خاص شفقنا–شكلت حياة الإمام علي مدرسة تغذي روح الإنسان وتهديه إلى طريق الحق المنير، واليوم نعيش في ذكرى شهادته المباركة، في محراب صلاته وتعبده وجسر عبوره نحو السماء، بطمأنينة وهدوء وسكينة يسلم الروح ويجتمع بحبيبه المصطفى محمد في جنة النعيم.
لقد اظهر لنا امير المؤمنين علي عليه السلام صورا كثيرة عن الإستعداد للموت والرضا بقضاء الله وقدره، وفي هذا السياق يشير مسؤول العلاقات الخارجية في تجمع العلماء المسلمين الشيخ حسين غبريس في حديث خاص لـ”شفقنا” إلى ان ”موضوع الموت والتسليم لهذا القدر الالهي امر ليس سهلا في واقعنا وعلى أفراد مجتمعنا والناس العاديين، لكن الامام اراد من هذا الامر ان يعطينا صورة مختلفة، وكما تذكر الروايات فإن الإمام كان يعلم من هو قاتله ولذلك تعامل معه على اساس ان الامور قضاء وقدر وهي ارادة المولى سبحانه وتعالى”.
وأضاف الشيخ غبريس “لكن المشكلة تكمن في اننا نحن لم نصل بعد الى هذا المستوى الذي يتيح لنا ان نتعاطى مع مسألة الموت بالطريقة اللائقة، لان البشر يعتقدون أن هناك امكانية للهروب منه او تاجيله على الاقل في حين ان كل الروايات تؤكد انه ليس باستطاعة المرء، وخاصة في مسألة القدر، ان يتلاعب بها على الاطلاق”.
وتجلت في شخصية الإمام صفات العدالة والرأفة والتسامح، والتي هذب فيها نفوس الكثيرين من الذين ضلوا طريقهم، وأثبت لكل الناس طهر أصله ورفعة اخلاقه وصوابية عقيدته وأفضلية منهجه على باقي المناهج. لذلك رأينا الإمام كيف تعامل مع قاتله عبد الرحمن بن ملجم حين مثل بين يديه فقال عليه السلام لولده الحسن: ”إرفق يا ولدي بأسيرك وارحمه وأحسن إليه وأشفق عليه، ألا ترى إلى عينيه قد طارتا في أمّ رأسه، وقلبه يرجف خوفاً ورعباً وفزعاً”، ومن هنا يتابع الشيخ غبريس قائلا: ”إضافة إلى ذلك فإن المسألة تحتاج الى تعويد النفس وضبطها خصوصا في لحظات الغضب، وأن لا يكون نصب أعيننا السعي للثأر الأعمى بل ان نسعى للثأر الإيماني اللائق”.
وفي لحظات حياته الاخيرة اوصى أمير المؤمنين وصايا قيمة ومهمة جدا وكان منها “الله الله في بيت ربكم لا تخلوه ما بقيتم”، وانطلاقا من هذه الوصية وفي معرض الحديث عن سبل تعزيز العلاقة بالمساجد وأسباب نفور الشباب منها نوه الشيخ غبريس إلى ان “هذا الموضوع شائك جدا والبعض لا يريد الحديث عنه وفيه، لكن فعلا لدينا مشكلة حقيقية مع المساجد وبتقديري هناك تقصير فاضح وواضح جدا. وبالتالي هذه الصورة السلبية الموجودة يحذرنا الامام منها ويريد منا أن نستبدلها بطريقة افضل ومختلفة وبصورة مغايرة”.
واعتبر الشيخ غبريس أن “السبب خلف فرار ونفور غالبية الناس من المساجد هو ان نسبة كبيرة من مساجدنا لا تقدم شيئا جديدا للعباد الا حالة نمطية وتفتقد الاسلوب الجاذب”، مؤكدا أن “الامر يحتاج منا الى تأهيل مجموعة خاصة من قادة المساجد وأئمتها لكي يكونوا نواة حقيقية تدفع الناس نحو المسجدية لان المساجد هي المتاريس الحقيقية للامة وينبغي ان يعود الناس اليها”.
ويختم الشيخ غبريس قائلا “حتى لا نجلد انفسنا اقول بصراحة ان هناك بعد وبعد كبير وشاسع جدا بيننا وبين الامام علي، لان الامام لم يكن يريد ان تكون امورنا بهذه الصورة وهذا امر مخجل ومؤسف، في حين نجد الاخر من غير ديانتنا يعرف حقيقة علي اكثر مما نعرفه نحن ويقدم على الامور التي كان علي يعيش معها اكثر مما نحن نفعل”، داعيا إلى أنه ” علينا ان نعود الى علي عليه السلام، اكثر من الإكتفاء بالكلام ورفع الشعارات التي لا تقدم ولا تؤخر”.
مهدي سعادي