخصية الانسان المومن وتربيتها تربية اسلامية.

وزيارة الاربعين ــ وبالخصوص مشيا ــ تمثل ممارسة عبادية متنوعة وطويلة الامد زمانا ومسافة ــ تشابه الى حد ما موسم الحج من حيث التنوع العبادي والجهد المعنوي والتعبوي، فيمارس فيها مجموعة من العبادات كالزيارة والصلاة ــ وخصوصا صلاة الجماعة ــ والتسبيح والوعظ والارشاد والامر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعاء والمشي ــ بناء على عباديته ــ وغيرها.

وهذه الممارسات العبادية المتنوعة تخلق ــ خصوصا مع طول امدها واستمراريتها ــ جوا روحيا عاليا من خلال ما يحصده المؤمن من حسنات ومحو للسيئات ورفع للدرجات وتوطين النفس على الصعوبات، وخصوصا المشي مع تحمل المتاعب والحر والبرد وتورم الاقدام وتغير اللون وذبول الشفاه والجوع والخوف ــ كما في زمن الطغاة ــ وغيرها من الصعوبات.

وهذا يخلق شخصية دينية صلبة الايمان كي تكون مؤهلة ومستعدة لنصرة الامام الحجة (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) مما يوفر احد مقتضيات تعجيل الظهور وهو وجود الموارد البشرية الناضجة والمستعدة استعدادا حقا لنصرة المنقذ سواء من عدة (313) او من عدة (000،10) كما نطقت الروايات, منها: (…فَإِذَا أُكْمِلَ لَهُ الْعَقْدُ وَ هِيَ عَشَرَةُ ألف [آلَافِ‏] رَجُلٍ خَرَجَ بِإِذْنِ اللَّهِ فَلَا يَزَالُ يَقْتُلُ أَعْدَاءَ اللَّهِ حَتَّى يَرْضَى اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏)( 11), فاكمال العدة يمثل احد المقتضيات المهمة للظهور، فلا يبقى الا بعض المقتضيات الاخرى وزوال المانع.

بعض روايات المشي وأجرها:

لذا وردت روايات في المشي واهميته العبادية نذكر منها وهي مستفيضة بل متواترة وفيها الصحاح فلا حاجة لبحث سندها، منها:

1 ـ عن ابی الصامت قال سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول: (مَنْ أَتَى قَبْرَ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) مَاشِياً كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ أَلْفَ حَسَنَةٍ وَمَحَا عَنْهُ أَلْفَ سَيِّئَةٍ وَرَفَعَ لَهُ أَلْفَ دَرَجَةٍ…)(12 ).

2ـ عن علی بن ميمون الصائغ عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: (يَا عَلِيُّ زُرِ الْحُسَيْنَ وَلَا تَدَعْهُ قَالَ قُلْتُ مَا لِمَنْ أَتَاهُ مِنَ الثَّوَابِ قَالَ مَنْ أَتَاهُ مَاشِياً كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ حَسَنَةً وَمَحَى عَنْهُ سَيِّئَةً وَرَفَعَ لَهُ دَرَجَةً فَإِذَا أَتَاهُ وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ مَلَكَيْنِ يَكْتُبَانِ مَا خَرَجَ مِنْ فِيهِ مِنْ خَيْرٍ وَلَا يَكْتُبَانِ مَا يَخْرُجُ مِنْ فِيهِ مِنْ شَرٍّ وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ فَإِذَا انْصَرَفَ وَدَّعُوهُ وَقَالُوا يَا وَلِيَّ اللَّهِ مَغْفُوراً لَكَ أَنْتَ مِنْ حِزْبِ اللَّهِ وَحِزْبِ رَسُولِهِ وَحِزْبِ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِهِ وَاللَّهِ لَا تَرَى النَّارَ بِعَيْنِكَ أَبَداً وَلَا تَرَاكَ وَلَا تَطْعَمُكَ أَبَداً)( 13).

3 ـ عن بشير الدهان عن ابي عبد الله (عليه السلام): (إِنَّ الرَّجُلَ لَيَخْرُجُ إِلَى قَبْرِ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) فَلَهُ إِذَا خَرَجَ مِنْ أَهْلِهِ بِأَوَّلِ خُطْوَةٍ مَغْفِرَةُ ذُنُوبِهِ ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يُقَدَّسُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ حَتَّى يَأْتِيَهُ فَإِذَا أَتَاهُ نَاجَاهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ عَبْدِي سَلْنِي أُعْطِكَ ادْعُنِي أُجِبْكَ اطْلُبْ مِنِّي أُعْطِكَ سَلْنِي حَاجَةً أقضيها)( 14).

وغيرها.

فالروايات واضحة في دور المشي لزيارة الحسين (عليه السلام) في البناء المعنوي وتحصيل الاجر الرافع للدرجات وهو مما تحتاجه الشخصية الممهدة للامام الحجة عجَّل (الله تعالى فرجه الشريف) خصوصاً مع اقتران الزيارة بالدعاء بالفرج من قبل هذا الزائر الذي يقول له الله تعالى ـ كما في الرواية الماضية ـ (ادعني اجبك…).

المحور الثاني: البناء الاقتصادي

ان القوة الاقتصادية وتامين الوضع المالي من اهم مقومات نجاح الامم والحركات بعد الموارد البشرية، وكذلك معرفة كيفية ادارة المال وعدم الاسراف به والتبذير وحسن الاقتصاد بالصرف يشكل قوامة اقتصادية اخرى.

فالمال والاقتصاد له اهمية في البناء الاجتماعي والفردي ودوره مهم في خلق حياة سعيدة واسرة صالحة وحياة امنة ــ كونه احد مقوماتها ــ ولا يعني ذلك انه علة تامة لتلك الامور بل قد يكون وبالا على الانسان اذا لم يحسن التصرف, فهو سلاح ذو حدين.

والقران في اللحظة التي يبين ان المال زينة ــ المال والبنون زينة الحياة(15 ) ــ يبين ان المال فتنة ــ انما اموالكم واولادكم فتنة ( 16) ــ فهو زينة ومفاد ايجابي اذا صانه ووضعه في موضعه واتخذه وسيلة للأخرة وكفى به نفسه وعياله ومجتمعه وامته الاسلامية وقضى حوائجهم, وهو فتنة وعذاب اذا ما ضيعه وبذره وجعله وسيلة للدنيا والشهوة والحرام وانتهاك الاعراض وقتل النفوس. وكذلك الروايات بينت هذه الحقيقة ومدحت المال مع الدين وذمت المال اذا كان وسيلة للعصيان ووازنت بين النظرتين(17 ).

ومن الممارسات الايجابية للمال والاقتصاد هو ما تقوم به الجموع المؤمنة من ممارسات عبادية في الاربعين وتوظيف القوة المالية في احياء هذه المناسبة ــ من خلال الصرف المالي على المواكب واطعام الاطعام الذي تمارسه المواكب لملايين الزائرين ــ وهذا ما يمثل قوة اقتصادية كامنة في الامة الحسينية التي هي امة الامام المهدي (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) وناصرته, فلا ميزانية مالية ولا دعم دولة ولا حزب وانما هي تمويل من شعب الحسين لزوار الحسين (عليه السلام), وهذا التمويل الهائل ما هو إلَّا ممارسة وتدريب اقتصادي على الصرف المالي المنضبط الذي يمارسه الممهدون للظهور وثقافة متقنة على الصرف والبذل في سبيل الدين وانجاح الثورة المهدوية.

وهذه الممارسة والاستعداد للصرف بل والصرف الفعلي لم يكن لولا هذه الزيارة المباركة، فاذا كان عصر الظهور فلا يجد المؤمن حرجا في الصرف المالي بعد ان مارس الصرف لعشرات السنين على جمهور الحسين (عليه السلام).

خصوصا وان بعض المؤمنين يقاسم زوار الحسين (عليه السلام) قوت عياله ومونته السنوية لكي ينفقها في موسم الزيارة بل بعضهم ــ كما سمعت ورأيت بأم عيني ــ يبيع بيته او سيارته ويشتري ما هو اقل منهما اذا لم يكف ما جمعه للموسم.

فهكذا عمل يصدر من هكذا شعب حسيني يؤهلهم لتكوين مجتمع مهدوي يقود الامة الى بر الامان ويبني اقتصادا رصينا يكف حاجة الامة.

المحور الثالث: البناء التعبوي

من المفاهيم المهمة في عالم الدعوة وتجميع الجماهير والانصار هو مفهوم التعبئة وهي قوة شعبية كامنة او ظاهرة لها حضورها في كل نواحي الحياة لخدمة قضية ما تهم الوطن او المواطن, وهي على انواع فقد تكون تعبئة عسكرية او اعلامية او اجتماعي او غيرها.

