شفقنا العراق-خلال حفل افتتاح مهرجان فتوى الدّفاع المقدّسة الذي انطلقت فعّالياته صباح اليوم كانت هناك كلمةٌ للعتبة العبّاسية المقدّسة ألقاها متولّيها الشرعي سماحة السيد أحمد الصافي واستعرض فيها جملةً من الأمور والقصايا ذات الأهميّة.
وقال ممثل المرجعية العليا إنه لا شكّ ولا ريب أنّ التاريخ لا يُمكن أن يُختصر بكلمات قليلة، ولا يُمكن أن يُكتب ما لم نعرف السرّ في ذلك وإن كان بكلماتٍ قليلة، مبينا إن تاريخ العراق تاريخٌ حافل بمشاكل كبيرة، والذي يطّلع على تاريخ العراق ويدقّق في ذلك يعرف بشكلٍ خاص أنّ هذا البلد لموقعيّته الخاصّة تعرّض الى ما تعرّض، ولا نريد أن ننظر الى الوراء بقدر ما نريد أن نبيّن بعض الحقائق التي نعاصرها أو نشاهدها.
وأوضح السيد الصافي إننا عندما باشرنا قبل ثلاث سنوات لم نكن نعلم الى أين ستكون الأمور، لكننا كنا نعلم أنّ الشعب لابُدّ أن ينتصر، لكن متى وكيف هذا لا يُمكن أن نحرز وقته في حينها، وأشار إلى إنّ القضيّة كانت قضيّة واقعيّة وقضيّة صحيحة، وهذه القضيّة الواقعيّة والصحيحة جاءت بزخمٍ قويّ جدّاً يمتدّ الى أكثر من ألف سنة، وهذا الزخم لابُدّ أن تكتمل مسيرته ولا يقف عند حدٍّ معيّن.
وتابع إن الضحايا كانت تسقط والدماء تراق وبعض الأراضي تستباح لكن الأمل كان واضحاً أنّ المعركة في نهايتها هي معركة نصر، مؤكدا إن الذي يقاتل ويحارب وفق عقيدةٍ واضحة فهو لا يخسر أبداً لأنّ الشعار الذي يرفعه هو إمّا نصر وإمّا قتلٌ في سبيل الله، وكلا الأمرين على المستوى الشخصي ستكون فيه ثمار ويكون فيه فتح وتكون فيه فائدة، وعلى مستوى المدّة أيضاً تكون فيه ثمار على ديمومة هذا الفتح.
السيد الصافي أضاف إن هذا العنوان عنوان المرجعيّة وهو عنوان النيابة عن الإمام، نتعامل مع هذا العنوان على هذا النحو المقدّس عندما نستشعر أنّ هناك مشكلة وهذه المشكلة تحتاج هذا الزخم ليتدّخل.
وأوضح أن الذي يميّز هذه الفتوى أو من جملة مميّزاتها هو عدم وضوح العدوّ المقابل، فلا يوجد عدوّ مشخّص، قائلا إنه ليس كيان دولة حتّى تتعامل دولة مع دولة، وهو لا يخضع لموازين المنظّمات الدوليّة ولا يخضع لمعايير يُمكن أن يُضغط عليه من خلالها ولا يُمكن أن تحدث وساطة لأنّ الوساطة تكون مع جهة معلومة.
وتابع السيد أحمد الصافي بالقول: “لذلك كانت صعوبة أن تنطلق الفتوى لأن تواجه هذا الكيان المتشرذم الذي له أجندة خاصّة وله طريقة في التعامل مع الحدث وطريقة في القسوة وإدارة ملفّ القتل والإرهاب، ليس من السهل أن تتعامل مع هكذا كيان ولذلك عندما يُقابل هذا الكيان أيضاً بزخمٍ جماهيريّ كبير من القوّات الأمنيّة بجميع المسمّيات وتآزر جميع القوى لابُدّ أن نتوقّع النتائج الطيّبة، والحمد لله شهدنا هذه النتائج بأمّ أعيننا”.
ونبه ممثل المرجعية العليا إلى أنه ما دام العمل مع هذا الوجود المبعثر من جهة، فعلى الجميع أن يتنبّه الى خطره، فهو ليست عبارة عن دولة وقُضي عليها وإنّما عبارة عن وجودات ومن الممكن هذه الوجودات أن تنبع من هنا أو من هناك فلابُدّ من اليقظة والحذر الجيّد.
وقال السيد الصافي إننا نحن نجلس لقراءة الفاتحة على أناسٍ قُتلوا بنفس الطريقة التي قُتل فيها أو استشهد فيها المقاتلون، ومن نفس الجماعات التي هي جماعات إرهابيّة صدرت من أجل القضاء عليها هذه الفتوى المباركة، ولابُدّ من اليقظة والتنبّه دائماً فهكذا وجودات تحتاج الى يقظةٍ مستمرّة من جميع القوّات الأمنيّة بجميع مسمّياتها.
كما تطرق وكيل السيد السيستاني إلى جريمة سبايكر التي اعتبرها جريمةُ العصر، وقال: “فليتّسع صدر الأحبّة لما سأقول، نحن شعبٌ يضحّي كثيراً وينزف دماءً كثيرة، لكن المشكلة لا نستطيع أن نظهر هذه المظلوميّة وهذه الجرائم بشكلٍ قانونيّ الى العالم، يعوزنا الكثيرُ من الفهم لأن تكون هذه الجرائم شواهد على المعاناة من هذا الشرّ”.
