خاص شفقنا-اكثر ما يؤلم في الازمة الناشبة بين قطر من جانب وبين السعودية والامارات والبحرين، هو تداعيات هذه الازمة السياسية بامتياز، على عوائل هذه الدول التي تصاهر اعضاؤها عبر عشرات السنين كأن يكون الأب سعودياً والأم بحرينية، أو الأب قطري والأم كويتية.
الدول المقاطعة لقطر فرضت قرارات في ظل الازمة من شأنها تفتيت الأسرة الواحدة التي يكون فيها الآباء من جنسيات خليجية مختلفة، الامر الذي يتجاوز قطع العلاقات الدبلوماسية إلى تشتيت العلاقات العائلية والترابط الاسري لمواطني هذه الدول دون استثناء.
الازمة الناشبة بين الدول الخليجية لم يراع فيها الجانب الانساني الخاص بالتركيبة الانسانية للعائلة الخليجية، لقد تم التضحية بالاف العوائل التي يحمل الوالدان فيها جنسيتين مختلفتين، من اجل تحقيق اهداف سياسية، دون الاخذ بنظر الاعتبار لتداعيات هذا التوجه.
عادة ما تحاول الدول التي تنشب بينها ازمات سياسية، اكثر حدة من الازمة الناشبة بين الدول الخليجية، تجنيب رعاياها من تداعيات هذه الازمة، ومحاولة ابعاد تاثيراتها السلبية عن مواطنيها قدر الامكان، بينما ما شاهدناه في الازمة الخليجية هو امر مخجل بكل ما تحمل العبارة من معنى، فقد تم نقل الخلاف السياسي، وبارادة سياسية وفي ظل حرب اعلامية شرسة وبشكل تعسفي، الى مواطني هذه الدول الذين لا ناقة لهم ولاجملا في كل ما يجري.
الملفت، ونحن هنا لسنا بصدد الوقوف الى اي جانب من جانبي الازمة، ان الدول المقاطعة لقطر لم تكتف بإغلاق الأجواء أمام حركة الطيران وإقفال الموانئ والمياه الإقليمية أمام الملاحة من وإلى قطر، وإغلاق الحدود البرية السعودية مع قطر. بالاضافة إلى منع موطني السعودية، والبحرين، والامارات من السفر إلى قطر أو البقاء فيها أو المرور عبرها، ومنع مواطني قطر من دخول أراضي هذه البلدان أو المرور عبرها، بل تم اقرار قانون غريب جدا من قبل بعض الدول المقاطعة وهو معاقبة كل مواطن يتعاطف مع قطر أو ينتقد الإجراءات التي اتخذتها سلطات الدول المقاطعة، ووصلت هذه العقوبات الى السجن خمس سنوات.
نعيد ونكرر اننا لسنا من الداعمين لقطر، فسجل قطر ليس بريئا كما تدعي هي في مجال دعم الارهاب كما هو حال من يتهمها ، ولكن كيف يمكن ان يساهم مثل هذا القرار، وهو تجريم كل من يتعاطف مع قطر، في دفع قطر للرضوخ لمطالب الدول المقاطعة؟ الا يساهم هذا القرار في تعقيد الازمة اكثر مما هي معقدة؟ الا يساهم هذا القرار في تشتيت العائلة الخليجية بشكل اكثر قسوة؟
اذا كانت المقاطعة هدفها الضغط على قطر من اجل “تحسين سلوكها” ترى ما دخل الاندية الرياضية في الازمة؟ وماذا يمكن ان يساهم الضغط من اجل حرمان قطر من استضافة كاس العالم لكرة القدم في تحقيق اهداف المقاطعة؟
المعروف ان ما يقرب من 80 في المائة من الاحتياجات الغذائية القطرية تاتي من الدول الخليجية المقاطعة، وينتج 1% فقط محليا وحتى الواردات من خارج الدول الخليجية تاتي عادة عبر الحدود البرية مع السعودية المغلقة الآن، الامر الذي خلق حالة من القلق والهلع في بدايات الازمة، كان ضحيته المواطنون العاديون وليس امراء قطر ورجالات نظامها واعيانها.
من المؤسف جدا ان تصل العلاقات بين الدول العربية الى الحد الذي يضحي فيه رجالات هذه الدول بالعلاقات التاريخية والانسانية والقومية والدينية والعائلية بين الشعوب العربية، من اجل تحقيق اهداف سياسية مرحلية لا ترتقي باهميتها الى مستوى اهمية العلاقات بين هذه الشعوب، لاسيما بعد ان تترك “المراهقة السياسية” جروحا في الجسد العربي قد لا تندمل على مدى عشرات السنين، وتنعكس سلبا على حاضر ومستقبل العلاقات بين الشعوب العربية وخاصة الخليجية.
جمال كامل