ومن اهم انواعها هو التعبئة الاجتماعية وهي تحريك واستنفار المجتمع بكل قطاعاته للمشاركة الإيجابية لتحقيق الأهداف المطلوبة. ولا بد أن تشمل التعبئة الاجتماعية جميع قطاعات المجتمع من المسؤولين الرسميين والسياسيين, قادة الرأي, القادة المحليين وجموع المواطنين (نساء, رجال, بل الأطفال من مدارسهم).

وهذا ما يحصل فعلا في زيارة الاربعين فان هناك تعبئه جماهيرية عامة لتحقيق هدف ديني هام في حياة الفرد والمجتمع.

فمن اهم ما تحتاجه كل دعوة سماوية اكانت ام ارضية هو وجود قوة معنوية او مادية او شخصية قيادية تمتلك (كاريزما) عالية تستطيع ان تخلق جمهورا واتباعا من خلال التعبئة الجماهيرية الواسعة التي تقدم الولاء والخدمة مجانا وبلا مقابل.

والذي يلاحظ زيارة الاربعين لا يجد اي مجهود في التعبئة الجماهيرية بل الجمهور مقبل على الزيارة وعلى الخدمات بلا نظير بل كثير من الجماهير ينفق اموالا وجهدا مضاعفا في تلك الايام ويبتهج بذلك الصرف وبهذا الجهد.

وهذا العمل التطوعي العظيم لا تجد له نظير في كل العالم وهو مفخرة يتميز بها اتباع ال البيت (عليهم السلام) وهو من ثمرات الثورة الحسينية الخالدة.

وهذه التعبئة الجماهيرية في الزيارة انما هي صورة من صور التعبئة للإمام المهدي (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) حال قيامه بالثورة العالمية المباركة.

فالجمهور الحسيني معبأ للحركة المهدوية ومستعدا لها على احسن ما يكون، فلا نحتاج ان نعد برامجا تعبويه كثيرة لأجل الحركة المهدوية ــ من هذه الجهة ــ لانها معدة اعدادا واضحا وبخبرة تمتد مئات السنين، نعم نحتاج الى برامج مهدوية اخرى من جهات اخرى.

فدور زيارة الاربعين في تعبئة المؤمنين تعبئة مهدوية واضحة وفعالة من خلال الحرارة التي تكونت في قلبهم بمقتل الحسين (عليه السلام).

المحور الرابع: البناء الاجتماعي

من أهم ما يميز المجتمع الناجح والصالح هو قوة الترابط الاجتماعي بين افراده وعملهم كخلية النحل الواحدة لإنجاز مهامهم المناطة بهم، مما يساعد على البناء السليم لكل مفاصل الحياة سواء كانت فردية او اجتماعية ويساعد على ان ينال كل فرد فرصته في الحياة.

لذا نجد الروايات اهتمت كثيرة بالترابط الاجتماعي بين كل افراد المجتمع سواء كانوا من الارحام أم لا، ومن هذه الروايات:

عن مرازم قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): (عليكم بالصلاة في المساجد وحسن الجوار للناس و إقامة الشهادة و حضور الجنائز، إنه لا بد لكم من الناس إن أحداً لا يستغني عن الناس حياته و الناس لا بد لبعضهم من بعض)(18 ).

وعن حبيب الخثعمي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (عليكم بالورع والاجتهاد واشهدوا الجنائز وعودوا المرضى واحضروا مع قومكم مساجدكم وأحبوا للناس ما تحبون لأنفسكم أما يستحيي الرجل منكم أن يعرف جاره حقه ولا يعرف حق جاره)( 19 ).

وعن زيد الشحام عن أبي عبد الله (عليه السلام): (…صلوا عشائركم واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم، وأدوا حقوقهم، فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق الحديث وادي الأمانة وحسن خلقه مع الناس قيل هذا جعفري فيسرني ذلك ويدخل علي منه السرور…)(20 ).

إلى غيرها من الروايات وآداب التعاشر والترابط الاجتماعي( 21).

وبالمقابل من اهم ما يدمر المجتمع هو كثرة النزاعات والخلافات والتحزبات وتحوله الى شيع يتلاعب به الظلمة ــ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ(22 ) ــ وهذه سنة قائمة يتخذها الظالمون لأضعاف المجتمع.

كما ان التنازع سبباً واضحاً لهدر الطاقات وضياع الفرص والتراجع الفردي والاجتماعي على كل المستويات.

لذا يحرص علماء الاجتماع في البلدان على خلق جو اجتماعي بين افراد مجتمعاتهم بعيدا عن الخلافات والصراعات والشتات والحرص على خلق روح التعاون والمحبة وتقوية الروابط الاجتماعية والاسرية.

والذي يلاحظ الزيارة الاربعينية يرى قوة الترابط بين افراد الزائرين كبارا وصغارا رجالا ونساء اثرياء وفقراء رؤساء ومرؤوسين، فلا تميز بين غني او فقير ولا بين مشهور او مغمور…الخ.

فالكل سواسية بل في بعض الاحيان ينقلب الميزان وترى الكبير يخدم الصغير او المشهور يخدم المغمور او الرئيس يخدم المرؤوس وهكذا.

فترى الترابط الاجتماعي بأعلى صورة وبأجمل ما يكون، وكأنك تسير في مجتمع ملائكي وهذا البناء انما هو بناء نابع من هذه الزيارة المباركة.

وهذا الترابط الاجتماعي ليس بين مدينة ومدينة بل بين دولة ودولة بل بين دول ودول وشعوب وشعوب، فان هناك جماهير من عشرات الدول تلتقي فيما بينها فتكون اواصر ووشائج قوية.

وهذا فضلا عن ان هناك حواجز اجتماعية ونفسية وثقافية بين شعوب بعض البلدان والبلدان الاخرى بسبب حروب او غيرها، ولكننا نراها قد ذابت بسبب هذا الملتقى العام الحاصل في زيارة الاربعين.

فزيارة الاربعين تجعل الترابط الاجتماعي ليس بين ابناء بلد ما فحسب بل بين الشعوب والبلدان الاخرى مما يعزز خلق نسيج اجتماعي كبير يربط دولا وشعوبا فيما بينها بالرغم من اختلافها باللغة او اللون او الثقافة او غيرها لخلق مجتمع مهدوي منسجم فيما بينه مما يسهم في الظهور.

ان زيارة الاربعين تلغي الطبقية وتلغي القطرية وتلغي العرقية وتلغي القومية وتلغي العنصرية وتخلق مجتمع مترابط يرتبط بمنقذ عالمي اسمه المهدي (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف).

فزيارة الاربعين تعمق الوجود التعارفي الذي خلق له الانسان كما عبرت الآية: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)(23 ).

ان زيارة الاربعین فرصة كبيرة للانفتاح الحضاري بين امة الايمان ومجال لحوار الحضارات على اسس دينية تدعونا الى الانتظار للإمام والاعداد له كل من دولته ولغته وعرقه وقوميته, فيكون ذلك تمهيد ودعوة الى عالمية الامام الحجة (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف).

المحور الخامس: البناء الفكري والعلمي

ان تحصين الامة فكريا وعلميا من اهم الواجبات التي تقع على عاتق المؤسسات الدينية، ولعل تسويق المعلومة الى الجمهور يعد من اهم المشكلات التي تواجه المبلغ.

لذا يجب علينا استثمار المواسم التي يسهل فيها تسويق المعلومات الى الجمهور، والمتابع لسيرة النبي وال البيت (عليهم السلام) يرى انهم يدأبون على استثمار المواسم العبادية لإيصال صوتهم للجماهير كما في مواسم الحج والعمرة وصلاة العيد و الجمعة والجماعة والمجالس والمآتم الحسينية.

لذا كانت لهم خطب وكلمات ومواقف في تلك المواسم سجلها التاريخ ونقلتها الاحاديث.

ولعل شعائر الحسين (عليه السلام) عموما وزيارة الاربعين خصوصا من اهم ما يسوق المعلومات الدينية للجمهور في هذه الايام.

ان خلق مجتمع متعلم على سبيل النجاة يعد من أهم ركائز البناء الديني للفرد والمجتمع بل هو قوام للدين والدنيا، كما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (قوام الدين والدنيا بأربعة عالم مستعمل علمه وجاهل لا يستنكف ان يتعلم…)(24 ).

ومن جملة البناء الديني المهم في عقيدة المومن هو بنائه مهدويا وذلك من خلال استثمار ذلك الموسم لتبليغ القضية المهدوية للناس وتعريفهم بتفاصيلها وتحصينهم فكريا ضد الدجالين والمدعين والمشوهين.

 فيكون موسم الزيارة موسم تبليغ وترويج لقضية الامام المهدي (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف), ويقع هذا التبليغ على عاتق الجميع ــ خصوصا اهل التخصص بالقضية المهدوية ــ من خلال المحاضرات والارشادات والنشرات والكتب وغيرها.

