خاص شفقنا-حين اختار الله تعالى من بين العرب قاطبةً نبيَّه محمد عليه الصَّلاة والسَّلام، واجتباه لتبليغ رسالة الإسلام، والدَّعوة إلى التَّوحيد؛ خصَّه وأزواجه بجملةٍ من الخصال، وميَّزهم عن سواهم بعددٍ من الخصائص التي لم يخصَّ بها سواهم، فكان لزوجاته ميزةً عن نساء المؤمنين أجمع، فقد جاء في قول الله تعالى: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا). ولعل السيدة خديجة بنت خويلد هي اولى نساء النبي وأبرزهن، هي تلك المرأة النموذج التي يجب أن تدّرس سيرة حياتها وانجازاتها للأجيال ليتخذوها قدوة.
وفي ذكرى وفاتها تحدث رئيس المحكمة الحركية القاضي السيد بشير مرتضى لـ”شفقنا” فقال:”السيدة خديجة الكبرى هذه الصديقة التي اسهمت مساهمات كبرى ومساندات كبرى لنبي الاسلام بمالها وجاهها وبما اتخذته من خيارات وقناعات تحملت بموجبها انواع الأذى والاضطهاد ولعبت دورا هادفا ومهما بالقيام بالاعباء الصعبة والمعقدة من خلال عقلها وقلبها بانفتاحهما على تعاليم الاسلام الجديدة ومنطق الاسلام ودوره الفعال فكانت بما صبرت وبما صمدت تعبر عن ايمان راسخ”.
وتابع سماحته..”هذه المرأة المباركة والعظيمة التي حكت اجمل حكاية في الحياة وللحياة بلغة الرسالة المبعوثة وبلغة النبوة المنبعثة وكتبت روايتها وقصتها باحرف من نور وحب، وعاطفة واسلام، ورحمة وعطاء، وكل ذلك اثرى التجربة التي خاضها قائد التجربة رسول الانسانية زوج الصديقة البطلة دون ان تقصر بشيء على الاطلاق ودون ان تمنن او تتردد”.
واضاف ”نحن عندما نتحدث عن الصديقة الطاهرة خديجة الكبرى انما نحكي عن العطاء الاجل الذي عاد عليها بالخير، بالذكر، بالفخر، بالشرف، وبالنعمة الكبرى بالجنة، فهي بما مثلت كانت المرأة الامينة والحاضرة الجاهزة بجانب النبي محمد المبعوث بالحق والقائم بالامر، فلم تخذله على الاطلاق ولم تتركه دون ان تكون الى جانبه في تحقيق مهمته الكبرى، فلخديجة ومالها وجليل عطائها الدور الاسمى والارفع في حياة قريش وحياة الامة الاسلامية والعقيدة، فهي التي قدمت ما قدمت للاسلام من خلال نبي الاسلام ورسالته“.
وفي سياق الحديث عن الحكمة من اختيار الله عز وجل لنبيه الخاتم ان يتزوج بإمرأة تاجرة يؤكد السيد مرتضى أنه “في الحقيقة لم تكن خديجة الكبرى امرأة تاجرة فحسب، فجانب التجارة والثراء والاعمال التي كانت لخديجة هي جانب من جوانب حياتها وشخصيتها وهو جانب عظيم لعب دورا مهما من اجل الاسلام وفي سبيل الدعوة الاسلامية المباركة، ودعوة نبي الاسلام كانت بحاجة الى امكانيات والسيدة خديجة أمنتها في تجارتها ونجاحاتها، أما الجوانب الاخرى فلا تقل اهمية على الاطلاق بل هي الاغنى والاكبر، هي جوانب العقل والوعي والمعرفة والصفاء والكرامة الانسانية لهذه الصديقة التي حازت على اهم قيم الانسانية واروعها كيف لا وهي التي تقربت من النبي وارادت ان تكون الحضن الدافئ له في رسالته”.
