شفقنا العراق- يخوض العراق اول انتخابات تشريعية في الثاني عشر من أيار (مايو) المقبل بعد الحرب القاسية على الإرهاب وإستعادته المدن والمساحات التي سيطر عليها تنظيم “الدولة الإسلامية”، وحتى وقت قريب كان تحديد موعد الانتخابات محل جدل بين القوى السياسية في البلاد بسبب دعوات التأجيل التي دفعت بها القوى والأحزاب السنية، معللة ذلك بعدم إمكانية إجراء الانتخابات، بينما هناك مازال إعداد كبيرة من النازحين تركوا بيوتهم ومدنهم أثناء المعارك ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، وهذا ما سيعرقل، حسب رؤيتهم، تمكن هؤلاء وخاصة سكان المحافظات الغربية من الإدلاء بأصواتهم، إلا أن رئيس الوزراء حيدر العبادي قطع الجدل بتحديد يوم 12 من أيار (مايو) المقبل موعدا لها متكئا على المواعيد الدستورية.
تكسب الانتخابات التشريعية العراقية أهمية من حيث أنها تنهي مدة الرئاسات الثلاث (الجمهورية والحكومة والبرلمان) ما يعني بداية حالة سياسية جديدة بثلاث رؤوس جديدة منتخبة للحكم، إلا أن الانتخابات المقبلة تكتسب أهمية إضافية وخصوصية عالية، لانها تختلف عن المشهد الانتخابي التقليدي منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، ومن خلال نظرة سريعة على خارطة التحالفات الانتخابية فإن النتيجة التي يخلص لها اي مراقب هي حالة التشظي لدى التحالفات التقليدية وحتى الاحزاب التي تشكلت عقب سقوط النظام العراقي السابق على أساس التكتل الطائفي والقومي.
في البيت الشيعي
يدخل حزب “الدعوة الإسلامية”، الذي يعتبر من أكبر الأحزاب حاليا إلى المنافسة الانتخابية، بلائحتين الأولى “ائتلاف دولة القانون” بزعامة نوري المالكي، الذي يبدو أن زخم ائتلافه قد خفت وان عودته إلى منصب رئاسة الوزراء بعيدة المنال. ويعود هذا إلى العديد من الأسباب لكن أهمها أن تنظيم “الدولة الإسلامية” استطاع في عهده السيطرة على المحافظات الغربية وتهديد بغداد بسرعة قياسية، والثانية “تحالف النصر”، بزعامة رئيس الوزراء حيدر العبادي، الذي قام بتشكيل التحالف من أعضاء “حزب الدعوة الإسلامية” وعدد من الشخصيات السنّية والكردية. ويعتمد العبادي في سباقه لنيل ولاية ثانية على الانتصارات التي حققتها القوات العراقية في مواجهة تنظيم “الدولة الإسلامية”، واستعادة المدن الكبرى غربا، وإعلان الانتصار على التنظيم، كما يعتمد العبادي على سياسية الانفتاح التي انتهجها تجاه دول الجوار، وقدرته على إدارة التوازنات في علاقات العراق الخارجية وتحديدا بين الولايات المتحدة والسعودية من جهة وإيران بالجهة المقابلة.
تحالف “الفتح المبين” برئاسة هادي العامري، والذي يضم معظم الأجنحة السياسية للأحزاب التي شكلت الحشد الشعبي بالإضافة إلى المجلس الأعلى الإسلامي في العراق ويعتبر تحالف الفتح منافسا حقيقيا لتحالف النصر بقيادة العبادي، لأن تحالف الفتح يعتبر الشريك الأساسي بالنصر على تنظيم “الدولة الإسلامية”، ويحظى الحشد الشعبي بتأييد واسع النطاق في العراق لدوره في تحرير المدن العراقية من قبضة الإرهاب، ويطرح السيد العامري برنامجا انتخابيا يتجاوز وصوله إلى البرلمان نحو موقع رئاسة الوزراء، إلا أن عقبات كثيرة تعترض وصول العامري إلى منصب رئاسة الحكومة أولها الاعتراض الأمريكي.
