خاص شفقنا-حاولت امريكا وعلى مدى عقود ان تغطي وجهها الحقيقي عبر مساحيق باهتة من الديمقراطية، كثيرا ما كانت تتبخر على وقع حروبها العدوانية ضد البلدان الاخرى لاشباع اطماعها في ثروات وخيرات الشعوب، الا ان هذا الوجه الامريكي انكشف اليوم ودون رتوش ولا مساحيق، قبيحا وعنصريا خال من اي قيم ومبادىء اخلاقية او انسانية.
يعود الفضل فى اماطة اللثام عن وجه امريكا وظهورها على حقيقتها، الى الرئيس الامريكي دونالد ترامب، الذي يحمل وبدقة متناهية سمات هذا الوجه وهي العنصرية والعنجهية والغطرسة والاستعلاء والطمع بخيرات وثروات الشعوب الاخرى حتى الجوع.
وضع ترامب مساحيق الديمقراطية الامريكية جانبا كاشفا عن ثقافة ذكورية لا مكان فيها لاي احترام للمرأة التي لا يخرج دورها في اطار هذه الثقافة عن كونها سلعة لارضاء نزوات الرجل، لذلك وفي 21 يناير كانون الثاني غداة تنصيب ترامب، خرج مئات الآلاف من النساء في شوارع واشنطن للتعبير عن معارضتهن لترامب ونظرته الدونية للمرأة.
عنصرية ترامب المتجذرة في الثقافة الامريكية ما اسرع ما طفت على السطح ، فبعد أسبوع من دخوله البيت الابيض وقع على أمر تنفيذي لمنع مواطنين من سبع دول ذات أغلبية مسلمة من السفر إلى الولايات المتحدة.
لم يكن المسلمون ولا احرار العالم على خطأ عندما وصفوا ترامب بالعنصري، فقد تأكد هذا الامر للامريكيين والاوروبيين ولباقي شعوب العالم، بعد ان أشعل ترامب الاحتجاجات مرة أخرى في أغسطس- آب عندما طُلب منه الرد على مسيرة للعنصريين الامريكيين البيض في تشارلوتسفيل بولاية فرجينيا، شهدت قيام شخص بدهس حشد في مظاهرة مناهضة للعنصرية بسيارة مما أدى إلى مقتل امرأة، وجادل الرئيس قائلا إن هناك أشرارا ”من الجانبين”، في دفاع واضح عن الجماعات العنصرية التي تؤمن بتفوق الجنس الابيض.
صفة الدكتاتورية التي كثيرا ما يلصقها الاعلام الامريكي بكل حاكم عربي او مسلم يخالف السياسة الامريكية، بدت هذا الايام بانها الصق بترامب، رئيس “اكبر دولة ديمقراطية” في العالم كما تدعي الالة الاعلامية الامريكية، وذلك بعد الاجراءات والممارسات الاستبدادية لترامب ضد كل الاصوات التي تعالت والمطالبة بالتحقيق في تواطؤ ترامب مع روسيا خلال الانتخابات الرئاسية الامريكية.
أثار ترامب عاصفة سياسية في مايو- أيار عندما أقال مدير مكتب التحقيقات الاتحادي جيمس كومي الذي كان يقود التحقيق في تواطؤ محتمل لحملة ترامب الرئاسية مع روسيا للتأثير على نتائج الانتخابات التي أجريت العام الماضي.
وبعد ذلك بشهر أقر مايكل فلين الذي عمل لفترة قصيرة أيضا مستشار ترامب للأمن القومي بالكذب على مكتب التحقيقات الاتحادي فيما يتعلق بمحادثات أجراها في ديسمبر- كانون الأول الماضي مع سفير روسيا في واشنطن آنذاك قبل أسابيع من تولي ترامب السلطة.
اما على صعيد التزام امريكا بالاتفاقات والمعاهدات الدولية ، فقد انتهك ترامب وبشكل لافت اغلب الاتفاقات والمعاهدات الدولية التي وقعتها امريكا، فقد وجه انتقادات لمنظمة الامم المتحدة وطالب بإصلاحها، متهما اياها بالبيروقراطية و”سوء تسيير”، واعتبر حلف شمال الأطلسي (ناتو) حلفا قد عفى عنه الزمن.
في عهد ترامب الذي لم يتجاوز العام الواحد انسحبت امريكا من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالهجرة بذريعة ان بعض مواده لا تتلاءم مع سياسة إدارة ترمب حول هذه المسألة، وانسحبت من اليونسكو بتهمة “عدائها لإسرائيل”، وانسحبت من اتفاق باريس بشأن الاحتباس الحراري، ورفض ترامب التزام ايران للاتفاق النووي رغم تاييد الوكالة الدولية للطاقة الذرية هذا الالتزام في اطار ثمانية تقارير.
وفي المجال الاقتصادي، انسحب ترامب من اتفاقية الشراكة الإستراتيجية عبر الهادي بمجرد دخوله البيت الأبيض، وقرر مراجعة اتفاقية نفتا للتجارة الحرة بين دول أميركا الشمالية، كما وجه انتقادات للتجارة الحرة عبر الأطلسي، متهما الأوروبيين بالاستفادة منها على حساب الأميركيين.
ووجه ترامب انتقادات لمنظمة التجارة العالمية ولم يستبعد وزير الخزانة الأميركية ستيفن أمنتشين إعادة التفاوض على الاتفاقات التجارية الدولية التي يفترض أن تنفذ في إطار هذه المنظمة.
مع نهاية العام الاول كرئيس لامريكا، ضرب ترامب بكل المواثيق والمعاهدات الدولية وبكل قرارات الامم المتحدة ، بعرض الحائط ، كما تجاهل كل حلفائه العرب الذين كان يطبلون ويزمرون له منذ دخوله البيت الابيض وحاولوا تجنب غضبه من خلال منحه مئات المليارات من الدولارات على شكل صفقات اسلحة واستثمارات، وذلك عندما اعلن امس الاربعاء اعترافه بالقدس المحتلة عاصمة ل”اسرائيل” مؤكدا انه سيوجه تعليماته لوزارة الخارجية الاميركية بنقل السفارة الاميركية من تل ابيب الى القدس.
قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لـ”اسرائيل” اثار موجة من الرفض والاستنكار والشجب حتى من حلفاء امريكا في الغرب ومن يدور بفلكها من الحكومات العربية والاسلامية، فلم يجد ترامب من يؤيد قراره الا رئيس وزراء “اسرائيل” بنيامين نتنياهو!
ان قرار ترامب بشان القدس لا يغير من الواقع شيئا، فمصير القدس ليس بيد ترامب ولا غيره، وان ترامب يرتكب خطا فادحا اذا ما اعتقد ان دول العالم ستحذوا حذو امريكا، كما بدا واضحا من مواقف دول العالم قاطبة، واذا ما كانت هناك من فائدة لهذا القرار الاهوج، فهي انها ستجعل المهرولين من العرب وراء مخططات ترامب الفتنوية في المنطقة، يخففوا من هرولتهم حياء.
جمال كامل