فالزيارة فرصة كبيرة لتسويق القضية المهدوية للعالم ككل وتوعية الجماهير بها والتركيز على عنصر الانتظار والاستعداد للظهور وبناء الدولة العالمية الالهية المنقذة لكل الشعوب المظلومة.

ومن نماذج ذلك:

أولاً: العمل على ازالة الشبهات التي تثار حول قضية الامام المهدي (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) كولادته وطول عمره وفائدته في زمن الغيبة وارهاصات ظهوره وغيرها.

ثانياً: رد الشبهات المعاصرة كشبهة ابن كويطع وغيره بطرق علمية مبسطة.

ثالثاً: تشخيص القضايا المهدوية المهمة وبيانها للمجتمع بطرق سهلة ومناسبة.

ويتم ذلك من خلال:

  1. عقد الندوات والبرامج المهدوية في وسائل الاعلام وخصوصا المرئية.
  2. اجراء المسابقات العامة للاستكتاب في قضايا معاصرة تخص القضية المهدوية.
  3. اجراء المسابقات العامة بين المؤمنين من خلال طرح اسئلة والاجابة عنها.
  4. الكتابة بالصحف والمجلات العامة وخصوصا المجلات العالمية وبلغات مختلفة لإيصال القضية المهدوية للعالم.
  5. ارسال المبلغين المتخصصين الى المجتمع لتبليغ القضية المهدوية واستثمار المواسم العامة لذلك.
  6. حث الخطباء عموما وخطباء المنبر الحسيني خصوصا على طرح القضية المهدوية وكتابة محاضرات تخصصية لهم في ذلك.
  7. انشاء مراكز تخصصية علمية وبحثية في الامام المهدي (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) وابعاد حركته.
  8. انشاء مؤسسات تهتم بإقامة فعاليات ميدانية وكشافة ومخيمات ودورات للجامعيين وطلاب المدارس تعرفهم بالأمام المهدي وحركته.

وغيرها من الوسائل( 25 ).

المحور السادس: البناء الامني

تشكل الحصانة الامنية للشعوب والدول ركيزة اساسية في البناء السليم لها ودفع المخاطر عنها، لذلك تقاس قوة الدول وقدرتها على مقاومة المخاطر بقوة نظامها الامني العام.

ان التحصين الامني يعد اليوم من اهم مقومات النجاح لأي حركة تريد الاصلاح والتغيير، وهذا التحصين الامني لا ينفع كثيرا اذا لم يخرج من النظرية الى التطبيق فلا يكتفى بمعرفة البناء الامني والمباني الامنية من دون ان تحول تلك المعرفة الى تطبيق عملي على ارض الواقع.

وآل البيت (عليهم السلام) جعلوا نظاما امنيا كبيرا ــ يستحق دراسات مستقلة ــ في كيفية التعامل مع الصديق والعدو، ولعل اهم مفاصلة روايات التقية( 26) وروايات كشف الاسرار والاذاعة( 27), فهي تؤسس لنظام امني مركز في التعامل العام وكيفية تحصين الامة المؤمنة.

وزيارة الاربعين هي بناء وتدريب أمني معمق لعموم المكلفين وبالأخص لأصحاب المسؤولية في المواكب والزيارة.

فهم يعملون على عدم السماح بالاختراق لأي شخص غريب او غير معرف سواء داخل الموكب او اثناء المسير او ممن يوزع الطعام او غيرها من الخدمات, وحتى من يشتبه به يبقى تحت المراقبة والاختبار حتى يرفع اللبس عنه ويتبين امره.

وهذا ملاحظ بشكل كثير خصوصا من له تجربة عملية مع اصحاب المواكب والخدمات والزائرين, فهم يلاحظون حركات وتصرفات وسكنات الزائر وتوجهاته وحتى كلامه ومواقفه, ويسهرون الى الصباح للحفاظ على امن الزائر وممتلكاته وحرمته. خصوصا امن الزائرات المؤمنات, لذا ترى ان المرأة تعيش ايام الزيارة حالة من الامن من كل النواحي فلا تخاف على عرضها ولا على مالها ولا على حياتها ما دامت سائرة في هذا الطريق المبارك, وحتى الزائرات الاجنبيات عن العراق يسرن لوحدهن بل احيانا امرأة منفردة لوحدها تسير بلا خوف.

وهذا كله بسبب النظام الامني العالي الذي يكتنف الزيارة, وهو يفوق اي نظام امني في العالم وفي اعظم الدول الامنية, فلا تجد مشاكل ولا تعديا ولا غير ذلك وهذا لا يحصل في اعظم المجتمعات بسبب الاحتكاك والاختلاط.

وفي هذا الصدد نقل لي احد اساتذتي عن احد السياسيين العراقييين ان احد القادة الامنيين الامريكيين رأى زيارة الاربعين ــ ابان الاحتلال الامريكي للعراق ــ وان هذا الامريكي كان يقول: (اني اتعجب من الشعور بالأمن طوال زيارة الاربعين وعدم وجود المشاكل بين الزائرين وعدم التعدي على حرمة الزائرات طوال وقت الزيارة, والحال اننا في امريكا لو اصبح خلل في الطاقة الكهربائية في واشنطن او نيويورك لكانت مئات حالات الاغتصاب والتعدي والسرقة والخ، ثم قال لي اي شخص ربى هكذا مجتمع؟ فقلت ان الذي رباه شخص اسمه الحسين (عليه السلام)).

فهذا البناء العملي الامني يعطينا دروسا عملية تنفعنا كثيرا في التمهيد للحركة المهدوية المباركة والحفاظ عليها ومراقبة من يسير فيها.

المحور السابع: البناء الاخلاقي

من اهم المبادئ التي ركز عليها التشريع هو خلق ملكات اخلاقية وصفات نفسانية في الفرد والمجتمع، وقد دأب المشرع على التنظير لذلك بعشرات الآيات ومئات الروايات من جهة وارسل ائمة وانبياء بمكارم الاخلاق العظيمة عمليا من جهة اخرى.

وزيارة الاربعين تعتبر من الدروس الاخلاقية العملية التي تكون ملكات اخلاقية من جهة وتكشف عمليا عن مستوانا الاخلاقي ودرجته من جهة اخرى.

ففي زيارة الحسين (عليه السلام) مشياً عدة معطيات اخلاقية نذكرها اجمالا:

  1. الصبر: فان الصبر قيمة اخلاقية عالية اكدت عليها الآيات والروايات واليك جملة منها:

اما الآيات كما في قوله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْ‌ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (28 ).

اما الروایات: فنمها:

ما عن أَبِي بَصِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) يَقُولُ: (…الصَّبْرُ يُعْقِبُ خَيْراً فَاصْبِرُوا وَوَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى الصَّبْرِ تُوجَرُوا)( 29).

وعن حَمْزَةَ بْنِ حُمْرَانَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَالَ: (الْجَنَّةُ مَحْفُوفَةٌ بِالْمَكَارِهِ وَالصَّبْرِ فَمَنْ صَبَرَ عَلَى الْمَكَارِهِ فِي الدُّنْيَا دَخَلَ الْجَنَّةَ وَجَهَنَّمُ مَحْفُوفَةٌ بِاللَّذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ فَمَنْ أَعْطَى نَفْسَهُ لَذَّتَهَا وَشَهْوَتَهَا دَخَلَ النَّارَ)( 30).

وعن أَبِي سَيَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ: (إِذَا دَخَلَ الْمُؤْمِنُ فِي قَبْرِهِ كَانَتِ الصَّلَاةُ عَنْ يَمِينِهِ وَالزَّكَاةُ عَنْ يَسَارِهِ وَالْبِرُّ مُطِلٌّ عَلَيْهِ وَيَتَنَحَّى الصَّبْرُ نَاحِيَةً فَإِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ الْمَلَكَانِ اللَّذَانِ يَلِيَانِ مُسَاءَلَتَهُ قَالَ الصَّبْرُ لِلصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْبِرِّ دُونَكُمْ صَاحِبَكُمْ فَإِنْ عَجَزْتُمْ عَنْهُ فَأَنَا دُونَهُ)(31 ).

فتبين ان الصبر له قيمة معنوية عالية ولها أجر عظيم وأثر بالغ في الدنيا والبرزخ والاخرة.

والمشي في الاربعين وتحمل عناء السفر ووعثائه وما يحدث من صعاب لهو من المصاديق الواضحة للصبر وخصوصا المشي من اماكن بعيدة مع كثرة الزحام والابتلاءات.

 فزيارة الاربعين تعطينا دروساً عملية في الصبر على ما نكره من تحمل الأذى أو الجوع أو الألم أو غيرها والصبر على ما نحب من طاعات.

