شفقنا العراق-يتبادر للذهن عند ذكر الجدل، انها مباراة كلامية لا طائل من ورائها، في حين جاء معنى الجدل قديما (فن القاء الاسئلة والاجوبة) اي منهج منطقي يستخدمه المتكلم لأثبات صحة ما يقوله اولاً، ولتفنيد حجج خصمه ثانياً، فهو وسيلة ذهنية خالصة ترتفع بالعقل من المحسوس الى المعقول، وهو العلم بالمبادئ الاولى التي يبلغها الفيلسوف بدراسة العلوم الجزئية، لذلك قسمه أفلاطون الى الجدل صاعد، حيث ينقل الفكر من الجزئي الى الكلي، من مدركات الحسية الى المعاني الكلية والتعقل الخالص، (المثل).
اما الجدل النازل فينزل بالعقل من ارفع المثل الى ادناها بتحليلها وترتيبها في اجناس وانواع.
ان المجهود المضني الذي يقوم به العقل للاستدلال، لابد ان ينتهي الى نتيجة منطقية صحيحة، أشبه بأساس يبني عليها الانسان معتقده الخاص، والا ما فائدة اشغال الذهن بأفكار خيالية غير قابلة للتصديق والتحقيق؟ اذن كل جدل مفيد، ماعدا ذلك الجدل الخالي من الاسس المنطقية، فهو جدل عقيم، وهي مساحة من اللغط، لا أود الخوض فيها لكثرة المنافسين!
ربما يكون الكلام الفلسفي عسير الهضم للكثير من الناس، واقصد عامة الناس، ولا عجب لان الفلسفة انتاج عقلي فاخرو ابداع انساني، فهي هدية من عقول خاصة الناس لعقول خاصة الناس.
لكن لا بأس في توظيف الفلسفة وقوانينها، في المشهد السياسي للخروج بمعادلة سياسية منطقية صحيحة، وسط هذا الكم من السفسطة.
ان الحكومة العراقية المرتقبة، انما هي وليدة جدل سياسي صاعد ونازل منذ 15 عاما مضت بين اجتهادات وتجاذبات وتدخلات، واخفاقات وخيبات ومحاصصات انتهت بمظاهرات واحتجاجات، فالجدل الصاعد في الذهنية العراقية للمشهد السياسي بعد السقوط، تمثل بصورة مثالية لمستقبل زاهر، الا ان الواقع ارتطم بالجدل النازل للحقيقة، فأنخفض سقف طموح الناس، الى أدني مستوى حتى صار الماء والكهرباء أغلى الأماني!
خصوصا وان نسبة عالية من سكان العراق، هم تحت خط الفقر والأغلب منهم لا يملك حتى وظيفة، او سكن مناسب.
ان الكتل السياسية اليوم امام فرصة ثمينة، لتصحيح المسار والدفع بالتي هي احسن، وتشكيل حكومة قائمة على منطق الكفاءة والاختصاص، والا فأن المواطن اليوم لا يملك صبر، ذلك المواطن المسكين بعد 2003، فقد اُستهلك كلياً وهو لمنطق الغضب اقرب، من منطق العقل ، وحتى لا ابدو اني اشجع على ثقافة العنف ، لكنني مع ثقافة التظاهر، فعلى عقلاء السياسة اليوم مسؤولية كبرى، للملمة شتات وشظايا النوايا والمصالح، والخروج بحكومة عراقية وطنية، ضامنة لحقوق الجميع، لا تفرق زيد عن عمر، حكومة ذات هيبة قانونية، نتلمس اثرها في الداخل والخارج، حكومة بعباءة ابوية، فلم يعد العراقي يرضى بحكومة مقاولات بعد اليوم.
رسل جمال
————————-
المقالات المنشورة بأسماء أصحابها تعبر عن وجهة نظرهم ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع
————————–