وتابع إن أيّ متتبّع لإحصائيّة يُحاول أن يُجمل عدد الشهداء الذين قُتلوا في زمن النظام السابق والذين استُشهدوا بسبب المفخّخات والذين استُشهدوا أيضاً بسبب الأحداث الداعشية، كم يكون العدد؟ حقيقةً سنخرج بنتائج مرعبة لكن لا أحد يعلم بها.
وبين السيد الصافي إن قدرتنا على إبراز مظلوميّة العراقيّين وما تعرّضوا له لا زالت قدرة متواضعة مع وجود كافة الوسائل الحديثة المساعدة على ذلك، لكن لا زالت قدرتنا على إقناع الرأي العام العالمي بما ضحّينا به من دماء لا زالت هذه المسألة مسألة جدّاً متواضعة.
وأضاف إنّنا قليلو التوثيق، عادةً لا نوثّق وإنّما تمرّ الأحداث سراعاً ثمّ تأتي أحداثٌ أخرى فننسى وننشغل بالثانية، وتأتي الأحداث الثالثة وننسى الثانية وننشغل بالثالثة وهكذا، ولذلك دقائق كثيرة من الأحداث المهمّة ضاعت وقد تبقى خزين الذكريات والإنسان بالتقادم ينسى بعض التفاصيل.
السيد الصافي قال إننا عندما تأمّلنا من ذلك قرّرنا في العتبة العبّاسية المقدّسة أن لابدّ من أن نوثّق الآن ولا ننتظر التوثيق أن يأتينا بعد عشرين سنة، الآن نبدأ بالتوثيق وفعلاً قد بدأنا بهذا المشروع وهناك جهد بُذل من أجل توثيق موسوعة تتحدّث عن بطولات الإخوة الأعزّاء خلال هذه الفترة، طبعاً ممّا جادت به أقلام الإخوة أعتقد لا زالت هناك بعض الخفايا لكن لم نُسعف بها أي لم تصلنا المادة من مجموعة من الإخوة، لتكاسل أو لنسيانهم أو لعلّه لعدم وصول الأمر اليهم.
وقال إننا في العراق مررنا بحالات ليس فيها أمل لكن هؤلاء الإخوة واقعاً كانوا يزرعون الأمل، بحيث لا يوجد شيء نفتخر به ما عدا هؤلاء الإخوة، كما تقول المرجعية (هم فخرنا) وهم لم يأخذوا من البلد ولا شبراً من الأرض، معبرا عن أسفه لأن كثيرا من الشهداء نُسوا وكثيرٌ من الجرحى أيضاً نُسوا وكأنّهم لم يكونوا، أهل القرار معنيّون وأنا أتحدّث بواقعيّة وسيُسلب منهم التوفيق أيّ سلب إذا لم يلتفتوا الى الأحبّة من الشهداء والجرحى.
وأكد ممثل السيد السيستاني إن التاريخ يُكتب بمداد لكن التاريخ إذا كُتب بالدماء تكون له شأنيّة أخرى، قائلا إن هذه المعادلة لابدّ أن تُبَرّز، أهل القرار أمام قضيّتين قضيّة الوفاء لهؤلاء وقضيّة أنّ هذا ليس على نحو منبر الوفاء عمليّاً لهؤلاء، فماذا نصنع لهم؟ وماذا نؤدّي لهم؟ وبماذا نكرمهم؟ والمرحلة الثانية هي مرحلة التوثيق، فهؤلاء جزءٌ من تاريخ العراق وجزءٌ نفتخر به عندما تلتئم أجزاء العراق من الأجزاء الأصيلة الملاصقة لخارطة العراق هم هؤلاء الفتية والأحبّة الذين استُشهدوا.
وشدد السيد الصافي على ضرورة وجود قناعة ووجود قرار حقيقيّ لمداراة البلد من خلالها، مبينا: “لا أقول مداراة هؤلاء فهم سبقونا الى رضوان الله تعالى وإنّما البلد يحتاج أن يداري نفسه بالاعتماد على هؤلاء”.
واختتم السيّد الصافي: “أغتنم فرصة وجودكم الكريم هنا مثمّناً كلّ الدور الذي بذلتموه بحضوركم لهذا المهرجان، وأشكر جميع الحضور من الجهات المدنيّة والعسكريّة لأنّ هذه القضيّة قضيّة الجميع وليست مختصّة بالعتبة العبّاسية المقدّسة، بل قضيّة بلد فلابدّ من استنفار جميع الطاقات وبذل كلّ ما يُمكن من أجل أن تبقى هذه الشعلة وضّاءة وهي شعلة الدماء، أسأل الله تبارك وتعالى بأرواح هؤلاء الشهداء أن يحفظ البلد وأن يديم علينا نعمة الأمن والأمان والاستقرار، وأن يتحقّق طموح الجرحى والشهداء بأن يروا هذا البلد بلداً معافى من جميع الأدواء الجسديّة منها والروحيّة”.
النهاية