واشار السيد مرتضى إلى “مكانة السيدة خديجة التي وقفت بجانب الرسول كزوجة مخلصة مجاهدة فاضلة، ليس لعطائها حد بل ليس لعطائها منّ على الاطلاق ولا يضاهي عطائها الا ما حازت من شرف وعز بل عظمتها وسلوكها وطريقها ووعيها وايمانها، ووضعت ما في يدها في خدمة هذا الشرف والعزة، الذي هو سبيل الاسلام وسبيل الايمان، تلك الشريف الكريمة العزيزة التي ولدت من ابويين قرشيين اصيلين بل ابوين عريقين في جزيرة العرب، واجتمع بالاضافة الى هذه العراقة والاصالة ما هو اسمى واغنى الا وهو زواجها من النبي الاعظم وانجابها للطهر البتول فاطمة عليها السلام فهي بذلك كانت من خيرة نساء قريش واكثرهن مالا واحسنهن جمالا، فكيف لا تكون سيدة قريش وهي من اختارت لوعيها ومعرفتها النبي محمد “ص” دون سواه من قريش ومن العرب”.
وحول الرسالة التي يجب ان تستخلصها نساؤنا اليوم في مجتمع أصبحت فيه المرأة عاملة يقول السيد مرتضى: “هي رسالة كبرى تشكلها السيدة خديجة وتشكلها السيدات الفاضلات في حياة الامة والمجتمعات في هذا الوجود الكبير، حيث تتشكل من هذه المدرسة دروس وعبر كيف يكون الانسان وكيف تكون المرأة في المواقع المتقدمة، كيف تكون مساهمة في صناعة وحماية اكبر الانجازات وادقها واخطرها، كيف ان تكون للاخلاق الفاضلة وسمو الصفات، لشرف النفس، لكرم السجايا، لهذا الوعي والعلم و المعرفة الممزوجة بكل القيم وحسن الاختيار“، مضيفا ان “تكون المرأة في المواقع المتقدمة صانعة للانتصارات، للانجازات، للعبر والدروس على مدار الاجيال، اذا هكذا تفعل كل حرة وعاقلة، ويمكن ان تكون كل حرة وعاقلة في المواقع المتقدمة في صناعة وبناء الخير دون ان تصاب بغرور او تقع في زبارج الدنيا ومغرياتها فتكون الدنيا وكل ما فيها من مغريات تحت الاقدام رغم ان ما تطلبه هذه السيدة العظيمة وامثالها كان بمتناول الأيادي“.
وتابع السيد مرتضى “لكن المرأة العاقلة والواعية ليست المرأة التي تبحث عن لذة ما وليست المرأة التي تطلب شهرة، بل المرأة العاقلة الواعية تلك التي يكون همها و هدفها و غايتها خدمة الهدف السامي. عندما تكون خديجة الكبرى هي الصحابية الاولى للنبي الاكرم والسيدة الاولى بين المسلمات، ترفض زعماء قريش واصحاب المال والجاه فيها، وتترك القدرة والسطوة والسلطان، وتبحث عن رجل وتطلب رجلا ليس عنده ما عندهم من دنيا بل عنده ما ليس عندهم من خلق وفضل وخير وعزة”.
واعتبر السيد مرتضى أن “المرأة التي تشكل خديجة الكبرى والسيدة الزهراء والسيدة مريم وزينب الحوراء المثل الاعلى لها يتكون لديها من هذه الأمثلة الرائعة وامثلة غيرها في الوجود والحياة اكبر الدروس بأن المرأة بامكانها وبقدرتها أن تكون الى جانب الرجل في صناعة التاريخ والحياة والانجازات وصيانة الشرف و العزة والكرامة بل ان هذا هو موقعها الحقيقي. وعندما تتجاوز المراة الحاجات والضرورات البسيطة من متاع الدنيا و غرورها تستطيع ان ترتقي بنفسها الى مستويات العقيدة والمبادئ والاهداف السامية”.
النهاية