  1. التواضع: ان سمة التواضع من أهم سمات وفضائل المؤمن, وهي تقع في قبال رذيلة التكبر, وقد وقع التواضع موضوعا للمدح في العديد من الآيات والروايات.

فمن الآیات: قوله تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَماً)( 32) وقوله تعالى: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِین)( 33).

ومن الروايات نذكر رواية واحدة: فی مستدرك الوسائل عن مِصْبَاحُ الشَّرِيعَةِ، قَالَ الصَّادِقُ (عليه السلام): (التَّوَاضُعُ أَصْلُ كُلِّ شَرَفٍ وَخَيْرٍ وَنَفِيسٍ وَمَرْتَبَةٍ رَفِيعَةٍ وَلَوْ كَانَ لِلتَّوَاضُعِ لُغَةٌ يَفْهَمُهَا الْخَلْقُ لَنَطَقَ عَنْ حَقَائِقِ مَا فِي مَخْفِيَّاتِ الْعَوَاقِبِ وَالتَّوَاضُعُ مَا يَكُونُ لِلَّهِ وَفِي اللَّهِ وَمَا سِوَاهُ مَكْرٌ وَمَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ شَرَّفَهُ اللَّهُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ وَلِأَهْلِ التَّوَاضُعِ سِيمَاءُ يَعْرِفُهَا أَهْلُ السَّمَاوَاتِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَأَهْلُ الْأَرْضِ مِنَ الْعَارِفِينَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (وَعَلَى الْأَعْرٰافِ رِجٰالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمٰاهُمْ) وَقَالَ أَيْضاً: (مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّٰهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ) الْآيَةَ. وَأَصْلُ التَّوَاضُعِ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ وَهَيْبَتِهِ وَعَظَمَتِهِ وَلَيْسَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عِبَادَةٌ يَقْبَلُهَا وَيَرْضَاهَا إِلَّا وَبَابُهَا التَّوَاضُعُ وَلَا يَعْرِفُ مَا فِي مَعْنَى حَقِيقَةِ التَّوَاضُعِ إِلَّا الْمُقَرَّبُونَ مِنْ عِبَادِهِ الْمُتَّصِلُونَ بِوَحْدَانِيَّتِهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: (وَعِبٰادُ الرَّحْمٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذٰا خٰاطَبَهُمُ الْجٰاهِلُونَ قٰالُوا سَلٰاماً) وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعَزَّ خَلْقِهِ وَسَيِّدَ بَرِيَّتِهِ مُحَمَّداً صلى الله عليه وآله وسلم بِالتَّوَاضُعِ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: (وَاخْفِضْ جَنٰاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) وَالتَّوَاضُعُ مَزْرَعَةُ الْخُشُوعِ وَالْخُضُوعِ وَالْخَشْيَةِ وَالْحَيَاءِ وَإِنَّهُنَّ لَا يَنْبُتْنَ إِلَّا مِنْهَا وَفِيهَا وَلَا يَسْلَمُ الشَّوْقُ التَّامُّ الْحَقِيقِيُّ إِلَّا لِلْمُتَوَاضِعِ فِي ذَاتِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى)( 34).

وفي المشي الى كربلاء يمر الماشي بتمارين واضحة في التواضع والبساطة، فقد يبات على فراش غير لائق أو يأكل أقل قليل أو يمشي في الطرق الوعرة أو يخدم غيره من الزوار أو يبتدأ بالسلام على من يلاقيه، وهذه كلها من علامات التواضع كما في الرواية، ففی مشكاة الأنوار قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم):‏ (مِنْ رَأْسِ‏ التَّوَاضُعِ‏ أَنْ تَبْدَأَ بِالسَّلَامِ عَلَى مَنْ لَقِيتَ وَتَرُدَّ عَلَى مَنْ سَلَّمَ عَلَيْكَ وَأَنْ تَرْضَى بِالدُّونِ مِنَ الْمَجْلِسِ وَلَا تُحِبَّ الْمِدْحَةَ وَالتَّزْكِيَةَ)(35 ).

كما ان ما يقدمه اصحاب الموكب هو من اعظم صور التواضع فيقومون بفرش الفراش للزوار واطعامهم والسهر على خدمتهم وتوفير كل الامور لهم تواضعا لله وخدمة لعنوان قد تعنونوا به وهو عنوان زائر الحسين.

3ـ الايثار: من الكمالات التي تكشف عن رقي نفس الانسان اتصافه بالايثار و(هو تقديم الطرف الاخر لمصلحته وتفضيله على النفس مراعاة له وتقديمه بمادة (مال مثلاً) أو منفعة أو حق من الحقوق)(36 ).

وقد جاءت الآيات والروايات مادحة لهذه الصفة.

فمن الآيات: قوله تعالى: (وَيُؤْثِرُونَ‏ عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ‏ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) وقوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ)( 37).

ومن الروایات: ما عن عَلِيِّ بْنِ سُوَيْدٍ السَّائِيِّ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى (عليه السلام) قَالَ: (قُلْتُ لَهُ أَوْصِنِي فَقَالَ آمُرُكَ بِتَقْوَى اللَّهِ ثُمَّ سَكَتَ فَشَكَوْتُ إِلَيْهِ قِلَّةَ ذَاتِ يَدِي وَقُلْتُ وَاللَّهِ لَقَدْ عَرِيتُ حَتَّى بَلَغَ مِنْ عُرْيِي أَنَّ أَبَا فُلَانٍ نَزَعَ ثَوْبَيْنِ كَانَا عَلَيْهِ فَكَسَانِيهِمَا فَقَالَ صُمْ وَتَصَدَّقْ فَقُلْتُ أَتَصَدَّقُ مِمَّا وَصَلَنِي بِهِ إِخْوَانِي وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا قَالَ تَصَدَّقْ بِمَا رَزَقَكَ اللَّهُ وَلَوْ آثَرْتَ عَلَى نَفْسِكَ)( 38 ).

عن أبان بن تغلب، قَالَ كُنْتُ أَطُوفُ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) فَعَرَضَ لِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِنَا كَانَ سَأَلَنِي الذَّهَابَ مَعَهُ فِي حَاجَةٍ فَأَشَارَ إِلَيَّ فَكَرِهْتُ أَنْ أَدَعَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) وَأَذْهَبَ إِلَيْهِ فَبَيْنَا أَنَا أَطُوفُ إِذْ أَشَارَ إِلَيَّ أَيْضاً فَرَآهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) فَقَالَ: (يَا أَبَانُ إِيَّاكَ يُرِيدُ هَذَا قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَمَنْ هُوَ قُلْتُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ هُوَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَاذْهَبْ إِلَيْهِ قُلْتُ فَأَقْطَعُ الطَّوَافَ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ وَإِنْ كَانَ طَوَافَ الْفَرِيضَةِ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَذَهَبْتُ مَعَهُ ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَيْهِ بَعْدُ فَسَأَلْتُهُ فَقُلْتُ أَخْبِرْنِي عَنْ حَقِّ الْمُؤْمِنِ عَلَى الْمُؤْمِنِ فَقَالَ يَا أَبَانُ دَعْهُ لَا تَرِدْهُ قُلْتُ بَلَى جُعِلْتُ فِدَاكَ فَلَمْ أَزَلْ أُرَدِّدُ عَلَيْهِ فَقَالَ يَا أَبَانُ تُقَاسِمُهُ شَطْرَ مَالِكَ ثُمَّ نَظَرَ إِلَيَّ فَرَأَى مَا دَخَلَنِي فَقَالَ يَا أَبَانُ أَ مَا تَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ ذَكَرَ الْمُؤْثِرِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ قُلْتُ بَلَى جُعِلْتُ فِدَاكَ فَقَالَ أَمَّا إِذَا أَنْتَ قَاسَمْتَهُ فَلَمْ تُؤْثِرْهُ بَعْدُ إِنَّمَا أَنْتَ وَهُوَ سَوَاءٌ إِنَّمَا تُؤْثِرُهُ إِذَا أَنْتَ أَعْطَيْتَهُ مِنَ النِّصْفِ الْآخَرِ)(39 ).

وفی الاربعین نجد مصاديق الايثار واضحة فان تقديم الاخرين على النفس من اعظم ما يقوم به السائر الى الحسين والخادم في موكب الحسين فيقدم مصلحة الزائر على مصلحة نفسه وراحة الزائر على راحة نفسه وينفق من ماله لكي لا ينفق الزائر من ماله وهكذا، فيتعلم من الزيارة درسا عظيما وهو الايثار.

