خاص شفقنا-بيروت-لم تكن كربلاء مجرد ثورة ينطفىء فتيل شعلتها حين ينجلي غبار المعركة عن مكان حصولها، بل كانت نهضة متكاملة اعتبرت كمدرسة تعلم الشعوب والقلوب كيف تنتفض وتكسر قيود الظلم والاضطهاد وتثبت للعالم أجمع إمكانية أن ينتصر الدم على السيف وأن يشكل هذا الدم سيل جارف يقتلع المستبدين والحكام المتغطرسين من اماكنهم ويرميهم في مزابل التاريخ.
كربلاء جسدت معاني رفع الظلم والتحرر
وللحرية والتحرر مفاهيم عديدة ومتنوعة لكنها مختلفة عندما تأتي كثورة لتغير الواقع المتردي و لا يشعر بها سوى الإنسان المتحرر الذي يسعى للتغيير نحو الافضل ولا يمنحها سوى قائد وملهم اكتسب كل قيم الأخلاق والتحرر من عبودية نفسه وأنكر ذاته لأجل ان يحرر الآخرين ويصبح قدوة و شعلة تنير دروب المستضعفين. وكل تلك الصفات كان لها قائد وثوري واحد جسدها في ملحمة الحرية الخالدة ملحمة عاشوراء ذلك القائد هو الإمام الحسين(ع) الذي منح الحرية وعرفها للجميع بمعناها الصحيح والخالي من الشعارات؛ وفي هذا السياق أكد مدير عام التبليغ الديني في دار الافتاء الجعفري الشيخ منير ملحم أن “كربلاء وما حصل فيها من احداث جسدت معاني رفع الظلم والتحرر من قيود العبودية”، مشيرا إلى ان ” الإمام الحسين نهض إمتثالا لقول الباري عز وجل “وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” وهذا يظهر أنه آثر رضا الله تعالى على رضا الطاغوت رغم ما كان متاح له من متاع الدنيا والمتمثلة بالإغراءات المقدمة من قبل يزيد مقابل قعوده عن الجهاد في سبيل التحرر من أواصر العبودية والطاغوت”.
استشهاد الإمام أحدث تغيرا وتصحيحا
وتتطلب كل حركة إصلاحية ثلاثة مرتكزات مهمة لتحقق نجاحها وهي: المنهج الإصلاحي الواضح المعالم ، القيادة المصلحة التي تتبنى المنهج ، الأمة التي تلتف حول القيادة لتسير معها حتى النهاية ، وهذه المرتكزات اوجدها الإمام الحسين في شخصيته وفي كل لحظات ثورته التي ساهمت كربلاء والتضحيات التي بذلت فيها في إيقاظ الامة الإسلامية وإستنهاض الغافلين من ثباتهم خصوصا أن واقعة كربلاء وما جرى على الامام وعلى اهل بيته كان حدثا عظيما ووقعه كان كبير جدا، ومن هنا يقول الشيخ ملحم أنه “عند النظر في مسار الرسالات السماوية والسلسلة التكاملية للأديان السماوية نجد أن الله عز وجل وللحفاظ على صحة وصوابية هذا المسار وهذه السلسلة أرسل رسله تترا كما تذكر الاية الكريمة ” ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَىٰ” يعني بالتعاقب وذلك لكي يتم تصحيح وتقويم الإعوجاج الطارئ على الرسالة السابقة”، لافتا إلى أن “إستشهاد الإمام “ع” ومن معه أحدث تغييرا وتصحيحا تمثل بتوالي الثورات المطالبة بالثأر للحق ولرفع الظلم والتحرر من الطاغوت إضافة إلى أنها أحدثت أيضا تغيرات في جميع المجتمعات المظلومة وشكلت دافعا لمن أراد أن يحدث تغيرا لأن كربلاء ستبقى مدرسة للأحرار ما بقي الليل والنهار”.
لرفع الظلم على الشعوب قراءة عاشوراء
ومما لا شك فيه أن النهضة الحسينية هذه المدرسة الغنية بالمفاهيم والعبر يمكن لها أن تعتبر مسارا منيرا، كل من سلكه وجد نفسه في جبهة الدفاع عن الحق ومقارعا عنيدا وقويا للظلم والجور، وانطلاقا من هنا يعتبر الشيخ ملحم أن “بعد قراءة كربلاء والنظر الى ما حصل فيها ودراستنا لما وقع في هذه البقعة المباركة من الأرض رسالتنا إلى سائر الشعوب المظلومة والمضطهدة سواء في المنطقة العربية وغيرها تتمثل في أن هذه الشعوب إذا أرادت أن ترفع الظلم والإضطهاد عن مجتمعها عليها قراءة عاشوراء كما قرأناها نحن وعليها قراءتها لتستشف منها أن بذل الأرواح الطاهرة في سبيل محاربة الفساد ومجابهة الطاغوت وسلاطين الظلم هو أمر واجب و هو الطريق الوحيد لخلاص الشعوب والمجتمعات من الجور والظلم والله تعالى ناصرهم حتى مع قلة العدد كما يخبرنا الكتاب العزيز “ولقد نصركم الله ببدر وانتم اذلة” ،”وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة”.
وختم الشيخ ملحم بالدعوة إلى التمسك أكثر فاكثر بثورة الإمام الحسين وبالدروس التي تنبثق عن هذه الثورة المباركة في كيفية رفع الظلم و الجور عن مجتمعنا”، مضيفا أنه “طالما نحن نريد أن نكون من المفلحين في الدنيا والآخرة عند الله تعالى لا بد لنا أن نتمسك بواجب وفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر امتثالا واقتداءا بإمامنا إمام الأحرار والأبرار الإمام الحسين ع”.
إذا الحديث عن الامام الحسين (ع) ليس مجرد سرد تاريخي لقضية احتلت مرتبة الصدارة في صحف التاريخ البيضاء، بل هو حديث عن أروع الأمثلة المقدمة للبشرية في الدفاع عن الحقوق المغتصبة، وكان الإمام وثورته نظام لفعل الخير وإرشاد الناس لما ينفعهم و ما يضرهم ولكن بطرق الإنسانية الصحيحة وبعيدا عن كل مؤثرات الدنيا وزخرفها وهذا هو جادة الصواب في قيادة الأمة نحو صلاحها ونجاحها في الدين والدنيا.
مهدي سعادي