شفقنا العراق- خرج المؤتمر الدوليّ حول التجديد في صناعة التاريخ وكتابته تحت شعار: (الحَوْزَةُ العِلْمِيَّةُ رَائِدَةُ التَّجْدِيدِ)، الذي تُقيمه العتبةُ العبّاسية المقدّسة بالتعاون مع مؤسّسة بحر العلوم الخيريّة بجملة من التوصيات ألقاها عضو اللّجنة التحضيريّة له الدكتور مشتاق عباس معن في حفل ختام المؤتمر الذي أُقيم مساء الجمعة (27جمادى الآخرة 1439هـ) الموافق لـ(16آذار 2018م)، وهذا نصّها:
في ختام مؤتمرنا هذا لابدّ من معرفة أهمّ الأهداف التي عُقد من أجلها هذا المؤتمر، ألا وهي لفت الأنظار الى أهمّية توثيق تاريخنا المعاصر لتسهيل مهمّة الأجيال اللاحقة في بناء الأمّة التي تستفيد من تجارب الماضي وتجاوز أخطائه وصولاً الى برّ الأمان، فثمّة فرق واضح بين قراءة التاريخ وإعادة كتابته، والمهمّة الكبرى التي أردنا تركيز الباحثين عليها هي قراءة التاريخ قراءةً جديدة تمتاز باستقراء الأحداث وتحليلها باستكشاف مكامن الخلل وتأشيرها سعياً الى تجاوزها، الأمر الذي يسهّل في رفد حاضر الأمّة وبناء مستقبلها وعبر سلسلة الأبحاث التي ناقشها هذا المؤتمر والملاحظات التي أثارها الباحثون فضلاً عن الحضور الكريم، انتهينا الى مجموعة توصيات نوجزها بالنقاط التالية:
أوّلاً: استمرار التواصل المعرفيّ بين الحوزة العلميّة والأكاديميّات متمثّلةً بالجامعات والمؤسّسات والمراكز العلميّة، سعياً منها الى صناعة حالة من التكامل المعرفي وصولاً الى عمليّة التجديد في صناعة التاريخ وكتابته.
ثانياً: رصد آثار فتاوى المرجعيّة الدينيّة وإسهاماتها في صناعة التاريخ، ولاسيّما في الدراسات الأكاديميّة المتخصّصة في تاريخ العراق الحديث والمعاصر، والأخذ بنظر الاعتبار مراحل الاحتلال البريطاني في عام 1941م حتّى تغيير النظام عام 2003م ومرحلة داعش عام 2014م وغيرها.
ثالثاً: لقد كانت المراقد المقدّسة عبر التاريخ نقطة انطلاق وتوجيه لكثير من الأحداث التاريخيّة، لذا نسترعي انتباه الباحثين والمهتمّين الى ضرورة مراقبة تلك الأحداث في سياقها التاريخي.
رابعاً: حثّ الباحثين والمعنيّين على مراقبة أثر الحوزة العلميّة في تقويم الاقتصاد وأثره في مختلف المراحل التاريخيّة.
خامساً: سعياً الى إعادة قراءة التاريخ وتصحيح مساراته نتمنّى على الباحثين مراقبة عمليّات التزوير والدسّ والتحريف التي شابت تأريخنا، ولاسيّما ما موجود منها في المناهج الدراسيّة لما في ذلك من تأثير في وعي الأمّة.
سادساً: السعي الى ترجمة ما كتبه الباحثون العرب عن تاريخ الحوزة العلميّة وعن علمائها وفضلائها الى لغات العالم الحيّة، وذلك لتعريف العالم بتلك المنجزات.
سابعاً: مفاتحة وزارة الثقافة العراقيّة باستحداث قسم في دار الكتب والوثائق تُعنى بأرشفة وحفظ الوثائق المتعلّقة بتاريخ العراق المعاصر، ولاسيّما رحلة ما بعد عام 2003م.
ثامناً: ننوّه الى أنّ مؤتمرنا القادم سيكون عن جهود الحوزة العلميّة في اللّغة العربيّة وآدابها، وسيكون موضوع المؤتمر الذي يليه عن جهود الحوزة العلمية في علوم القرآن الكريم.