4ـ التضحية: فان الماشي الى زيارة الحسين يقدم الجهد الجهيد والتضحية بماله او بوقته او بنفسه تضحيته منه لأجل هذه الشعيرة وهذا الدين، وفي ذلك تمرين على التضحية لأجل المبادئ والقيم السامية، وقد اشار الامام الصادق الى ذلك في دعائه لهم: (…اغْفِرْ لِي وَ لِإِخْوَانِي وَ زُوَّارِ قَبْرِ أَبِيَ الْحُسَيْنِ الَّذِينَ أَنْفَقُوا أَمْوَالَهُمْ وَ أَشْخَصُوا أَبْدَانَهُمْ رَغْبَةً فِي بِرِّنَا وَ رَجَاءً لِمَا عِنْدَكَ فِي صِلَتِنَا وَ سُرُوراً أَدْخَلُوهُ عَلَى نَبِيِّكَ وَ إِجَابَةً مِنْهُمْ لِأَمْرِنَا وَ غَيْظاً أَدْخَلُوهُ عَلَى عَدُوِّنَا…وَ أَعْطِهِمْ أَفْضَلَ مَا أَمَّلُوا مِنْكَ فِي غُرْبَتِهِمْ عَنْ أَوْطَانِهِمْ وَ مَا آثَرُونَا بِهِ عَلَى أَبْنَائِهِمْ وَ أَهَالِيهِمْ وَ قَرَابَاتِهِم..) (40 )

  1. العفة: من الصفات التي ركزت عليها الشريعة صفة العفة في البطن والفرج، بل وصفت العفة بانها من افضل العبادات، وجاءت النصوص مبينة لذلك:

فمن القرآن: قوله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ…)( 41)، وقوله تعالى: (وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ…)(42 ).

ومن الروایات: ما عَنْ المُفَضَّلٍ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام): (إِيَّاكَ وَالسَّفِلَةَ فَإِنَّمَا شِيعَةُ عَلِيٍّ مَنْ عَفَّ بَطْنُهُ وَفَرْجُهُ وَاشْتَدَّ جِهَادُهُ وَعَمِلَ لِخَالِقِهِ وَرَجَا ثَوَابَهُ وَخَافَ عِقَابَهُ فَإِذَا رَأَيْتَ أُولَئِكَ فَأُولَئِكَ شِيعَةُ جَعْفَرٍ)(43 ).

فان الزيارة فيها نحو من انحاء الاختلاط وهو وجود الزائرات والزائرين في مكان واحد، وهنا تبرز العفة في التعامل مع الجنس الاخر من خلال غض البصر وحفظ اللسان وحفظ اليد والفرج عن التعدي، ومنع النظرات المحرمة والتزام الحجاب الشرعي والتعامل مع الاخر بانه من المحارم كما ورد في الروايات: صحیح صَفْوَانَ الْجَمَّالِ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَدْ عَرَفْتَنِي بِعَمَلِي تَأْتِينِي الْمَرْأَةُ أَعْرِفُهَا بِإِسْلَامِهَا وَ حُبِّهَا إِيَّاكُمْ وَ وَلَايَتِهَا لَكُمْ لَيْسَ لَهَا مَحْرَمٌ قَالَ: (إِذَا جَاءَتِ الْمَرْأَةُ الْمُسْلِمَةُ فَاحْمِلْهَا فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ مَحْرَمُ الْمُؤْمِنَةِ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِنٰاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيٰاءُ بَعْضٍ)( 44).

لذا ذهب الفقهاء إلى عدم اشتراط المحرم في الحج والزيارة ما دامت المرأة مأمونة على نفسها كما بينت ذلك في بحث مستقل بعنوان (مشي النساء إلى كربلاء)(45 ).

  1. الشجاعة: فان الزيارة تعلم الانسان الشجاعة في اتخاذ الموقف والصبر على الخوف وقوة الاقدام خصوصا مع المنع للزيارة كما كان يحصل ايام الطاغية.

ففيها توطين للنفس على المواجهة والتعدي للموت والقتل والسجن والتعذيب وما هذا الا صور رائعة من صور الشجاعة والاقدام في سبيل المبادئ والقيم الدينية.

لذا وردت الروايات في الحث على الزيارة حتى في مثل هكذا محن وشدائد.

منها:

  1. اجر من حبس في طريق الحسين (عليه السلام): في الوسائل عن هشام بن سالم قال: قُلْتُ للإمام الصادق (عليه السلام): (فَمَا لِمَنْ حُبِسَ فِي إِتْيَانِهِ قَالَ لَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ يُحْبَسُ وَ يَغْتَمُّ فَرْحَةُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ)( 46).
  2. أجر من ضرب بطريق الحسين (عليه السلام): في مستدرك ‏الوسائل في حديث طويل لهشام عن الصادق قُلْتُ: (فَإِنْ ضُرِبَ بَعْدَ الْحَبْسِ فِي إِتْيَانِهِ قَالَ لَهُ بِكُلِّ ضَرْبَةٍ حَوْرَاءُ وَ بِكُلِّ وَجَعٍ يَدْخُلُ عَلَيْهِ أَلْفُ أَلْفِ حَسَنَةٍ وَ يُمْحَى بِهَا عَنْهُ أَلْفُ أَلْفِ سَيِّئَة)( 47).
  3. أجر من مات في طريق الحسين (عليه السلام): في بحار الأنوار: (…فَإِنْ هَلَكَ فِي سَفَرِهِ نَزَلَتِ الْمَلَائِكَةُ فَغَسَّلَتْهُ وَفُتِحَ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ يَدْخُلُ عَلَيْهِ رَوْحُهَا حَتَّى يُنْشَرَ وَإِنْ سَلِمَ فُتِحَ الْبَابُ الَّذِي يَنْزِلُ مِنْهُ رِزْقُهُ فَجُعِلَ لَهُ بِكُلِّ دِرْهَمٍ أَنْفَقَهُ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَذُخِرَ ذَلِكَ لَهُ فَإِذَا حُشِرَ قِيلَ لَهُ لَكَ بِكُلِّ دِرْهَمٍ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى نَظَرَ لَكَ وَذَخَرَهَا لَكَ عِنْدَهُ)(48).
  4. أجر من قتل في طريق الحسين (عليه السلام): حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) فِي حَدِيثٍ لَهُ طَوِيلٍ قَالَ: (أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ هَلْ يُزَارُ وَالِدُكَ قَالَ فَقَالَ نَعَمْ إِلَى أَنْ قَالَ قُلْتُ فَمَا لِمَنْ قُتِلَ عِنْدَهُ جَارَ عَلَيْهِ سُلْطَانٌ فَقَتَلَهُ قَالَ أَوَّلُ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهِ يُغْفَرُ لَهُ بِهَا كُلُّ خَطِيئَةٍ وَتُغْسَلُ طِينَتُهُ الَّتِي مِنْهَا خُلِقَ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تَخْلُصَ كَمَا خَلَصَتْ لِلْأَنْبِيَاءِ الْمُخْلَصِينَ وَيَذْهَبُ عَنْهَا مَا كَانَ خَالَطَهَا مِنْ أَجْنَاسِ طِينِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَيُغْسَلُ قَلْبُهُ وَيُشْرَحُ صَدْرُهُ وَيُمْلَأُ إِيمَاناً فَيَلْقَى اللَّهَ وَهُوَ مُخْلَصٌ مِنْ كُلِّ مَا تُخَالِطُهُ الْأَبْدَانُ وَالْقُلُوبُ)(49).

فان هذه مراكز تدريب ميدانية على الشجاعة والاقدام وعدم التهيب من الاعداء والطغاة فتكون من أهم وسائل الاعداد الجهادي لأنصار الامام الحجة (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف).

  1. الموالاة والبراءة:

من المفاهيم العقائدية التي ركزها آل البيت (عليهم السلام) في نفوس اتباعهم مفهوم الولاء لأولياء الله تعالى والبراءة من أعداء الله تعالى، وهو أن تجعل حبك ومودتك وطاعتك لأولياء الله تعالى وبغضك وعصيانك لأعداء الله تعالى، وهذان المفهومان لهما تأثير على المستوي العقدي فلا إيمان حقيقي إلَّا بهما، وعلى المستوى العملي فلا قبول بل لا صحة للعمل ــ على خلاف ــ إلَّا بهما, وهذا ما اشارت له الكثير من الآيات والروايات.

فمن الآيات: وقوله تعالى: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشيرَتَهُمْ…)( 50).

وقوله تعالى: (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ في‏ شَيْ‏ءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاة…)(51 ).

ومن الروايات:

عَنْ سَعِيدٍ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ: (مِنْ أَوْثَقِ عُرَى الْإِيمَانِ أَنْ تُحِبَّ فِي اللَّهِ وَتُبْغِضَ فِي اللَّهِ وَتُعْطِيَ فِي اللَّهِ وَتَمْنَعَ فِي اللَّهِ)(52 ).

وعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ: (كُلُّ مَنْ لَمْ يُحِبَّ عَلَى الدِّينِ وَ لَمْ يُبْغِضْ عَلَى الدِّينِ فَلَا دِينَ لَهُ)(53 ).

