خاص شفقنا-وانا اتابع كغيري، الاخبار والافلام والصور الخاصة بالزلزال الذي ضرب غرب ايران مؤخرا، استوقفتني “الهبّة” الشعبية الايرانية التلقائية، لتقديم المساعدات الضرورية للمنكوبين بالزالزل، وكأن الزلزال ضرب بيوت كل الايرانيين.
رغم كل الالم والدمار الذي خلفه الزلزال القوي، الا ان الايرانيين رسموا بتضامنهم وتلاحمهم وتكاتفهم، صورة انسانية وطنية في غاية الجمال، وهي الصورة التي اراد الحاقدون على الايرانيين طمسها عبر حملات اعلامية وحرب نفسية، من خلال العزف على وتر القومية والطائفية.
اذا اردنا ان نستعير اللغة العنصرية والطائفية البغيضة للحاقدين على ايران، ولو من باب توضيح الفكرة ليس الا، فنقول: ان الزلزال وقع في منطقة تقطنها غالبية من القومية الكردية ومن الطائفية الشيعية، وليس هناك وجود كثيف للايرانيين الفرس او الاتراك او العرب او..، وكذلك للمسلمين السنة او المسيحيين او..، لذلك كان وفقا للمنطق العنصري والطائفي الا يستشعر باقي الايرانيين من القوميات او الطوائف الاخرى، بأي تعاطف مع ضحايا الزلزال، او ان يكون هذا التعاطف في حدوده الدنيا على اكثر تقدير.
ما حصل فور وقوع الزلزال فاجأ اصحاب المنطق العنصري والطائفي البغيض، وأخرس ألسنتهم، فكان اول ما فعله الايرانيون بمختلف قومياتهم ومذاهبهم، ان هرعوا الى مراكز التبرع بالدم في طوابير طويلة، فاختلط الدم الشيعي والسني والمسلم والمسيحي والزرادشتي والفارسي والتركي والكردي والعربي والبلوجي و..، واثبتوا بذلك وبالدليل القاطع ان الشعب الايراني في واد والحاقدين عليه في واد آخر، فكل الذي قيل عن الايرانيين عبر المنابر والابواق الحاقدة ليس الا اماني ستبقى حبيسة عقول الحاقدين ولن تجد لها الى ارض الواقع سبيلا.
كاميرات الهواتف المحملولة للمواطنين الايرانيين، وليست كاميرات مؤسسة الاذاعة والتلفزيون الايرانية، هي التي وثقت اللوحات الانسانية والوطنية الرائعة والتي تتجاوز المثال، التي رسمها الايرانيون الفقراء قبل الاغنياء، ووهم يتسابقون لتقديم العون والمساعدة الى اخوتهم بالوطن.
لم ينتظر الناس دعوات او طلبات من الحكومة او المسؤولين من اجل مد يد المساعدة لاخوانهم المتضررين بالزالزال، فايران من اقصاها الى اقصاها لم تنم ليلة الزلزال، لم يتسمر الناس امام اجهزة التلفزيون ، بل خرجوا الى الشوارع متلمسين كل مركز او وسيلة يمكن ان تُوصل ما يمكن ايصاله من مساعدات ليخففوا بها عن بعض ما نزل باخوانهم في الوطن من كارثة.
المسلم السني كان اسرع من المسلم الشيعي، والايراني التركي والفارسي والعربي كان اسرع من الايراني الكردي في التبرع بالدم وتقديم ما يمكن تقديمه، فوصلت مساعدات المحافظات البعيدة قبل القريبة الى محافظة كرمانشاه، واشتعل الفضاء الافتراضي بالرسائل والصور والافلام التي تدعو الى الاسراع في تقديم العون والمساعدة للمنكوبين بالزلزال، فتلاشت في هذه اللوحة الجميل كل المذاهب والقوميات في جغرافيا واحدة هي جغرافيا ايران.
من المؤكد ان هناك من يرصد بحنق هذه اللوحة الايرانية الجميلة، رغم انها رُسمت من قلب الالم، فالحاقدون على ايران لا يحبذون النظر الى هذه اللوحة، لانها تذكرهم بفشل مخططاتهم التي اقاموها على كذبة كبرى اسمها “الصراع” العرقي والطائفي في ايران.
ان كذبة الصراع الطائفي والعرقي بين ابناء شعوب المنطقة، انطلت وللاسف الشديد على بعض السذج عبر استغلال الحاقدين لضعاف النفوس، فعاثت ايدي امريكا والصهيونية والرجعية العربية، واستقرار تلك الشعوب لمصلحة “اسرائيل”، الا ان هذه الذكبة ورغم الامبراطوريات الاعلامية الضخمة التي كانت تروج لها، لم تجد لها من منفذ في جدار الوطنية الايراني، وما الوجه الاخر من الزلزال الذي ضرب ايران مؤخرا، الا بعض جوانب هذا الجدار العالي.
منيب السائح