خلال حفل ختام المؤتمر الدوليّ حول التجديد في صناعة التاريخ وكتابته الذي أقيم مساء الجمعة (27جمادى الآخرة 1439هـ) الموافق لـ(16آذار 2018م) كانت هناك كلمة للّجنة التحضيريّة له ألقاها بالنيابة الأستاذ الدكتور هادي عبد النبي التميمي، وممّا جاء فيها:
“إنّ الأمّة تتّخذ تأريخها التليد وتظلّ تستذكر ذلك الماضي وتردّد مآثره وما أنجزه أبناؤها من حضارة وعمران وتقدّم وما سطّرته الأقلام في ميادين العلم كافّة، ولعلّ أمّتنا الإسلاميّة والعربيّة تأتي في مقدّمة ركب الأمم، وقد عمل الأبناء البررة من أبناء هذه الأمّة المعطاء وبخاصّة من المهتمّين بشؤون التراث والتأريخ أن يبحروا في بطون الكتب بحثاً عن الوثائق والإشارات والوقائع، وأصبحت عمليّة الغربلة والتنفيس والتحقيق أحد أهمّ معالم حركتهم الفكريّة، والتي لم تكن سهلة بل كانت محفوفة بالمخاطر نتيجة لطبيعة الحاكم المستبدّ الذي يسعى جاهداً لطمس الحقائق بالتحريف والدسّ والتزوير”.
وأضاف: “لقد بدأت الكتابة التاريخيّة بالسيرة النبويّة المشرّفة ثمّ تلاها ما تلاها من تزييف للحوادث المهمّة وصولاً الى التأريخ الحديث والمعاصر، ولم يكن طريق الكتّاب والمؤرّخين والباحثين عن الحقيقة سهلاً إذ لا يستطيع تخطّي عقبات ذلك الطريق إلّا من كان يملك عقيدة صلبة وذهنيّة وقّادة وصبراً في تحمّل المشاقّ والمخاطر، وفي هذا المضمار همّت الحوزة العلميّة ورجالاتها في النجف الأشرف حاضرةً لما تمتّعت به من قوّة واستقلاليّة عن التزلّف الى الحكّام والسير في ركابهم، فكان لهم الدور المهمّ في رفد المكتبة التاريخيّة بأمّهات الكتب سواءً على صعيد ما كتبوه عن كلّ الحقب والمراحل التاريخية أو من خلال إسهاماتهم الفاعلة في صناعة الأحداث التاريخيّة وبخاصّة في بلد المقدّسات العراق”.
مبيّناً: “ومن أجل إبراز هذا الدور الكبير الذي قامت به الحوزة العلميّة في النجف الأشرف توجّهت العتبة العبّاسية المقدّسة ومؤسّسة بحر العلوم الخيريّة الى تسليط الضوء في سفر رحلاته الذي استقرّ عند المحطّة الثالثة هذا العام ضمن سلسلة مؤتمراتهم العلميّة الدوليّة، لتكون هذه المحطّة المؤتمر الدولي حول دور الحوزة العلميّة في النجف الأشرف في صناعة التاريخ وكتابته، ومن أجل التأكيد على دور هذه الإسهامات بشكلٍ واضح وهي دعوة للتوثيق لواقعنا المعاصر دون تحريف وزيف وإملاءات السلطة الجائرة”.
وتابع التميمي: “على هذا الأساس وبتوفيقٍ من الله عملت اللجنة التحضيريّة لهذا المؤتمر على مدى عدّة أشهر على استكتاب وتوجيه الدعوات لعددٍ كبير من ذوي الاختصاص، وبعد جهد جهيد من الفحص والقراءة والتواصل مع العلماء والمفكّرين الذين أراقوا مداد أقلامهم ليكتبوا هذه الأبحاث القيّمة التي أُلقيت على مدى اليومين الماضيين في رحاب جلسات المؤتمر، والتي بلغت (70) بحثاً وغطّت محاور المؤتمر الستة، ولضيق المجال وتشابه بعض البحوث في ما ذهبت اليه دفع باللجنة التحضيريّة الى اقتصار قراءة البحوث على الأبحاث التي حصلت على التقييمات العلميّة الأعلى من قبل السادة الذين حكّموا تلك البحوث العلميّة”.
واختتم: “نعتذر عن استبعاد بعض البحوث لا لشيء إلّا لأنّها كانت لا تنطبق مع محاور المؤتمر التي تمّ إعلانها، ويشهد الله أنّنا سعينا الى قراءة كلّ البحوث قراءة دقيقة متأنّية حتى لا نظلم أحداً في نتاجه العلميّ، ونعتذر إذا قصّرنا في حقّ ضيوفنا أو سهونا عن شيء مهما كان صغيراً”.
النهایة