وعن أَبِي مُحَمَّدٍ الْعَسْكَرِيِّ عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام) قَالَ: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ ذَاتَ يَوْمٍ يَا عَبْدَ اللَّهِ أَحْبِبْ فِي اللَّهِ وَأَبْغِضْ فِي اللَّهِ وَ وَالِ فِي اللَّهِ وَعَادِ فِي اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا تَنَالُ وَلَايَةَ اللَّهِ إِلَّا بِذَلِكَ وَلَا يَجِدُ رَجُلٌ طَعْمَ الْإِيمَانِ وَإِنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ وَصِيَامُهُ حَتَّى يَكُونَ كَذَلِكَ وَقَدْ صَارَتْ مُوَاخَاةُ النَّاسِ يَوْمَكُمْ هَذَا أَكْثَرَهَا فِي الدُّنْيَا عَلَيْهَا يَتَوَادُّونَ وَعَلَيْهَا يَتَبَاغَضُونَ وَذَلِكَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً فَقَالَ لَهُ وَكَيْفَ لِي أَنْ أَعْلَمَ أَنِّي قَدْ وَالَيْتُ وَعَادَيْتُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَنْ وَلِيُّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى أُوَالِيَهُ وَمَنْ عَدُوُّهُ حَتَّى أُعَادِيَهُ فَأَشَارَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) إِلَى عَلِيٍّ (عليه السلام) فَقَالَ أَتَرَى هَذَا فَقَالَ بَلَى قَالَ وَلِيُّ هَذَا وَلِيُّ اللَّهِ فَوَالِهِ وَعَدُوُّ هَذَا عَدُوُّ اللَّهِ فَعَادِهِ وَالِ وَلِيَّ هَذَا وَلَوْ أَنَّهُ قَاتِلُ أَبِيكَ وَوَلَدِكَ وَعَادِ عَدُوَّ هَذَا وَلَوْ أَنَّهُ أَبُوكَ وَوَلَدُكَ)( 54 ).

وزيارة الاربعين مصداق واضح لتقوية الولاء لآل البيت (عليهم السلام) والبراءة من اعدائهم وخصوصا اذا اكتنفها الشعارات الدالة على ذلك مما يعزز العنصرين المهمين في عقيدة الانسان الحقة وعمله المقبول, وهذا التولي والتبري يفعله زوار الحسين (عليه السلام) من خلال احياء الشعائر التي يمارسوها في شعيرة الاربعين استجابة لأمر آل البيت (عليهم السلام) وغاضة لأعدائهم، الروايات تشير لذلك، منها: عن معاوية بن وهب عن الصادق (عليه السلام): (…اغْفِرْ لِي وَلِإِخْوَانِي وَزُوَّارِ قَبْرِ أَبِيَ الْحُسَيْنِ الَّذِينَ أَنْفَقُوا أَمْوَالَهُمْ وَأَشْخَصُوا أَبْدَانَهُمْ رَغْبَةً فِي بِرِّنَا وَرَجَاءً لِمَا عِنْدَكَ فِي صِلَتِنَا وَسُرُوراً أَدْخَلُوهُ عَلَى نَبِيِّكَ وَإِجَابَةً مِنْهُمْ لِأَمْرِنَا وَغَيْظاً أَدْخَلُوهُ عَلَى عَدُوِّنَا…)(55 ).

وفي هذه الصور الولائية البرائية عدَّة أمور:

  1. ايصال رسالة الى العالم اجمع باننا سائرون على هذا النهج الذي رسمه آل البيت (عليهم السلام) وخصوصا الإمام الحسين (عليه السلام) في رفض الظلم والدفاع عن عقيدة الامة واصلاحها ولو كلف ذلك الحياة.
  2. ايصال رسالة باننا رافضون للنهج التكفيري والاموي المستبيح للنفوس والاعراض والاموال لاغراض سلطوية ودنيوية وان هذا النهج لابد ان يحار كي لا يتكرر في التاريخ.
  3. ايصال رسالة للعالم بان مذهب آل البيت (عليهم السلام) هو مذهب الاعتدال والانسانية والاصلاح وان معيار موالاة اهل طاعة الله تعالى وبغض اهل معصية الله تعالى وسيلة لاصلاح العباد والبلاد وردع للظالمين وتقوية للمومنين، وان الناس لا تقاس على اساس العرق او اللون او القرابة وانما على اساس الايمان والتقوى والولاء لله تعالى واولياءه والبراءة من الشيطان واتباعه من الجن والانس.

وغيرها.

  1. التدرب على التعايش السلمي مع الاخر.

من اهم الاشكاليات التي تواجه الامم والديانات هو التدرب على التعايش السلمي مع الاخرين، وكيفية التعامل معهم وعدم الغائهم فكريا او معنويا او حتى ماديا، وهذا ما تسعى لتحقيقه المنظمات الدولية وخصوصا الامم المتحدة، وتجعل برامجا لذلك، وتعمل على نفي الصراعات ونشوء حركات وتوجهات تدعوا للقتل والتقاتل كالحركات النازية او الشعوبية او الوهابية او ما تمخض عن ذلك كداعش والقاعدة والنصرة واخواتهن.

وهذا ما جاء به الدين الحنيف من رسم علاقتك مع الاخر وان اختلف معك في المذهب او العرق او الدين على اسس لا تكفير فيه ولا قتل فيها الا اذا بادرك للحرب والحرابة او تعدى على مقدساتك ومعتقداتك، بل الاسلام رسم لنا نمطا في التعاطي مع الاعداء فضلا عن غيرهم( 56 ).

فأمير المؤمنين (عليه السلام) حدد مجمل علاقتك بالناس من خلال العهد المبارك ــ عهد مالك الاشتر ــ والذي هو برنامج اساسي للعلاقات الداخلية والخارجية، والذي منه: (وأشعر قلبك الرحمة للرعيّة، والمحبّة لهم، واللطف بهم، ولا تكوننّ عليهمسبعا ضاريا تغتنم أكلهم، فإنّهم صنفان: إمّا أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق، يفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ، فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحبّ وترضى أن يعطيك اللّه من عفوه وصفحه، فإنّك فوقهم، ووالي الأمر عليك فوقك، واللّه فوق من ولّاك…)(57).

والزيارة بهذه السعة المليونية تعتبر موسما للانفتاح على حضارات ولغات وثقافات من كل العالم وذلك يجعلنا نكتسب خبرة عالية مع التعامل مع الاخر حتى مع اختلافنا معه في اللون او القومية او الثقافة او البلد او المذهب او حتى الدين.

  1. إلغاء الطبقية والتعالي والتكبير.

فان من اهم الامراض التي تنسف بالمجتمعات هو بروز الطبقية بين افراده مما ينتج التعالي والتكبر واستعباد الاخرين بسبب السلطة او المال او الجاه، فيحتاج الانسان ما يكسر جموح النفس ويضعف هذه الصفات، ولعل اهم ما يعمل على ذلك هو التعاطي العملي والسيرة العملية مع افراد المجتمع، وموسم الاربعين انما هو درس عملي لإلغاء التكبر والتعالي, خصوصا ما يمارسه اصحاب المواكب من الغاء الذات والتواضع وتقديم الخدمات بتفاني لكل الناس، فترى الكبير يخدم الصغير والغني يخدم الفقير بل ورب العمل يخدم عماله كما اشرنا في ما مر من نقطتي التواضع والايثار.

  1. الشعور بالمسؤولية.

ان تحمل المسؤوليات من اهم المقومات لصناعة الانسان وكلما كانت المسؤوليات اكبر كانت الصناعة اقوى لأنها سوف تدخل في كبرى ان الابتلاء مدرسة لصناعة العظماء.

فتبرز امامنا مسؤولية عظمى نسأل عنها يوم القيامة وهي نعيم آل البيت (عليهم السلام) الذي يجب علينا أداء حقه وابراز الصورة الحقيقية لما هم عليه من اخلاق وقيم ومعارف.

ففي رواية المحاسن: (…ذَكَرْتُ الْآيَةَ الَّتِي فِي كِتَابِ اللَّهِ (لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام) لَا إِنَّمَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ)( 58 ).

في المحاسن عن أَبِي حَمْزَةَ قَالَ كُنَّا عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) جَمَاعَةً فَدَعَا بِطَعَامٍ مَا لَنَا عَهْدٌ بِمِثْلِهِ لَذَاذَةً وَطِيباً حَتَّى تَمَلَّيْنَا وَأُتِينَا بِتَمْرٍ يَنْظُرُ فِيهِ إِلَى وُجُوهِنَا مِنْ صَفَائِهِ وَحُسْنِهِ فَقَالَ رَجُلٍ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ عَنْ هَذَا النَّعِيمِ الَّذِي نُعِّمْتُمْ عِنْدَ ابْنِ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام): (اللَّهُ أَكْرَمُ وَأَجَلُّ مِنْ أَنْ يُطْعِمَكُمْ طَعَاماً فَيُسَوِّغَكُمُوهُ ثُمَّ يَسْأَلَكُمْ عَنْهُ وَلَكِنَّهُ أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله وسلم))(59 ).

