خاص شفقنا-ورد في الدستور الإيراني: الوليُّ الفقيه -المرشد الأعلى- رغم كونه أرقى سلطة في البلاد إلّا أنّه يخضع لرقابة مجلس الخبراء، ومن حقّ هذا المجلس – المنتخَب من قبل الشعب – عزله إن وجد الضرورة تستدعي ذلك.
مجلسُ تشخيص مصلحة النظام يحسم الخلاف – إن حصل – بين مجلس الشورى الإسلامي ومجلس صيانة الدستور.
انتخابات البرلمان ورئاسة الجمهورية الذائعتا الصيت، حضورهما الجماهيري ملفتٌ مثير.. التنافس الحرّ المشهود بين الأُصوليين والإصلاحيين في تداول السلطة نارٌ على علم.. ولعل فوز أحدهما قد يكون خلاف رغبة المرشد الأعلى لكنّه يسلّم بالأمر الواقع نهايةَ المطاف.
تبقى الحياة نابضةً في إيران رغم إحصائيات البطالة المؤسفة والغلاء. تجاوزت إيران تداعيات انتخابات عام ٢٠٠٩ وأحداث العام الفائت وغيرهما بقوّةٍ وثقةٍ وثبات.
حقوق الطوائف والأقلّيات مدوّنة في الدستور، ويُشهَد للمرشد الأعلى حسّاسيته الخاصة ووقوفه بقوّة إزاء إثارة النعرات الطائفية والقومية بكلّ حزم وعزم.
بعيداً عن الدوائر الإعلامية المخالفة والموافقة، فالذي يحيا الحدث في إيران يجد الجميع بلااستثناء في حركة دؤوبةٍ وحيويةٍ موّارة رغم الإشكاليات والخلل والنواقص في هذا المضمار وذاك.. إنّه شعبٌ جميلٌ يعشق السفر والمرح والسرور.
تجد الفرد الإيراني يوجّه الانتقادات اللاذعة لأعلى سلطة في البلاد لكنّه حاضرٌ متواجدٌ في مختلف الأحداث والمناسبات.. عشقهم لوطنهم مشهودٌ لاغبار عليه.
قبل أعوام شاهدتُ تقريراً فريداً من نوعه بثّته قناة فرانس 24 العربية بما يقارب الثلاث ساعات، وأهمّ ميزةٍ في التقرير أنّ الفريق الإعلامي المرخّص دخل شتّى مرافق الحياة في إيران، مؤالف النظام ومناوئه، فقير البلد وغنيّها، سنّيّها وشيعيّها ومسيحيّها، فارسيّها وآذريّها وكرديّها وعربيّها…مراكزها ومؤسّساتها…شبابها وكهولها، رجالها ونسائها، صالحها وطالحها….حتى أنّه وثّق حفلات الشباب المختلطة التي تُحيى بعيداً عن المدن حيث البراري والصحارى الخالية.
ثم يخرج بنتيجته مذهلة: هل حقّاً هذا البلد محاصرٌ اقتصادياً وسياسياً وعلمياً وثقافياً؟ كلّا، إنّه بلد نابض بالحركة والحياة والنموّ والازدهار.
ثم ماذا يعني كون هذا البلد هو الأكثر استقراراً وقوّةً بين بلدان المنطقة؟
أمّا تصنيفه الاقتصاديّ العالمي في المرتبة السابعة عشرة أو العشرين رغم الحصار، فهو خير شاهدٍ على ديمومة التقدّم والعطاء.
نحن نسعى إلى نقل صورة تقريبية عن الواقع الموجود في إيران.
لاشكّ في وجود الأخطاء والنواقص والخلل والتجاوزات، لكنّها لم تعوّق البلد من الاستمرار في النهوض والإعمار رغم الحصار ومخلّفات حرب الثمانية أعوام والضغوط القاسية من مراكز القرار العالمي على الدوام.
لعل ما يميّز الإيرانيين مزجهم بين حبّ الدين وحبّ الوطن مزجاً استثنائياً، كما أنّ الأناة والنفَس الطويل خصيصةٌ تحسب لهم، فأكثر من عشر سنوات دامت مباحثاتهم النووية مع دول العالم الكبرى، دون أن يتعبوا أو يملّوا.. ثم ماذا يعني استمرار الدول العظمى بالمباحثات معهم؟ أليس هذا دليلُ قوّة إيران وإلّا “لعُلِست”من الوهلة الأُولى وانتهى الأمر.
إيران اليوم واقعٌ لاغبار عليه، مثلما كانت وستكون، ولابدّ من قبول التعايش مع هذا الواقع بحلوه ومُرّه، مثلما على إيران قبول الآخر والتعايش معه بحلوه ومُرّه.
الكلّ يفكّر بمصالحه ومنافعه ويسعى بالمناهج والأدوات المتاحة الحفاظ على عناصر وجوده وقوّته وديمومة حركته، وإيران ليست مستثناة من هذه القواعد والأُصول أبدا.
لاريبَ أنّ إيران تدفع فاتورة مواقفها السياسية والفكرية والعقائدية والأخلاقية بكلفةٍ باهضة الثمن كثيراً، ولكن بالإمكان حلّ المشاكل الداخلية والإقليمية والدولية عبر الحوار والتواصل الدبلوماسي، ولابدّ في ذلك من تنازلات متبادلة كي يسود الأمن والاستقرار المطلوبين.
على فكرة، أنا عراقي-إيراني أعيش في إيران رغم كوني نجفيّ الهوى. أُحبّ وطني العراق، كما أُحبّ وطني إيران الذي آواني حين فرّط بي ذاك النظام التعسّفي، كما أُحبّ بلد الحرمين وسائر البلدان؛ كوني إنساناً أهوى بني الإنسان.
كريم الأنصاري