أما السيد عمار الحكيم فقد انفصل عن “المجلس الإسلامي الأعلى في العراق” ليدخل منفردا عبر “حركة الحكمة” كذلك فعلت النائبة حنان فتلاوي وانفصلت عن ائتلاف دولة القانون لتدخل منفردة عبر “حركة إرادة”، وتحالف التيار الصدري مع الشيوعيين العراقيين في لائحة سائرون.
السنة
السنة في العراق لم يكونوا أفضل حالا، فقد انقسموا كذلك بين لائحتين.. “ائتلاف الوطنية” بزعامة اياد علاوي وسليم الجبوري وصالح المطلك، إلى جانب بعض قادة “قوات الحشد الشعبي” السنّية، ويرفع “ائتلاف الوطنية” صوته محذرا من عقبات تعترض سير العملية الانتخابية بشكلها الصحيح، ومبعث قلقه يكمن في تأخر توزيع البطاقات الانتخابية على النازحين والمناطق المنكوبة بفعل الحرب على الإرهاب، ويشكك في طريقة الفرز الالكترونية التي تستخدم لأول مرة في البلاد، ويعتقد ائتلاف الوطنية أن الكوادر العراقية لم تأخذ الوقت الكافي للتدرب على استخدام أجهزة الفرز الالكترونية التي كانت الحكومة العراقية قد اشترتها من كوريا الجنوبية.
أما تحالف القرار العراقي الذي يضم أسامة النجيفي، وأخوه اثيل النجيفي، وظافر العاني، فهو يرفع شعار المدنية ويدعوا إلى مصالحة وطنية حقيقة.
وتنتقد التحالفات السنية في العراق أداء هيئة المسألة والعدالة المشرفة على المصادقة على السيرة الذاتية للمرشحين للبرلمان، والتي تملك حق استبعاد أي مرشح يثبت علاقته السابقة بحزب البعث أو النظام العراقي السابق، وترى القوائم السنية أن هيئة المسألة والعدالة، تعمل وفق توجيهات سياسية وتصفية حسابات. بالمقابل تتهم بعض الأحزاب الشيعية الهيئة بتمرير أسماء بعثيين سابقين مقابل تقاضي بعض الموظفين بالهيئة للرشى من الأحزاب.
الأحزاب الكردية..
في كردستان يبدو فشل الاستفتاء على انفصال الإقليم يرخي بظلاله على الخارطة السياسية في الإقليم، وأول عناوين المشهد هو بوادر كسر احتكار الحزبين التقليديين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، فقد دخل الحزبين بلائحتين منفصلتين لأول مرة في هذه الانتخابات، بينما برز تحالف الديمقراطية والعدالة بزعامة برهم صالح مع حركة التغيير كوران وحزب الاتحاد الإسلامي، كقوة جديدة في المشهد الكردي، وتقول المؤشرات أن هذا التحالف سيكون الحصان الأسود في سباق الانتخابات بالنسبة للأحزاب الكردية، فالتحالف الجديد يسعى للبناء على أخطاء الأحزاب التقليدية ونقمة الرأي العام الكردي عليها بسبب الوضع الاقتصادي المتردي في الإقليم، فضلا عن أن اسم زعيم التحالف الدكتور برهم صالح، يبرز كأحد أبرز المرشحين لتسلم منصب رئيس الجمهورية بعد الانتخابات، خلفا للرئيس فؤاد معصوم.
هذه الخارطة الانتخابية تشي بالكثير، فقد تكون حالة التشظي نوعا من زيادة التعقيد في المشهد السياسي العراقي، ينذر بأزمات حكم، وقد تكون حالة من النضوج السياسي وصلت لها الطبقة السياسية، بعد تخليها عن حالة التخندق والتكتل ضمن الطائفة بعد غزو العراق عام 2003، ماهو في الأفق يؤشر إلى أن البلاد مقبلة على التغيير، ويبقى اكتمال حركة التغيير مرهونة بطبيعة التحالفات ما بعد الوصول إلى البرلمان.
رأي اليوم ـ مها بربار