فان هذه الزيارة تدعونا الى تحمل المسؤولية الدينية في ايصال رسالة عامة لكل العالم باننا مجتمع يملك من الصفات والمقومات الحضارية والاجتماعية والتربوية والادارية العالية.

فهي فرصة لبيان الاسلام المحمدي العلوي الناصع من خلال عكس الصورة الحقيقية للمذهب، لا كما ينقل بعض عن تخلف الاسلام والمسلمين من خلال عكس صورة لأناس يدعون انتحالهم للإسلام والاسلام براء منهم كبعض الحركات السلفية والوهابية وبعض الدول المتخلفة دينيا وقيميا والمتحللة اخلاقيا وتربويا، وان تلك الفئات لا تمثل الاسلام.

والخلاصة:

ان هذه الصفات والمميزات هي تدريب عملي وتمهيد حقيقي لخلق انسان الظهور وما بعد الظهور، فالزيارة مدرسة اخلاقية كبيرة لشخصية الظهور المهدوي المبارك.

خصوصا وان هذا البناء ليس بناء تنظيريا فحسب بل هو بناء عملي كبير يخلق روحا سامية مؤهلة لمرحلة الظهور وما بعده.

المحور الثامن: المحور العسكري

ان المؤسسة العسكرية لا تقاس بقوة تسليحها فقط وانما الاهم فيها هو وجود الموارد البشرية فيها، خصوصا الموارد البشرية الشابة والتي لها استعداد عالي للتضحية والفداء والاباء.

وزيارة الاربعين لهي من اهم موارد بناء الشباب المهدوي العسكري المقاوم والمضحي، ولعل تجربة مقاومة الاحتلال الامريكي للعراق وتجرية الحشد الشعبي في العراق من اكبر الشواهد على ذلك فان من اهم ما بنى هذه الشخصيات الشابة والمضحية التي تتحدى الصعاب وتواجه اشرس الاعداء مع قلة العدة والعدد هو حضور شخصية الحسين عليه السلام بين ظهراننا والتي تبرز في مواسم منها موسم الزيارة، فتكون الشخصية الحسينية صانعة لشخصية مهدوية.

فما سطره الابطال في ساحات القتال من تضحيات لم يكن وليد اللحظة بل هو صناعة حسينية بمستقبل مهدوي، لذا كانت شعاراتهم في المعركة هي شعارات الحسين والعباس والاكبر و… وتحركاتهم وتطلعاتهم تطلعات مهدوية ثائرة تعد لعصر الظهور.

فالتضحية ــ بالنفس بالمال بالراحة ــ لأجل الغير ولأجل المبدأ ولأجل الدين ولأجل الاسلام ولأجل المقدسات ولأجل العزة انما هي دروس تعلمناها من مدرسة الحسين ومن شعائر الحسين، ربطت بالموعود ومستقبل العالم الذي يقوده الامام المهدي.

فهناك جيش عالمي قد تم اعداده سابقا وخاض التجارب في عدة دول ونجح نجاحات باهرة قد يكون هو نواة من جيش المهدي المنتظر (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)، وزيارة الاربعين هي الرافد الاساسي لهذا الجيش القادم الذي يقوده صاحب الامر (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) نحو تحقيق العدل والقسط والسلام.

المحور التاسع: المحور الاعلامي

من العادات الجارية لدى القوى السياسية او غيرها استعراض جماهيرها من خلال مظاهرات او تجمعات او احتفالات او مناورات او غيرها، وذلك لإيصال رسالة الى الاخر بان لنا جماهير ونحن اقوياء من باب (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ)(60 ) كل بحسب موقعه وعمله وقدرته.

والمؤمنون بالقضية المهدوية لابد لهم من ذلك ايضا، وما يحصل من تجمع مليوني ليس له نظير وبشكل عفوي وبتنظيم ذاتي وبتمويل شخصي لهو اعظم صور الاستعراض الاعلامي للجمهور المومن، فالشعيرة الاربعينية ليست عبادة فردية فحسب بل اصبحت ذات طابع يحوي عبادة جماعية كشعائر الحج وصلاة الجمعة، وهذا يعطي اهمية كبرى وثراء معنويا وانفجارا اعلاميا يوصل رسالة واضحة للجميع (… باننا حسينيون… باننا ممهدون… باننا مؤمنون… باننا اقوياء… باننا منظمون… باننا متكافلون… باننا مصلحون… وهكذا).

خصوصا اذا عكسنا الصورة التي اراد لنا ال البيت عكسها للإنسانية وان الدين الاسلامي هو الخاتم وان المهدي هو المخلص وانه لا نجاة الا به.

فيبرز لنا أمور:

  1. تحقيق منجز عددي وان جماهيرنا مليونيه وبتزايد كل عام بحيث لا يسع المكان الجمهور.
  2. تحقيق منجز نوعي بان جماهيرنا مؤمنة وقوية ومخلصة ومطيعة لله ورسوله واله.
  3. تحقيق منجز دولي بان زيارتنا دولية وليست اقليمية او قطرية اذ يأتيها الناس من كل فج عميق.
  4. تحقيق منجز حضاري باننا منظمون ولا يتعدى بعضنا على بعض طوال ايام الزيارة.
  5. تحقيق منجز تعارفي بين لغات مختلفة وثقافات متعددة وقوميات متنوعة لتبادل الخبرات والهموم والمشكلات ومعالجة الاوضاع والشعور بالأخر.

وهكذا منجزات جعلت الغرب يقول على لسان احد العلماء الغربيين: (لو قدر لقائد ان ينهض بهكذا جماهير لاحتل العالم كله).

المحور العاشر: المحور التمريني والتدريبي

ان الانسان بطبعة يميل الى الدعة والراحة وعدم الدخول بالصعاب، فاذا مر بصعوبات قد يودي به الى الضعف او الانهيار او ترك المبادي او التخلي عن بعضها، لذا يحتاج الى دورة تدريبية لرفع ذلك.

وموسم الزيارة مع طول المسافات وكثرة الصعوبات وشدة الابتلاءات ــ خصوصا مع البرد القارص او الحر الشديد او الخوف من الظالم كما في عهد النظام المقبور ــ لهو مركز تدريبي عام وشامل لتحمل انواع الصعاب والمحن والثبات على المبدأ الذي رسمه ال البيت (عليهم السلام).

فالزيارة تمثل مركزا لتدريب المومن للاستعداد والاعداد لعصر الظهور فيدخل ذلك في الاعداد للمهدي والنهوض معه في ثورته العالمية وتحمل الصعاب، فلا يتفاجئ اذا ما بلي بصعوبة او شدة بل يواجهها بعزم حسيني ومستقبل مهدوي.

فهذه الصعوبات والزلازل والمحن التي يمر بها المومن ما هي الا تقوية لصلبه وتمرينا له لمواجهة العدو.

فالزيارة الاربعينية ورشة عمل معمقة لصناعة الشخصية المهدوية للظهور وما بعده.

المحور الحادي عشر: المحور التكافلي

من العناصر المهمة في الشخصية الممهدة للظهور وجود روح التكافل والايثار في تلك الشخصية، ومن اهم سبل تحقيق هذا البناء هو التدرب على التكافل ومساعدة الاخرين وايثار راحة الاخرين على راحة النفس حتى مع التعب والخصاصة، والمشي في زيارة الاربعين هو موسم تكافلي عظيم حيث ان الخدمات تقدم مجانا بلا منة ولا ضجر بل بفرحة وبهجة، ولعل التكافل الذي يقدمه اصحاب المواكب من اعظم صور التكافل والخدمة، وهذا واضح بالوجدان لكل من مشى للزيارة, وكذلك روح الايثار والمساعدة بين الزائرين وعطف الكبير على الصغير وتوقير الصغير للكبير ومساعدة الرجل للمرأة والعكس وهكذا.

والتكافل والايثار له صور:

منها:

التكافل والايثار بالطعام ولو بقيت جائعا.

التكافل والايثار بالمبيت ولو بقيت سهرانا.

التكافل والايثار بالفراش والغطاء.

التكافل والايثار حال الرجوع من خلال اعطاء مقعدك لغيرك والبقاء واقفا.

التكافل والايثار بتفضيل راحة الاخرين على راحة النفس.

وهكذا غيرها من الصور.

المحور الثاني عشر: البناء السياسي

ان زيارة الحسين (عليه السلام) موسم مهم لاستذكار مبادئ ثورته ومنها المبدأ السياسي وهو البراءة من الظالمين والثورة عليهم وخلق ارادة سياسية صادقة لدى المؤمن للتغيير والخروج على الظالمين والاستعداد لذلك تحت قيادة الامام الحجة (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) كي يعز الاولياء ويذل الاعداء ويملئها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، كما انها رفض للاتجاه السياسي المستبد وان تلبس بلبوس الدين وادعى النيابة عن المسلمين، وكذلك رفض للسياسة الداعية الى الخضوع والتذلل للقوى العالمية المستبدة تحت ذريعة سياسة الامر الواقع ومداهنة الاعداء مما يضيع معالم الدين و العباد والبلاد.

فاستذكار شعارات الحسين (عليه السلام) في الثورة كخطابه: (أيُّهَا النَّاسُ! إنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ قَالَ: مَنْ رَأى سُلْطَانَاً جَائِراً مُسْتَحِلَّا لِحُرُمِ اللهِ نَاكِثاً لِعَهْدِ اللهِ مُخَالِفاً لِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ، يَعْمَلُ فِي عِبَادِ اللهِ بِالإثم وَالعُدْوَانِ، فَلَمْ يُعَيِّرْ عَلَيْهِ بِفِعْلٍ وَلَا قَوْلٍ، كَانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أنْ يُدْخِلَهُ مَدْخَله)(61 )ـ يكون حافزا كبيرا للاستعداد السياسي والتمهيد السياسي للإمام الحجة (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) من خلال نشر الافكار الدالة على ان الامام هو المخلص السياسي من ظلم الدول الجائرة.

وبذلك تنخلق ارادة سياسية لدى الامة المؤمنة تحفز المومن للالتحاق بالشخصية المنقذة والبراءة من الامة الظالمة والقاتلة والراضية بذلك كما ورد في الزيارة: (لَعَنَ اللَّهُ أُمَّةً قَتَلَتْكَ وَلَعَنَ اللَّهُ أُمَّةً ظَلَمَتْكَ وَلَعَنَ اللَّهُ أُمَّةً خَذَلَتْكَ وَلَعَنَ اللَّهُ أُمَّةً خَدَعَتْكَ)( 62).

خصوصا اذا كانت الزيارة مقترنة ببعض النصوص التي تشير الى نصرة ال البيت وخاتمهم الامام الحجة (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) كما في الزيارة: (اللَّهُمَّ أَنْتَ مَنَنْتَ عَلَيَّ بِزِيَارَةِ مَوْلَايَ وَوَلَايَتِهِ وَمَعْرِفَتِهِ فَاجْعَلْنِي مِمَّنْ تَنْصُرُهُ وَتَنْصُرُ بِهِ [يُنْتَصَرُ بِهِ وَ يَنْصُرُهُ] وَمُنَّ عَلَيَّ بِنَصْرِكَ لِدِينِكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)(63 ).

وبالأخص الاستعداد للنصرة الوارد في زيارة عاشوراء: (فَأَسْأَلُ اللَّهَ الَّذِي أَكْرَمَ مَقَامَكَ أَنْ يُكْرِمَنِي بِكَ وَيَرْزُقَنِي طَلَبَ ثَارِكَ مَعَ إِمَامٍ مَنْصُورٍ مِنْ آلِ محمد)( 64).

فزيارة الاربعين كفيلة بهكذا بناء سياسي للمجتمع المهدوي الذي يأبى الظلم والضيم ويثور على الظالمين والمعتدين ولا يداهن المنحرفين والمستبدين وان علوا وتغطرسوا.

هذا ما اردنا ذكره من محاور وهناك محاور اخرى قد تظهر للمتتبع لم نذكرها دفعا للإطالة.

النتيجة :

ان زيارة الاربعين فيها عظيم البركات في كل المستويات المادية والمعنوية، ومن اعظم البركات دور و اهمية هذه الزيارة المليونية في الاعداد العملي للظهور وصناعة شخصيات الظهور ومجتمعه, فحري بنا ان نجعل تلك الزيارة منارا لنا للتمهيد وانطلاقة للانتظار الحقيقي الخالص للإمام (عليه السلام) فنكون منن اسهم في تعجيل الظهور المهدوي المقدس ببركة الزيارة الحسينية المقدسة فنحظى بالنصر الالهي التام على اعداء الله تعالى ورسوله واله (صلوات الله تعالى عليهم أجمعين) ويأخذ المهدي (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) بثأر جده الحسين (عليه السلام) ممن قتلوه وسلبوه وسبوا عياله، ويعز الاولياء ويذل الاعداء ويظهر الدين ولو كره الكافرون، انهم يرونه بعيدا ونراه قريبا.

……………….

([1]) مثير الاحزان: ص 4.

([2]) الاحتجاج: ج2 ص300.

([3]) بحار الانوار: ج45 ص7.

([4]) مثير الاحزان: ص24.

(5) ابن بابويه، على بن حسين، الإمامة و التبصرة من الحيرة ص 21.

([6]) كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر ؛ ص 281 ما روي عن ال البيت عليهم السلام متواترا في ان عدة اصحاب الامام الحجة (313): منها ما روي: (… يَجْتَمِعُ إِلَيْهِ مِنْ أَصْحَابِهِ عَدَدُ أَهْلِ‏ بَدْرٍ ثَلَاثُمِائَةٍ وَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَقَاصِي الْأَرْضِ وَ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ‏ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ فَإِذَا اجْتَمَعَتْ لَهُ هَذِهِ الْعِدَّةُ مِنْ أَهْلِ الْإِخْلَاصِ أَظْهَرَ أَمْرَهُ فَإِذَا أُكْمِلَ لَهُ الْعَقْدُ وَ هِيَ عَشَرَةُ ألف [آلَافِ‏] رَجُلٍ خَرَجَ بِإِذْنِ اللَّهِ فَلَا يَزَالُ يَقْتُلُ أَعْدَاءَ اللَّهِ حَتَّى يَرْضَى اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى‏…).

([7]) المصدر السابق. وقد بحثت ذلك في بحث مستقل قد يطبع لاحقا.

([8]) العنكبوت: 45.

([9]) الكافي: ج3 ص265.

([10]) الجعفريات: ص 33.

([11]) المصدر السابق.

([12]) المصدر السابق.

([13]) الكهف: 46.

([14]) الانفال: 28.

([15]) راجع (بحار الانوار) ج 69 ص 57 وما بعدها حيث وازن بين اشكالية كون المال فتنة وكونه زينة.

([16]) الكافي: ج2 ص635.

([17]) المصدر والصفحة.

([18]) المصدر ص236.

([19]) راجع (آداب العشرة في الوسائل) أو غيرها من الموسوعات الحديثية.

([20]) القصص: 4.

([21]) للمزيد يراجع العدد 2 مجلة الموعود ص 295.

([22]) وسائل الشيعة: ج16 ص203.

([23]) المصدر ص247.

([24]) البقرة: 155 ـ 157.

([25]) الكافي: ج2 ص89.

([26]) المصدر والصفحة.

([28]) البقرة: 155 ـ 157.

([29]) الكافي: ج2 ص89.

([30]) المصدر والصفحة.

([31]) المصدر ص 90.

([32]) الفرقان: 63.

([33]) الحجر: 88.

([34]) مستدرك الوسائل: ج11 ص298.

([35]) الطبرسى، مشكاة الأنوار في غرر الأخبار ص 200.

([36]) الايثار في النظومة الخلقية ( العباس نموذجا).

([37]) الحشر: 9.

([38]) الكافي: ج4 ص 18.

([39]) المصدر ج 2 ص 171.

([40]) المصدر ج 4 ص 582.

([41]) المؤمنون: 5.

([42]) الاحزاب: 35.

([43]) الكافي: ج 2 ص 233.

([44]) من لا يحضره الفقيه: ج2 ص 439.

([45]) مشي النساء الى كربلاء مجلة الاصلاح الحسيني العدد 5.

([46]) ج 14 ص 442.

([47]) ج10 ص 279.

([48]) ج  45  ص 172.

([49]) كامل الزيارات ص 123

([50]) المجادلة 22.

([51]) ال عمران 28

([52]) الكافي ج 2 ص125

([53]) المصدر ص 127

(54]) بحارالأنوار   ج66 ص  236 .

([55])المصدر ج 4 ص 582

([56]) راجع بحث (نمط التعاطي مع الاعداء) بحث نشرته في مجلة المنهج العدد 2.

([57]) نهج البلاغة عهد مالك الاشتر.

([58]) المحاسن: ج 2 ص 400.

([59]) ج 2 ص 400

([60]) الانفال: 60 .

([61]) بحار الانوار: ج78 ص128.

([62]) كامل الزيارت: ص43.

([63]) المصدر ص45.

([64]) المصدر.

الشيخ محمد رضا الساعدي

————————-

المقالات المنشورة بأسماء أصحابها تعبر عن وجهة نظرهم ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع

————————–

مقالات ذات صلة